الرئيسية / تقاريـــر / فؤاد معصوم قبل توليه الرئاسة – غسان شربل

فؤاد معصوم قبل توليه الرئاسة – غسان شربل

في مقهى في القاهرة التقى شابان عراقيان مصادفة. اسم الأول صدام حسين والثاني فؤاد معصوم. الأول عربي بعثي من تكريت. والثاني كردي من شمال العراق. ولعلهما لم يتوقعا آنذاك أن يحملا ذات يوم لقب «الرئيس العراقي». سيلتقي الرجلان مرة أخرى في عهد صدام الصاخب ولكن في سياق التفاوض حول حقوق الأكراد. سألت الرئيس فؤاد معصوم عن بعض المحطات قبل توليه الرئاسة، وهنا نص الحلقة الثانية الأخيرة.

> هل تذكر لقاءك الأول مع صدام حسين في القاهره؟

– لم نكن نعرف بعضنا، التقيته في المقهى مرات عدة. كان موجوداً هناك. والعراقيون في شكل عام، وأنا كنت من ضمنهم، كنا نراه شاباً شجاعاً شارك في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم.

> كيف كان؟

0

 

– لم يكن فيه شيء مثير، باستثناء مشاركته في تلك العملية، كنا نعلم أنه كان طالباً في كلية الحقوق في القاهرة، ولم يكن يحضر الدروس. هذا ما سمعته من زملائه.

> تبدلت الأيام والتقيت صدام حسين مرة ثانية، كيف؟

– وهو رئيس جمهورية العراق، كان اللقاء بعد مفاوضات لأكثر من سنة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحكومة العراقية في سنة 1984.

> عن ماذا كانت المفاوضات؟

– حول إعادة النظر في قانون الحكم الذاتي وموضوع تطبيع الوضع في كركوك والمنظمات الديموقراطية، وكذلك بالنسبة إلى الجبهة العراقية (الجبهة الوطنية القومية التقدمية) التي كانت موجودة في الحكم كانت تضم حزب البعث، وفي شكل نظري، الحزب الشيوعي وبعض الأحزاب الكردية، وبعض الأحزاب العربية. هذا ما سمعناه منهم ولكن لم أر أحداً من هذه الأحزاب. في تلك الفترة كنت رئيس الوفد ومن الطرف الآخر كان علي حسن المجيد، ووقّعنا على خمس أوراق عن قانون الحكم الذاتي وتطبيع كركوك والجبهة الوطنية، والمنظمات الديموقراطية، ولكن اختلفنا على موضوع البيان السياسي، ووجدنا أنه حمل مدحاً للحكومة باعتبارها حكومة ثورية وباعتبارنا متآمرين وانقلابيين.

> كان ذلك أثناء الحرب العراقية – الإيرانية؟

– المفاوضات بدأت عندما مُني الجيش العراقي بانتكاسات على الجبهات. في أحد الأيام سأل السيد عبدالرحمن قاسملو الأمين العام للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، صدام حسين، وكانت له علاقة معه: لماذا لم تستفد من الكرد في العراق وتجعلهم يشتركون معك في قتال إيران؟ وركز قاسملو على مام جلال (الطالباني)، فقال صدام أنه مستعد. وبالفعل دخل قاسملو بين الطرفين حتى إنه حضر الاجتماع الأول بين وفد الاتحاد الوطني برئاسة الطالباني والحكومة العراقية برئاسة صدام حسين، واستمرت المفاوضات لأكثر من سنة، وتوقف القتال بين الطرفين. احتفظنا بأسلحتنا في مناطقنا في مقابل أن لا ندخل أسلحة إلى المدن، وزارنا عزة الدوري وعلي حسن المجيد حينذاك.

بدأ العراق يعيد ترتيب جيشه ويحقق بعض الانتصارات، وكان من المفروض الإعلان عن هذه الاتفاقية. وكنا جالسين في غرفة مع عزة الدوري، فاستأذن وقال: عليّ أن أذهب إلى الرئيس وأبلغه بأننا اتفقنا على كل شيء وسنعلن الاتفاقية، فقلنا له أن لدينا ملاحظات على البيان، وأجاب أن الرئيس هو الذي سيتكلم معكم، فذهب بالفعل، وعاد ولم يكن بالحماسة نفسها.

