25)
الذنوب الموجبة لحبط الأعمال في السنة:
إن ما تقدّم هي الأعمال التي توجب الحبط حسبما ذُكر في القرآن الكريم وإذا راجعنا الروايات الشريفة فنجد مجموعة من الأعمال موجبة للحبط أيضاً منها: عقوق الوالدين، الحسد، عدم إطاعة حاكم الشرع، ظلم المستضعفين، وغيرها…[1].
الآثار الإيجابية للتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
هذا كله في جانب إساءة الأدب مع رسول الله أما في الجانب الآخر فإنّ التأدّب معه له آثار في الدنيا والآخرة وأصحابه “امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى” فما معنى هذه الجملة؟
إذا راجعنا المعاجم اللغوية فكلمة الامتحان من أحد معانيها هو الاستعلام، فحين يقال: امتحِنِ الرجل قبل مصاحبته فمعناه هو استعلم حاله لتقف على واقعه وحقيقة أمره قبل مصاحبته. وللامتحان وسائل عديدة تختلف باختلاف الغرض من الامتحان وتختلف باختلاف الممتحِن والممتحَن. قال تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[2]. ثم إنَّ استعلام الله عزّ وجلّ ليس لأنّه لم يكن عالماً بالواقع تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل إنَّ الغرض من الامتحان هو إيقاف الإنسان على واقعه أو إيقاف الناس على واقع هذا الإنسان الممتحَن. فالله تعالى امتحن هؤلاء في أدب التخاطب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنهم من ظهرت جرأته على الله ورسوله ومنهم من ظهرت طاعته لله ورسوله ويبدو من الخطاب أنّهم فعلاً امتحن الله قلوبهم للتقوى وهم القدوة في التعاطي مع رسول الله.
فالله تعالى يبتلي عباده بأنواع المحن ليتذكّر متذكّر، ويزدجر مزدجر، فمن تذكّر وصبر استخلصه الله وهداه سواء السبيل، وأنعم عليه بالغفران وأجور الصابرين، وتومئ الآية إلى أنّ الخطاب المهذّب والأسلوب اللائق – من الإيمان، قال الإمام علي عليه السلام: “ولَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم – لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُه – ولَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُه حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُه – فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى الله تَعَالَى – وهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وأَمْوَالِهِمْ – سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ”[3].
وإذا دقّقنا في الآيات والروايات سنجد أنّ الطاعة للولي هي الامتحان الذي ابتلي به الجن والإنس, لإنّ طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تُمثّل روح وجوهر العبادة وهي حقيقة الامتحان الذي سقط فيه إبليس. قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾[4]. والآية الكريمة من ملاحم الآيات في تبيان حقيقة العبادة والقبلة والصلاة، حيث بيّن تعالى أنّ غاية جعل القبلة السابقة في الصلاة هو اتّباع الرسول وطاعته، وليحصل التمحيص بين المطيع وبين من ينقلب على عقبيه، ولا يخفى ما لصعوبة هذا الامتحان، حيث تمّ تبديل القبلة من البيت الحرام إلى بيت المقدس، أي إلى قبلة اليهود والنصارى، وشُرّعت بعدما كان البيت الحرام في أوائل البعثة في مكّة – هو القبلة، وهو من الخطورة بمكان, حيث إنّ القبلة في العبادة والدين من النواميس العظيمة.
ولا سيما وأنّ قبلة البيت الحرام قد توارثتها قريش من ملّة إبراهيم وإسماعيل الحنيف، وكان البيت الحرام هو محور النسك والمناسك المختلفة العبادية في الصلاة والطواف والذبائح والقرابين، وتبديل القبلة حينئذ – التي هي معلم رئيس في الدين يدلّ على مدى موقعية الرسول وولايته وطاعته في الديانة، وأنّ الديانة وطريق العبودية لله تعالى هو باتّباع وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ قوام القبلة والعبادة باتّباع الرسول وطاعته، فكانت محنة هذا الامتحان عظيمة جدّاً ليتقرّر معنى الديانة والدين.
والنتيجة: أنّ الانقياد والطاعة والتسليم المطلق للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولأهل البيت عليهم السلام يُجسّد روح
وحقيقة العبادة لله تعالى ولذا أي تقدّم أو إساءة أدب مع رسول الله هو في الحقيقة خروج عن عبادة الله تعالى وهذا بالدقة الامتحان الذي سقط فيه إبليس.
[1] لا بد من لفت النظر أن الكلام هنا عن موجب الحبط لا عن فعليته فلو تحقّقت التوبة النصوح، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى غفران الذنوب وتكفيرها.
[2] سورة آل عمران، الآية 154.
[3] نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام (تحقيق صالح)، نصائح للناس، ص 254.
[4] سورة البقرة، الآية 143.