لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.
الحجاب وتجميد الطاقات
الاعتراض الثاني على الحجاب هو: أنّ الحجاب يؤدّي إلى تعطيل الفعاليّات النسويّة، الّتي خلق الله في المرأة الاستعداد لها.
فالمرأة كالرجل تتمتّع بذوق، وفكر، وفهم، وذكاء واستعداد للعمل. وهذه الاستعدادات منحها الله تعالى لها، ولم يكن ذلك عبثاً، وعليه يلزم استثمارها. فكلُّ استعداد طبيعيّ – من حيث الأساس – يدلُّ على وجود حقٍّ طبيعيّ. فحينما يُمنح كائن ما استعداداً ولياقة لعملٍ ما، فهذا يُمثِّل سنداً ودليلاً على أنّ لهذا الكائن حقّاً في تنشيط وترشيد الاستعداد، والحيلولة دون ذلك ظلم وعدوان.
لِمَ نقول إنّ لكلِّ أبناء البشر حقّاً في التعليم سواء كانوا رجالاً أو نساءً، ولم نُعط الحقّ للحيوانات؟
ذلك لأنّ استعداد التعلُّم موجود لدى البشر، دون الحيوانات. فالحيوان يتمتّع باستعداد التغذية والإنجاب، وحرمانه من ذلك يُعتبر عملاً مخالفاً للعدالة.إنّ الحيلولة دون ممارسة المرأة للفعاليّات والاستعدادات الّتي منحتها لها يدُ الإبداع والخلق ليس ظلماً للمرأة فحسب، بل خيانة للأمّة أيضاً. فكلُّ عمل يؤدّي إلى تعطيل قوى الإنسان التكوينيّة، الّتي منحه الله إيّاها، فهو عمل ضارٌّ للجماعة. فالعامل الإنسانيُّ أكبر رأسمال اجتماعيّ، والمرأة إنسان أيضاً، فيلزم أنْ ينتفع المجتمع بعمل وفعاليّة هذا العامل وقواه الإنتاجيّة. فركود هذا العامل وتضييع طاقات نصف أبناء المجتمع يتناقض والحقّ الطبيعيّ الفرديّ للمرأة، كما يتناقض وحقّ المجتمع، ويؤدّي إلى جعل المرأة عالة وكَلّاً على الرجل.
الجواب: إنّ الحجاب الإسلاميّ – الّذي سنُوضِّح حدوده عاجلاً – لا يؤدّي إلى تضييع قُدرات المرأة وتعطيل استعداداتها الفطريّة. إنّ الإشكال أعلاه يَرِد على الحجاب الذي كان متداوَلاً بين الهنود والإيرانيّين قبل الإسلام أو الحجاب اليهوديّ. لكنّ حجاب الإسلام لا يقول: يلزم حبس المرأة في دارها، والحيلولة دون فعاليّاتها ونموّ استعداداتها. فأساس الحجاب في الإسلام – كما قلنا – هو: أنّ المتعة الجنسيّة يلزم حصرها في محيط المنزل وبالزوجة الشرعيّة، وأنْ يُترك المحيط الاجتماعيّ محيط عمل وإنتاج. ومن هنا لا يُسمح للمرأة حين خروجها من الدار أنْ تُهيّئ موجبات الإثارة الجنسيّة للرجال، كما لا يُسمح للرجل أنْ يتصيّد بنظراته النساء. إنّ هذا اللون من الحجاب لا يُعطِّل طاقات المرأة كما أنّه يؤدّي إلى تدعيم قُدراتها على العمل الاجتماعيّ أيضاً.
إذا قصر الرجل متعته الجنسيّة على زوجته الشرعيّة، وصمّم بعد خروجه من منزله ووطئت قدمه المحيط العامّ على أنْ لا يُفكِّر في مسائل الجنس، فمِنَ المقطوع به أنّه يستطيع العمل بشكلٍ أفضل ممّا لو كان جلّ همّه منصبّاً على ملاحقة الفتيات ومعاشرة النساء والتمتّع بهنّ.
هل أنّ خروج المرأة إلى ميدان العمل بوضع اعتياديّ غير مثير أفضل، أم خروجها بعد ساعات من التجميل والوقوف أمام المرآة، ثُمّ تخرج ليكون كلُّ سعيها باتّجاه جذب قلوب الرجال إليها، وتحويل الشباب – الذين ينبغي أنْ يُمثِّلوا المظهر الحقيقيّ لإرادة وحزم وفعاليّة الأمّة – إلى موجودات طائشة شهوانيّة لا إرادة لها؟.
إنّه لأمر غريب، فبحجّة أن الحجاب يُعطِّل نصف أبناء المجتمع نركن إلى السفور والتحلُّل لنُعطِّل النصفين – الرجال والنساء -!! فيضحى عمل المرأة التأمّل طويلاً أمام المرآة وصرف الوقت في التجمُّل، ويكون عمل الرجل في الركض خلف الشهوات وتصيّد الفتيات!.
لا بأس هنا بنقل نصّ شكوى زوج من زوجته، وقد نُشرت هذه الشكوى في إحدى المجلّات النسويّة، ليتّضح كيف أنّ الوضع القائم للنساء حوّلهنّ إلى موجوداتٍ من لون آخر.
