الرئيسية / من / طرائف الحكم / زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

12

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

لم ينقص أجله»، ثمّ قال: «إنّ فلان بن فلان حتّى بلغ السابع من ولد فلان»، قلت: فما العلامة في ما بيننا وبينك -جُعلت فِداك-؟ قال: «لا تبرح الأرض يا فضل حتّى يخرج السفيانيّ، فإذا خرج السفيانيّ فأجيبوا إلينا -يقولها ثلاثًا-، وهو من المحتوم»[1].

5. معرفة العلامة؛ أي معرفة الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه)

عن عمر بن أبان قال: سمعتُ أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول: «اعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرّك تقدّمَ هذا الأمرُ أو تأخّر؛ إنَّ الله -عزَّ وجلّ- يقول: ﴿يَومَ نَدعُواْ كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَٰمِهِم﴾[2]، فمَن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المُنتَظَر (عليه السلام)»[3].

6. التحذير من الخفّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواكبين للإصلاح الشامل

جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر (عليه السلام)، يقول: «الزم الأرض، لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبدًا، حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة» -ثمّ ذكر العلامات المحتومة مع تفاصيل كلّ منها-، وقال: «وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد (عليهم السلام)، ولا تتّبع منهم رجلًا أبدًا، حتّى ترى رجلًا مِن ولد الحسين، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه…»[4].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص274.

[2]  سورة الإسراء، الآية 71.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص372.

[4]  العيّاشيّ، تفسير العيّاشيّ، ج1، ص64.

 

233


221

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

7. التريُّث والانتظار لمعرفة مآل المدّعي أو الشخصيّة التي تظهر عليها تلك العلامة

عن الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام): «والله، لا يخرج واحد منّا قبل خروج القائم (عليه السلام)، إلّا كان مثله مثل فرخ طار مِن وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به»[1].

8. التحذير مِن ظهور رايات تدّعي الدعوة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه)

عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إيّاكم والتنويه، أما -والله- لَيغيبنّ إمامكم سنين مِن دهركم، ولَيمحّص حتّى يُقال مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولَتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولَتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا مَن أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولَترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ مِن أيّ». قال: فبكيت، فقال لي: «ما يُبكيك يا أبا عبد الله؟» فقلتُ: وكيف لا أبكي وأنت تقول: «تُرفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيّ مِن أي»، فكيف نصنع؟

قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُفّة، فقال: «يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟»، قلت: نعم، قال: «والله! لَأمرُنا أبيَن مِن هذه الشمس»[2].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص274.

[2]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص347.

 

234


222

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

9. رواية المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) واضحة المعالم

كما جاء في الرواية السابقة عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال جابر: وأنت تقول: «ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيّ مِن أيّ»، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُفّة، فقال: «يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟»، قلت: نعم، قال: «والله! لَأمرنا أبيَن مِن هذه الشمس».

10. عدم الاستعجال

قال إبراهيم بن خليل: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): جُعلت فِداك، مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغتُ مِن السنين ما قد ترى، أموت ولا تُخبرني بشيء؟ فقال (عليه السلام): «يا أبا إسحاق، أنت تعجل»، فقلت: إي -والله- أعجل، وما لي لا أعجل، وقد بلغتُ مِن السنّ ما ترى؟! فقال (عليه السلام): «أما والله -يا أبا إسحاق- ما يكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ…»[1].

11. إنّ الأمر بيد الله -سبحانه وتعالى-

عن أبي جعفر (عليه السلام): «ما لكم لا تملكون أنفسكم وتصبرون حتّى يجيء الله -تبارك وتعالى- بالذي تريدون؟ إنّ هذا الأمر ليس يجيء على ما تريد الناس، إنّما هو أمر الله -تبارك وتعالى- وقضاؤه والصبر، وإنّما يعجل مَن يخاف الفَوت»[2].

 


[1]  النعمانيّ، الغيبة، ص111.

[2]  الحميريّ، قرب الإسناد، ص381.

