الرئيسية / من / طرائف الحكم / زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

5

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسيرته

«وإنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين»[1].

وهذا ما نجده في سيرة الأئمّة (عليهم السلام) جميعًا، فعندما طلب المأمون من الإمام الرضا (عليه السلام)أن يصلّي صلاة العيد وكان الإمام (عليه السلام) يأبى، فلمّا ألحَّ عليه المأمون أرسل إليه الإمام (عليه السلام): «إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ، وإن لم تُعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)»، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت… فخرج الإمام (عليه السلام) ذلك الخروج المهيب الذي اضطرّ معه المأمون إلى إرجاع الإمام (عليه السلام) قبل وصوله إلى الصلاة[2].

وكذلك صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه) عندما يظهر كما جاء في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «… واجعله اللهمّ مفزعًا لمظلوم عبادك، وناصرًا لمن لا يجد له ناصرًا غيرك، ومجدّدًا لما عطّل من أحكام كتابك ومشيّدًا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيّك (صلى الله عليه وآله)…»[3].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329.

[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص264.

[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج53، ص96.

 

92


81

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وقد تكرّر ذلك في كلام الإمام الحسين (عليه السلام)، كقوله: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[1].

وعنه (عليه السلام): «ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقًّا فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برمًا»[2].

وقد أعطى في ذلك درسًا عمليًّا، مفاده: أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بدّ من القيام به لإصلاح المجتمع حتّى لو أدّى إلى القتل أحيانًا.

رفض الذلّ

إنّ الله -تعالى- لا يرضى للمؤمن أن يكون ذليلًا، قال -سبحانه-: ﴿وَلِلَّهِ ٱلعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلمُؤمِنِينَ﴾[3]، وعن الإمام الحسين (عليه السلام): «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت ونفوس أبيّة وأنوف حميّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر»[4].

وقوله (عليه السلام): «هيهات منّا الذلّة»، صار شعارًا لجميع أحرار العالم.

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329.

[2]  الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج4، ص305.

[3] سورة المنافقين، الآية 8.

[4] ابن نما الحليّ، مثير الأحزان، ص40.

 

93


82

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

عدم الخضوع أمام الحصار العسكريّ والاقتصاديّ

أمّا الحصار العسكريّ فتمثّل في المواجهة بين العديد القليل -73 شخصًا- على المشهور-مقابل ثلاثين ألفًا- كما في الروايات.

وأمّا الحصار الاقتصاديّ فقد تمثّل في منع إيصال الطعام والشراب إلى المخيّم حتّى أدّى ذلك إلى عطش حتّى الأطفال الصغار وقتلهم عطاشى.

كلّ ذلك لم يخضع معسكر الإمام الحسين (عليه السلام)، ما أدّى إلى انتصارهم بتحقيق أهدافهم التي خرجوا لأجلها.

تحقيق مقولة انتصار الدم على السيف

حيث تجلّت بأعلى معانيها حتّى استفاد منها كلّ أحرار العالم، وبتنا نسمع مثل المصلح الهنديّ الشهير غاندي، يقول: «تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر».

قبول الدعوة وإتمام الحجّة

فمع علم الإمام الحسين (عليه السلام) بغدر أهل الكوفة، ولكنّه لمّا دعوه أجابهم من باب إتمام الحجّة عليهم؛ لأنّه هناك قيمة في نفس إجابة الدعوة، ولا بدّ من إتمام الحجّة عليهم.

إنّ الدين أغلى من كلّ شيء

إنّ الدين له هذه القيمة التي يقدّم له شخص كأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) نفسه فداءً وفي سبيل الله، ولذا يقال: إنّ زينب (عليها السلام) خرجت عصر يوم العاشر من المحرّم تشقّ صفوف الجيش

 

94


83

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

الأمويّ، إلى أن انتهت إلى جسد أخيها الحسين (عليه السلام)، وقالت: «اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان».

ورحم الله الشاعر يقول عن لسان الحسين (عليه السلام):

إن كان دين محمّد لم يستقم

إلّا بقتلي يا سيوف خذيني

حفظ حقوق الناس

نزل الإمام الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء في اليوم الثاني من المحرّم، وروي أنّه (عليه السلام) اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضريّة بستّين ألف درهم، وتصدّق بها عليهم، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيّام[1].

