زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول
يومين مضت
طرائف الحكم
6 زيارة
11
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
علاقتُه بأصحابه
قال -تعالى-: ﴿حَرِيصٌ عَلَيكُم بِٱلمُؤمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾[1]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقْسِمُ لَحَظَاتِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ؛ فَيَنْظُرُ إِلَى ذَا وَيَنْظُرُ إِلَى ذَا بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ: وَلَمْ يَبْسُطْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) رِجْلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ قَطُّ، وَإِنْ كَانَ لَيُصَافِحُهُ الرَّجُلُ، فَمَا يَتْرُكُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ التَّارِك»[2].
الجود والحِلم
قال -تعالى-: ﴿لَقَد جَاءَكُم رَسُولٞ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِٱلمُؤمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾[3]. وقد رُوِيَ أنّه: ما سُئِل النبيُّ (صلى الله عليه وآله) شيئًا قطّ، فقال: «لا»، وأنّه عَفَا عنْ قُرَيْشٍ التي عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَحَارَبَتْهُ بِكُلِّ مَا لَدَيْها، وَهُوَ فِي ذُرْوَةِ القُدْرَةِ، قَائِلًا لَهُمْ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»[4]، وقال: «اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»[5].
ورُوي: أنّ رَجُلًا كَلَّمَ النبيَّ (صلى الله عليه وآله)، فَأَرْعَدَ، فَقَالَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ؛ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ القَدِيدَ»[6].
[1] سورة التوبة، الآية 128.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص671.
[3] سورة التوبة، الآية 128.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج21، ص119.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص513.
[6] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3226.
213
201
الموعظة الثانية والثلاثون: محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين
شجاعته
قال الله -تعالى-: ﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخشَونَهُۥ وَلَا يَخشَونَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا﴾[1].
زهده
عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا؛ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ»[2]. ويذكر المؤرِّخون أنّه كان (صلى الله عليه وآله) يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغنيّ والفقير.
[1] سورة الأحزاب، الآية 39.
[2] الترمذيّ، سنن الترمذيّ، ج4، ص6.
214
202
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
تعظيم حبّ أهل البيت (عليهم السلام) ومودّتهم في القلب والسلوك.
محاور الموعظة
المودّة في القربى
وجوب المودّة
حقيقة الحبّ
حبّ أهل البيت (عليهم السلام)
بين الحبّ والمودّة
آثار حبّ أهل البيت (عليهم السلام)
حبّ الإمام الحسين (عليه السلام)
تصدير الموعظة
﴿قُل لَّا أَسَٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾[1].
[1] سورة الشورى، الآية 23.
215
203
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
من القيم الجماليّة التي تمثّلَت في مدرسة كربلاء، «قيمة الحبّ». هذه القيمة التي عبّر عنها عابس بن أبي شبيب الشاكريّ، أحد أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)، عندما قال: «حبُّ الحسينِ أجنَّني». حديثنا في هذه الليلة، عن قيمة الحبّ، وذلك عبر عناوين عدّة.
المودّة في القربى
المراد بالمودّة في القربى، مودّة قرابة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهم عترته من أهل بيته (صلى الله عليه وآله). وقد وردَت روايات من طرق أهل السنّة، وتكاثرَت الأخبار من طرق الشيعة، على تفسير الآية بمودّتهم وموالاتهم (عليهم السلام)، ويؤيّده الأخبار المتواترة من طرق الفريقَين، على وجوب موالاة أهل البيت (عليهم السلام) ومحبّتهم[1].
روى السيوطيّ وغيره -في تفسير هذه الآية- بالإسناد إلى ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿قُل لَّا أَسَٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِمَوَدَّتِهِمْ؟ قَالَ: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوُلْدُهُمَا»[2].
وعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «فِينَا فِي آلِ حم، آيَةٌ لَا يَحْفَظُ مَوَدَّتَنَا إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ» ثمّ قرأ: ﴿قُل لَّا أَسَٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾[3].
[1] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص46.
[2] السيوطيّ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، ج6، ص7.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج23، ص230.
