الرئيسية / القرآن الكريم / مع الطب في القرآن الكريم – الدكتور محمد علي البار 19

مع الطب في القرآن الكريم – الدكتور محمد علي البار 19

ومما وقع عليه الطب من الحقائق حول هجرة الخصيتين يجعلنا نتلمس بعض جوانب هذه الاسرار بخشوع وذهول، ومن هذه الحقائق.
أولا: الخصية التي لا تهاجر ضعيفة، ولا تستطيع إنتاج الأعراس الذكرية، لأنها لا تقدر على النمو والعمل في جو البطن، حيث درجة الحرارة حوالي 5، 37 م، ولكنها تستطيع ذلك في كيس الصفن حيث درجة الحرارة حوالي 33 – 34 م.
ثانيا: الخصية التي لا تهاجر معرضة بنسبة كبيرة جدا لان تصاب بسرطان الخصية، إذا، فالهجرة خصب ونماء، والقعود جدب وفناء.
عرس الحياة إذا كانت أعراسنا الاجتماعية لا تخلو من شئ من الفوضى أو التناقضات، وإذا كانت احتفالاتنا لا تخلو من نقص في الترتيب، أو خطأ في اختيار الوقت المناسب لها، فليس شئ من ذلك في عرس الحياة، العرس الذي يحفظ النسل، ويدفع بالحياة إلى الامام باستمرار، فلنقف على بعض أحداث هذا العرس المهيب:
– من مراسيم العرس: مع مطلع الشهر، وبأمر من ملكة الغدد الصماء (الفص الامامي للغدة النخامية) وتحت إشراف مركز المراقبة العليا في قشرة الدماغ Cortex، تبدأ إحدى فتيات المبيض (إحدى الجريبات الابتدائية) بالاستعداد لان تكون عروس الشهر، فتكبر بالحجم بشكل ملحوظ، وتتكاثر من حولها الخلايا الجريبية المحيطة بها، وتفرز هذه الخلايا هرمون الجريبين Ostrogen، فيتجمع قسم من هذا الهرمون في السائل الجريبي داخل الجريب نفسه، ويمتص الدم القسم الآخر منه، وتحت تأثير هذا الهرمون تحصل تغيرات عديدة في مخاطية الجهاز التناسلي، وخاصة في المهبل والرحم والبوقين، فتنمو غدد هذا الغشاء، وتزداد عناصره الخلوية، وتنمو أوعيته الدموية وتحتقن، وبذلك تزداد سماكته حوالي 4 – 5 أضعاف، حتى إذا حصلت الإباضة في اليوم الرابع عشر من الشهر، كان هذا الجهاز على أتم استعداد لاستقبال وفد العريس
(٧٥)
الضيف. ومما يلفت الانتباه هو ذلك السائل الشفاف اللزج، والقلوي التفاعل الذي نلاحظه على عنق الرحم في وقت الإباضة تماما، ويستمر ليومين فقط، هذه المادة تجذب النطاف، وتزودهم بمقدرة على اجتياز جوف الرحم والبوق بشكل جيد في سباقها المثير نحو العروس ” البويضة “.
أما البويضة، فعندما تطل من حجرها ” المبيض ” بواسطة عملية الإباضة، Ovulation تكون محاطة بتاج شعاعي من الخلايا الجريبية، كأحلى ما تكون العروس في يوم زفافها فهي ناضجة تماما، وتكون قد كبرت بالحجم حوالي 5 – 6 مرات، وتعرضت لانقسامين: أولهما خيطي، والثاني منصف يتم فيه اختزال العدد الصبغي إلى النصف، فيصبح (22 + x) بعد أن كان (44 + x 2) في الجريب الابتدائي. وهكذا تصبح البويضة جاهزة لتضم النطفة إليها، ولتشيد معها ذلك البناء العظيم، الا وهو الانسان، قال تعالى في سورة الدهر: (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا (2) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) [الدهر: 2 – 3].
ولكي تكتمل المراسيم، وتتم عملية الالقاح في أحسن جو، فإن تلك القربة من السائل الجريبي التي تجمعت خلان تطور الجريب، تنسكب مع البويضة في جوف البطن أثناء عملية الإباضة، وبسبب غناء هذا السائل بهرمون الجريبين Ostrogen، فإن امتصاصه للدم بسرعة يؤدي لتغير مزاج المرأة بشكل يتلائم مع غريزة الالقاح، حيث يزيد من توترها الجنسي، وميلها النفسي للجماع، وفي ذلك حكمة مدبرة، حيث إن هذه الفترة هي أكثر أيام الشهر إخصابا.
موكب العريس: قال تعالى في سورة الطارق: (فلينظر الانسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق) [الطارق: 5 – 6].
موكب العريس سباق جبار بين نصف مليار نطفة (1) يبدأ هذا السباق من

