الرئيسية / الاسلام والحياة / الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

(غزوة تبوك):

77 – أخْبَرَنا أبو محمد هبة اللَّه بن أحمد الأكفاني، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني، أنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر، وأبو نصر محمد بن أحمد بن هارون بن الجندي، قالا: أنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب، أنا أحمد بن أبراهيم القرشي،

 

 

أنا محمد بن عايذ، أخبرني محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعث رسول اللَّه(ص) بعد خروجه من الطائف ستة أشهر، ثم اُمر بغزوة تبوك. وهي التي ذكر اللَّه ساعة العسرة وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق وكثر أصحاب الصفة – والصفة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه فتأتيهم صدقة النبي(ص) والمسلمين، وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجل الرجل أو ما شاء اللَّه يشبعه. فجهزوهم وغزوا معهم واحتسبوا عليهم – فأمر رسول اللَّه(ص)

 

 

المسلمين بالنفقة في سبيل اللَّه والحسبة، فانفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ(49) عبد الرحمن بن عوف تصدق بمائتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمائة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً(50) من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللَّه إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اخترب، ما ترك لأهله شيئاً. فسأله رسول اللَّه(ص): «هل تركت لأهلك شيئاً؟» قال: نعم، أكثر ممَّ أنفقته وما طيب‏(51) قال: «كم؟» قال: ما وعد اللَّه ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل بصاع من تمر فتصدق.

 
وعمد المنافقون حين رأوا الصدقات، فإذا كانت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به، وقالوا : مراءٍ، وإذا تصدق الرجل بيسير من طاقته تمر، قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به. فلما جاء أبوعقيل بصاعه من تمر قال: بت ليلتي آخر بالخرير(52) على صاعين، واللَّه ما كان عندي من شي‏ء غيره – وهو يعتذر هو يستحي – فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي. فقال المنافقون: هذا أفقر إلى صاعه من غيره.

 

 

وهم في ذلك ينتظرون يصيبون من الصدقات غنيهم وفقيرهم. فلما أزف خروج رسول اللَّه(ص) أكثروا الاستئذان وشكوا شدة الحر، وخافوا،-زعموا – الفتنة إن غزوا ويحلفون باللَّه على الكذب. فجعل رسول اللَّه(ص) يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم. وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر، وهو عند هرقل قد لحق به وكِنَانة بن عبد ياليل وعلقمة بن عُلاثَة العامري. وسورة براءة تنزل في ذلك أرسالاً. ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد. فلما أنزل اللَّه عز وجل: «انفروا خفافاً وثقالاً»(53)

 

 

اشتكى الضعيف الناصح للَّه ولرسوله، والمريض والفقير إلى رسول‏اللَّه(ص)، وقالوا: هذا أمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك. وتخلف رجال مُستيقنين، ولا ذوي علة. ونزلت هذه السورة بالتبيان والتفصيل في شأن رسول اللَّه(ص) (ينظر هنا)(54) بمن اتبعه حتى بلغ تبوك، فبعث منها علقمة ابن مُجَزَّز المدلجي إلى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد الى دومة الجَنْدلَ فقال: اسرع لعلك ان تجده خارجاً يتقنص فتأخذه، فوجده فأخذه وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء، فإذا بلغهم أن المسلمين أصابهم جهد وبلاء تباشروا به وفرحوا وقالوا: قد كنا نعلم ذلك ونحذر منه،

 

 

وإذا أُخبروا بسلامة منهم وخير أصابوه حزنوا. وعرف ذلك منهم كل عدوّ لهم بالمدينة فلم يبق أحد من المنافقين أعرابي ولا غيره إلا استخف بعمل خبيث، ومنزلة خبيثة واستعلن، ولم يبق ذو علّة إلا هو ينتظر الفرج فيما ينزل اللَّه في كتابه. ولم تزل سورة براءة تنزل حتى ظن المؤمنون الظنون، وأشفقوا أن لا تفلت منهم كبير أحد أذنب في شأن التوبة قط ذنباً إلا أنزل فيه أمر بلاء، حتى انقضت وقد وقع كل عامل تبيان منزله من الهدى والضلالة(55).

