مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) – الشيخ جعفر السبحاني – ج 1٠
3 ساعات مضت
القرآن الكريم
8 زيارة
مظاهر عدله في عالم الخلقة.
* 2 – الجبال وحركاتها وليس رفع السماوات وإبداعها وتنظيم حركاتها هو الوحيد في كونه مظهرا لعدله سبحانه في التكوين، بل إبداع الجبال وإيجادها مظهر آخر من مظاهر التوازن والتعادل في الخلقة.
يقول سبحانه: * (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) *. (1) وقال سبحانه: * (والجبال أوتادا) *. (2) إن الرواسي التي استخدمها القرآن جمع ” راسية “، والمراد منها الأنجر التي هي مرساة السفينة، فللجبال دور المرساة، فكما أنها تحول دون اضطراب السفينة وتقاذفها من قبل أمواج البحر العاتية، فهكذا الجبال لها دور في تنظيم حركة الأرض.
وإلى هذا الحقيقة يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه، ويقول: ” وتد بالصخور ميدان أرضه “. (3) وقال عليه السلام أيضا: ” وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها “. (4) * 3 – الحياة وتوازنها الدقيق إن من مظاهر عدله سبحانه وجود الحياة في الأرض، وهي رهن توفر
(١) النحل: ١٥. وقد جاءت أيضا بنفس العبارة في سورة لقمان الآية 10.
(2) النبأ: 7.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 1 – (4) نهج البلاغة: الخطبة 87.
(٢٤)
الظروف المناسبة لها، مثلا إن الفاصلة الدقيقة بين الشمس والأرض هيأت أجواء مناسبة لنمو ورشد الخلايا، وهذه ما كان لها أن تنمو لو طرأ على تلك الفاصلة أدنى تغيير. وهذا يرشدك إلى توازن دقيق للغاية بين السماء والأرض.
واعطف نظرك إلى النباتات والحيوانات، فإن حياة الحيوان رهن استنشاق غاز الأوكسجين (o 2) الذي تولده النباتات، وحياة النبات رهن استنشاق غاز ثاني أوكسيد الكاربون (CO 2) الذي تولده الحيوانات من خلال تنفسها، فالتوازن الموجود بين الإنتاج والاستهلاك مهد المناخ المناسب لحياة كل من النبات والحيوان، فلو كانت الأرض محتضنة للحيوان فقط أو للنبات فقط لما قامت للحياة قائمة.
فالتوازن القائم بين الغازين على وجه البسيطة مظهر من مظاهر عدله سبحانه، يقول سبحانه: * (وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) * (1) ويزخر عالم النباتات والحيوانات بعدد لا حصر له من هذا النوع من التوازن والتعادل، وها نحن نذكر نموذجا آخر.
كان الملاحون يعانون من مرض تشقق الجلد وسيلان الدم منه، وسببه يعود إلى قلة الفيتامينات في أبدانهم، إلى أن اكتشف أحد الأخصائيين في ” مدغشقر ” أن علاجه الوحيد هو تناول وجبات كافية من الليمون والنارنج، ففيها كميات هائلة من تلك الفيتامينات، وبذلك نجا الملاحون من هذا المرض الذي كانوا يعانون منه.
(١) لقمان: ١٠.
(٢٥)
2025-09-10