كما لم يقبل أن يكون معه ومن أصحابه أحد ممّن عليه دين.

خطر الخيانة والانكفاء السياسيّ

خرج لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثون ألفًا، بعض هؤلاء كان ممّن عزلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وجاؤوا لقتال ولده الإمام الحسين (عليه السلام).

وبعض هؤلاء كانوا ممّن بايع الإمام (عليه السلام) ونكث، فعن سيّد الشهداء (عليه السلام) يوم العاشر من المحرّم أنّه نادى: «يا شبث بن ربعيّ، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار وأخضرّ الجناب وطمّت الجمام وإنّما تقدم على جند لك مجند فأقبل»؟ قالوا له: لم نفعل، فقال: «سبحان الله، بلى والله لقد فعلتم»[2].

 

 


[1] الطريحيّ، مجمع البحرين، مادّة «كربل»، ج5، ص461.

[2]  الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج4، ص323.

 

95


84

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

باب التوبة مفتوح حتّى آخر الطريق

الحرّ بن يزيد الرياحيّ مثال واضح لذلك حيث قبل الإمام (عليه السلام) توبته. وهناك مجموعة من أصحاب عمر بن سعد تحوّلت إلى أصحاب الحسين (عليه السلام) حين رأوهم متبتّلين متهجّدين عليهم سيماء الطاعة والخضوع لله -تعالى-[1].

وهناك من مال يوم العاشر من المحرّم إلى معسكر الحسين (عليه السلام) وقاتل معه واستشهد بين يديه.

وهنا لا بدّ من التنبيه إلى ما جاء في كلمات الإمام (عليه السلام) أنّه كان مانعًا من سماعهم لمواعظه وهو المال الحرام، حيث جاء في كلماته (عليه السلام) لهم: «وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم»[2].

المهمّ هو المبدأ والخطّ وليس الشخص والفرد

عن الإمام الحسين (عليه السلام)، أنّه قال عن يزيد: «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله…»[3].

فمن كان يحمل صفات كالإمام (عليه السلام) لا يبايع من يحمل صفات كيزيد.

 

 


[1]  المقرّم، مقتل الحسين (عليه السلام)، ص217.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص8.

[3] المصدر نفسه، ج44، ص325.

 

96


85

الموعظة الرابعة عشرة: دروس من عاشوراء

كونوا أحرارًا

«إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دنياكم»[1].

ولذا امتدح الحرّ بن يزيد الرياحيّ بهذا الأمر، فقال له: «أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة»[2].

الدفاع عن الدين ولو لوقت قليل

لو كان الإمام الحسين (عليه السلام) وحيدًا لقتل صبيحة يوم العاشر من المحرّم، ولكنّ أصحاب الإمام (عليه السلام) وأهل بيته وإن لم يستطيعوا دفع القتل عنه ولكنّهم أخّروا ذلك إلى عصر ذلك اليوم، فحفظوا حياة الإمام ولو لساعات، وهذا درس لنا أن نحفظ الحقّ ونؤخّر الفساد ونقلّل من وجوده ولو لساعات.

عدم ترك الدعوة والتبليغ مهما كان

خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه من الصباح إلى العصر حوالي عشر خطب، قصيرة وطويلة، بعض منها للإمام (عليه السلام)، وواحدة للحرّ وأخرى لزهير وثالثة لأبي الفضل العبّاس (عليه السلام) وغيرهم.

إنّ الحقّ هو المنتصر في النهاية

قال -تعالى-: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلعَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصلَىٰهَا مَذمُومٗا مَّدحُورٗا﴾[3].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص51.

[2]  المصدر نفسه، ص14.

[3] سورة الإسراء، الآية 18.

