الرئيسية / من / طرائف الحكم / زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لفضيل: «تجلسون وتحدِّثون؟»، قال: نعم، جُعِلتُ فداك! قال: «إنّ تلك المجالسَ أُحبُّها؛ فأحيوا أمرَنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا! يا فضيل، من ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عنده، فخرج من عينه مثلُ جناح الذباب، غفر الله له ذنوبَه، ولو كانت أكثر من زبد البحر»[1].

دروسٌ ومواعظ، نستقيها من أعظم واقعة حدثت في التاريخ الإسلاميّ، ما زالت تنبض حيَّةً بمفاهيمها وقضاياها الإنسانيّة والدينيّة والأخلاقيّة، وهي تقود أصحابَ القلوب الوالهة والعقول النيّرة ليتّخذوها بوصلةَ سيرهم نحو الحقّ الذي لا تحيد عنه.

[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج71، ص351.

10

1
المقدّمة

هذا الكتاب «زاد المبلّغ في عاشوراء – ج1»، نذرٌ قليل ممّا نستطيع تقديمه بين أيدي المحبّين والموالين، خدمةً وإحياءً لذكرى عاشوراء الأليمة. ولقد قمنا في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، بإعادة جمعٍ للمحاضرات التي صدرت طيلة الأعوام السابقة ضمن سلسلة زاد عاشوراء، وحذف المتكرِّر منها، وتصنيفها وترتيبها ضمن محاور جامعة، ثمّ إضافة بعض العناوين المرتبطة بالأولويّات الثقافيّة لهذا العام، لتكون مادّة متنوّعة وغنيّة بالمواضيع الثقافيّة العامّة والخاصّة بهذه المناسبة الأليمة، نضعها بين أيدي المبلِّغين الكِرام، على أن يكون هذا الإصدار هو الجزء الأوّل، تتبعه أجزاء أخرى إن شاء الله.

نسأل الله -تعالى- التوفيق لنا ولكم في إحياء هذه المناسبة الأليمة، وإيصال معانيها ودررها وشعاع نورها المتوقّد، الذي كان حصنًا منيعًا ضدّ الاعتداءات المتتالية والمتنوّعة على الإسلام والمسلمين.

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

11

2
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

تعرّف أهمّ سمات شخصيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، وموقعه في الإسلام.

محاور الموعظة

الإمام (عليه السلام) في سطور
اهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالإمام (عليه السلام)
سمات شخصيّة للإمام (عليه السلام)

تصدير الموعظة

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النّار»[1].

[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج12، ص117.

14

3
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

الإمام (عليه السلام) في سطور

هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب العبا وسيّد الشهداء، وأمّه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). أكّد أغلب المؤرّخين أنّه ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة.

وضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وليدها العظيم، وزفّت البشرى إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأسرع إلى دار عليّ والزهراء (عليهم السلام)، فقال لأسماء بنت عميس: «يا أسماء، هاتي ابني»، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وضمّه إليه، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأمّي، ممّ بكاؤك؟ قال: «من ابني هذا». قالت: إنّه ولد الساعة، قال: «يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي…»[1].

ثمّ إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال للإمام عليّ (عليه السلام): «أيّ شيء سمّيت ابني؟ فأجابه عليّ (عليه السلام): ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله». وهنا نزل الوحي على حبيب الله محمّد (صلى الله عليه وآله) حاملًا اسم الوليد من الله -تعالى-، وبعد أن تلقّى الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى عليّ (عليه السلام) قائلًا: «سمِّه حسينًا»[2].

[1] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص153.

[2]  فارس حسون كريم، الروض النضير في معنى حديث الغدير، ص250.

15

4
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

اهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالإمام (عليه السلام)

لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشأن الحسين وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والأمّة. ويمكن الوقوف عند نماذج عدّة، منها:

إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان جالسًا فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام)، فلمّا رآهما النبيّ قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه، وقال: «نعم المطيُّ‏ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما»[1].

