لقد سبق زعمكم أنّ التشيّع مذهب سياسي ، ولا أساس له في الدين ، ونحن أثبتنا وهن هذا الكلام وبطلانه ، بنقل الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة التي يذكر النبي صلى الله عليه وآله فيها شيعة عليّ عليه السلام بالفوز والفلاح ويعدهم الجنّة .
وأثبتنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو مؤسّس مذهب الشيعة ، وهو واضع أساسه ، وهو الذي سمّى موالي الإمام عليّ عليه السلام وأتباعه بالشيعة ، حتى صار هذا الاسم علماً لهم في حياته صلى الله عليه وآله ، واستندنا في كلّ ذلك على الروايات المعتبرة المرويّة في كتبكم ، المقبولة لديكم ، والتي تعتمدون عليها كلّكم .
والآن أقول لكم بصراحة : إن مذاهبكم الأربعة هي مذاهب سياسية ليس لها أساس في الدين ، وهذا ثابت لأهل التقوى واليقين .
فإن كنتم لا تعلمون أساس التزامكم بالمذاهب الأربعة وانحصار الإسلام الحنيف فيها كما تزعمون فراجعوا التاريخ وطالعوه بدقّة وتحقيق حتى تعرفوا إنّما وجدت المذاهب الأربعة بدواعٍ سياسية ، وكان الهدف منها ابتعاد المسلمين عن أهل البيت عليهم السلام وغلق مدرستهم العلمية !
هذا ما كان يبتغيه السلطان الظالم الغاصب الذي تسمّوه : ” الخليفة ” لاَنّ الخلفاء كانوا يرون أهل البيت عليهم السلام منافسين لهم في الحكم والسلطة ، فهم يحكمون الناس بالقوّة والقهر والسوط والسيف ، ولكنّ الناس يميلون إلى أهل البيت عليهم السلام بالرغبة والمحبّة قربة إلى الله تعالى فيطيعونهم ويأخذون بأقوالهم ويتّبعونهم في مسائل الحلال والحرام ، وكلّ أحكام الإسلام .
فأهل البيت عليهم السلام هم أصحاب السلطة الشرعية والحكومة الروحية المهيمنة على النفوس والقلوب عند الناس ، فلأجل القضاء على هذه الحالة ـ التي جعلت الخلفاء في حذر وخوف دائم ، وسلبت منهم النوم والراحة ـ بادروا إلى تأسيس المذاهب الأربعة ، واعترفت السلطات الحكومية والجهات السياسية بها دون غيرها ، وأعطتها الطابع الرسمي ، وحاربت سواها بكلّ قوّة وقسوة .
وأصدرت قرارات رسمية تأمر الناس بالأخذ بقول أحد الأئمة الأربعة ، وأمرت القضاة أن يحكموا على رأي أحدهم ويتركوا أقوال الفقهاء الآخرين ، هكذا انحصر الإسلام بالمذاهب الأربعة ، وإلى هذا اليوم أنتم أيضاً تسيرون على تلك القرارات الظالمة التي ما أنزل الله بها من سلطان ؟ !
والعجيب أنّكم ترفضون كلّ مسلم مؤمن يعمل بالأحكام الدينية على غير رأي الأئمة الأربعة ، حتى إذا كان يعمل برأي الإمام عليّ بن أبي طالب والعترة الهادية عليهم السلام كمذهب الشيعة الأمامية .
فإنّ الشيعة سائرون على منهج أهل البيت والخطّ الذي رسمه النبي صلى الله عليه وآله ، فيأخذون دينهم من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي تربّى في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو باب علمه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بمتابعته والأخذ منه ، والأئمّة الأربعة بعد لم يُخلقوا ، فقد جاؤا بعد رسول الله بعهد طويل ، مائة عام أو أكثر ، مع ذلك تزعمون أنّكم على حقّ والشيعة على باطل ! !
أمَا قال النبي صلى الله عليه وآله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً(2) ؟!
فانظروا وفكّروا .. من المتمسّك بالثقلين ، نحن أم أنتم ؟ !
أما قال النبي صلى الله عليه وآله : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ـ وفي رواية : هلك(3) فمن المتخلّف عنهم ، نحن أم أنتم .
هل الأئمة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام ؟ ! أم الإمام علي عليه السلام ، والحسن والحسين عليهما السلام ريحانتا النبي صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة ؟ !
أما قال النبي صلى الله عليه وآله فيهما : فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم(4) ؟!
ثم يقول ابن حجر في ” تنبيه ” له على الحديث : سمّى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القرآن وعترته .. ثقلين ، لاَنّ الثقل : كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعيّة ، ولذا حثّ صلى الله عليه [وآله] وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم .
وقيل سُمِّيا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما ، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم ، إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى ورود الحوض ، ويؤيّده الخبر السابق : ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم .
وتَميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء ، لاَنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها .. إلى آخر ما قاله ابن حجر .
وما لي لا أتعجّب منه ومن أمثاله وما أكثرهم في علمائكم ! فإنّه مع إذعانه وإقراره بأنّ أهل البيت عليهم السلام يجب أن يقدَّموا على مَن سواهم ، ويجب أن تأخذ الأمة منهم أحكام دينها ومسائلها الشرعية ، لكنّه قدّم أبا الحسن الاَشعري عليهم وأخذ منه أصول دينه ، وقدّم الأئمة الأربعة ، وأخذ أحكام الشريعة المقدّسة منهم لا من أهل البيت عليهم السلام ! !
وهذا نابع من العناد والتعصّب واللجاج ، أعاذنا الله تعالى منها .