 

97


86

الموعظة الثالثة عشرة: تَجَلّي الإيثار في كربلاء

هناك الكثير من الناس يسعون إلى أهدافهم من خلال الذهاب إلى العدوّ والتعامل معه، وكان عاقبة أمرهم هو الهلاك والخسران، فهذا عمر بن سعد كان يريد ملك الريّ، وقد سعى للوصول إليه من خلال الخروج إلى حرب الحسين (عليه السلام) وقتله مع عبيد الله بن زياد ويزيد، فماذا كانت النتيجة؟! الخسران في الدنيا والهلاك في الآخرة، ﴿وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ﴾[1].

النسب ليس على حساب المبدأ

لمّا كان اليوم التاسع من المحرّم جاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال أين بنو أختنا – يعني العبّاس وجعفرًا وعبد الله وعثمان أبناء عليّ (عليه السلام)- فقال الحسين (عليه السلام): «أجيبوه وإن كان فاسقًا فإنّه بعض أخوالكم» (وذلك أنّ أمّهم أمّ البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب)، فقالوا له: «ما تريد»؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد؟ فقالوا له: «لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له»[2].

 

 


[1] سورة الأعراف، الآية 128.

[2] السيّد الأمين، أعيان الشيعة، ج4، ص129.

 

98


87

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

بيان أهمّيّة الصلاة في الإسلام، والحثّ على الالتزام بها.

محاور الموعظة

الصلاة عنوان بارز في عاشوراء
منزلة الصلاة في الإسلام
ثواب الصلاة
عقاب تارك الصلاة

تصدير الموعظة

ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): «وأشهد أنّك قد أقمت الصلاة»[1].

 

 


[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص720.

 

99


88

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

الصلاة عنوان بارز في عاشوراء

قال الحسين (عليه السلام) لأخيه العبّاس في ليلة العاشر: «ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غد، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه، ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة القرآن، وكثرة الدعاء، والاستغفار».

نظر الصائديّ في السماء، وأخذ يقلِّبُ وجهه فيها، ثم توجَّه نحو الحسين، (عليه السلام) وقال: نفسي لنفسك الفداء، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، واللَّه لا تقتل حتّى أقتل معك، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دان وقتها.

فأجابه (عليه السلام): «ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلّين الذاكرين وأقاموا الصلاة».

سعيد بن عبد اللَّه الحنفيّ بعد تعهّده ليلة العاشر بالدفاع عن الإمام (عليه السلام) حتّى الشهادة يرتفع شهيدًا وهو يدافع عن الإمام الحسين أثناء إقامته الصلاة يتلقّى السهام بجسده حتّى وقع على الأرض، قائلًا لإمامه: أَوَفيت يابن رسول اللَّه؟ فأجابه (عليه السلام): «نعم أنت أمامي في الجنّة».

منزلة الصلاة في الإسلام

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ليكن أكثر همّك الصلاة فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين»[1].

 

 


[1] الشيخ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص26.

 

100


89

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «لكلّ شيء وجه ووجه دينكم الصلاة فلا يشيننّ أحدهم وجه دينه»[1].

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أحبّ الأعمال إلى اللَّه -عزّ وجلّ- الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء»[2].

ثواب الصلاة

عن سلمان المحمّديّ: كنت مع رسول اللَّه في ظلّ شجرة، فأخذ غصنًا منها، فنفضه فتساقط ورقه، فقال: «ألا تسألوني عن ما صنعت؟!» قلنا أخبرنا يا رسول اللَّه، فقال (صلى الله عليه وآله): «إنّ العبد إذا قام إلى الصلاة تحاتت عنه خطاياه كما تحاتّ ورق هذه الشجرة»[3].

عن الإمام علي (عليه السلام): «لو يعلم المصلّي ما يغشاه من جلال اللَّه ما سرَّه أن يرفع رأسه من السجود»[4].

عن الإمام علي (عليه السلام): «إنّ الإنسان إذا كان في الصلاة فإنّ جسده وثيابه وكلّ شيء حوله يسبح»[5].

عقاب تارك الصلاة

قال -تعالى-: ﴿مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَم نَكُ مِنَ ٱلمُصَلِّينَ﴾[6].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص270.

[2] الشيخ المفيد، المقنعة، ص267.

[3] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص168.

[4]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص632.

[5]  الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص336.

[6] سورة المدّثّر، الآيتان 42 – 43.