رُوي عن ابن مسعود، أنّه قال: كان النبيّ يصلّي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذًا رفيقًا، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر، ثمّ قال: «من أحبّني فَلْيُحبّ هذين»[2].

«حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا، حسين سبط من الأسباط»[3].

«الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمّهما أفضل نساء أهل الأرض»[4].

[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص284.

[2]  المصدر نفسه، ج43، ص273.

[3] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص127.

[4]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج26، ص267.

16

5
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

سمات شخصيّة للإمام (عليه السلام)

1. عبادته وتقواه

الإمام الحسين (عليه السلام) وهو أحد أعمدة البيت النبويّ الطاهر كان يقوم بين يدي الجبّار مقام العارف المتيقّن والعالم العابد، فإذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: «حقّ لمن وقف بين يدي الجبّار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله»[1].

وحرص على أداء الصلاة في أحرج المواقف، حتّى وقف يؤدّي صلاة الظهر في قمّة الملحمة في اليوم العاشر من المحرّم وجيوش الضلالة تحيط به من كلّ جانب وترميه من كلّ صوب.

وكان (عليه السلام) يخرج متذلّلًا لله ساعيًا إلى بيته الحرام يؤدّي مناسك الحجّ بخشوع وتواضع، حتّى حجّ خمسًا وعشرين حجّة ماشيًا على قدميه. وإنّ نظرة واحدة إلى دعائه في يوم عرفة تبرهن على عمق هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله -تعالى-، من مقاطع هذا الدعاء العظيم:

قال: «كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهِر لك؟! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيبًا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبًا…

[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج77، ص341.

17

6
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

إلهي هذا ذُلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك. منك أطلب الوصول إليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبوديّة بين يديك…»[1].

وقد اشتهرت بين محدّثي الشيعة ومختلف طبقاتهم مواقفه الخاشعة في عرفات أيّام موسم الحجّ، ومناجاته الطويلة لربّه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل والناس حوله.

2. تواضعه

فقد نُقلت عنه مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع مُظهِرًا سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك:

إنّه قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسرًا (خبزًا يابسًا) على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال: «لولا أنّه صدقة لأكلت معكم». ثمّ قال: «قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم»[2].

3. حلمه وعفوه

تأدّب الحسين السبط بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يوم عفا عمّن حاربه ووقف ضدّ الرسالة الإسلاميّة، فقد روي عنه أنّه قال: «لو شتمني رجل في هذه الأذن وأومأ إلى اليمنى واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ

[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص147.

[2]  المصدر نفسه، ص189.

18

7
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

بن أبي طالب حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محقّ أو مبطل»[1].

4. جوده وكرمه

عن أنس أنّه قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: «أنت حرّة لوجه الله -تعالى-». وانبهر أنس، وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقال: «كذا أدّبنا الله، قال -تبارك وتعالى-: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدُّوهَا﴾[2]، وكان أحسن منها عتقها»[3].

ووقف ذات مرّة سائل على باب الإمام الحسين(عليه السلام) وأنشد قائلًا:

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

فأسرع إليه الإمام الحسين وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّى نادى بقنبر، وقال متسائلًا: «ما تبقّى من نفقتنا؟» قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقال: «هاتها فقد أتى مَن هو أحقّ بها منهم»، فأخذها ودفعها إلى السائل معتذرًا منه، وأنشد قائلًا:

خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصًا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكنّ ريب الزمان ذو غِير

والكفّ منّي قليلة النفقة

[1] جعفر البياتيّ، الأخلاق الحسينيّة، ص275.

[2]  سورة النساء، الآية 86.

[3]  الإربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص236.