كان الاتفاقية على أن دخولنا إلى «الجبهة الوطنية» مرهون بخروج الأحزاب الكردية التي كنا نعتقد أنها شكلية. وقلنا إذا حدثت انتخابات للمجلس الوطني وحصلت هذه الأحزاب على مقعد واحد في البرلمان، فلها الحق بالوجود في الجبهة، وإذا لم تنجح تخرج من الجبهة. وبعد يومين شاهدنا صدام حسين، وفي الطريق إليه سأل الطالباني عزة الدوري وكان مع علي حسن مجيد ما إذا كان هناك وفد تركي قد تزامن وجوده مع وجود الوفد الكردي، فبدأ عزة الدوري يشتم الأتراك وتركيا، ما يعني أنهم تدخّلوا ضد هذا الاتفاقية.

كان معروفاً أن ضيوف صدام حسين يجلسون لانتظاره، لكن، عندما ذهبنا إلى مكتبه كان صدام واقفاً أمام صالة مكتبه ينتظرنا. سلمنا عليه وبقينا لمدة ساعتين تقريباً. خلال اللقاء كان صدام مهذباً جداً ولطيفاً. لكنه قال جملة استوقفتنا وهي «حتى إذا لم نتفق نحن مستمرون في التزاماتنا». عندما خرجنا من هذه الجلسة، كان رأيي أن هذه الاتفاقية لن تحصل، لأن معنى ما قاله صدام حسين أن هناك شكاً في الاتفاقية، وعندما يقول «نحن مستمرون في التزاماتنا» يعني في المقابل أن عليكم الالتزام، وفعلاً، بعد شهر ونصف الشهر أرسل صدام وفدين لمنعنا من إعلان قطع المفاوضات، ولكن، في يوم 17 – 1 – 1985، أعلنّا قطع المفاوضات مع الحكومة العراقية واستأنفنا القتال من جديد.

> وماذا تتذكر أيضاً من هذا اللقاء مع صدام؟ هل تكلم عن الحرب العراقية – الإيرانية؟

– كنتُ مع الطالباني وفريدون عبدالقادر وعمر عبدالعزيز، وبدأ مام جلال بالتعريف بنا، بدأ صدام يتكلم عن دور العراق وعظمة العراق وأهمية تاريخ العراق ونبوخذ نصر والسومريين والآشوريين. تكلم عن كل هذه الأمور ما يقارب 20 دقيقة، وفي النهاية بدأت الكلام عمّا أنجز من الاتفاقية وما لم ينجز ونقاط الاختلاف، وتكلم الزملاء الآخرون كل واحد في ناحية من النواحي، لكن مام جلال لم يتكلم تقريباً. في النهاية قال صدام حسين جملته: «حتى إذا لم نتفق نحن مستمرون في التزاماتنا تجاهكم».

> لم يتهمكم بالتعامل مع إيران؟

– كان مهذباً جداً في طريقة التعامل، وكان هادئاً ولم يتكلم عن إيران.

  00

قضية كركوك

> خلال المفاوضات بحثتم وضع كركوك، على ماذا اتفقتم؟

– في أحد أيام الزيارة، لم يكن هنالك اجتماع. كانت الساعه 12 والنصف ظهراً، أخبرونا فجأة بوجود اجتماع في القيادة القومية، ولم يكن لدينا أي علم بالموضوع. وفي الساعة الواحدة والنصف وصلنا إلى المكان المحدد، فإذا بنا نفاجأ بطرح موضوع كركوك، بغية إحراجنا، حيث لم نكن مهيئين لهذا الاجتماع. مثل هذه الاجتماعات تكون طويلة وتستمر لساعات ما يعرّضنا للتعب والإرهاق، وقد تمرر علينا بعض الأمور المهمة التي تهم قضية كركوك. طرح مشروع التطبيع في كركوك بعد مناقشات على كل المواد. وكانت النقطة الأولى هي رفع الحظر عن إطلاق الأسماء الكردية على المحال التجارية والأحياء السكنية، والثانية رفع الحظر عن سكن الأكراد وإعادة بناء دور سكنية للمواطنين، وتم التوقيع على الاتفاقية حوالى الساعة 5 حين انتهى الاجتماع وعدنا إلى الفندق وكنا في غاية التعب، ولكن شعرنا بانتصار كبير. فاجأنا خبر من مدير مكتب علي حسن مجيد بوجود خطأ في طبع الاتفاقية وطالبنا بإعادة كل نسخها لتصحيحها والتوقيع عليها من جديد، لكننا أخبرناهم أن نسخة الاتفاقية أرسلناها إلى السيد جلال الطالباني، وأن سائقاً كان ينتظرنا في باب الفندق لنقلها. بعد ذلك عرفنا أن صدام حسين رفض الاتفاقية وأمرهم بالرجوع عنها. وفي الحقيقة قمنا بإرسال الاتفاقية إلى السيد جلال الطالباني صباح اليوم التالي.