 

234


223

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

12. إنّ أمر الظهور له غايته ووقته المحدّد الذي لا يمكن أن يتخلّف عنه

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عند ذكر ملوك بني العبّاس، قال: «إنّما هلك الناس مِن استعجالهم لهذا الأمر. إنّ الله لا يعجل لِعجَلَة العباد. إنّ لهذا الأمر غاية يُنتهى إليها، فلو قد بلغوها، لم يستقدموا ساعةً ولم يستأخروا»[1].

13. عدم إذاعة وقت الظهور

عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أبا إسحاق، إنّ هذا الأمر قد أخّر مرّتين»[2].

قصّة وعِبرة

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وأمّا إبطاء نوح (عليه السلام)، فإنّه لمّا استنزلَت العقوبة على قومه من السماء، بعث الله -عزَّ وجلّ- الروح الأمين (عليه السلام) بِسبع نويّات، فقال: يا نبيّ الله، إنّ الله -تبارك وتعالى- يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي، ولستُ أُبيدهم بصاعقة مِن صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك، فإنّي مُثيبك عليه. واغرس هذه النوى، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها -إذا أثمرَت- الفرج والخلاص، فبشّر بذلك مَن تَبِعك مِن المؤمنين. فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرَت وتسوّقَت وتغصّنَت

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص369.

[2]  النعمانيّ، الغيبة، ص303.

 

236


224

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

وأثمرَت وَزَهَا الثمر عليها بعد زمان طويل، استنجز مِن الله -سبحانه وتعالى- العِدَة، فأمره الله -تبارك وتعالى- أن يغرس مِن نوى تلك الأشجار، ويُعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه.

فأخبر بذلك الطوائف التي آمنَت به، فارتدّ منهم ثلاثمئة رجل، وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقًّا، لَما وقع في وعد ربّه خُلف.

ثمّ إنّ الله -تبارك وتعالى- لم يزَلْ يأمره عندَ كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أخرى، إلى أن غرسَها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف مِن المؤمنين ترتدّ منه، طائفة بعد طائفة، إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلًا، فأوحى الله -تبارك وتعالى- عند ذلك إليه، وقال: يا نوح، الآن أسفر الصبح عن الليل لِعينك حين صرّح الحقّ عن محضِه، وصُفِّي مِن الكدر بارتداد كلّ مَن كانت طينته خبيثة، فلو أنّي أهلكتُ الكفّار وأبقيتُ مَن قد ارتدّ مِن الطوائف التي كانت آمنَت بك، لَما كنتُ صدقتُ وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد مِن قومك، واعتَصَموا بِحبل نبوّتك بأن أستخلِفهم في الأرض وأُمكّن لهم دينهم وأبدّل خوفهم بالأمن، لكي تَخْلُص العبادة لي بذهاب الشكّ مِن قلوبهم. وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم، مع ما كنت أعلم مِن ضعف يقين الذين ارتدّوا، وخُبث طينهم، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة؟ فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكتُ أعداءهم، لَنشقُوا روائح صفاته، ولاستحكمَتْ سرائر نفاقهم، وتأبّدَتْ

 

237


225

الموعظة الخامسة والثلاثون: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

حِبال ضلالة قلوبهم، ولَكاشَفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي. وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب؛ ﴿وَٱصنَعِ ٱلفُلكَ بِأَعيُنِنَا وَوَحيِنَا﴾[1]؟

قال الصادق (عليه السلام): «وكذلك القائم، فإنّه تمتدّ أيّام غَيبته لِيصرّح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان مِن الكدر بارتداد كلّ مَن كانت طينته خبيثة مِن الشيعة الذين يُخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عجل الله تعالى فرجه)»[2].

 

 


[1] سورة هود، الآية 37.

[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص355.

 

238


226

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

التنبيه على أنّ الابتلاء إنّما يكون لمن يريد الله تكريمهم وصقل نفوسهم في الدنيا ورفع مكانتهم في الآخرة.

محاور الموعظة

أنواع الابتلاء
دور الأعمال السيّئة في وقوع البلاء
نعمة البلاء
تمحيص البلاء للذنوب
ضرورة الابتلاء

تصدير الموعظة

﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلمُؤمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ﴾[1].

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 179.