19

8
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

فأخذها الأعرابيّ شاكرًا وهو يدعو له بالخير، وأنشد مادحًا:

وأنتم أنتم الأعلون عندكم

علم الكتاب وما جاءت به السورُ

من لم يكن علويًّا حين تنسبه

فما له في جميع الناس مفتخر[1]

5. شجاعته وإباؤه

فقد كان طودًا شامخًا لا يدنو منه العدوّ هيبةً وخوفًا رغم جراحاته الكثيرة في كربلاء حتّى شهد له عدوّه بذلك، فقد قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثورًا -أي تكاثروا عليه- قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشًا ولا أمضى جنانًا منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتدّ عليها الذئب[2].

وأكثر ما يبرز ذلك حين وقف ذلك الموقف الرساليّ العظيم يهزّ الأمّة ويشجّعها أن لا تموت هوانًا وذلًّا، رافضًا بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية، قائلًا: «إنّ مثلي لا يبايع مثله»[3].

وها هو يصرّح لأخيه محمّد بن الحنفية مجسّدًا ذلك الإباء، بقوله: «يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية»[4].

[1] ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، ص231.

[2] الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج4، ص301.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص147.

[4]  أحمد بن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح، ج5، ص21.

20

9
الموعظة الأولى: الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

وكذا عندما وقف صارخًا بوجه جحافل الشرّ والظلم من جيوش الردّة الاُمويّة، قائلًا: «والله لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون»[1].

لقد كانت كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) تعبّر عن أسمى مواقف أصحاب المبادئ والقيم وحملة الرسالات، كما تنمّ عن عزّته واعتداده بالنفس، فقد قال:

«ألا وإنّ الدعيِّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»[2].

[1] العلّامة البحرانيّ، عوالم الإمام الحسين، ص59.

[2] ابن نما، مثير الأحزان، ص20. العلّامة البحرانيّ، عوالم الإمام الحسين، ص159.

21

10
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

الموعظة الثانية: إحياء محرّم

بيان أهمّيّة أيّام عاشوراء، وكيفيّة إحيائها، والحثّ على ذلك.

محاور الموعظة

أهميّة أيّام عاشوراء عند أهل البيت (عليهم السلام)
كيفيّة إحياء هذه المناسبة
آداب ومستحبّات ومراقبات

تصدير الموضوع

الإمام الصادق (عليه السلام) لفضيل بن يسار: «تجلسون وتحدّثون؟»، قال: نعم، جُعِلتُ فداك، قال: «إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا. يا فضيل، مَن ذَكَرَنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»[1].

[1] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، ص36.

22

11
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

لا شكّ في أنّ لإحياء مراسم شهر محرّم الحرام أسبابه وأهدافه التي يرجع إليها، بحيث يؤدّي الإحياء وظيفته في تكريسها وتعزيزها، كإظهار المودّة والمحبّة لأهل البيت (عليهم السلام)، المنصوص عليها في الكتاب الكريم: ﴿قُل لَّا أَس‍َٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾[1]، وتعظيم شعائر الله، كما قال -تعالى-: ﴿وَمَن يُعَظِّم شَعَٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى ٱلقُلُوبِ﴾[2]، وإيصال صوت العدالة للإنسانيّة جمعاء، ومحاربة الظلم والفساد، وربط قلوب المحبّين والموالين بالنبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)، إلى غير ذلك من غايات تهدف إليها هذا المراسم.

وفيما يلي الإشارة إلى بعض ما ورد في الروايات من أمور حثّ عليها الأئمّة (عليهم السلام) في هذا المجال:

1. حرارة الدم الحسينيّ: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا»[3].

وفي حديث للسيّدة زينب (عليها السلام) مع ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السلام) تُسكّن فيه آلامه وأحزانه بمصيبة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) لمّا رآه على الثرى بلا مواراة، فاشتدّ الأمر عليه، وصار يجود بنفسه، فذكرت له (عليها السلام) أنّه سيُدفن وسيُعلي الله شأن قبره ومدفنه؛ وممّا قالته له: «… لا يُدرَس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدّن أئمّة الكفر وأشياع

[1] سورة الشورى، الآية 23.

[2] سورة الحجّ، الآية 32.