 

101


90

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

الإمام الصادق (عليه السلام) حين حضرته الوفاة: «لا تنال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة»[1].

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قُبلت قُبل سائر الأعمال، وإن رُدَّت ردّ سائر الأعمال»[2].

دعوة الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الصلاة في اليوم العاشر إعلان عن التمسّك بخطّ اللَّه -تعالى- المتمثّل بالنهج العباديّ الجهاديّ للإمام الحسين (عليه السلام).

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص270.

[2]  المصدر نفسه، ص268.

 

102


91

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

تعرّف دور النساء في كربلاء وبعض المواقف الولائيّة من جهادهنّ.

محاور الموعظة

الحضور العامّ للمرأة في النزاعات
حضور المرأة في كربلاء
مواقف بطوليّة للمرأة في كربلاء

تصدير الموعظة

﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمرَأَتَ فِرعَونَ إِذ قَالَت رَبِّ ٱبنِ لِي عِندَكَ بَيتٗا فِي ٱلجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرعَونَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلقَومِ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة التحريم، الآية 11.

 

103


92

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أخذ النساء معه كي يؤدّين أدوارًا مهمّة لنصرة الثورة أو إنّ أدوار النساء كانت ضمن البرنامج التخطيطيّ لقائد الثورة الذي لم يكن يفكّر بأنّه سينُهي المواجهة بعدم مبايعته ليزيد، من ثمّ باستشهاده، بل لا بدّ من توجيه الأمّة إلى قيم جديدة وتربويّات مطلوبة.

ولم يكن لهذه المهمّة الصعبة من يؤدّيها سوى هؤلاء النساء وعلى رأسهنّ السيدة زينب (عليها السلام). وهذا يشير إلى ثقته الكاملة بأُخته وبأنّ هؤلاء النساء هنّ ممّن يُعتمَد عليهنّ وهنّ قادرات على أداء التكاليف المطلوبة.

وسيبقى هؤلاء النساء رمزًا للبشريّة جمعاء، وخصوصًا للمرأة التي تبحث في كلّ عصر عن نماذج يُقتدى بها، وتسير في هداها.

الحضور العامّ للمرأة في النزاعات

إنّ وجود المرأة في مناطق النـزاعات غالبًا ما يكون عامل تحريك للرأي العامّ وعامل تعريف بجرائم العدوّ، ولهذا نجد أنّ الإعلام إذا ما أراد أن يظهر بطش الحاكم وطغيانه فإنّه يعرض صورًا لنساء معذّبات أو مقتولات أو أطفالًا يبكون ويستصرخون ويصرخون… هي صورٌ من الممكن أن تهزّ الضمير الاجتماعيّ وتحدث فيه حركة باتجاه المطلوب، بمعنى أنّ وجود المرأة في النـزاعات المسلّحة والحروب غالبًا ما يكون عاملًا لكشف وحشيّة العدوّ ومجازره وبشاعته ولنا أن نستعرض في ذاكرتنا ما كان يُبَثّ من صور عن المعارك التي شهدها القرن

 

104


93

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

المنصرم وبداياته والتي يستعمل فيها »مونتاجًا» خاصًّا لعرض بكاء الأمّهات وذهول الزوجات وأنين البنات. ولهذا اهتزّت الكوفة لمّا جاء ركب الحسين (عليه السلام) وارتجّت لمرأى الأطفال الذين ترتعد فرائصهم واصفرّت وجوههم، وماجت للحرائر المُخدَّرات اللواتي ارتسم الحزن على وجوههنّ وبان ثقل الدموع في مآقيهنّ وازداد الألم حينما جادت عليهنّ الكوفيّات بالإزر والمقانع وضجّ الناس بالبكاء والعويل حينما أزيح الستار عن القناع الأمويّ، فهؤلاء لسن سبايا الخوارج والديلم كما قال ابن زياد إنّما هنّ سبايا آل البيت (عليهم السلام)!