 

239


227

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

إنّ سنّةَ الله في خلقه إذا أراد بعبدٍ خيرًا، قائمةٌ على موضوع الابتلاء، وأنّ الله إنّما يصنع من هذا الإنسان إنسانًا كاملًا عبر الابتلاءات والتحدّيات التي يجعلها في طريقه. فالله -تعالى- إذا أراد أن يمنح عبدَه القوّة ابتلاه بعدوٍّ قويّ، وإن أراد أن يجعل منه حكيمًا ابتلاه بفتنةٍ عمياء، وإن أراد أن يكون مشهورًا حبّب إليه الفقراء والمساكين، وإن أراد أن يخفّف عنه حسابه ابتلاه بالفقر والعوز؛ وهكذا فإنّ كلَّ ابتلاء من الله له هدفه الذي يريده الله للإنسان في الدنيا، وله مقامه الذي يريد الله أن يرفعه إليه في الآخرة.

 

أنواع الابتلاء

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَا مِنْ قَبْضٍ وَلَا بَسْطٍ إِلَّا وَللهِ فِيهِ المَنُّ وَالاِبْتِلَاءِ»[1]. وقد ذكرت النصوص بعض عناوين هذه الابتلاءات:

الخوف والجوع: قال -تعالى-: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٖ مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[2].

الخير والشرّ: قال -تعالى-: ﴿وَنَبلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلخَيرِ فِتنَةٗ﴾[3].

المال والولد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله -تعالى-: ﴿أَنَّمَا أَموَٰلُكُم وَأَولَٰدُكُم فِتنَةٞ﴾[4]: ومعنى ذلك أنّه -سبحانه- يختبر عباده بالأموال والأولاد؛ ليتبيَّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه، وإن كان

 

 


[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2364.

[2]  سورة البقرة، الآية 155.

[3] سورة الأنبياء، الآية 35.

[4] سورة الأنفال، الآية 28.

 

 

240


228

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

-سبحانه- أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحقّ الثواب والعقاب.

الفاقة والمرض: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «إِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْفَاقَةَ، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَرَضُ الْبَدَنِ، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَرَضُ‏ الْقَلْبِ»[1].

ولعلّ ما رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبيّن أنّ كلّ ما يحيط بالمرء يستبطن نوع ابتلاء، إذ قال: «الْمُؤْمِنُ بَيْنَ خَمْسِ شَدَائِدَ: مُؤْمِنٍ يَحْسُدُهُ، وَمُنَافِقٍ يُبْغِضُهُ، وَكَافِرٍ يُقَاتِلُهُ، وَنَفْسٍ تُنَازِعُهُ، وَشَيْطَانٍ يُضِلُّهُ»[2].

علّة الابتلاء اختيار العمل الأحسن: عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قوله -تعالى-: ﴿لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلٗا﴾[3]: «إِنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَلَقَ خَلْقَهُ لِيَبْلُوَهُمْ بِتَكْلِيفِ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ»[4].

تصحيح الإيمان: وفي روايةٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يبيّن فيها أنّ البلاء له علاقة بتصحيح مسار الإيمان عند الإنسان، فيقول: «الْبَلَاءُ زَيْنُ الْمُؤْمِنِ، وَكَرَامَةٌ لِمَنْ عَقَلَ؛ لِأَنَّ فِي مُبَاشَرَتِهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَهُ تَصْحِيحَ نِسْبَةِ الْإِيمَان‏»[5].

التذكير: والتذكير يكون للمؤمن والكافر على حدٍّ سواء؛ أمّا الكافر

 

 


[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص146.

[2] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص161.

[3] سورة هود، الآية 7.

[4] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص301.

[5]  المصدر نفسه، ص305.

 

 

241


229

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

فلردعه عن كفره، وأمّا المؤمن لتذكيره بعبوديّته لله، قال -تعالى-: ﴿وَلَقَد أَخَذنَا ءَالَ فِرعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ﴾[1].

وقال -تعالى-: ﴿أَوَلَا يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُم يَذَّكَّرُونَ﴾[2].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَحْزُنُهُ يُذَكَّرُ بِه‏»[3].