[3]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج10، ص318.

23

12
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهورًا، وأمره إلّا علوًا»[1].

2. عاشوراء أيّام الحزن والبكاء: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام». ثمّ قال (عليه السلام): «كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكًا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه»[2].

آداب ومستحبّات ومراقبات

1. البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام): عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كلّ عين يوم القيامة باكية، وكلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلّا عين مَن اختصّه الله بكرامته، وبكى على ما يُنتهك من الحسين وآل محمّد (عليهم السلام)»[3].

[1]  ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص444 – 445.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص190.

[3]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص625، حديث الأربعمئة.

24

13
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثه للريّان بن شبيب: «يابن شبيب، إن كنت باكيًا لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلًا ما لهم في الأرض شبيه…

يابن شبيب، إن بكيت على الحسين (عليه السلام) حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيرًا كان أو كبيرًا، قليلًا كان أو كثيرًا»[1].

2. إنشاد الشعر: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أنشد في الحسين بيتًا من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين بيتًا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتّى قال: [و]مَن أنشد في الحسين بيتًا فبكى -وأظنّه قال: أو تباكى- فله الجنّة»[2].

3. لبس السواد وترك الزينة: وذلك من باب كونه شعارًا لأهل الحزن والعزاء. فعن عمر بن عليّ بن الحسين، قال: لمّا قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم[3].

وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) مع زرارة: «… وما اختضبتْ

 

[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص192.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص289.

25

[3] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج2، ص420.

14
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

منّا امرأة، ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجلت، حتّى أتانا رأس عبيد الله بن زياد، وما زلنا في عبرة بعده…»[1].

4. الإنفاق وبذل المال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الله -تبارك وتعالى- اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة، ينصروننا و يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا»[2].

وعن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلّاه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، وهو يقول: «اللهمّ! يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبةً في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسرورًا أدخلوه على نبيّك، وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظًا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك؛ فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف…»[3].

5. إقامة العزاء والمشاركة فيه: عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث له: «… ثمّ ليندب الحسين (عليه السلام)، ويبكيه، ويأمر مَن في داره

[1]  ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص167 – 168.

[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص635، حديث الأربعمئة.

[3] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص228.

26

15
الموعظة الثانية: إحياء محرّم

بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضًا بمصاب الحسين (عليه السلام)…»[1].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن تذكر مصابنا وبكى لما ارتُكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَن ذكَّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينُه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلسًا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»[2].

6. التعزية بالإمام الحسين (عليه السلام): وفي الحديث المتقدّم عن الإمام الباقر (عليه السلام) لمّا سئل (عليه السلام): فكيف يعزّي بعضهم بعضًا؟ قال: «يقولون: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)»[3].

7. زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن زار الحسين يوم عاشوراء وجبت له الجنّة»[4].

8. ترك العمل يوم عاشوراء: وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام) المتقدّم: «… فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة، وإن قضيت لم يبارَك له فيها ولم يرَ رشدًا، ولا تدّخرن لمنزلك شيئًا، فإنّه من ادّخر لمنزله شيئًا في ذلك اليوم لم يبارَك له فيما يدّخره ولا يبارَك له في أهله…»[5].

[1] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص326.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص131.

[3] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص326.

[4]  المصدر نفسه، ص324.

[5] المصدر نفسه، ص326 – 327.

27

16
الموعظة الثالثة: فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

الموعظة الثالثة: فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

إظهار البعد الروحيّ والولائيّ لقضيّة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، وتأكيد مشروعيّتها وثوابها.

محاور الموعظة

مشروعيّة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)
ثواب البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)
فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

تصدير الموعظة

الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمن ذَكَرَنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينَيه ماء ولو مثل جناح البعوضة، إلّا بنى الله له بيتًا في الجنّة، وجعل ذلك الدمع حجابًا بينه وبين النّار»[1].

[1]  الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج2، ص202.