حضور المرأة في كربلاء

إنّ واقعة الطفوف كانت بحاجة إلى حضور المرأة كي تنجح الثورة، وبحاجة إلى حضور نسائيّ متميّز لا يجزي عنه الرجل أبدًا. فمن المعلوم أنّ الإمام لو اصطحب الكثير من الرجال فلن يقوموا بالدور الذي ستقوم به النساء، وبهذا جاء حمل النساء كدلالة على تخطيط مستقبليّ للثورة فيما يمكن أن تؤدّيه النساء من أدوار تدور ضمن مصلحة الإسلام الكبرى والإيمان بمبادئ الإمام في الإصلاح والتغيير، فهو إذًا اجتياز للدائرة المحدّدة التي تشمل حياة المرأة الخاصّة، ولكنّها لا تلغي شخصيّة المرأة نفسها أو أهدافها الممتدّة في الحياة أو مسؤوليّاتها العديدة.

وكان الحضور النسائيّ متميّزًا في نساء عرفن بالعلم والمعرفة والبلاغة والفصاحة والصبر الجميل إلى غير ذلك، وبذلك نجح الإمام

 

105


94

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

وأنصاره في تضحيته كما نجحت المرأة -زينب (عليها السلام)- في التبليغ والإعلام الموجّه، ولم تكن الأدوار التقليديّة للنساء كالأمومة والزوجيّة عائقًا أمام تحقيق نجاح أوسع ضمن دائرة الأهداف العامّة بل كانت هذه الأدوار سببًا لإضفاء مزيد من الحزن والتفجّع على ما جرى في الطفوف، فهؤلاء النساء قدّمنَ الغالي والنفيس بل ضحّين بالولد والأخ والزوج لنصرة الثورة في زمن تقاعس فيه الأشاوس من الرجال عن نصرة الإمام الذي كانوا يسمعون استغاثته!. وبهذا تحوّلت الأدوار التقليديّة التي تضجر منها المرأة المعاصرة إلى أدوار رساليّة ومحطّات انطلاق لرسم هُويّة ثائرة للمرأة المسلمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكان مجموع هؤلاء النساء إضافة إلى الأطفال يؤلّف قافلة سبايا أهل البيت، الذين فرّوا بعد مقتل الحسين وهجوم الأعداء على الخيام، ثمّ قبض عليهم وسيقوا في قافلة السبايا إلى الكوفة ومنها إلى الشام.

وإذا نظرنا إلى خلفيّة أولئك الطاهرات اللاتي جئن إلى أرض المعركة نلاحظ أنّ فيهنّ الأمّ والجدّة، والأخت والشقيقة، والعمّة والخالة، والابنة والحفيدة، والزوجة، ويجب التمعّن بأنّ لكلّ منهنّ مهمّة ربّما تختلف تمامًا عن مهمّة ألأخرى، ولكنْ يجمعهنّ الإيمان بأرقى مفاهيمه الإنسانيّة التي جاء بها الإسلام ولخّصها في شخص الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافه.

 

106


95

الموعظة الخامسة عشرة: الصلاة في عاشوراء

مواقف بطوليّة للمرأة في كربلاء

1.السيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) والمواقف الصُلبة

المرأة التي أبت إلّا المشاركة في النهضة، تلك الزوجة الوفيّة، والأمّ الحنون، والعمّة العطوف، والخالة الرؤوف، والأخت المسؤولة التي كانت قدوة لا للنساء فحسب بل للرجال أيضًا، أخذت على عاتقها أدوارًا مختلفة يصعب على المرء حصرها، ولكن سنشير إلى جانبٍ منها ألا وهو تفعيل الأهداف التي من أجلها نهض الإمام الحسين (عليه السلام) وتكريسها وذلك بعد شهادته (عليه السلام)، وإن شئت فقل تكميل ذلك الدور واستمراريّته فقد وقع على عاتقها، ولا يمكن نسيان هذا الدور الفاعل، ولولا جهودها لما أثمرت تلك النهضة المباركة بهذا الشكل الذي أثمر، وقد أبت السيّدة زينب إلّا أن تشارك شقيقها الحسين (عليه السلام)، فقد ذكر المؤرّخون أنّ ابن عباس جاء إلى الحسين (عليه السلام) ناصحًا ومودّعًا وهو بأرض الحجاز ليثنيه عن السفر إلى العراق، ولكنّه وجد نفسه أمام إصرار الإمام (عليه السلام) الذي لا محيص عنه فطلب منه (عليه السلام) أن لا يأخذ معه النساء، قائلًا: جعلت فداك يا حسين، إن كان لا بدّ من السير إلى الكوفة فلا تسِرْ بأهلك ونسائك، فسمعته السيّدة زينب (عليها السلام)، فانبرت تخاطبه: يابن عباس تشير على سيّدنا وشيخنا أن يخلّفنا ها هنا ويمضي وحده؟ لا والله بل نحيا معه ونموت معه وهل أبقى الزمان لنا غيره[1].