عنه (عليه السلام): «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ يُذَكَّرُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِبَلَاءٍ، إِمَّا فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، أَوْ فِي نَفْسِهِ؛ فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ…»[4].

الخضوع لله: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لَوْلَا ثَلَاثَةٌ فِي ابْنِ آدَم مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ شَيْءٌ: المَرَضُ، وَالمَوْتُ، وَالفَقْرُ…»[5].

دور الأعمال السيّئة في وقوع البلاء

قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُواْ عَن كَثِيرٖ﴾[6].

ومعنى أنّ الله يبتلي الإنسان بما كسبت يدَيه، لا ينافي كون البلاء نعمة له؛ وذلك لأنّ الله يريد للإنسان أن يرى أثر الأفعال السيّئة عليه، فيعمل على التخلّص منها.

 

 


[1]  سورة الأعراف، الآية 130.

[2] سورة التوبة، الآية 126.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص254.

[4]  الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص305.

[5]  المصدر نفسه، ص306.

[6]  سورة الشورى، الآية 30.

 

242


230

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

قال -تعالى-: ﴿أَوَلَمَّا أَصَٰبَتكُم مُّصِيبَةٞ قَد أَصَبتُم مِّثلَيهَا قُلتُم أَنَّىٰ هَٰذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ قَدِيرٞ﴾[1].

قال -تعالى-: ﴿ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِي ٱلبَرِّ وَٱلبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ﴾[2]. وفي قوله: ﴿لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ﴾ إشارة واضحة إلى النعمة المحيطة بالبلاء.

وعن الإمام عليّ (عليه السلام) -وقد خرج للاستسقاء-: «إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ؛ لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِر»[3].

نعمة البلاء

إنّ القاعدة الواردة عن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «مَا مِنْ بَلِيَّةٍ إِلَّا وَللهِ فِيهَا نِعْمَةٌ تُحِيطُ بِهَا»[4]، تكشف أنّ الإنسان المؤمن ينبغي أن ينظر إلى أيّ ابتلاء على أنّه نعمة.

بل عدّ الإمام الكاظم (عليه السلام) ذلك شرطًا من شرائط الإيمان، فقال: «لَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَتَّى تَعُدُّوا الْبَلَاءَ نِعْمَةً وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً؛ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الْبَلَاءِ أَعْظَمُ مِنَ الْغَفْلَةِ عِنْدَ الرَّخَاءِ»[5].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى تَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 165.

[2] سورة الروم، الآية 41.

[3] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص306.

[4] الشيخ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص489.

[5]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج64، ص237.

 

243


231

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

وَالرَّخَاءَ مِحْنَةً؛ لِأَنَّ بَلَاءَ الدُّنْيَا نِعْمَةٌ فِي الْآخِرَةِ وَرَخَاءَ الدُّنْيَا مِحْنَةٌ فِي الْآخِرَة»[1].

عن الإمام عليّ (عليه السلام): «إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُوَالِي عَلَيْكَ الْبَلَاءَ فَاشْكُرْه‏»[2] وعنه (عليه السلام): «إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ عَلَيْكَ النِّعَمَ فَاحْذَرْهُ»[3]. وَمقتضى الشكر أنّ المؤمن ينظر إلى البلاء كنعمة من الله.

تمحيص البلاء للذنوب

عن الإمام عليّ (عليه السلام): «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ تَمْحِيصَ ذُنُوبِ شِيعَتِنَا فِي الدُّنْيَا بِمِحْنَتِهِمْ، لِتَسْلَمَ بِهَا طَاعَاتُهُمْ، وَيَسْتَحِقُّوا عَلَيْهَا ثَوَابَهَا»[4].

ومعنى ذلك أنّ الله يكفّر ذنوب عباده بهذه الإبتلاءات، فيقتصر عقابه لهم في الدنيا بما ينفعهم على تصويب إيمانهم، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): ﴿وَمَا أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم﴾[5]، وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، فَاللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِهِ‏»[6].

وعنه (عليه السلام): «مَا عَاقَبَ اللَّهُ عَبْدًا مُؤْمِنًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، إِلَّا كَانَ أَجْوَدَ وَأَمْجَدَ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عِقَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[7].