216
204
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
وإلى هذا أشار الكُمَيْت الأسديّ بقوله:
وَجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حم آيةً
تَأوَّلَهَا منَّا تَقِيٌّ ومُعْرِب[1]
وجوب المودّة
استدلّ الفخر الرازيّ على ذلك بثلاثة أوجه، فبعد أن روى الحديث عن الزمخشريّ، قال: «فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ (صلى الله عليه وآله)؛ وإذا ثبت هذا، وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيدٍ من التعظيم، ويدلّ عليه أوجه:
الأوّل: قوله -تعالى-: ﴿إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾.
الثاني: لا شكّ في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يحبّ فاطمة (عليها السلام)؛ إذ قال (صلى الله عليه وآله): «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُؤذِينِي مَا يُؤْذِيهَا»[2]. وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يحبّ عليًّا والحسن والحسين؛ وإذا ثبت ذلك، وجب على الأمّة كلّها مثله؛ لقوله -تعالى-: ﴿وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ﴾[3]، ولقوله -تعالى-: ﴿فَليَحذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ﴾[4].
الثالث: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم؛ ولذلك جُعِل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة، وهو قوله: «اللَّهُمَّ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج23، ص231.
[2] المصدر نفسه، ص234.
[3] سورة الأعراف، الآية 158.
[4] سورة النور، الآية 63.
217
205
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
مُحَمَّد»، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل؛ فذلك كلّه يدلّ على أنّ حبّ محمّد وآل محمّد واجب[1].
وأشار الشافعيّ إلى نزول آية المودّة في أهل البيت (عليهم السلام)، بقوله:
يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حبُّكُمُ فرضٌ مِنَ اللهِ في القرآنِ أنزلَهُ[2]
حقيقة الحبّ
الحبّ هو الانجذاب نحو الكمال، فمن يحبّ شخصًا مثلًا، فإنّه يرى فيه كمالًا من جمال أو قوّة أو علم.
والإنسان خُلِق مفطورًا على حبّ الكمال والسعي لاكتسابه، وإنّ هذا الحبّ يمثّل درجةً شديدةً في وجوده، فهو أمرٌ وجوديّ ذاتيّ شديد، فلا يحتاج إلى تعليل.
وفي ضوء ذلك، يتبيّن لنا أنّ الموارد والمواطن الكماليّة جميعها تقع هدفًا أمام سير الإنسان التكامليّ، يتزوّد بحسب مراتبها للوصول إلى الغاية العُليا، وهي الكمال المطلق، إذا أضفنا إلى ذلك أنّ الإنسان بذاته هو مظهر من مظاهر أسماء الله الحُسنى، حيث تجلّت فيه القدرة الإلهيّة والعلم والحياة والإبداع وغير ذلك.
ولاشكّ في أنّ الإنسان كلّما حاز كمالاتٍ أكثر، ومراتبَ أعلى وأشدّ وأكبر، فإنّ مظهريّة الأسماء الحسنى فيه تشتدّ، والعكس بالعكس.
[1] الفخر الرازيّ، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (تفسير الرازيّ)، ج27، ص166.
[2] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص148.
218
206
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
ولاشكّ في أنّ كلّ إنسان حائز كمالات يكون محلّ جذبِ واستقطاب الآخرين له، هذا فضلًا عمّن حاز كمالات أكثر وأشدّ وأكبر، فكيف بمن خلَتْ ساحتُه من أيّ قصور أو نقص سوى الفقر إلى الله -تعالى-؟ فلا ريب أنّه سوف يكون قطب الرحى، والنقطة الفريدة في مركز دائرة عالم الإمكان!
حبّ أهل البيت (عليهم السلام)
إذا تبيّن لنا، كما ثبت في الذكر الحكيم والسيرة الشريفة، أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم المصداق الأوّل والأشدّ لِمَا تقدّم كلّه، وأنّهم حازوا الكمالات الوجوديّة السامية كلّها، وأنّهم الأقرب إلى الكمال المطلق، والفاقدون لكلّ مفقودٍ سوى الفقر للغنيّ المطلق، عُلِمَ أنّ متابعة أهل البيت (عليهم السلام) ومحبّتهم قضيّة فُطِرَ الناس عليها؛ فالمتمسّك بهم، والداعي لهم يكون عاملًا في ضوء فطرته الأولى.
