الرئيسية / شخصيات اسلامية / العلماء ورثة الانبياء

العلماء ورثة الانبياء

أبو منصور الشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشيخ زين الدين الشهيد
ذكره في الأصل 1 ) ، وذكره سبطه الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ
حسن بن زين الدين في الدر المنثور ، وسيأتي ما ذكره تفصيلا 2 ) .
ولما مات الشهيد زين الدين كفل الشيخ حسن جدنا الاعلى السيد علي بن
الحسين المشتهر بابن أبى الحسن تلميذ الشهيد والد السيد محمد صاحب المدارك
ووالد جدنا السيد علي نور الدين ، وكان الشيخ حسن ربيبه ، تزوج بأمه وأولدها
جدنا السيد نور الدين ، فالشيخ حسن أخو جدنا السيد نور الدين لامه والسيد
صاحب المدارك أخو جدنا لأبيه .
وكان الشيخ زين الدين الشهيد زوج ابنته من زوجته الأولى جدنا الاعلى
السيد علي بن السيد حسين فأولدها السيد محمد صاحب المدارك ، ولذا يعبر
عن الشهيد الثاني صاحب المدارك بجدنا . فالشيخ حسن خال السيد محمد
صاحب المدارك وأخو أخيه جدنا السيد نور الدين .
وأيضا الشيخ حسن قدس سره جدنا من قبل بعض الأمهات ، فان أم جدي
السيد محمد علي وأخيه السيد صدر الدين بنت الشيخ علي بن الشيخ يحيى بن
الشيخ علي صاحب الدر المنثور ابن الشيخ محمد بن الشيخ حسن صاحب
المعالم .
وكان الشيخ حسن صاحب المعالم والسيد محمد صاحب المدارك كفرسي
رهان ورضيعي لبان ، وكانا متآخيين في الله بحيث إذا سبق أحدهما المسجد
وجاء الاخر اقتدى به ، وهاجرا إلى النجف واشتركا في الدرس على المقدس
الأردبيلي ، وكانا سألاه أن يعلمهما ما هو دخيل في الاجتهاد ، فأجابهما إلى ذلك ،
فأعلمهما أولا شيئا من المنطق وأشكاله الضرورية ، ثم شرح العميدي على تهذيب
الأصول الا ما لا دخل له في الاجتهاد من مباحثه ، وكان المقدس حينئذ مشغولا
بشرحه على الارشاد وكان يعطيهما أجزاء منه ويأمرهما بالنظر فيها واصلاحها .
ويظهر من تاريخ تملك صاحب المعالم للجمهرة التي عندي وعليها خطه
أنه اشتراها في الغري في أوائل شهر رمضان من سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة أن
عمره حينئذ أربعة وعشرين سنة ، لان تولده كان تسع وخمسين وتسعمائة ، فيكون
مهاجرته إلى العراق في ذلك السن .
والمحكي في غير موضع أنهما لم يبقيا في النجف الا مدة قليلة سنتين أو
أكثر بقليل ، وعلى ما ذكره السيد المعاصر في الروضات من أن قدومهما الغري
كان سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة يكون مكثهما أكثر من عشر سنين ( 21 . وهو
وهم قطعا ، فان ذلك هو تاريخ وفاة أستاذهما المقدس الأردبيلي وقد نص الشيخ
علي السبط في الدر المنثور أن الشيخ حسن لما رجع إلى البلاد صنف المعالم
والمنتقى وأرسلهما إلى أستاذه ووصلا قبل وفاة ملا احمد رحمه الله . انتهى .
وأما ما ذكره الشيخ علي السبط في ترجمة جده في الدر المنثور هذا
صورته ، قال :
أن الشيخ حسن رحمه الله كان فاضلا محقق ومتقنا مدققا وزاهدا تقيا وعالما
رضيا وفاضلا ذكيا ، بلغ من التقوى والورع أقصاهما ومن الزهد والقناعة منتهاهما
ومن الفضل والكمال ذروتهما وأسناهم .
وحق على ابن الصقر ان يشبه الصقرا
كان لا يحوز قوت أكثر من أسبوع – أو شهر الشك مني فيما نقلته عن الثقات
– لأجل القرب إلى مواساة الفقراء والبعد عن التشبه بالأغنياء ، وشاهدي على
حاله وفضله ما حرره من المصنفات وحققه من المؤلفات ، فمن عرفها حق المعرفة
أذعن بثبوت دعوى هذه الصفة .