(1) كل دفقه مني تحوي (3 – 5) سم. وكل (1) سم من هذا الماء الدافق يحوي (60 – 80) مليون نطفة.
وكل نطفة بطول (65) ميكرون، وتتألف من رأس كمثري الشكل، وعنق وذيل طويل يبلغ طوله (45) ميكرون.
يساعد النطفة في الحركة أثناء عبورها الرحم والبوق، وتقدر سرعتها وسطيا ب‍ (2 – 3) مم / دقيقة.
(٧٦)
مهبل الأنثى، وينتهي ليس بالوصول إلى العروس فقط، وإنما ينتهي بقفزة النصر ألا وهي اجتياز جدار البييضة الشفاف، فما يصل إلى البييضة عشرات النطاف، لكنها لا تستطيع الدخول إليها كلها، ” وتجذب البييضة من هذه النطاف الكثيرة واحدة فقط، وذلك بالانجذاب الايجابي الذي تتحلى به Positive chimotoxie، فيظهر على سطحها بمحاذاة هذه النطفة نتوء هيولي، يدعى مخروط الجذب Attraction cone وهي البقعة التي سيجتاز منها الحيوان المنوي الغشاء الشفاف ” (1) وبعدها تحدث حادثات خلوية دقيقة وغريبة، تنتهي بالتحام نواتي النطفة والبييضة، فيكتمل العدد الصبغي، ويطلق عندئذ على البييضة الملقحة أسم البيضة Zygot، وتكتسب البيضة بالالقاح قوة حيوية جديدة على الحياة والانقسام والنمو لتكوين الجنين، وبذلك يشترك الوالدة والوالدة في إيراث صفاتهما لوليدهما.
وهكذا نجد أن من بين مئات الملايين من النطاف التي بدأت السباق، لا يصل سوى العشرات إلى البييضة، وتموت النطاف الباقية صرعى على الطريق، ومن تلك العشرات التي وصلت، تدخل البييضة نطفة واحدة فقط، لتشاركها في عملية الالتحام المصيري، ويمكن استشفاف ذلك من قوله تعالى وهو يذكر الانسان حيث كان نطفة من نصف مليار، كلها متجهة إلى البيضة فقال في سورة القيامة: (ألم يك نطفة من منى يمنى) [القيامة: 17]: وقوله في سورة السجدة: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) [السجدة: 8] فحرف ” من ” في هاتين الآيتين تبعيضية كما يسميها النحاة، وتعني هنا أنه شئ قليل من شئ كثير. وكذلك لفظة ” سلالة ” والطريف في هذا السباق أن النطاف بعد أن تجتاز جوف الرحم لا تدخل إلا إلى البوق الذي يحوي البييضة، ولا تدخل في البوق الآخر، فتبارك الله الذي قدر فهدى، والذي علم النطاف أين تسير.
وفوق ذلك كله تشترط البييضة على الفائز الأول أن يلاقيها في الثلث الأخير

(1) عن كتاب فن التوليد، د. محمود برمدا ود، شوكت القنواتي.
(٧٧)

شاهد أيضاً

الكبائر من الذنوب

الله عليهم) من الكبائر “. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” من ...