وهكذا، يتّضح لنا سبب حبّ أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّه أمرٌ وجوديّ فينا، تِبْعًا لحبّ الكمال المتّصل بهم؛ وعندئذٍ، ينقطع السؤال عن سبب هذه المحبّة، كانقطاعه عن أصل طلب الكمال وحبّه.
وسيتّضح لنا اشتراط الإقرار بالنبوّة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والإمامة لعليّ وأهل بيته (عليهم السلام) على سائر الأنبياء السابقين، والالتزام بولايتهم، كما جاء في الأخبار المستفيضة[1].
[1] قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يوم أُسرِيَ به: «أتاني ملك، فقال لي: يا محمّد، سَلْ مَن أرسَلْنا من قبلك مِن رُسُلنا، علامَ بُعِثُوا؟ قلتُ: علامَ بُعِثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب». انظر: الحاكم النيسابوريّ، معرفة علوم الحديث، ص96.وغيره الكثير.
219
207
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
ففي الحديث النبويّ المعتبَر: «يَا عَلِيُّ، أَنْتَ قَسِيمُ النَّارِ، تَقُولُ هَذَا لِي وَهَذَا لَك»[1]، وفي رواية أخرى: «أَنْتَ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ، تَقُولُ لِلنَّارِ: هَذَا لِي وَهَذَا لَك»[2].
فهو الكمال المأمول؛ من بَلَغَهُ كان نصيبه الجنّة، فطوبى لِمَن تمسّك بركبه وسار على نهجه! وذلك هو الفوز العظيم.
بين الحبّ والمودّة
الفرق بين المحبّة والمودّة هو كالفرق بين المؤثِّر وأثره؛ فالمحبّة صفة نفسيّة، والمودّة صفة عمليّة؛ فالحبّ هو المؤثّر، والمودّةهي الأثر؛ فالمحبّة تستتبع من ورائها المودّة، التي هي علامة عليه. إذًا، الحبّ صفة نفسيّة وعاطفة قلبيّة، وأمّا المودّة فهي أثر سلوكيّ وعمليّ متفرِّع على الحبّ.
عبَّر القرآنُ عن علاقة المسلم بأهل البيت بالمودّة، ولم يعبّر بالمحبّة، قال الله -تعالى-: ﴿قُل لَّا أَسَٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾[3]، فليس المطلوب من المسلم تُجاه أهل البيت مجرّد حرارة عاطفيّة وإقبال قلبيّ، بل المطلوب منه سلوك عمليّ، أي المودّة، وليس مجرّد المحبّة.
فالمودّة تكون بإحياء أمرهم، ونشر علومهم وحديثهم، وذكر فضائلهم، وإقامة عزائهم، وزيارة مراقدهم الشريفة…
[1] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص389.
[2] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص126.
[3] سورة الشورى، الآية 23.
220
208
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
فالله -جلّ وعلا- فرض حبّهم بنحوَين:
الأوّل: لأنّ في آل البيت (عليهم السلام) مجموعة من الفضائل والقيم، فيكون حبّهم حبًّا للفضائل والقيم. فأمرُ القرآن بحبّهم أمرٌ بالاستقامة على الفطرة، والمشي على الفطرة من حبّ الفضائل والقيم.
الثاني: إنّ حبّهم طريق لمرجعيّتهم التشريعيّة؛ فالله -سبحانه- يريد من المسلمين أن يرجعوا إلى أهل البيت في تفسير القرآن، وفي الفقه، وفي الحكم، هذه المرجعيّة التي أكّدها النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين: «وَإِنِّي أَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلّ- وعِتْرَتِي؛ كِتَاب اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْل بَيْتِي. وَإِنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظرُونِي بِمَ تُخْلِفُونِي فِيهِمَا»[1].
آثار حبّ أهل البيت (عليهم السلام)
1. الطاعة والورع
عن الإمام الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام): «مَنْ أَحَبَّنَا، فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا، وَلْيَسْتَعِنْ بِالْوَرَعِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»[2].
وعنه (عليه السلام): «إِنَّمَا شِيعَةُ جَعْفَرٍ مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، وَاشْتَدَّ جِهَادُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ، وَرَجَا ثَوَابَهُ، وَخَافَ عِقَابَهُ»[3].