> هل كان التفاوض مع علي حسن المجيد وعزة الدوري صعباً؟

– نعم، كان التفاوض مع عزة الدوري صعباً وكان ينفعل في بعض الأحيان. كان يشترك في الحوار عندما يكون السيد الطالباني والسيد مسعود بارزاني موجودين. عندما يحضر أي منهما كان عزة الدوري يحضر وإذا لم يحضر كان طارق عزيز يحضر.

> كيف كان طارق عزيز؟

– كان دور طارق عزيز في مفاوضات عامي 1991 و1992 أكبر.

> فلننتقل إلى سنة 1991، ما قصة هذه المفاوضات؟

– في اتفاقية صفوان بين التحالف الدولي والعراق لإخراج القوات العراقية من الكويت، حصل العراق على حق استخدام طائرات الهليكوبتر للتنقلات. وعندما بدأت الانتفاضة في الجنوب ضربوها من خلال هذه الطائرات، وبعد إخماد الانتفاضة في الجنوب وإخماد انتفاضة كردستان في ما بعد وهجرة مئات الآلاف من العائلات الكردية إلى تركيا وإيران وسورية، كان رأينا أن من الضروري عندما نجد فرصة للتفاوض مع العراق أنه لا بد من أن نبدأ به لئلا تكون قضيتنا غداً قضية لاجئين مثل قضية فلسطين، كما أن صدام حسين كان هذه المرة مختلفاً عن عام 1984، بعد أن وُضِعت القيود على جيشه.

بدأت المفاوضات بالفعل وكان الرئيس الطالباني هو رئيس الوفد وأنا لم أشارك فيه، وفي الجولة الثانية شارك السيد بارزاني وشاركت أنا ممثلاً الاتحاد الوطني الكردستاني، وعلى هذا الأساس بدأ الحوار مع الحكومة العراقية. كنت ألاحظ أنه عندما تكون الأجواء داخل الحوار إيجابية كنا نرى طارق عزيز يتشدد، خصوصاً عندما نبدأ صوغ ما دار في هذه الجلسات. وعندما يرى الأجواء متوترة كان يجاملنا كثيراً، وهذا ما كنا لا نفهمه أحياناً، وفسرنا الأمر بأن طارق عزيز، في قرارة نفسه، لا يريد أن نصل إلى اتفاق، حتى لا يقوى مركز صدام. وبالنتيجة فشلنا لسببين، الأول أن صيغة البيان كانت تتضمن إدانة للدول التي شاركت في إخراج العراق من الكويت، ولم نكن موافقين على هذا الأمر، والثاني تضمّن البيان مديحاً كثيراً لصدام، واقترحت أن يقرأ الرئيس شخصياً هذا البيان لتعديله، فقال طارق عزيز: «أنا أفهم ما المقصود». لم تتم الاتفاقية أيضاً على طلبنا بطرح قضية كركوك، وقالوا أنه لا يمكن بحث هذا الموضوع، بينما لدينا منذ سنة 1984 ورقة موقّعة من الطرفين باسم التطبيع في كركوك.

> حضرت المفاوضات إلى جانب بارزاني؟

– كان رئيس الوفد مرتين، مرة مع السيد نوشيروان مصطفى من جانب الاتحاد الوطني والمرة الثانية أنا حضرت. ومن جهة حكومة بغداد حضر عزة الدوري ولاحظت أنه يتمتع بذاكرة قوية جداً، وكان دائماً يبحث عمّا يمكن الاتفاق عليه.

> وعلي حسن المجيد؟

– على العكس، وكذلك حسين كامل وزير الدفاع.

> هل كان حسين كامل عنيفاً؟

– نعم، مرة قررنا الخروج من الاجتماع احتجاجاً على ألفاظ قاسية استخدمها حسين كامل.

