الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

22)وقوله تعالى: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ خبر ثان لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ بمعنى أنّهم أهل التقوى، وأنّهم مجزيّون من الله سبحانه وتعالى بالمغفرة والأجر العظيم.

 

قال بعض المفسّرين:.. وفي التعبير عن خفض الصوت بالغضّ الذي هو من شأن النظر، إذ يقال غضّ فلان بصره ولا يقال غض صوته – في هذا التعبير إعجاز من إعجاز النظم القرآني، الذي تحمله كلمات الله متحدية الجن والإنس جميعاً. ذلك أنّ خفض الصوت إنّما يكون عن مشاعر الحياء، التي من شأنها أن تنكسر معها حدّة البصر، فلا يستطيع المرء أن يملأ عينيه ممّن يهابه، ويجلّه، ويوقّره.. فهو إذا نظر غضّ بصره، وإنّ هذا الغضّ من البصر يستولي على مخارج الصوت أيضاً، فيحبس الصوت عن أن ينطلق إلى غاياته، بل يكسر حدّته، كما كسر حدّة النظر.. ففي قوله تعالى: ﴿يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ إشارة ضمنية إلى غضّ البصر حياء، وأنّ سلطان الحياء هو المتحكّم في هذا المقام. وهكذا يتسلّط الغضّ على الأبصار، والأفواه جميعاً[1].

 

بحث حول الآية

الحبط في القرآن:

إنّ مراعاة الآداب في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست مجرّد آداب تحسن مراعاتها أو تجب، بل إنّ عدم مراعاتها وإساءة الأدب في محضره لها آثار على أعمال الإنسان وهو ما ذكرته الآية بعنوان: “الحبط” والحبط أو إحباط العمل يقابل مصطلح آخر وهو التكفير فما معنى الحبط والتكفير؟

 

 

أ- العمل بين الحبط والتقوى: من المسائل التي تُطرح حول علاقة الإيمان والعمل الصالح بالسعادة الأخروية، وكذلك حول علاقة الكفر والعصيان بالشقاء الأبدي، ما يلي: هل أنّ العلاقة بين كلّ لحظة من لحظات الإيمان والكفر مع نتيجتها الأخروية، وكذلك العلاقة بين كل عمل حسن أو سي‏ء مع ثوابه وعقابه، هل هذه العلاقة حتمية وثابتة لا تقبل التغيّر، أم أنها قابلة للتغيّر؟ فمن باب المثال: هل من الممكن جبران أثر المعصية بالعمل الصالح؟ وكذلك العكس فهل من الممكن إزالة أثر العمل الصالح بالمعصية؟ وكذلك هل يمكن القول بأن أولئك الذين قضوا شطراً من عمرهم في الكفر والعصيان، وشطراً آخر في الإيمان والطاعة، سوف يتعرّضون للعقاب فترة، وللثواب فترة أخرى، أو أنّه يوازن بين أعمالهم ويجبر أحدهما بالآخر، ونتيجة لذلك يتعيّن مصير الإنسان، إما إلى السعادة وإما إلى الشقاء في العالم الأبدي الخالد؟ أم أنّ الأمر بشكل آخر؟

 

وهذه المسألة في واقعها هي مسألة (الحبط والتكفير) قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾[2] التي بحث فيها ومنذ زمان قديم المتكلّمون من الأشاعرة والمعتزلة، ونحن هنا نستعرض رأي الشيعة في هذا المجال بإيجاز.

 

ب- معنى الحبط: هو سقوط ثواب العمل الصالح بالمعصية المتأخّرة،  والتكفير عكسه أي سقوط الذنوب المتقدّمة بالطاعة المتأخّرة.

 

إنّ مرجع هذه الفكرة هو معرفة مدى التأثير المتبادل بين الأعمال الحسنة والأعمال السيئة فهل يمحو أقواهما أضعفهما؟ أم أنّ كلّاً من أعمال الخير وأعمال الشر سيحفظ في موضعه دون أن يمحو أحدهما   تأثير الآخر  فتكون

 

 

أعمال الخير وأعمال الشر التي فعلها الإنسان في الدنيا مشهودة له بأجمعها يوم القيامة بحيث يحصل على الثواب والعقاب في إزاء كل عمل من تلك الأعمال، وعند مراجعة الآراء المختلفة في هذه االمسألة نجد عدّة آراء وهي:

الرأي الأول:  أعمال الخير وأعمال الشر محفوظة في مواضعها دون أن يؤثّر أحدها في الآخر أدنى تأثير أي لا يمكن أن يكون لهما فعل وانفعال مع بعضهما.

 

[1] التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب، ج13، ص 436.

 

[2]  سورة النساء، الآيات 110 – 112. وانظر أيضا: السور االتالية: سورة آل عمران، الآية 135، سورة الانعام،الآية 54، سورة الشورى،الآية 25، سورة الزمر،الآية 53.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...