[1] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، ج3، ص17. والحديث متواتر.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص614.
[3] المصدر نفسه، ص296.
221
209
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
2. استكمال الدين
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حُبُّ أَهْلِ بَيْتِي وَذُرِّيَّتِي اسْتِكْمَالُ الدِّينِ»[1].
3. التمسّك بالعروة الوثقى
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطِبًا أمير المؤمنين عليًّا (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، مَنْ أَحَبَّكُمْ وَتَمَسَّكَ بِكُمْ، فَقَدْ تَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»[2].
4. الشفاعة يوم القيامة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الْزَمُوا مَوَدَّتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِنَا»[3].
5. منزلة الشهداء
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيدًا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَغْفُورًا لَهُ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ تَائِبًا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَان»[4].
حبّ الإمام الحسين (عليه السلام)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديثٍ صحيحٍ مستفيضٍ عند المسلمين كلّهم: «حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ»[5].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص259.
[2] الخزاز القمّيّ، كفاية الأثر، ص71.
[3] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج1، ص61.
[4] الثعلبيّ، الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبيّ)، ج8، ص314.
[5] الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج4، ص172. ومصادر كثيرة.
222
210
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ، قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَحُبَّ زِيَارَتِهِ؛ وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ السُّوءَ، قَذَفَ فِي قَلْبِهِ بُغْضَ الْحُسَيْنِ وَبُغْضَ زِيَارَتِهِ»[1].
[1] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص269.
223
211
الموعظة الرابعة والثلاثون: علاقة المنتظرين بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
الموعظة الرابعة والثلاثون: علاقة المنتظرين بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
تعزيز علاقة المنتظِرين بإمامهم الغائب (عجل الله تعالى فرجه).
محاور الموعظة
أهمّيّة معرفة الحجّة (عجل الله تعالى فرجه)
آداب العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
توسُّل الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بِصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)
روح العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
تصدير الموعظة
دعاء الندبة: «هل إليك يابن أحمد سبيل فتُلقى»[1].
[1] المشهديّ، المزار، ص582.
224
212
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
أهمّيّة معرفة الحجّة (عجل الله تعالى فرجه)
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله لِزرارة: «للقائم غَيبة قبل أن يقوم… وهو المنتظر، غيرَ أن اللّه يمتحن قلوب الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطِلون».
قال زرارة: جُعلت فداك، إن أدركتُ ذلك الزمان، أيّ شيء أعمل؟
قال (عليه السلام): «يا زرارة، متى أدركتَ ذلك الزمان، فلْتَدعُ بهذا الدعاء: (اللهمّ عرِّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللتُ عن ديني»[1].
وفي الحديث المشهور: «مَن لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة»[2].
آداب العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
1. مواساته في غَيبته تألُّمًا وبكاءً، والتشوّق لرؤيته
وردَ في دعاء النُدبة: «هل مِن مُعين فأطيل معه العويل والبكاء؟ هل مِن جَزوع فأساعد جزعه إذا خلا؟ هل قذيَتْ عَيْنٌ فساعدَتْها عَيني على القذى؟»[3].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص337.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص409.
[3] المشهديّ، المزار، ص582.
225
213
الموعظة الرابعة والثلاثون: علاقة المنتظرين بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «سيّدي، غَيبتك نفَتْ رُقادي، وضيّقَت عليّ مِهادي، وابتزَّت منّي راحة فؤادي. سيّدي، غَيبتك أوصلَتْ مصابي بفجائع الأبد…»[1].
2. الصلاة عليه (عليه السلام)
جاء في دعاء الافتتاح: «اللهمّ وصَلِّ على وليّ أمرك القائم المؤمّل، والعدل المنتظر »[2].
3. التشوّق للتشرُّف بخدمته
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو أدركتُه لخَدمتُه مُدّة حياتي»[3].
4. التوسُّل به في المهمّات
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا نزلَت بكم شديدة، فاستعينوا بِنا على الله -عزّ وجلّ-»[4].
وعن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وَرَد: «اللهمّ إنّي أسألكَ بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان، إلّا أعَنتَني به على جميع أُموري»[5]
[1] الشيخ الطوسيّ، الغيبة، ص168.