> كيف كان علي حسن المجيد يتحدث معكم؟

– كنا نتحدث عن رقم الضحايا الأكراد في عملية الأنفال وهو 182 ألف ضحية. وكان علي حسن مجيد يحتج ويقول: «أنتم تقصدونني بهذا الكلام؟»، وقلنا إن هذه القضية تتعلق بمسائل قانونية وبهؤلاء الضحايا وعائلاتهم، وهي قضية إنسانية كبيرة فكيف لا نتكلم عنها. عندذاك قال أن الأعداد التي كنا نطرحها للضحايا كبيرة وأن الحقيقة غير ذلك، ويقول السيد محمود عثمان الذي حضر الاجتماع أنه سمع علي حسن المجيد يردد أن العدد لا يتجاوز 50 ألف قتيل!

> تكلمتم عن قصة حلبجة، وسبب قصفها؟

– كنا نركز على نقاط الاتفاقية أكثر، لنضمن أن مثل هذه الحالات لن تتكرر مستقبلاً.

> بارزاني كان حاضراً الاجتماع والتقى صدام حسين؟

– نعم، مرات عدة لكن لم نكن نرافقه إلى هذه اللقاءات. الوفد المشارك كان يتكون مني عن حزب الاتحاد الوطني ومحمود عثمان وعدنان المفتي عن الحزب الاشتراكي، وسامي عبدالرحمن عن حزب الشعب.

> هذا كان آخر اتصال مع نظام صدام؟

– بين وقت وآخر كانوا يرسلون بعض المسؤولين، مثل مدير الاستخبارات.

> من تعرف من رؤساء الاستخبارات العراقية؟

– كنت تعرفت إلى فاضل البراك، وأتذكر أن سلوك البراك كان يشبه سلوك طارق عزيز، بمعنى أنه عندما يجد الأجواء لطيفة يتشدد ويخلق أزمة في الحوار، وعندما تكون الأجواء متوترة كان يجامل.

> هل كان صدام حسين يحاول اللعب على التناقضات بين بارزاني والطالباني؟

– لم نلاحظ هذا، ففي أحد اللقاءات كان الطالباني وبارزاني موجودين في بغداد في عام 1992.

> لم يحدث تفاوض بعد 1992؟

– لا، لكنهم كانوا يرسلون أحياناً مسؤولين، مثل مدير المياه وكان يبحث قضية المياه في سدي دوكان ودربندخان. ومرة جاء مسؤول بعد أن بدأنا في فتح بعض آبار النفط في قرية قريبة من كويسنجق. كنا حينذاك في حاجة إلى النفط، وكنا نتعرض لحصار حكومي، فقام بعض المهندسين بفتح بعض الآبار، وكان رأيي أن نعود إلى طريقة استخراج النفط بأساليب بسيطة كانت قبل 70 سنة وهذا ما حدث. وأنتجنا نحو 45 برميل نفط في اليوم وتصاعد الإنتاج، وكنا نعتمد عليه.

> متى أبلغكم طالباني بأن الأميركيين سيشنّون حرباً لاقتلاع نظام صدام حسين؟

– في فترة عقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن 2002 من 15 إلى 17 كانون الأول (ديسمبر)، كان مام جلال والسيد بارزاني وآخرون قد ذهبوا في رحلة سرية إلى الولايات المتحدة، تم إبلاغهم بوجود هجوم على العراق، وكان هناك مجموعة مسؤولين أميركيين تتابع أخبار المؤتمر، منهم زلماي خليل زاد، وكان الجميع يؤكد أن الهجوم سيبدأ.

> عدت إلى كردستان قبل الهجوم الأميركي؟

– نعم، لأنني كنت عضواً في المكتب السياسي في الاتحاد الوطني.

> مع سقوط صدام حسين، تردّد أنه قبل تشكيل مجلس الحكم اقترح الأميركيون تشكيل حكومة انتقالية برئاسة جلال الطالباني، لكن ذلك لم يحصل…

– كان الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر هو من تسلم مسؤولية إدارة الأوضاع في العراق، وكان يعمل على تشكيل حكومة انتقالية موقتة، وطلب من السيدين بارزاني والطالباني أن يكونا في بغداد، للمساعدة، لكن مسألة تشكيل مجلس الحكم وضم شخصيات إليه كانت معقّدة، وجرى جدل حول حضور أو شعبية هذه الشخصية أو تلك. فوجئنا لاحقاً بقرار الأميركيين اعتبار وجودهم في العراق احتلالاً، وكانت مفاجأة غير سارة وغير مقبولة لدى الأطراف العراقية المختلفة، كما كانت لدينا فكرة بأن نبعث وفداً إلى أميركا لإعادة النظر في هذا القرار، لكن جاء بول بريمر وقتذاك، وكان يتصرف كديك منفوخ، وحدثت مواجهات معه.

