الوقت – تعرض الدولار الأمريكي إلى هزّات عنيفة تسببت بتراجع قيمته أمام العملات الأخرى في الأسواق العالمية على خلفية زيادة التوتر الجيوسياسي والهواجس بشأن الإجراءات الاقتصادية التي يتخذها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” منذ دخوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2017 وحتى الآن.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أن الدولار الأمريكي كان قد انهار في نهاية عام 2007 وبداية عام 2008 بسبب الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري حيث سجل اليورو مستوى قياسي أمام الدولار عندما وصل إلى 1.60، فيما سجل الجنيه الاسترليني أكثر من 2 دولار. كما هبط الدولار دون الفرنك السويسري، ووصل إلى أدنى مستوياته أمام الين الياباني وغالبية العملات العالمية.
وقبل ذلك وتحديداً في مطلع عام 2002 تعرض الدولار الأمريكي لانخفاضات عديدة ووصل إلى أدنى مستوياته مقابل العملات الرئيسية للدول الصناعية الكبرى في يوليو/تموز من العام نفسه.
وتراجعت قيمة الدولار أيضاً في يوليو/تموز الماضي، بعدما رفض سيناتوران أمريكيان مشروع قانون لحزبهما يلغي نظام الرعاية الصحية، ما يثير مزيداً من الشكوك حول الأجندة الاقتصادية للرئيس الأمريكي.
وتنبغي الإشارة إلى أن كبار التجار يشككون بقدرة ترامب على تنفيذ إصلاح ضريبي وغير ذلك من التدابير الاقتصادية التي تعهد بتنفيذها خلال حملته الانتخابية، ومن شأن ذلك أن يؤثر سلباً على أداء العملة الأمريكية.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن ضبابية وعدم وضوح سياسة ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد والمال، تقف وراء انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات المالية الأخرى.
ومن المعلوم أن أي تأثير سياسي من شأنه أن ينعكس على الوضع الاقتصادي والمالي خاصة وأن الخبراء الاقتصاديين باتوا يعتمدون في تحليلاتهم المالية على الأمور السياسية بنسبة كبيرة خلافاً لما كان في السابق حيث كانت تقاس هذه التحليلات بمعدلات الفقر والبطالة.
وفيما يتعلق بالتوقعات العالمية حول مصير الدولار يمكن القول بأن التقلبات التي تتميز بها سياسة ترامب تجاه الدول الأخرى والتي لا تستند إلى أسس واضحة وقد تتغير في أي لحظة من شأنها أيضاً أن تضعف المنظومة المالية والاقتصادية الأمريكية لاسيّما وإن الكثير من القرارات التجارية والاستثمارية تبنى على أساس استقرار سياسات سعر الصرف، كالتصدير والاستيراد و السياحة وتسعير المنتجات في منافذ البيع وغيرها، ومن شأن هذا أن يؤدي أيضاً إلى إرباك السوق الى حد كبير بكل تأكيد.
ويرى كثير من المحللين أن الأسباب الجوهرية لانخفاض الدولار تعود في الحقيقة إلى معاناة الاقتصاد الأمريكي من عجز مزمن بالميزان التجاري مقابل دول أخرى كالصين التي تحقق فائضاً كبيراً في تجارتها وتتسبب سلعها الرخيصة في فقد مئات الآلاف من الوظائف بالاقتصاد الأمريكي.
وهناك سبب أخر لتراجع الدولار يتعلق بالتباطؤ الذي يشهده سوق الرهن العقاري الأمريكي والذي قد يستمر فترة أطول من المتوقع. كما ساهمت أرقام التضخم التي زادت عن التوقعات في انخفاض الدولار وتكبده بالتالي خسائر إضافية أمام العملات الأخرى.
ومما لاشك فيه أن انخفاض الدولار يؤثر على الدول التي لديها احتياطات دولارية ضخمة، ومن هنا كان رد فعل عدد من البلدان إزاء انخفاض قيمة الدولار تقليل نسبة تواجده في احتياطياتها حتى أن حصة العملة الأمريكية من مجمل الاحتياطيات الدولية قد هبطت إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات العشر الأخيرة.
وإذا كانت الدول الأوروبية تستفيد من تراجع الدولار في خفض كلفة ما تستورده من أمريكا، فإن هذا التراجع قد يؤثر سلباً على صادراتها التي تصبح أعلى سعراً عند دخولها الأسواق الأمريكية.
ورغم محاولات أمريكا لمنع انخفاض سعر صرف الدولار تمكنت دول أخرى في مقدمتها الصين واليابان من إبطال مفعول هذه المحاولات من خلال شراء سندات أمريكية. وبمعنى أخر تستثمر هذه الدول بعض فوائضها التجارية في أصول بالدولار بدلاً من تحويل كل قيمة صادراتها إلى عملاتها المحلية. ويترافق ذلك مع زيادة في تدفقات رأس المال الخاص إلى خارج أمريكا مما يضعف قيمة الدولار عالمياً. وتحولت هذه التدفقات إلى منطقة اليورو الذي هو العملة المنافسة للدولار الأمريكي في التجارة العالمية، وهو ما أدى إلى ارتفاع اليورو مقابل الدولار.
في الختام نخلص إلى نتيجة مفادها بأن انخفاض قيمة الدولار يبين بوضوح المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي وأهمها العجز في الميزان التجاري والتضخم، وهما مشكلتان لهما تأثير بالغ على النمو الاقتصادي العالمي وديمومته على المدى البعيد.
الولاية الاخبارية