[2] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص580.
[3] النعمانيّ، الغيبة، ص252.
[4] الشيخ المفيد، الاختصاص، ص252.
[5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج8، ص134.
226
214
الموعظة الثالثة والثلاثون: آية المودّة
توسُّل الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بِصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)
أثناء حرب (عناقيد الغضب) التي شنّها الصهاينة على المقاومة الإسلاميّة، وبعد تفاقُم الأمور واشتدادها، وشعور الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بالخطر، قام -حفظه المولى- بالانتقال مِن مقرّ إقامته في طهران إلى مسجد جمكران -بالقرب مِن مدينة قمّ المشرّفة- ليُصلّي فيه، ويتوسّل إلى الله بالإمام الحجّة لِينصر المقاومة الإسلاميّة في لبنان.
روح العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
إنّ ما ورَدَ في آداب العلاقة مع الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) يدعو إلى تأسيس علاقة مع شخصه المبارك، لا مع فكرة أو مشروع، بل مع إنسان معصوم وُلد مِن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام). وهو -في غَيبته- حياة يعيشها المؤمن بتفاصيلها، فيقول في زيارته (زيارة آل ياسين): «السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ، السلام عليك حين تُبيّن…»[1].
ويقول له كما وَرَد في دعاء الندبة: «بنفسي أنت مِن مُغيّب لم يخلُ منّا، بنفسي أنت مِن نازحٍ ما نزح عنّا»[2].
[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص580.
[2] المشهديّ، المزار، ص582.
227
215
الموعظة الرابعة والثلاثون: علاقة المنتظرين بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
توسُّل الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بِصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)
أثناء حرب (عناقيد الغضب) التي شنّها الصهاينة على المقاومة الإسلاميّة، وبعد تفاقُم الأمور واشتدادها، وشعور الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بالخطر، قام -حفظه المولى- بالانتقال مِن مقرّ إقامته في طهران إلى مسجد جمكران -بالقرب مِن مدينة قمّ المشرّفة- ليُصلّي فيه، ويتوسّل إلى الله بالإمام الحجّة لِينصر المقاومة الإسلاميّة في لبنان.
روح العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)
إنّ ما ورَدَ في آداب العلاقة مع الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) يدعو إلى تأسيس علاقة مع شخصه المبارك، لا مع فكرة أو مشروع، بل مع إنسان معصوم وُلد مِن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام). وهو -في غَيبته- حياة يعيشها المؤمن بتفاصيلها، فيقول في زيارته (زيارة آل ياسين): «السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ، السلام عليك حين تُبيّن…»[1].
ويقول له كما وَرَد في دعاء الندبة: «بنفسي أنت مِن مُغيّب لم يخلُ منّا، بنفسي أنت مِن نازحٍ ما نزح عنّا»[2].
[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص580.
[2] المشهديّ، المزار، ص582.
227
216
الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
تعرّف أهمّ الخطوط العامّة التي رسمها أهل البيت (عليهم السلام) في معرفة علامات الظهور وتحديدها وتطبيقها.
محاور الموعظة
علامات الظهور
الآثار السلبيّة للتطبيق والفهم الخاطئ لعلامات الظهور
توصيات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بشأن علامات الظهور
قصّة وعِبرة
تصدير الموعظة
﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيرٞ لَّكُم إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٖ﴾[1].
[1] سورة هود، الآية 86.
228
217
الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
علامات الظهور
إنّ علامات ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) تُشكّل في منظومتها الفكريّة -بصنفَيْها المحتوم وغير المحتوم- فِكرًا عقائديًّا عمِل الأئمّة المعصومون على ترسيخه في أذهان الناس، وهذا لا يختلف كثيرًا عن باقي العقائد الإسلاميّة، بل لا يختلف عن عقيدة الشيعة بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
غير أنّ فكرة علامات الظهور تخطّتْ كونها مسألة عقائديّة يُؤمن بها المسلم، فقد كان لها تأثيرها العمليّ في سلوكه الفرديّ الشخصيّ والاجتماعيّ. فبدلًا مِن أن يكون مؤمنًا بالمهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، صار لزامًا عليه أن ينتظر ظهوره ويُمهّد الأرضيّة المناسبة لذلك الظهور؛ لذا حدّد أهل البيت (عليهم السلام) الخطوط العامّة التي ينبغي على المسلم أن يتعامل بها مع أحداث ما قبل الظهور، وكيف يمكن له أن يتصرّف حِيال تلك العلامات الحتميّة وغير الحتميّة التي تحصل في زمانه.