 

تأسيسات بريمر

> بريمر، مع من؟

– مرة مع مام جلال، وأكثر من مرة مع أحمد جلبي، ومرة مع محمود عثمان وآخرين. في تلك الفترة لم تكن هناك فكرة اختيار رئيس وزراء، فمجلس الحكم كان المفروض أن يكون الطرف الذي يقرر، لكن، في ما بعد تم تقسيم الوزارات من دون اختيار رئيس وزراء، وفي نهاية حقبة بريمر وهو على وشك المغادرة، حدثت اتفاقات على أن يشكل مجلس رئاسة من غازي عجيل الياور وإبراهيم الجعفري وروز نوري ساويش، وتم اختيار أياد علاوي لرئاسة الوزراء، وتشكيل المؤتمر الوطني الموقت الذي لم تكن له صلاحيات تشريعية.

قانون إدارة الدولة، كُتب على عجل، ولم يتضمن آليات انتقال السلطة ولهذا كتب ملحقان للقانون، ملحق بتشكيل المجلس الرئاسي، والثاني بتشكيل المجلس الوطني الموقت. كان الأميركيون يستعجلون كثيراً، وأثّر هذا الاستعجال في الدستور.

> التقيتم الخميني في باريس ثم في طهران، ماذا تذكرون؟

– قلنا له أننا على استعداد للتعاون معكم، ومن خلال خبراتنا بإمكاننا تدريب كوادركم عسكرياً، وأيضاً بإمكاننا إيصال الأسلحة إلى داخل إيران، فقال أن نضالنا اليوم هو نضال سلمي، يعتمد على حملة «الله أكبر» – حينذاك كان الإيرانيون يرفعون التكبير في وقت محدد من سطوح منازلهم، استجابة لطلب الخميني – ولكن، إذا لم ننجح بهذه الطريقة سنضطر إلى حمل السلاح وحينذاك سنحتاجكم، وسألنا أيضاً عما إذا كنا نطلب شيئاً، فأجبناه: لا شيء، فقط تمنياتنا لكم بالتوفيق. وعندما عاد الخميني إلى طهران، زرناه مرة أخرى ورحبنا به، عائداً إلى بلده، بعد انتصار الثورة، وتكلمنا معه عن أسلحة كانت موجودة للثورة الكردية في مخازن إيران العسكرية، فقال: أنا رجل دين ليس لدي علاقة بالحكومة، قلنا له: صحيح لكن توجيهاتك مهمة، فأبلغ حفيده السيد حسين الخميني بأن يذهب معنا إلى السيد رئيس الوزراء مهدي بازركان لمساعدتنا، وبازركان كلف وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأمر واسمه داريوش فروهر الذي قتل في ما بعد مع زوجته، وكان وزيراً ورئيس حزب «ملتي إيران». لاحقاً زار مام جلال إيران والتقى الإمام الخميني.

> هذه الأسلحة من أين جاءت؟

– هي أسلحة الثورة الكردية، قسم منها من الجيش العراقي وآخر من الخارج وقسم منها أسلحة إيرانية كانت مصادرها متعددة.

> ليس من سورية أو ليبيا؟

– لا، تعاوننا مع سورية حدث لاحقاً.

> هل كان الإيرانيون يؤيدون توليك الرئاسة في العراق؟

– لم يبلغوني بأنهم مع تعييني أو ضده، لكن السفير الإيراني هنأني، وتسلّمت رسالة من الرئيس حسن روحاني.

> هل استقبلت قاسم سليماني عندما أصبحت رئيساً؟

– التقيته قبل ذلك في إيران ضمن وفد برلماني، وكانت والدة قاسم سليماني توفيت فذهبنا إلى مجلس العزاء لتعزيته والتُقطت صور لنا وتمت مهاجمتنا في الصحف. لي معرفة مع قاسم سليماني من وقت طويل، من أيام نضالنا.

> تعرف قاسم سليماني من الثمانينات؟

– أعرفه من نهاية الثمانينات، كان يتابع موضوع المعارضة العراقية.