 


[1] راجع: السيّد هاشم الحسينيّ البحرانيّ، مدينة المعاجز، ج3، ص485.

 

107


96

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

2.بحرية بنت مسعود الخزرجيّة وتجهيز ابنها للشهادة

المرأة التي تجهّز ابنها للشهادة، كانت بحرية وهي ممّن حضرن كربلاء مع زوجها جنادة بن كعب الخزرجيّ فخرج الزوج وقاتل قتال الأبطال بين يدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ولمّا لم تمتلك بحرية وسيلة أخرى للدفاع عن الحقّ المتمثّل بالحسين (عليه السلام) جاءت إلى ابنها عمر، الذي لم يتجاوز العقد الأوّل من عمره، فألبسته لامة الحرب وقلّدته السيف، وتحدّثت معه بأمر القتال بين يدي أبي عبد الله، والنواميس التي يدافع عنها، وحثّته على ذلك، وقالت فيما قالته: أُخرج يا بني وانصر الحسين (عليه السلام) وقاتل بين يدي ابن رسول الله فلمّا جهّزته خرج ووقف أمام الحسين (عليه السلام) يستأذنه للقتال، فلم يأذن له فأعاد عليه الاستئذان، فقال الحسين (عليه السلام): «إنّ هذا غلام قتل أبوه في المعركة، ولعلّ أمّه تكره ذلك»، فقال عمر: «يابن رسول الله، إنّ أمّي هي التي أمرتني وقد قلّدتني هذا السيف وألبستني لامة الحرب»، وعندها سمح له الحسين (عليه السلام) فذهب إلى ميدان القتال وهو ينشد ما يختلج بقلبه، قائلًا من المتقارب:

أميري حسينٌ ونعم الأمير

عليٌّ وفاطمةُ والداهُ

له طلعةٌ مثلُ شمس الضحى

سرورُ فؤاد البشير النذير

فهل تعلمون له من نظير؟

له غرّةٌ مثلُ بدر منير

فقاتل حتّى قتل وقطع رأسه فرُمي به إلى جهة الحسين (عليه السلام)، فأخذته أمّه وضربت به رجلًا أو رجلين فقتلتهما، وخفّ إليها الحسين (عليه السلام) فأرجعها إلى الخيمة[1].

 

 


[1] راجع: ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص253.

 

108


97

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

3. دلهم بنت عمرو الكوفيّة والتشجيع على الولاء والقتال

المرأة التي وضعت زوجها على الطريق، لم يكن زوجها زهير بن القين البجليّ من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، بل كان على الخطّ النقيض لخطّ أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنّ الطريق جمع بينه وبين الإمام الحسين (عليه السلام) وهما في طريقهما إلى الكوفة، وما كانت إلّا ساعة فإذا برسول الحسين (عليه السلام) على باب خيمة زهير، يقول: إنّ أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فساد صمت رهيب في مجلس زهير، حيث كان يكره زهير وقومه مسايرة الحسين (عليه السلام) وهو في الطريق فكيف بهم ورسول الحسين يدعوهم للقياه، وفي هذه اللحظة مزّقت دلهم تلك المرأة الحكيمة والمؤمنة، أجواء الصمت والذهول، والتفتت إلى زوجها مفجّرة بكلماتها بركانًا من الدرن الذي خيّم على القلوب، وقالت: يا زهير أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه، سبحان الله، لو تأتيه فسمعت كلامه، ثمّ انصرفت، فما كان من زهير إلّا أن قرّر الذهاب إلى أبي عبدالله (عليه السلام) والاستماع إليه، وفجأة وجد زهير نفسه في مجلس الحسين (عليه السلام) حيث حملته رجلاه إليه، ولمّا حاوره الحسين (عليه السلام) وبيّن أهداف نهضته، انقلب زهير واتّخذ قرارًا حاسمًا، وصمّم على الالتحاق بركب ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فعاد إلى قومه مستبشرًا قد أسفر وجهه والتفت إلى زوجته ليطلّقها ويلحقها بأهلها، لا كرهًا بها، بل حبًّا لها، مُوطّنًا نفسه على الشهادة، فبشّرها بقراره الشجاع، والتحاقه بركب الحقّ، فقامت إليه زوجته تودّعه باكية، لتقول له بكلّ

