روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________
1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.
راقبوا قلوبكم وقلوب من معكم:
والأمل الوحيد لدى هؤلاء (الأعداء) هو زرعُ الشكّ بهذه المفاهيم والمبادئ في قلوب الناس, وقَبلَ الناس في قلوب مسؤوليهم…
فالنظام الذي يدّعي قيادة العالم الآن, وتقف على رأسه أمريكا، لا يترشّح عنه سوى الظّلم، وسفك الدّماء، وإهدار الحقوق، والتمييز، وأعمال العنف التي نظير لها, ولا يمكنه أن يبرهن عن نفسه بأمرٍ آخر، ولا يمكنه إيجاد الثّقة في قلبِ أَحَد، لذا فَهُم يفتقرون إلى الاستدلال، وهم يحاولون من خلال الإعلام, وشراء الضّمائر, ورشوة هذا وذاك, زعزعة كيان النّظام الإسلاميّ من الدّاخل. فلا بدّ من الحذر إزاء ذلك. وليس ذلك مختصّاً بكم فقط, بل يشملنا جميعاً, وعلى كلّ منّا أن يراقبَ قلبَه
________________________________________2- كلمة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي دام ظله في المؤتمر السّنوي لقادة وضبّاط الحرس الثّوري الإسلامي، 18/9/2004.
بالدّرجة الأولى, ومن ثمّ قلوبَ مجموعته والمُرتبطين به.
حياة الدّعّة والرّفاهية تنبت الشّكّ:
إنّ القلوب المفعمة بالإيمان والبصيرة والمعرفة لا تُهزم ولا يعتريها الخوف أبداً.
بالنسبة لهؤلاء (الأعداء)، لا بدّ أولاً من زرع الشكّ في القلوب من أجل بثّ الرّعب والانهزاميّة والخنوع والمهادنة. وهذا الشكّ لا يَرِد دائماً عن طريق العقل, فأحياناً يدبّ عن طريق البدن، حيث إنّ الشّهوات والأهواء البدنيّة وحبّ المال “المال الفتون” – في الدّعاء الوارد في الصّحيفة السّجّاديّة “اللّهم حصِّن ثغور المسلمين”, هذا الدّعاء الذي كان الكثير من شبابنا يقرؤونه أيّام الجبهات، ورد فيه أن يُمحى عن قلوبهم خطرات المال الفتون3 – وطلب الجاه, والمقام, ورفاهيَة العيش والتّرف, كلّها من الأمور التي تُلقي الشكّ في قلب الإنسان وعقله من خلال بدنه وشهواته, فاحذروها.
إنّني لا أدعو أحداً للتحلّي بالزُّهد العلويّ، فالزُّهد العلويّ أعظم وأكبر من كلامنا وأذهاننا، لكنّني أدعو للقناعة, وأن لا تسمحوا للمطامع والمطامح أن تُباغتكم، فهذه تحتاج إلى المراقبة، فحبّ الدّعة والرّاحة والرّفاهية، أمورٌ تَترُك بالتّدريج آثاراً سيّئة على الإنسان، حيث لا يُدركها في بداية الأمر, فإذا همّ الإنسان بالحركة، سيجد أنّه لم يعد قادراً, وإذا أراد العروج فلا يستطيع.
________________________________________
3- “وامحِ عن قلوبهم خطرات المال الفتون”، الصّحيفة السّجّاديّة, دعاء الثغور.
احرسوا العقول والقلوب والأذهان والإيمان بدقّة:
احذروا وحافظوا على جمعكم. احرسوا العقول والقلوب والأذهان والإيمان بدقّة. هذه هي وصيّتي الدّائمة. واعلموا في هذه الحالة, أنّه لا وجود لأيّ عاملٍ أو قوّةٍ تحت السماء يمكنها أن تقهركم. وهذه التّصريحات والحشود والتّهديدات التي تُمارَس ليست بالأشياء التي تَقوَى على أن تَقهَرَ شعباً مؤمناً – يَضُمُّ في أوساطه مجاميع صلبة مثلكم- أو أن تُلحِق الهزيمة بكم.
الهزائم تطال القلوب أولاً:
إنّ تأثير السّلاح المُدمِّر معروف, ولكن الهزيمة لا تَنزِل بأيّ شعب عن طريق ذلك، فالهزائم إنّما تطال القلوب أوّلاً, وعندئذٍ يُهزم البشر.
ففي بداية الحرب، كان بعضهم – بسبب قلّة الإمكانات التي كانت لدينا – يقول: “يجب مقابلة كلّ مئة دبّابة بمئة مثلها, ودون ذلك يستحيل خوض الصّراع”. لكنّ هؤلاء الشّباب – وهم أنتم- أثبتوا عكس ذلك، فَلِمُقابلة كلّ مئة دبّابة يستلزم وجود مئة قلب, مئة إنسان مضحٍّ يضع روحه على كفّه. ولطالما تكرّر أن تَقَهْقَرَت مئات الدّبّابات أمام الشّباب البُسلاء ممّن كانوا يحملون سلاح “RBG”، أو سلاحاً مشابهاً, وبالتالي أفلحوا في دحر العدوّ الذي قَدِمَ مدجّجاً بما لديه من تجهيزات ودعمٍ دولي، والآن أخذوا يعترفون به شيئاً فشيئاً، فقد أُرغم على التقهقر والانسحاب خائباً ذليلاً إلى خلف الحدود.كان هذا التوفيق بفعل الاستبسال والإيمان، فلا بدّ من الحفاظ عليه جيّداً.
حافظوا على وحدتكم، فمن المآرب التي يطمع بها الأعداء وأشباههم زعزعة الوحدة داخل الحرس، فحافظوا على وحدتكم وتآلفكم, وإذا وُجدت هنالك خلافات ثانويّة في مِفصلٍ ما، فعليكم تنحيتها جانباً, ونظِّمُوا جِهة مساركم, وامضوا إلى الأمام بكلّ شجاعة واقتدار متوكّلين على الله. فهذا واجبكم الأساس. وإنّ المحافظة على الثّورة إنّما تتحقّق من خلال هذا الطّريق4.
الفرق بين الإعمار والنزعة المادّيّة:
الإعمار هو ذلك العمل الذي كان يقوم به الإمام عليّ عليه السلام واستمرّ به إلى ما قبل خلافته – وربّما حتّى في عصر خلافته أيضاً، وإن كنت غير جازم به، أمّا قبل خلافته فهذا من المقطوع به – فلقد كان يزرع النّخيل بيديه، ويُصلح الأرض، ويغرس الأشجار، ويحفر الآبار، ويسقي المزروعات. هذا هو الإعمار. أمّا اللُّهاث وراء الدّنيا وطلب المادّة فهو عمل عُبيد الله بن زياد ويزيد، فهؤلاء ماذا قدّموا للنّاس وماذا صنعوا لهم؟ هؤلاء كانوا يخرّبون ويستهلكون، ويسرفون في الأمور الكماليّة الظاهريّة، وهنا ينبغي أن يُفرَّق بين هذين المفهومين.
اليوم، أغرق بعضُ الأشخاص أنفسهم، باسم الإعمار والبناء، في المال والدّنيا وعبادة المادّة، فهل هذا من الإعمار في شيء؟!
إنّ ما يُفسد مجتمعنا اليوم هو الانغماس في الشّهوة وفقدان روح التّقوى والتّضحية، تلك الروحيّة الموجودة في التعبويّين5.
________________________________________
4- كلام الإمام الخامنئي مع المجاهدين، 13/09/2002.
5- لقاء مع جمع من قوّات التعبئة وقادة الألوية والفرق، 13/07/1992.