 
78 – أخْبَرَنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسين بن النَقُّور، أنا أبو طاهر المخلص، أنا رضوان بن أحمد – إجازة – أنا أحمد بن عبد الجبار، أنا يونس، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري، عن الزُّهري أنَّ قائد كعب ابن مالك الذي كان يقود به حين عمي حدثه قال: حدثني كعب بن مالك عن رسول الله(ص) أنه كان إذا أراد المسير في الغزاة أذن في المسلمين بالجهاز وكتمهم أين يجاهدون مكيدة للعدو. وما كان رسول الله(ص) يؤذن بالجهاز إلَّا وعندي بعير فأقوى به على الخروج معه. حتى كانت تبوك فكانت في حر شديد وحين أقبلت التمرة – فأذن رسول للَّه(ص) بالجهاز إلى تبوك وبيَّنها للمسلمين. ووافق ذلك عندي بعيرين، فرأيتُ أني قوي على الخروج، فتجهز رسول الله(ص) والمسلمون، وأغدُو أنا لأتجهز فوالله لكأنما أربط فأرجع وما قطعتُ شعرة وعندي بعيران، وأنا أرى أني قويّ على الخروج إذا أردتُ. فخرج رسول الله(ص) والمسلمون. ثم ذهبتُ أتحرى فإذا أنا أرى رجلاً تخلَّفَ إلَّا رجلاً مغموصاً عليه في دينه، غيرَ أني قد رأيتُ رجلين من الأنصار صحيحين كدت أسكن إليهما: هلال بن أُمية الواقفي، ومرارة العَمْري. حتى إذا أيست من الخروج قلتُ: اعتذر إلى رسول الله(ص) إذا رجع.

 
79 – قال: ونا يونس، قال: قال ابن إسحاق. ثم خرج رسول الله(ص) يوم الخميس واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري فلما خرج رسول الله(ص) ضربَ عسكرهُ على ثنية الوداع ومعه زيادة على ثلاثين ألفاً من الناس، وضرب عبد الله بن أُبيّ عدوّ الله على ذي حدةٍ عسكراً أسفل منه نحواً من كذا وكذا، وماكان فيها يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله(ص) تخلف عنه عبد الله بن أُبيَّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الرَّيْب. وخلفَ رسول الله(ص) علي بن أبي طالب على أهله، وأمرهُ بالإقامة فيهم، فأرجفَ به المنافقون وقالوا: ماخلَّفهُ إلا استثقالاً له وتخففاً منهُ، فلمَّا قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب سلاحهُ، ثم خرج حتى أتى رسول الله(ص) وهو نازل بالجُرف فقال: يارسول الله زعم المنافقون أنكَ إنما خلَّفتني تستثقلني وتخفف مني، فقال رسول الله(ص): «كذبوا ولكني خلَّفتكَ لما تركت ورائي فارجع، فاخلفني في أهلي وأهلك، ألاَ ترضى ياعلي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنهُ لا نبي بعدي» فرجع إلى المدينة ومَضى رسول الله(ص) لسفرهِ‏(56).

 
80 – أخْبَرَنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسين بن النَّقُّور، أنا أبو طاهر المُخلَّص، أنا رضوان بن أحمد – إجازة – أنا أحمد بن عبد الجبار، أنا يونس بن بُكير، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن أنه قال: آخر غزوة غزَاهَا رسول الله(ص) تبوك‏(57).