> هل أصبحت مواصفات الرئيس أن يكون كردياً وأيضاً أن يتحدث الفارسية؟

– لا طبعاً… أنا تعلمتُ الفارسية في القاهرة مصادفة، من خلال طلاب أفغان كانوا يدرسون ويتحدثون بالفارسية، كما أن للغة الكردية كلمات كثيرة مشتركة مع الفارسية، كما لها كلمات مشتركة مع العربية.

> بمن التقيت من الزعماء بعد توليك الرئاسة؟

– التقيت الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، والسيد حسن روحاني في نيويورك، وأيضاً الفريق السيسي والرئيس التونسي السابق المرزوقي، كانت هناك دعوة خاصة من الأمين العام للأمم المتحدة للرؤساء وزوجاتهم. لاحظنا أن الرئيس المرزوقي يتجول كأنه تائه فذهبنا للسلام عليه.

> أيضا فرنسوا هولاند؟

– نعم، التقيتُه في بغداد وباريس.

> لا أسمع شيئاً عن روسيا عندما أكون في بغداد.

– هناك وفد سيأتي إلى بغداد، روسيا مهتمة أكثر بالاستثمار.

> كنت تعرف الملا مصطفى بارزاني؟

– نعم. التقيتُه مرات عدة، فقد كان والدي الملا معصوم صديقاً للملا مصطفى بارزاني. وكان والدي من الشخصيات المعروفة وهو رجل دين الأول الذي وقف في وجه عبدالكريم قاسم عندما انطلقت الحركة الكردية، طلب منه أن يبعث ببرقية تهنئة إلى قاسم، فقال أن برقية رجل الدين تعني فتوى، وأنا لا أفتي بأن عبدالكريم قاسم على حق وأن الحركة الكردية على خطأ، وهاجم قاسم وتعرض للاعتقال في سجن الفضيلية الانفرادي قرب بغداد، لمدة سنة. بعد تدخل عدد من الشخصيات أُطلِق سراحه، فترك بلدته كويسنجق والتحق بالثورة الكردية. كنا ننظر إلى بارزاني بإعجاب كبير منذ صغرنا، فهو رجل شجاع وكان رئيس أركان الجيش في جمهورية مهاباد، وقد التقيتُه مرة حاملاً رسالة من شوكت عقراوي وكان ممثل الحركة الكردية في القاهرة،

 

 

 

 

وكنت أنا مساعداً له، وكانت الرسالة هي مذكرة مكتوبة بتوقيع عقراوي الى مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء كما أعتقد، يشرح فيها القضية الكردية، ومن الجمل التي تضمّنها خطابه أنه إذا لم تحل القضية الكردية، فإن كردستان ستكون مثل قبرص، وكانت قضية قبرص تشغل وسائل الإعلام. ذهبت بالرسالة والخطاب إلى الملا مصطفى، في قرية نائية على الجبل، ووصلت ليلاً وكان أحدهم يضيء المصباح خلفي وأنا أسير في الطرق الوعرة، وكان اسمه الملا باقي، ومع اقترابنا من الخيمة سمعت خلفي صوتاً مختلفاً، فانتبهت فكان الملا مصطفى نفسه، وهو يحمل المصباح، فتبين لي أنه كان يضيء المصباح في نصف الطريق حتى وصولي إلى خيمته.

 

 

 

وعندما دخلنا، كنت مأخوذاً بهيبته، فلم أستطع الحديث لدقيقة، ثم طلب مني قراءة الرسالة، حتى وصلت إلى المقارنة بقبرص، فطلب مني قراءة الفقرة مرة ثانية، ثم قال لي أستحلفك بالله أن توصل هذا الكلام كما هو: «قل لهذا الأحمق – يقصد شوكت – أين قبرص وكردستان أين؟ إذا قلت لك أني سأرفع الجبل وأضعه على رأسك لن تصدقني، بينما إذا هددتك في شكل مباشر ربما تخاف»، في المرة الثانية التقيت الملا مصطفى في 1985، وذهبت إليه وكان قد بعث لي برسالة تعزية بوفاة والدي، وقال: متأسف لأن والدك توفي من دون أن يرى كيف انتقمت له، فمحافظ أربيل الذي ضرب والدي ورمى عمامته قد تم قتله.

> كان شجاعاً؟

– شجاعته فوق كل تصور، لكنه حريص أمنياً، وهو رجل قاد ثورة كبيرة حتى عام 1975 وكان زعيماً تاريخياً.