 

109


98

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

ثبات: خار الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين[1]. وهكذا ودّع زهير متاع الدنيا كلّها، ليقول للحسين (عليه السلام): والله، لو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا مخلّدين إلّا أنّ فراقها في نصرتك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها… أما والله، لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل هكذا ألف قتلة وأنّ الله يدفع بذاك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك… طلّق زهير زوجته والدنيا، وطلّقت زوجته حلاوة الدنيا وبهجتها وأذعنت لقرار زوجها خوفًا من أن يتردّد عن الشهادة، فمن يا ترى كان وراء تحوّل زهير![2].

4. نوار بنت مالك الحضرميّة وإنكار الظلمة

المرأة التي رفضت بعلها، فقد انتُدِبَ الخوليّ بن يزيد الأصبحيّ ليحمل رأس الحسين (عليه السلام) إلى الطاغية عبيد الله بن زياد، وكان عَجِلًا من أمره للوصول إلى دار الإمارة لينال الجائزة إلّا أنّه وصلها متأخّرًا حيث خيّم الظلام وأغلقت الكوفة أبوابها فاضطرّ إلى المضيّ إلى داره ليستريح ليلته ويعود في الصباح الباكر، ولمّا دخل بيته سألته زوجته نوار عمّا يخبّئه في التنور، فقال لها بعد حوار طويل: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين (عليه السلام) معك في الدار. فقالت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله، لا والله لا يجمع رأسي ورأسك في بيت أبدًا، ثمّ أضافت قائلة: اِرجع، وأخذت عمودًا

 

 


[1] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص73.

[2] البلاذريّ، أنساب الأشراف، ج3، ص167.

 

110


99

الموعظة السادسة عشرة: نساء عاشوراء قدوة وأسوة

وأوجعته ضربًا، وقالت: والله ما أنا لك بزوجة، ولا أنت لي ببعل[1].

وهكذا فارقته لتُعلّم الآخرين درسًا في التعامل مع الظالمين وإن كان الظالم وليَّ نعمتهم، وفعلًا اتّبعتها ضرّتها عيوف الأسديّة حيث هي الأخرى رفضت الخوليّ فبات بلا مأوى، فمن يا تُرى استنكر فَعلة الظالمين!.

5.مارية بنت منقذ العبديّ وحماية المجاهدين

المرأة التي موّلت الثائرين، كانت مارية أرملة استشهد زوجها في معركة الجمل نصرةً لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومع هذا فقد كانت موالية للحقّ دون أيّ ملل أو تعب، وكانت تحوز مكانة مرموقة في المجتمع البصريّ وتمتلك أموالًا طائلة، ولمّا بدأ الصراع العلويّ الأمويّ وأصبح على أشدّه فتحت بيتها للزعماء الموالين للبيت العلويّ ليكون ناديًا فكريًّا يناقش فيه الزعماء قضايا الأمّة، ومركز اتّصال وتواصل لدعم المعارضة، فقد قال الطبريّ:

«اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يُقال لها مارية ابنة سعد أو منقذ أيّامًا، وكانت تشيّع، وكان منزلها لهم مألفًا يتحدّثون فيه»[2].

 

 


[1] البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص206.

[2]  المصدر نفسه.

 

111


100

شاهد أيضاً

الصعود نحو الهاوية – الدكتور ليث الحيدري