جاء في هذه الرسالة ما يلي:”تتحوّل زوجتي أثناء النوم إلى موجودٍ غريب، يجثم إلى جواري، فلأجل أنْ لا ينفرط انتظام شعرها أثناء النوم تلبس على رأسها قبّعة كبيرة، ثم تلبس ثياب نومها، حيث تجلس أمام المرآة وتطلي وجهها بمساحيق طبيّة، وبعد أنْ تُدير وجهها لي يواجهني موجود لا أعرفه، وكأنّها لم تكن زوجتي، إذ تبدّلت صورتها من حيث الأساس فحاجباها ليس لهما وجود بفعل المساحيق. ويبثّ وجهها روائح كريهة، بفعل المساحيق الطبيّة الّتي تستخدمها، والّتي تُعطي رائحة الكافور، فتنقلني إلى عالم القبور. ويا ليت الأمر ينتهي عند هذا الحدّ! لكنّ ذلك مقدّمة لما يأتي، فبعد ذلك تمشي عدّة خطوات داخل الغرفة وتجمع ما تناثر من أسبابها، ثُمّ تُنادي الخادمة وتطلب منها أنْ تأتي بالأكياس، فتأتي الخادمة بأربعة أكياس، فتنام على السرير وتأخذ الخادمة بوضع الأكياس في يديها ورجليها وتشدّ أطرافها بخيط، وذلك للحفاظ على سلامة الأظافر المستطيلة، وتنام زوجتي على هذه الحالة”!
أجل، هذه هي المرأة بعد تحرُّرها من الحجاب، حيث تتحوّل إلى عنصر فعّال، وطاقة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة!!
إنّ ما لا يُريده الإسلام هو أنْ تكون المرأة كهذا الموجود المهمل، ويكون عملها مُنحصِراً في استهلاك الثروة وإفساد أخلاق المجتمع وتخريب بناء الأُسرة. إنّ الإسلام لا يُعارض – على الإطلاق – نشاط المرأة الواقعيّ في المجتمع والاقتصاد والثقافة، والنصوص الإسلاميّة وتاريخ الإسلام شاهدان على هذا الادّعاء.
ففي ظلِّ الأوضاع القائمة الّتي تنزع إلى تجديد لا منطق له، لا نعثر على امرأة تصرف طاقتها – واقعاً – في النشاطات الاجتماعيّة، أو الثقافيّة أو الاقتصاديّة المثمرة، إلّا في بعض القرى، ولدى بعض العناصر المتديّنة الّتي تلتزم بأحكام الشرع الإسلاميّ التزاماً حقيقيّاً.
نعم، هناك لون من النشاط الاقتصاديّ الرائج، الّذي يلزم أنْ نُعدّه ثمرة التحرُّر من الحجاب وهو: أنْ يسعى صاحب المعرض – بدلاً من تهيئة السلعة الجيّدة والأفضل لزبائنه – إلى استخدام فتاة بعنوان “البائعة”، فيستثمر قدرتها النسويّة ورأسمالها المتمثّل في العفاف والشرف، ويُحوِّلها إلى أداة لتحصيل المال، واستغلال زبائنه. فالبائع يعرض السلعة على الزبون كما هي، إلّا أنّ الفتاة البائعة الجميلة تجذب الزبون بألوان من التغنُّج النسويّ، وعرض مفاتنها الجنسيّة. فيُقبل العديد من الأفراد الّذين لا ينوون شراء شيء من المعرض، لأجل التحدُّث مع البائعة بعض الوقت، ثم يشترون شيئاً من المعرض!.
فهل هذا العمل فعاليّة اجتماعيّة؟ هل هذا العمل تجارة أم أنّه تحايل ورذالة؟.
يقولون: لا تُعبِّئوا المرأة في كيس أسود نحن لا نقول لأحدٍ ضع زوجتك في كيس أسود. ولكنْ هل ينبغي للمرأة أنْ ترتدي لباسها، وتظهر أمام الملأ بحيث تُظهر نهديها أمام نظرات الرجال الشهوانيّة، وتُخرجهما بشكل ألطف ممّا هما عليه؟. هل ينبغي للمرأة أنْ ترتدي تحت ثيابها الوسائل الاصطناعيّة الّتي تزيد في جمالها، لأجل سرقة قلوب الـرجـال؟ فـهل تـرتـدي الفتيات هذه الملابس لأزواجهنّ؟ لِمَ ترتدي الأحذية ذات الأكعاب؟ فهل هناك غير إظهار حركات ردفيها؟ وهل أنّ ارتداء الملابس الحاكية عن مواضع الحسن في الجسد يستهدف أمراً غير إثارة الرجال وتصيّدهم؟ وعلى الأغلب فالنساء الّلواتي يستعملن أمثال هذه الملابس والأحذية لا يضعن أزواجهنّ فقط في حسبانهنّ، دون سائر الرجال.
يُمكن للمرأة أنْ تستعمل ما تشاء من لباس وتجميل أمام محارمها، وأمام النساء، ـ بالحدود الشرعيّة ـ ولكنّ المؤسف أنّ تقليد الغرب يستهدف هدفاً آخر.
إنّ غريزة التظاهر والتصيّد غريزة لدى المرأة، والويل إذا دعا الرجال لذلك أيضاً وساهم مصمّمو الأزياء في تكميل ما ينقص، وحضَّ المصلحون الاجتماعيّون على ذلك!
إذا ارتدت الفتيات ألبسة اعتياديّة في التجمّعات العامّة، وارتدينَ أحذية عاديّة وسترنَ شعورهن، ثُمّ ذهبنَ إلى المدرسة أو الجامعة، فهل أنّ تحصيلهنّ الدراسيّ أفضل، أم أنّه أفضل في الوضع القائم؟ لو لم تكن هناك متعة جنسيّة منظورة، فلِمَ هذا الإصرار على خروج المرأة بهذا الشكل؟ لِمَ يُصرّون على جعل المدارس الإعدادية مختلطة؟. سمعت أنّ العادة في باكستان – ولا أدري هل هي قائمة الآن أم لا – هي أنْ يُفصل قسم البنين بحاجز وبردة عن قسم البنات، ويبقى الأستاذ وحده مُشرِفاً على القسمين من وراء المنصّة، فأيُّ إشكال في ذلك؟.