الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 14

الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 14

الحياة الظاهرة والحياة والمعنوية
إن للإنسان في باطن حياته الظاهرية الحيوانية حياة معنوية.

إنّ الحياة المعنوية في الإنسان، تلك الحياة التي تكمن بذورها في كل إنسان، تستقي رشدها وكمالها من أعمالها وأهدافها. فكمال الإنسان وسعادته، وكذلك سقوطه وشقاؤه، يعتمدان على حياة الإنسان المعنوية التي تعتمد بدورها على أعماله ونياته وأهدافه وما يستهدفه من مسيرته.

إننا نعني بالتعاليم الإسلامية من حيث جوانبها التي تتعلق بالحياة الفردية أو الإجتماعية في الدنيا. لا شك أن التعاليم الإسلامية مليئة بمختلف الفلسفات في شؤون الحياة المتنوعة، فالإسلام لا يقلل أبداً من أهمية الحياة وشؤونها، وهو لا يرى للمعنويات وجوداً منفصلاً عن الحياة، فكما أن الروح عندما تفارق الجسد لا تعود لها علاقة بهذا الدنيا، بل تصبح من شؤون عالم آخر, كذلك الأمور المعنوية إذا فصلت عن هذه الحياة لم تعد ترتبط بها. إنّ الكلام على المعنويات مجرداً عن العيش في هذه الحياة الدنيا لا فائدة فيه.

ولكن ينبغي ألا نتصور أن فلسفات التعاليم الإسلامية تنحصر في الشؤون الحياتية فحسب. كلا، فإن إتباع هذه التعاليم وسيلة لاجتياز طريق التعبد والعبودية إلى استكمال الوجود. إنّ للإنسان سيراً كمالياً باطنياً لا يتحدد بحدود الجسم والمادة والحياة الفردية والإجتماعية, بل يستقي من مجموعة المقامات المعنوية. وإن الإنسان يكون فعلاً سائراً على هذا الطريق بسيرة في طريق العبودية والإخلاص لله تعالى، بحيث أنه إذا لم يشاهد في هذه الدنيا المراحل التي طواها في مراتب التقرب والولاية، فإنه سوف يشاهدها في العالم الآخر بعد رفع الحجاب عنه[1].
ــــــــــــــــــ
[1] أنظر النشرية السنوية، مكتب التشيع، رقم 2، صفحات 172 ـ 180.

النبوة والولاية
يقول أستاذنا الجليل العلاّمة الطباطبائي:
(إنّ الأحكام والنواميس الدينية ـ وبعضها هي المقررات الاجتماعية نفسها ـ

تبدو في الظاهر مجموعة من الأفكار الاجتماعية التي ترتبط بالسعادة والشقاء في الآخرة. وبعبارة أخرى: إنّ النعم في الجنة والنقم في النار، ترتبط بحقائق تولد في الإنسان على أثر إتباعه لتلك الأحكام والنواميس وتختزن وراء ستار الحس وعند انتقاله إلى النشأة الأخرى, وتمزق ستار الغفلة وحجاب الأنانية، تتكشف له. إذن، فتحت لفاقة الحياة الاجتماعية التي يحياها الإنسان في ظل النواميس الدينية، حقيقة حية وحياة معنوية منها تنبعث النعم الأخروية والسعادة الأبدية، أو أنها تكون من مظاهرها, إن هذه حقيقة واقعة يطلق عليها إسم (الولاية). و(النبوة) حقيقة أدركت الأحكام الدينية والنواميس الإلهية الخاصة بالحياة, وتريد إيصالها إلى الناس.

و(الولاية) حقيقة تتولد في الإنسان على أثر إتباع مكاسب النبوة والنواميس الإلهية والعمل بها).