 

 


[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص304.

[2] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص136.

[3]  المصدر نفسه.

[4]  الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص306.

[5] سورة الشورى، الآية 30.

[6]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج78، ص188.

[7] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص306.

 

244


232

الموعظة السادسة والثلاثون: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

ضرورة الابتلاء

وضرورته قائمة على كونه العلّة الأساسيّة في تصنيف الناس، عبر كيفيّة انفعالهم مع هذه الابتلاءات. قال -تعالى: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تُترَكُواْ وَلَمَّا يَعلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُم وَلَم يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلمُؤمِنِينَ وَلِيجَةٗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعمَلُونَ﴾[1].

قال -تعالى-: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّىٰ نَعلَمَ ٱلمُجَٰهِدِينَ مِنكُم وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبلُوَاْ أَخبَارَكُم﴾[2].

بل أكثر من ذلك، فإنّ عدم الابتلاء يعني عدم اكتراث الله بهذا الإنسان، وعدم رهانه عليه في أيّ أمرٍ من أمور الدين، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «لَا حَاجَةَ للهِ فِيمَنْ لَيْسَ للهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ نَصِيبٌ»[3].

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يُعَافَى الرَّجُلُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُصِيبَهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الْمَصَائِبِ»[4].

وهذا ما رمى إليه الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: «إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ، قَلَّ الدَّيَّانُونَ»[5]. فالتمحيص بالبلاء وحده يميّز الديّانين من غيرهم.

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 16.

[2]  سورة محّمد، الآية 31.

[3]  الشيخ الطبرسي، مشكاة الانوار في غرر الأخبار، ص505.

[4]  الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص304.

[5] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام)، موسوعة كلمات الامام الحسين (عليهم السلام)، ص432.

 

245


233

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

بيان فلسفة الحجاب وآثاره الفرديّة والاجتماعيّة على المرأة والمجتمع.

محاور الموعظة

معنى الحجاب
أدلّة الحجاب والستر
شروط الحجاب والستر الشرعيّ
فلسفة الحجاب في الإسلام

تصدير الموعظة

﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[1].

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 59.

 

246


234

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

إنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي أعطى المرأة حقوقًا ومزايا تنسجم مع دورها كأنثى (ابنة، أخت، زوجة) لم يعطها من قبله ولا من بعده تشريع أو نظام أيًّا كان هذا التشريع أو النظام. فمهما بلغت معرفة المخلوق فهي ناقصة أمام علم الخالق الذي جعل الرجل والمرأة من نفس واحدة وميّزهما بخصائص -لا تُعدّ نقصًا في جانب دون جانب- يترتّب عليها واجبات والتزامات ليست من باب المفاضلة ولكنّها من قبيل الشيء يتممّ بعضه ويحتاج إليه، وفي ذلك حكمة من الله -سبحانه وتعالى- لإعمار هذا الكون، وإذا كان هناك مجال للتفضيل فقد بيّنه الإسلام في القرآن الكريم في كثير من آياته.

معنى الحجاب

لغةً: حجب: الحِجابُ: السِّتْرُ. وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ[1].

الحجاب في الإسلام: حجاب المرأة في الإسلام يعني أنّه يجب على المرأة أن تستر بدنها عدا (الوجه والكفّين) عند وجود رجل أجنبيّ ينظر إليها، وتلحق به أن لا تظهر زينتها أمام الرجال الأجانب.

أدلّة الحجاب والستر

يجب على المرأة أن تمنع نظر الأجنبيّ إلى كلّ ما عدا الوجه والكفّين من بدنها. وهناك أدلّة من الآيات الشريفة وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) تدلّ على ذلك:

1. قوله-تعالى-: ﴿قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَٰرِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم

 

 


[1] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص298، مادة حجب.