كان ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ويبذل جهده في تحقيق ما ألفه
وتحبيره ، فتظلع من علوم الحديث والرجال والفقه والأصول مستغنيا بما يحتاج
إليه مما سواها من المعقول والمنقول .
كان هو والسيد الجليل السيد محمد ابن أخته قدس الله روحيهما في التحصيل
كفرسي رهان ورضيعي لبان ، وكان متقاربين في السن ، وبقي بعد السيد محمد
بقدر تفاوت ما بينهما في السن تقريبا ، وكتب على قبر السيد محمد ” من المؤمنين
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومهم من ينتظر وما بدلوا
تبديلا ” ، ورثاه بأبيات كتبها على قبره ، وهي قوله – وربما كان في بعض
الألفاظ تغييرا ما – :
لهفي لرهن ضريح صار كالعلم * للجود والمجد والمعروف والكرم
قد كن للدين شمسا يستضاء به * محمد ذو المزايا طاهر الشيم
سقى ثراه وهناه الكرامة والريحان * والروح طرا بارئ النسم
والحق أن بينهما فرقا في دقة النظر يظهر لمن تأمل مصنفاتهما ، وأن الشيخ
حسن كان أدق نظرا وأجمع من أنواع العلوم ، وكان مدة حياتهما إذا اتفق سبق
أحد منهما إلى المسجد وجاء الاخر بعده يقتدي به في الصلاة ، وكان كل منهما
إذا صنف شيئا يرسل أجزاءه إلى الاخر وبعده يجتمعان على ما يوجب البحث
والتحرير . رحمهما الله تعالى . ومثل هذا عزيز وقوعه من أبناء الزمان . وكان
إذا رجح أحدهما مسألة وسئل عنها غير يقول : ارجعوا إليه فقد كفاني مؤنتها .
استشهد والده قدس سره في سنة خمس وستين وتسعمائة كما تقدم نقله .
وبخطه الشريف عندي ما صورته :
” مولد العبد الفقير إلى عفو الله وكرمه حسن بن زين الدين بن علي بن
أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين عفى الله عن سيئاتهم وضاعف حسناتهم
في العشر الأخير من شهر الله الأعظم شهر رمضان سنة تسع وخمسين وتسعمائة .
اللهم اختم بخير فإنك ولي كل خير ” .
وبخطه أيضا ما لفظه :
” وبخط والدي رحمه الله بعد ذكر تواريخ اخوتي ما هذا لفظه : ولد أخوه
حسن أبو منصور جمال الدين عشية الجمعة سابع عشري من شهر رمضان
المعظم سنة تسع وخمسين وتسعمائة والشمس في ثالثة الميزان والطالع زحل .
اجعل اللهم خلقتنا إلى خير يا من بيده كل خير ” .
( فيكون سنه الشريف وقت وفاة والده قريبا من ست سنين ) 1 )
وقد تقدم عن سيد علي الصائغ رحمه الله أن وفاة والده كانت في رجب
( فيكون سنه ذلك الوقت أربع سنين وأشهرا ) 2 ) ، وقد كان والده قدس الله
روحه على ما بلغني من جماعة من مشايخنا وغيرهم له الاعتقاد التام في المرحوم
المبرور العالم العامل السيد علي الصائغ وانه كان يرجو من فضل الله أن رزقه الله
ولدا أن يكون مربيه ومعلمه السيد علي المذكور ، فحقق الله رجاه وتولى السيد
علي الصائغ والسيد علي بن أبي الحسن رحمهما الله تربيته إلى أن كبر وقرأ عليهما ،

خصوصا على السيد علي الصائغ هو والسيد محمد أكثر العلوم التي استفادها
من والده من معقول ومنقول وفروع وأصول وعربية ورياضي ، ولما انتقل السيد
علي إلى رحمة الله ورد الفاضل الكامل مولانا عبد الله اليزدي تلك البلاد فقرءا
عليه في المنطق والمطول وحاشية الخطائي وحاشيته عليها ، وقرءا عنده تهذيب
المنطق ، وكان يكتب عليه حاشية في تلك الأوقات وهي عندي بخط الشيخ حسن ،
وبلغني أن ملا عبد الله كان يقرا عليهما في الفقه والحديث .
