ما لا تستطيع العامّة من الجماهير الحصول عليه، كما أنّها، وإن أرادت، لن تجد الوقت الكافي لدراسة المشكلات القانونيّة وفهمها. وللخروج من هذه المشكلة توصّل رجال القانون إلى حلّ وسط، وهو أن يقوم (البالغون) من أفراد المجتمع بانتخاب ممثّلين لهم، وهؤلاء بدورهم يصدرون التشريعات باسم الشعب. ومن الممكن أن ندرك حماقة هذا الحلّ الوسط، حين نجد أنّ حزباً سياسيّاً لا يتمتّع إلّا بأغلبيّة 51 % من مقاعد البرلمان يحكم على حزب الأقليّة، الّذي يمثّل 49 % من أفراد المجتمع البالغين. والأمر لا يقف عند هذا الحدّ، لأنّ هذا الحلّ يحتوي على فراغ كبير جدّاً تنفذ منه أقليّة لتحكم على أغلبيّة السكان.
وهكذا نقف مرة أخرى أمام ظاهرة البحث عن أساس القانون ومصدره. والدّين يستجيب لهذا التحدّي الخطير، الّذي قد يدّمر سعادة البشريّة كلّها.. إنّه يقول: إنّ مصدر التشريع هو الله وحده، خالق الأرض والكون، فالّذي أحكم قوانين الطبيعة هو وحده الّذي يليق أن يضع دستور حضارة الإنسان ومعيشته. وليس هناك من أحد غيره سبحانه، يمكن تخويله هذا الحقّ.
إنّ هذا الجواب معقول وبسيط لدرجة أنّه يصرخ قائلاً- لو استطعنا أن نسمع نداءه-: هل هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يسوّي هذه المشكلة المصيريّة؟
لقد وصلت بنا هذه الإجابة إلى مكانها الحقيقيّ من التشريع والمشرّع، بعد أن استحال علينا المضيّ خطوة ما في ظلام الضلالة عن الهدى الحقيقيّ. إنّه لا يمكن قبول إنسان حاكماً ومشرّعاً للإنسان، ولا يستمتع بهذا الحقّ إلّا خالق الإنسان، وحاكمه الطبيعي: الله. (وقد يعطي الله سبحانه هذا الحقّ لمن يشاء كالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يقول سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾16، نعم، ولكن الرسول الّذي لا ينطق عن الهوى).
16- سورة الحشر، الآية:7.