 
81 – أخْبَرَنا أبو القاسم بن الحصين أنا أبو علي بن المُذْهِب، أنا أبو بكر بن مالك، أناعبدالله بن أحمد، أنا سريج بن يونس بن كِنانة، أنا عبَّاد بن عبَّاد يعني المُهَلَّبي، عن عبدالله بن عثمان بن خُثَيم، عن سعيد بن أبي رَاشد مَولىً لآل مُعاوية قال: قدمت الشام، فقيل لي في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله(ص) قال: فدخلنا الكنيسة فإذا أنا بشيخ كبير، فقلتُ له: أنتَ رسول قيصر إلى رسول الله(ص) قال: نعم: فقلتُ: حدِّثني عن ذلك. قال: إنهُ لمَّا غزا تبوكاً (كتب)(58)

 

 

إلى قيصر كتاباً وَبَعث به مع رجل يقال له دِحْية بن خليفة. فلما قرأ كتابه وضعه معه على سريره، وبعث إلى بطارقته ورؤوس أصحابه فقال: إنَّ هذا الرجل بعث إليكم رسولاً، وكتبَ إليكم كتاباً يخبركم إحدى ثلاث: إما أن تتبعوه على دينه، أو تُقرُّوا له بخراج يجري له عليكم، ويقركم على هيئتكم في بلادكم، أو أن تلقوا إليه بالحرب. قال: فنخروا(59) نخرَةً حتى خرج بعضهم من برانسهم وقالوا: لا نتبعهُ على دينه وندع ديننا ودين آبائنا، ولا نقرُّ له بخراج يجري علينا، ولكن نُلقي إليه الحرب. فقال: قدكان ذلك ولكني كرهتُ أن أفتات‏(60) دونكم بأمرٍ.

 
قال عباد: فقلتُ لابن خُثيم: أوليس قد كان قارب وهمَّ بالإسلام فيما بلغنا؟ قال: بلى، لولا أنه رأى منهم. قال: فقال: أبغوني رجلاً من العرب أكتب معه إليه جواب كتابه. قال: فأتيتُ وأنا شاب فانطَلقَ بي إليه، فكتبَ جوابه وقال لي: مهما نسيت من شي‏ء فاحفظ عني ثلاث خلال: انظر إذا هو قرأ كتابي هذا، هل يذكر الليل والنهار، وهل يذكر كتابه إليَّ، وانظر هل ترى في ظهره علماً؟ قال: فأقبلتُ حتى أتيته وهو بتبوك في حلقة من أصحابه منتحين فسألتُ فأُخبرت به، فدفعتُ إليه الكتاب، فدعا معاوية فقرأ عليه الكتاب. فلما أتى على قوله: دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار؟ قال رسول الله(ص):

 

 

«إذا جاء الليل فأين النهار»؟ قال: فقال: «إني قد كتبتُ إلى النجاشي فحرقه، فحرقهُ الله محرق الملك». فقال عباد. فقلتُ لابن خُثيم: أليس قد أسلمَ النجاشي ونعاه رسول‏الله(ص) بالمدينة إلى أصحابه فصلى عليه؟ قال: بلى، ذلك فلان بن فلان وهذا فلان بن فلان، قدذكرهما ابن خُثَيم جميعاً ونسيتهما. وكتبتُ إلى كسرى كتاباً فمزقه فمزقه الله ممزِق الملك. وكتبتُ إلى قيصر كتاباً فأجابني فيه، فلن يزال الناس يخشون منهُ بأساً ماكان في العيش خير، ثُمَّ قال لي: مِمَّن أنت؟ قلتُ: من تَنُوخ قال: «ياأخا تنوخ هل لك في الإسلام؟» قلتُ: لا، إني أقبلتُ من قبل قوم وأنا فيهم على دين. ولستُ مُستبدلاً بدينهم حتى أرجع إليهم.قال: فضحك رسول الله(ص) أو تبسَّمَ فلمَّا قضيت حاجتي قمتُ. فلما ولَّيت دعاني، فقال: «ياأخا تنوخ هلمّ فامض للذي أُمرت به» قال: وكنت نسيتها فاستدرت من وراء الحلقة وألقى بردة كانت عليه عن ظهره، فرأيتُ على غضروف كتفه مثل المحجم الضخم‏(61).

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...