ثم سافر هو والسيد محمد إلى العراق إلى عند مولانا احمد الأردبيلي قدس
الله روحه ، فقالا له : نحن ما يمكننا الإقامة مدة طويلة ونريد أن نقرأ عليك على
وجه نذكره ان رأيت ذلك صلاحا . قال : ما هو ؟ قالا : نحن نطالع وكل ما نفهمه
ما نحتاج معه إلى تقرير بل نقرأ العبارة ولا نقف وما يحتاج إلى البحث والتقرير
فتكلم فيه . فأعجبه ذلك وقرءا عنده كتبا في الأصول والمنطق والكلام وغيرها مثل
شرح المختصر للعضدي وشرح الشمسية مع حاشيته وشرح المطالع وغيره .
وكان قدس الله روحه يكتب شرحا على الارشاد ويعطيهما أجزاء منه ويقول :
أنظروا في عباراته وأصلحوا منها ما شئتم فاني أعلم أن بعض عبارتي غير فصيح .
فانظروا إلى حسن هذه النفس الشريفة .
وكان جماعة من تلامذة ملا احمد يقرأون عليه شرح المختصر للعضدي
وقد مضى لهم مدة طويلة وبقي منه ما يقتضي صرف مدة طويلة أخرى حتى يتم ،
وهما إذا قرءا يتصفحان أوراقا حال القراءة من غير سؤال وبحث ، وكان يظهر
من تلامذته تبسم على وجه الاستهزاء بهما على هذا النحو من القراءة ، فلما
عرف ذلك منهم تألم كثيرا منهم وقال لهم : عن قريب يتوجهون إلى بلادهم
وتأتيكم مصنفاتهم وأنتم تقرأون في شرح المختصر .
وكانت إقامتهما مدة قليلة لم يحضرني قدرها ، ولما رجعا صنف الشيخ
حسن المعالم والمنتقى والسيد محمد المدارك ، ووصل بعض ذلك إلى العراق
قبل وفاة ملا احمد رحمه الله .
وطلب الشيخ حسن من مولانا احمد شيئا من خطه ليكون عنده ياد گارأ 1 ) ،
فكتب له بعض أحاديث في الصحيفة التي عندي بخطه قدر ورقة ، وكتب في
آخرها ” كتبه العبد احمد لمولاه امتثالا لامره ورجاءا لتذكره وعدم نسيانه إياه
في خلواته وعقيب صلواته ، وفقه الله لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه بمحمد وآله ،
وصلى الله عليه وآله ” انتهى .
وفي تلك الصحيفة ( صفحة ) بخط الشيخ الجليل الشيخ بهاء الدين قدس
الله روحه كتب فيها كلمات حكيمة ، وفي آخرها ” كتب هذه الكلمات امتثالا
لأمر ( سيده ) صاحب الكتاب حرس مجده وكبت ضده أقل العباد بهاء الدين
الجباعي أصلح الله شانه ، سائلا منه اجراءه على خاطره الخطير وعدم محوه عن
لوح ضميره المنير ، سيما في محال الإنابات ومظان الإجابات ، وذلك سنة
ثلاث وثمانين وتسعمائة ” انتهى .
وكان اجتماعهما في كرك نوح لما سافر الشيخ بهاء الدين إلى تلك البلاد .
ولما رجع من العراق اشتغل بالتدريس والتصنيف ، وقرأ عليه والدي
جملة من كتب العلوم معقولا ومنقولا وفروعا وأصولا ، حتى أنه قرأ عليه شرح
الشرائع من أوله إلى آخره على ما بلغني والمنتقى والمعالم وغيرهما وتخرج
عليه ، وقرأ مدارك السيد محمد وشرح مختصره عليه وغيره ذلك .
واستفاد من جدي ( المرحوم ) جماعة كثيرة من الفضلاء ، مثل السيد نور
الدين والشيخ ونجيب الدين والشيخ حسين بن الظهير وغيرهم ، وذكرهم جميعا
يحوج إلى التطويل .
جده من جهة أمه الشيخ الكامل الفاضل صاحب الذهن الوقاد والفكر النقاد
والفطرة السليمة الشيخ محيي الدين قدس الله نفسه .
ولقد بلغني عن بعض فضلاء العجم – وهو خليفة سلطان قدس الله روحه
وكان مصنفا ومتصديا لتدريس المعالم وشرح اللمعة ومطالعة كتب مصنفيهما وكان
له فيهما اعتقاد حسن – أنه قال يوما ما معناه : كنت أسمع أن الشيخ حسن توفي
في أثناء تصنيف المنتقى والمعالم ، ومن كان هكذا فكره وتحقيقه ليس عجبا
وفاته في مثل هذا التصنيف والفكر فيه .