الإمام حامل الولاية
يقول العلاّمة الجليل الطباطبائي أيضاً بخصوص ثبوت الولاية وحاملها الإمام, وإن عالم الإنسان لا يمكن أن يخلو من إنسان(كامل) يحمل الولاية:

(ليس ثمة شك في ثبوت الولاية وتحقق صراطها الذي يسير عليه الإنسان نحو مراتب كماله الباطني حتى يصل إلى قرب الله. وذلك لأن الظواهر الدينية لا يمكن تصورها بغير حقيقة باطنية. ولا ريب في أن جهاز الخلق الذي وفر للإنسان الظواهر الدينية (التعاليم العلمية والأخلاقية والإجتماعية) ودعاه إليها، لابد أن يوفر أيضاً وبالضرورة هذه الحقيقة الباطنية التي هي بمثابة الروح. إنّ الدليل على ثبوت النبوة ودوامها (الشرائع والأحكام) في عالم الإنسان، والذي يسند مجموعة التعاليم الدينية. يدل أيضاً على ثبوت (الولاية) وفعاليتها ودوامها. كيف يمكن تصور مرحلة من مراحل التوحيد، أو حكماً من أحكام الدين، أن يكون حياً بالفعل بغير أن يكون هناك وجود للحقيقة الباطنية التي يشتمل عليها، أو أن يكون العالم الإنساني مقطوع الرابطة بتلك المرحلة؟

إنّ من يحمل درجات القرب، ويكون أمير قافلة وأهلاً(للولاية) ويحافظ على الرابطة الإنسانية بهذه الحقيقة، يطلق عليه القرآن إسم (الإمام)[1] أي الذي اختاره سبحانه للتقدم على صراط (الولاية) وللإمساك بزمام الهداية المعنوية.

إنّ (الولاية) التي تسطع في قلوب عبيد الله، أشعة نور هو مصدرها، وما المواهب المختلفة سوى سواقي تتصل ببحره العظيم)[2].

لقد جاء في (أصول الكافي) في باب (أن الأئمة نور الله) نقلاً عن أبي خالد الكابلي بروايته عن الإمام الباقر (ع) أنه سأله عن الآية:
{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}[3] فقال الإمام في معرض تفسير للآية: (والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار).

إنّ من الخطأ القول بأن تحديد هدف التعاليم الدينية وظاهرها وباطنها بآثارها الحياتية؛ وبأن القرب الإلهي ـ وهو النتيجة المباشرة لإتباع تلك التعاليم بصورة صحيحة ـ ليس سوى أمر اعتباري ومجازي من قبيل التقرب إلى ذوي الجاه والمال في الدنيا، بغير أن تكون له أي دور مؤثر في حياة الإنسان المعنوية والواقعية بما يرفعه في سلم الوجود. إنّ الذين اجتازوا مراتب القرب حقاً حتى وصلوا إلى درجاته العليا، أي أنهم فعلاً اقتربوا من مصدر الوجود، لابد أنهم قد تمتعوا بمزايا تلك المرحلة، وأولئك هم الذين يحيطون بعالم الإنسان، ومسلطون على أرواح الآخرين وضمائرهم، وشهداء على أعمالهم.

إن كل كائن يتقدم خطوة في طريق كماله المقدر, ويطوي مرحلة من مراحل كمالاته، يكون، في الحقيقة، سائراً على طريق الإقتراب من الله. والإنسان كائن من كائنات هذا العالم، وطريق كماله لا ينحصر فقط في التمكن مما يصطلح عليه اليوم باسم (التمدن) أي تلك العلوم والفنون التي تنفع في تطوير الحياة وتحسينها، وتلك الآداب والعادات التي تعين على حياة إجتماعية أفضل. لو أننا نظرنا إلى الإنسان مجرداً على سطح هذه الكرة الأرضية، لكان ذلك القول مقبولاً، إلا أن للإنسان بعداً آخر، لا يصل إليه إلا بتهذيب النفس, وإلا بالتعرف على الهدف الأخير، وهو الله جل جلاله.
ـــــــــــــــــــ
[1] أنظر(تفسير الميزان)، ذيل الآية (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتهمن قال إني جاعلك للناس إماماً) ( سورة البقرة، الآية 124).
[2] النشرية السنوية، مكتب التشيع، الرقم 2.
[3] سورة التغابن: الآية : 8.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...