الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

43)

المعنى الإجمالي

قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ عطف على قوله في الآية السابقة:

﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ وتقديم الخبر للدلالة على الحصر، والإشارة إلى ما هو لازمه فإنّ اختصاصهم بكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم لازمه أن يتعلّقوا بالرشد ويتجنّبوا الغي ويرجعوا الأمور إليه ويطيعوه ويتبعوا أثره ولا يتعلّقوا بما تستدعيه منهم أهواؤهم.

 

فالمعنى: ولا تنسوا أن فيكم رسول الله، وهو كناية عن أنه يجب عليهم أن يرجعوا الأمور ويسيروا فيما يواجهونه من الحوادث على ما يراه ويأمر به من غير أن يتبعوا أهواء أنفسهم.

 

وقوله: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي جهدتم وهلكتم، والجملة كالجواب لسؤال مقدّر كأنّ سائلاً يسأل فيقول: لماذا نرجع إليه ولا يرجع إلينا ولا يوافقنا؟ فأجيب بأنه ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾.

 

وقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ استدراك عمّا يدلّ عليه الجملة السابقة: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ من أنهم مشرفون بالطبع على الهلاك والغي فاستدرك أنّ الله سبحانه أصلح ذلك بما أنعم عليهم من تحبيب الإيمان وتكريه الكفر والفسوق والعصيان.

 

والمراد بتحبيب الإيمان إليهم جعله محبوباً عندهم وبتزيينه في قلوبهم تحليته بجمال يجذب قلوبهم إلى نفسه فيتعلّقون به ويعرضون عما يُلهيهم عنه.

 

وقوله: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ عطف على ﴿حَبَّبَ﴾ وتكريه الكفر وما يتبعه إليهم جعلها مكروهة عندهم تتنفّر عنها نفوسهم، والفرق بين الفسوق والعصيان – على ما قيل – إنّ الفسوق هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية، والعصيان نفس المعصية وإن شئت فقل: جميع المعاصي، وقيل: المراد بالفسوق الكذب بقرينة الآية السابقة والعصيان سائر المعاصي.

 

وقوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ بيان أنّ حبّ الإيمان والانجذاب إليه وكراهة الكفر والفسوق والعصيان هو سبب الرشد الذي يطلبه الإنسان بفطرته ويتنفّر عن الغي الذي يقابله، فعلى المؤمنين أن يلزموا الإيمان ويتجنّبوا الكفر والفسوق والعصيان حتى يرشدوا ويتّبعوا الرسول ولا يتّبعوا أهواءهم.

 

ولمّا كان حبّ الإيمان والانجذاب إليه وكراهة الكفر ونحوه صفة بعض من كان الرسول فيهم دون الجميع كما يصرح به الآية السابقة، وقد وصف بذلك جماعتهم تحفّظاً على وحدتهم وتشويقاً لمن لم يتّصف بذلك منهم غيّر السياق والتفت عن خطابهم إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ والإشارة إلى من

 

اتصف بحب الإيمان وكراهة الكفر والفسوق والعصيان، ليكون مدحاً للمتّصفين بذلك وتشويقاً لغيرهم[1].

 

[1] تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي،ج18، ص 313- 314. (بتصرف). 

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...