28

17
الموعظة الثالثة: فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

مشروعيّة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «يابن شبيب، إن كنت باكيًا لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانيةَ عشرَ رجلًا، ما لهم في الأرض شبيهون. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين.

يابن شبيب، لقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه: أنّه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دمًا وترابًا أحمر»[1].

ثواب البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام»[2].

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة»[3].

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «يابن شبيب، إن بكيتَ على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته صغيرًا كان أو كبيرًا، قليلًا كان أو كثيرًا»[4].

[1] الشيخ هادي النجفيّ، موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، ج2، ص78.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص191.

[3] الشيخ البحرانيّ، عوالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ص534.

[4] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص268.

29

18
الموعظة الثالثة: فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

وعن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام): «كان أبي عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) ومَن معه حتّى تسيل على خدّيه، بوّأه الله في الجنّة غرفًا، وأيّما مؤمن دمعت عيناه دمعًا حتّى يسيل على خدّيه لأذى مسّنا من عدّونا بوأه الله مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عنه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه ومن النّار»[1].

كما ورد أيضًا الحثّ على التباكي، فروي أنّ أبا ذرّ حدّث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «مَن استطاع أحدكم أن يبكي فليبكِ، ومن لم يستطع فليُشعر قلبه الحزن وليتباكَ، فإنّ القلب القاسي بعيد من الله –تعالى-»[2].

فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

1. إظهار المحبّة والولاء: إنّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) يعني أنّنا سِلمٌ لمَن سالمهم، وحربٌ لمَن حاربهم، وعدوٌّ لمَن عاداهم، فالحزن والبكاء عليه هو إعلان الولاء والانتماء والبيعة له ولأهل البيت (عليهم السلام).

2. الإجلال والتعظيم: إنّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) هو تعظيم لقدره، وتجليل لمقامه، وتبيان لعظيم كرامته أمام جميع الناس. وبالتالي، فإنّ بكاءنا هنا هو إعطاء شخصيّة الإمام الحسين (عليه السلام) عظمتها ومكانتها في نفوسنا.

[1] الشيخ الحويزيّ، تفسير نور الثقلين، ج4، ص628.

[2] الفيض الكاشانيّ، الوافي، ج26، ص189.

30

19
الموعظة الثالثة: فلسفة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

3. تعليم مبادىء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام): إذ البكاء يستهدف التفاعل القلبيّ والروحيّ مع المبادئ التي طرحها الإمام الحسين (عليه السلام)، والانصهار بها؛ تلك المبادئ التي خلّدت الإسلام، كالمطالبة بالحقّ المغصوب، والرفض القاطع للظلم، والتفاني والإيثار، والجهاد بكلّ غالٍ ونفيس. لذلك، فإنّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وسيلة لتربية النفس البشريّة.

4. مواساة أهل بيت العصمة (عليهم السلام): إنّ البكاء وإقامة المآتم هما لونٌ من ألوان المواساة لأهل البيت (عليهم السلام). والشعائر الحسينيّة هي بمثابة تعزية للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بذبح سبطه وولده الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وسبي عياله؛ وهذه المواساة نتوسّم منها نيل الأجر وعظيم المثوبة، فإنّ من صفات شيعتهم وأتباعهم (عليهم السلام) أنّهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.

5. إحياء الثورة في النفوس وتزكيتها: للبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) دلالات يعبّر الإمام الراحل (قدس سره) عن جانب منها بقوله: «البكاء على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام) هو إحياء للثورة، وإحياء لفكرة وجوب وقوف الجمع القليل في وجه إمبراطوريّة كبيرة»[1].

31

شاهد أيضاً

ممثل السيد السيستاني في العتبة الحسينية: صمود أهل غزة وتضحياتهم نصر إلهي تجب مواكبته

2025-08-04 الشيخ الكربلائي: علينا أنْ نتساءل بصدق ماذا قدّمنا لأهل غزة  قال الشيخ عبد المهدي ...