وله قدس سره مصنفات وفوائد ( ورسائل ) وخطب اطلعت منها على كتاب
” منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ” مجلدان ، وكتاب ” معالم
الدين وملاذ المجتهدين ” مقدمته أصول وبرز من فروعه مجلد ، و ” حاشية على
مختلف الشيعة ” ( مجلد ) عندي بخطه ، وكتاب ” مشكاة القول السديد في تحقيق
معنى الاجتهاد والتقليد ” ذهب فيما ذهب من الكتب ، وكتاب ” الإجازات ” ،
و ” التحرير الطاوسي ” في الرجال مجلد ، ورسالة ” الاثنا عشرية ” في الطهارة
والصلاة ، وله ” ديوان شعر ” كان في بلادنا بخطه سمعت أنه ( باق ) عند أولاد
الشيخ نجيب الدين مجلد ، و ” مجموع ” جمعه بخطه يحتوي على نفائس الشعر
والفرائد له ولغيره وهو عندنا بخطه ، و ” مجموع ” آخر بخطه انتخب فيه من
فصول نسيم الصبا عشرة فصول وفيه فوائد وحكايات وأشعار ، ( وكان عندنا
بخطه كتب كثيرة بقي منها القليل ) .
انتقل إلى جوار الله في سنة إحدى عشرة بعد الألف ، ولا يحضرني خصوص
الشهر واليوم ، ودفن في بلدة جبع . قدس الله روحه ونور ضريحه ، فيكون
سنه اثنتين وخمسين سنة وشيئا .
ثم حكى قطعة من شعره المذكور في الأصل ، ثم قال : وقد سمعت من
بعض مشايخنا وغيرهم أنه لما حج كان يقول لأصحابه : نرجو من الله سبحانه
أن نرى صاحب الامر عليه السلام فإنه يحج في كل سنة فلما وقف بعرفة أمر
أصحابه أن يخرجوا من الخيمة ليتفرغ لأدعية عرفة ويجلسوا خارجا مشغولين
( بالدعاء ) ، فبينما هو جالس إذ دخل عليه رجل لا يعرفه فسلم وجلس . قال :
فهبت منه ولم أقدر على الكلام ، فكلمني بكلام نقل لي ولا يحضرني الان وقام ،
فلما قام وخرج خطر ببالي ما كنت رجوته وقمت سريعا فلم أره ، وسألت أصحابي
فقالوا : ما رأينا أحدا دخل عليك ، وهذا معنى ما سمعته . والله أعلم . انتهى 1 ) .
وعندي من شعره أبيات غير ما ذكره في الأصل وغير ما في الدر المنثور ،
وهي قوله :
لحسن وجهك للعشاق آيات * ومن لحاظك قد قامت قيامات
يا ظالما في الهوى حكمت مقلته * في مهجتي فبدت منها جنايات
تفديك نفسي هل للهجر من أمد * يقضي وهل لاجتماع الشمل ميقات
ما العيش إلا ليال بالحمى سلفت * يا ليتها رجعت تلك اللييلات
ساعات وصل بطيب الوصل قد سمحت * تجمعت عندنا فيها المسرات
نامت صروف الليالي عن تقلبها * بنا فكم قضيت فيها لبانات
سقيا لها من سويعات نظن بها * إذ صفوة العمر هاتيك السويعات
ما كنت أحسب أن الدهر يسلبها * وانه لحبال الوصل بتات
ولم أكن قبل آن الهجر معتقدا * أن الحبيب له بالوصل عادات
كم قد شكوت له وجدي عليه فلم * يسمع ولم تجد لي تلك الشكايات
وكم نثرت عقود الدمع مرتجيا * لعطفه وهو ثاني العطف بتات
كيف احتيالي فيمن لا يرققه * ذاك الصريخ ولا هذى الإشارات
ظبى من الانس في جنات وجنته * تفتحت من زهور الروض وردات
يصطاد باللحظ منا كل جارحة * وكل قلب به منا جراحات
يا لائمي بالهوى جهلا بمعذرتي * دع عنك لومي فما تجدي الملامات
ان الملامة ليست لي بنافعة * من بعد ما عبثت في الصبابات
حان الرحيل من الدنيا فقد ظهرت * من المشيب له عندي أمارات
يا ضيعة العمر لم أعمل لآخرتي * خيرا ولا لي في دنياي لذات
وتوفي أول محرم سنة إحدى عشرة بعد الألف في جبع ودفن قرب تربة
صاحب المدارك وقبرهما مزار إلى اليوم .
وقد وهم صاحب حدائق المقربين حيث زعم أن وفاته في النجف الأشرف .

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...