> لاحقاً، غيرتم رأيكم في الملا مصطفى؟

– لا… الملا مصطفى كان رجلاً تاريخياً. ربما اختلفنا معه، لكن هذا لا يقلل من دوره، بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 اختلفنا.

> كنت منتمياً إلى الحزب منذ البداية؟

– كنتُ شيوعياً عندما كان عمري 16 سنة، وعندما بلغت 20 سنة، وكنت مع زملاء في طريقي من دمشق إلى القاهرة، ذهبنا لزيارة خالد بكداش فقال: من أين أنتم؟ فأجبناه أننا من كردستان العراق، فبدأ يهاجم الحركة الكردية والحركة القومية العربية، وقال إن هذه حركات استعمارية، ويجب أن تتجاوزوا الأفكار القومية، وعندما خرجنا قلت لهم. خالد بكداش يفهم في الشيوعية أكثر من جماعتنا في كويسنجق، وكانت مشهورة بالحركة الشيوعية آنذاك. لاحقاً تركت الحزب الشيوعي وانتميت إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني حتى عام 1975، عندما قررنا مع مام جلال وعدد من الإخوة تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني.

> كيف تصف علاقتك مع مسعود بارزاني، هل هناك أثر على هذه العلاقة لكونك من الاتحاد الوطني؟

– عندما نكون في حزبين مختلفين فهناك وجهات نظر يعبّر كل طرف عنها، ولكن وجهات النظر محترمة. وكنت على الدوام موضع احترامهم، كما أنني اعتقلت لمدة 23 يوماً لدى الحزب الديموقراطي الكردستاني.

> في أي سنة؟

– في 31 آب (أغسطس) 1996.

> هذه المرة الوحيدة التي اعتقلت فيها؟

– نعم، في كل حياتي.

> أين اعتقلت؟

– في مصيف صلاح الدين.

> اعتقلت خلال معارك الحزبين الكرديين؟

– أنا كنت موجوداً في أربيل، وبدأ هجوم، فطلبوا مني أن أخرج من أربيل، لكنني رفضت وقلت: إذا خرجت فسيقال أنني كنت سبب الهزيمة للاتحاد الوطني. لاحقاً اختفيت لليلة، لكن مقاتلي الحزب الديموقراطي عرفوا مكاني واعتقلوني، لكنهم عاملوني بكل احترام، وبعد 23 يوماً أدركوا أنني لا يمكن أن أتعاون معهم ومصرّ على وضعي كمؤمن بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأرفض الخروج من إقليم كردستان، وطلبت الذهاب للالتحاق بمام جلال. بعد يوم استقبلني السيد مسعود بارزاني، وقال لي أننا أردنا حمايتك، فإذا بقيت في أربيل، قد يقع عليك خطر وكنا سنتحمل المسؤولية، فأوصلوني إلى حدود إيران ومن إيران عدت إلى مقر وجود مام جلال.

> كانت العلاقات صعبة حينذاك بين الطالباني وبارزاني؟

– كانت متوترة، لكن طالباني كانت له مبادرات شجاعة، في إحدى المرات قرر أن القتال بين الحزبين يجب أن ينتهي، لأن أحداً لن ينتصر فيه، فقال لنا أنني سأذهب وحدي إلى مسعود بارزاني، واعترضنا حينذاك، لكنه رفض، وذهب بالفعل. أبلغنا الحزب الديموقراطي عبر الشفرة أن مام جلال سيأتي إلى أربيل للقاء مسعود، ركب مام جلال سيارة يسوقها بنفسه، وكان السيد مسعود ينتظره في شقلاوة، وتم اتفاق أولي على إنهاء القتال، ثم جاءت اتفاقية واشنطن لتنهي المشكلة.

> أحمد الجلبي لعب دوراً في الوساطة بين الطرفين؟

– امتاز الجلبي بشجاعة فائقة، كان القتال مشتعلاً بيننا، وهو كان يتنقل بين الطرفين، كما أن الجلبي كان لديه دور أساسي في سن قانون تحرير العراق من الكونغرس، إضافة إلى دوره في كردستان.

 

01 تعليق جدير بالذكر : هيفيدار- فقط للتذكرة الملا مصطفى البارزاني توفي عام 1979 وهنا يتم ذكر لقاء فؤاد معصوم به عام 1985 اي بعد ست سنوات من وفاته شكرا.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...