الآثار السلبيّة للتطبيق والفهم الخاطئ لعلامات الظهور
1. توجيه الكذب للمعصوم
إنّ تطبيق علامات الظهور، وسرعة الاعتماد عليها، قد يؤدّي إلى توجيه تُهمة الكذب إلى المعصومين (عليهم السلام)؛ لأنّ المعصوم قد حدّد العلامات، وبيّن أسبابها وظروفها، وأماكن حدوثها، فلو حدث في مكان ما علامات خالفَت قول المعصوم، أو تقدّمت علامة على أخرى، فإنّ ذلك يكون مُخالفًا لكلام المعصوم (عليه السلام)؛ فإمّا أن تكون المشكلة في تحقّق العلامة، وإمّا أن تكون المشكلة في نصّ كلام المعصوم.
229
218
الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
2. إبطال فكرة الانتظار
لقد أُمرنا بانتظار الفرج المحتوم، ولكن لو اعتمدنا على علامات غير دقيقة، أو خُيِّل إلينا -ولو عن الطريق التحليل- أنّها هي العلامة المقصودة في الرواية، ثمّ تبيّن خلاف ما حلّلناه، فإنّ ذلك سوف ينعكس سلبًا على انتظارنا للإمام (عليه السلام). إذ إنّ الإنسان يصبح غير مكترث بما سوف يحصل، ولن يعدّ نفسه للظهور، بل قد يصل به الأمر إلى مرحلة أنّ العلامة تكون فعلًا قد تحقّقت، إلّا أنّه -لكثرة الخطأ الحاصل في فهم وتحليل علامات الظهور- ترَكَ الاستعداد، فلا يُؤمن بتلك العلامة، وإن كانت صحيحة.
3. تشويش أفكار الناس
إنّ الإسراع في عمليّة تطبيق علامات الظهور يؤدّي إلى آثار سلبيّة على نفوس الناس، فإنّه ينعكس سلبًا على ضِعاف الإيمان بالخصوص، وقد تصل المسألة إلى مرحلة الشكّ، وعند البعض الآخر إلى مرحلة اليأس.
4. فتح الباب أمام الكثير من العابثين بالعقيدة المهدويّة
عن طريق تشويه صورتها، والقول إنّ هذه الفكرة غير صحيحة، إذ يكثر فيها الكذب والافتراء؛ لأنّ ما يُقال بأنّه من علامات المهديّ لم يتحقّق، وأنّ تلك الأخرى لم تتحقّق. فينعكس ذلك على أصل العقيدة، ويتمسّك به المنكرون للإمامة ولقضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؛ وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا المعاصرة، فإنّ كثيرًا مِن الأشخاص
230
219
الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
المنكرين لقضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يتمسّكون بهذه الأمور، ويقولون إنّ ما تدّعونه من علامات لم يحصل، وما مِن علامات طُبّقت إلّا وبانَ فسادها بعد مُدّة، وهذا دليل على بطلان أصل العقيدة المهدويّة.
5. إحداث خلل في المسار العامّ لحركة الظهور
إذ إنّ تطبيق كثير من العلامات، أو التسرّع في تلقّفها، سببه عدم الفهم والوضوح لتسلسل علامات الظهور. فقد يؤدّي ذلك إلى تقديم علامات، وتأخير أخرى، ما يُحدث خللًا في المنظومة العامّة لِسَير علامات الظهور.
توصيات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بشأن علامات الظهور
1. انتظار الفرج
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا مِن رَوح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله -عزَّ وجلّ- انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن…»[1].
2. عدم التوقيت
نهى أهل البيت (عليهم السلام) عن التوقيت في ظهور المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). والتوقيت يتضمّن تطبيق العلامات على أشخاص قد يُظَنّ أنّهم هم الذين تحدّثت عنهم الروايات.
[1] الشيخ الصدوق، الخصال ص616.
231
220
2025-11-15