 

247


235

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

ذَٰلِكَ أَزكَىٰ لَهُم إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصنَعُونَ ٣٠ وَقُل لِّلمُؤمِنَٰتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَٰرِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو ءَابَائِهِنَّ أَو ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَٰنِهِنَّ أَو بَنِي إِخوَٰنِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَٰتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيرِ أُوْلِي ٱلإِربَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفلِ ٱلَّذِينَ لَم يَظهَرُواْ عَلَىٰ عَورَٰتِ ٱلنِّسَاءِ وَلَا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾[1].

إنّ كلمة «يغضّوا» مشتقّة من «غض» من باب «ردّ»، وتعني في الأصل التنقيص، وتطلق غالبًا على تخفيض الصوت وتقليل النظر؛ لهذا لم تأمر الآية أن يغمض المؤمنون عيونهم، بل أمرت أن يغضّوا من نظرهم. وهذا التعبير الرائع جاء لينفي غلق العيون بشكل تامّ بحيث لا يعرف الإنسان طريقه بمجرّد مشاهدته امرأة ليست من محارمه، فالواجب عليه أن لا يحدّق فيها، بل أن يرمي ببصره إلى الأرض، ويصدق فيه القول إنّه غضّ من نظره وأبعد ذلك المنظر من مخيّلته.

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم لم يحدّد الشيء الذي يستوجب غضّ النظر عنه. (أي إنّه حذف متعلّق الفعل) ليكون دليلًا على عموميّته. أي غضّ النظر عن جميع الأشياء التي حرّم الله النظر إليها. ولكنّ سياق الكلام في هذه الآيات، وخاصّة في الآية الآتية التي

 

 


[1] سورة النور، الآيتان 30 – 31.

 

 

248


236

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

تتحدّث عن قضية الحجاب، يوضّح لنا جيّدًا أنّها تقصد النظر إلى النساء غير المحارم، ويؤكّد هذا المعنى سبب النزول الذي ذكرناه سابقًا.

ويتّضح لنا ممّا سبق، أنّ مفهوم الآية ليس هو حرمة النظر الحادّ إلى النساء غير المحارم، ليتصوّر بعض الناس أنّ النظر الطبيعيّ إلى غير المحارم مسموح به، بل إنّ نظر الإنسان يمتّد إلى حيّز واسع ويشمل دائرة واسعة، فإذا وجد امرأة من غير المحارم عليه أن يخرجها عن دائرة نظره، وألّا ينظر إليها، ويواصل السير بعين مفتوحة، وهذا هو مفهوم غضّ النظر[1].

وهذه الآية الكريمة تتناول عدّةَ أمور:

أ-ينبغي للمؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.

ب-يجب على الرجال والنساء حفظ الفروج، فالمطلوب الاجتهاد في حفظ العفاف والطهر.

ج-يجب ستر الزينة، وهناك نوعان من الزينة، خفيّة وظاهرة، والخفيّة هي ما تكون مخفيّة تحت الثياب مستورة عن نظر الناظرين، كالعقد والقراط (الحلق) ولون الشعر والثياب المستورة التي فيها زينة. والظاهرة هي الوجه والكفّان، حيث سُئل الإمام الصادق (عليه السلام)

 

 


[1] الشيخ الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج11، ص75.

 

249


237

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

عمّا تُظهرْ المرأة من زينتها؟ فقال (عليه السلام): «الوجه والكفّين»[1]. وهذا يعني وجوب ستر البدن كلّه باستثناء الوجه والكفّين.

ثم يعقّب -تعالى- بعد ذلك بقوله: ﴿وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾. والخُمر: جمع خمار، وهو ثوب تُغطّي به المرأة رأسها ورقبتها، والجيوب جمع جيب وهو من القميص موضع الشقّ الذي ينفتح على المنحر والصدر، ويقال: إنّ النساء في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) كنّ يلبسن ثيابًا مفتوحة الجيب، وكنّ يلقين الخُمر ويسدلنها خلف رؤوسهنّ فتظهر آذانهنّ وأقراطهنّ ورقابهنّ وشيء من نحورهنّ للناظرين، فأمرت الآية بضرب خمرهنّ على جيوبهنّ، أي يُلقين بما زاد من غطاء الرأس على صدورهنّ حتّى يسترن بذلك آذانهنّ وأقراطهنّ وصدورهنّ.

2. ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾.[2]

وفي هذه الآية أمر واضح بضرورة إسدال الجلابيب، فما معنى الجلابيب، وكيف يكون الإسدال؟

الجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطّي جميع بدنها، ويطلق أيضًا على الخمار، والظاهر أنّه استعمل هنا بمعنى الخمار، فإسدالها: ستر الجيوب بها، فهي تشير إلى ما هو مذكور في الآية السابقة. وأضيف إليها هنا: ﴿ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ﴾.

 

 


[1] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، ص82.

[2]  سورة الأحزاب، الآية 59.

 

250


238

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

والمقصود: أن يعرفن بالستر والصلاح، فلا يتعرّض لهنَّ؛ لأنَّ الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرّض لها[1].

شروط الحجاب والستر الشرعيّ

أ. أن يكون اللباس واسعًا فضفاضًا: أي غير ضيّق حتّى لا يصف شيئًا من جسمها أو يظهر أماكن الفتنة من الجسم.

ب. أن يكون مستوعبًا لجميع البدن باستثناء الوجه والكفّين. قال -تعالى-: ﴿وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا﴾، ألّا يكون الحجاب زينة في نفسه لقوله -تعالى- ﴿وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا﴾.

ج. أن لا يترتّب على اللباس بعض العناوين الفاسدة: كالتشبّه بالكفّار، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) -عن آبائه (عليهم السلام)-: «أوحى الله إلى نبيّ من الأنّبياء أنْ قُل لقومك: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي»[2].

ويظهر من الرواية أنّ من تشبّه بقوم وتأثّر بهم بالقليللم يأمن على نفسه الزيادة في هذا الأمر حتّى يكون منقادًا لكلّ ما يفعلونه أو يأتون به.

تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس، عن الإمام الصادق (عليه السلام) -عن آبائه (عليهم السلام)-:«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، وينهى المرأة عن أن تتشبّه بالرجال في لباسها»[3].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج22، ص186.

[2]  الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص348.

[3] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص118.

 

251


239

الموعظة السابعة والثلاثون: الحجاب عفّة وصلاح

د. ألّا يكون لباس شهرة: وهو اللباس الذي لا يتوقّع من الشخص أن يرتديه من أجل لونه أو كيفيّة خياطته أو من أجل كونه خلِقا أو غير ذلك، بحيث لو ارتداه على مرأًى من الناس ومنظرهم لفت أنظارهم إلى نفسه وأشير إليه بالبنان[1].

ولباس الشهرة في المصطلح الفقهيّ هو اللباس الذي يثير الاستهجان والاستقباح عند عامّة الناس في البلد وبتعبير آخر هو اللباس الذي يعرّض صاحبه للتشهير والتشنيع وحديث الناس.

هـ. ويشمل اللباس الذي يتزيّا فيه الرجل بزيّ المرأة أو العكس، بحيث يصدق عليه تأنُّث الرجل واسترجال المرأة.

وهو محرّم حيث يعرّض صاحبه إلى الهتك والإذلال، حيث يحرم على المؤمن أن يهتك نفسه وأن يذلّها، ولكن إذا أصبح هذا الزيّ الجديد المتوافر على الشروط الشرعيّة زيّا مألوفًا لا يوجب التشهير والاستقباح والاستهجان خرج عن كونه «لباس شهرة» وخرج عن كونه محرّمًا.

 

 

فلسفة الحجاب في الإسلام

إنّ الحجاب في الإسلام جزء من الأحكام التي ترتبط بنظرة الإسلام إلى المرأة والمجتمع، وبالتالي تشكّل هذه الأحكام مجتمعة رؤية الإسلام إلى المرأة وأدوارها المختلفة في الحياة والمجتمع. وللحجاب -كحكم خاصّ بالمرأة- بحدّ ذاته فلسفة خاصّة ترتبط بالمرأة والمجتمع، يمكن إيجازها، بالآتي:

 

 


[1] الإمام الخامنئيّ، أجوبة الاستفتاءات، س282.

 

252


240

شاهد أيضاً

كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه 10

فقلت: الحمار، فقال: أحب ان تؤثرني به، قلت: قد فعلت فركب وركبت. ولما خرجنا من ...