الرئيسية / من / الشعر والادب / ديوان السيد حيدر الحلي

ديوان السيد حيدر الحلي

الشاعر الكبير السيد الشريف أبو سايمان وأبو الحسين
حيدر بن سليمان بن داود الحسيني الحلي
المتوفي سنة 1304 هـ ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني

الطبعة الثانية
1374 هـ

وهو يحتوي على عدة قصائد في رثاء

ألإمام أبي عبدالله الحسين وجده
وأبيه وأبنائه عليهم السلام

لناظمه

ألشاعر الكبير السيد الشريف أبو سايمان وأبو الحسين
حيدر بن سايمان بن داود الحسيني الحلي
المتوفي سنة 1304 هـ

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 2

بسم ألله الرحمن الرحيم
قال رسول ألله (ص) أن لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً
المستدرك
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 3

قال العلامة الحبوبي يرثي
السيد حيدر الحلي

ايـن لـي نجـوى إن أطلقـت بيـانا ألسـت لعـدنـان فمـا ولسـانا
وأبلــغ خطـابا فالبـلاغـة سلمـت لكفيـك منـها مقـودا وعنــانا
و جـل يا جـواد السبـق في حلبـانها فهـاشم سمت للطعــان رهـانا
أغيـث ألأيــادي قـد تقشـع غيثـها و حين المعادي كيف حينك خـانا
صرعت وما خلت الردى يصرع الردى و لا خلت أن يفنى الزمـان زمانا
فيـا صارما لاقى من المـوت صارما بلـى و سنـانا ذاق منـه سنـانا
رمـاك الـردى في نـافذات سهـامه فصمى لأحشـاء الكمـال خيـانا
لـقد حسـرت فيـه مقـاتل غــالب وكــم افـرغتـه نثرة لتصـانا
أجـوهرة الدنيــا التـي قـد زينـت بـه و إكتست من بشره اللمعـانا
حمـلت علـى الجيـد الـذي زنته ثنا لتجمـع فيـه جـوهراً و جمـانا
حجى حمـلت منك الرقـاب وسـؤدداً يعـدان في الشـم الرعـان رعانا
بنعشـك رضـوى أم بعشـك يـذبـل وما شـأن ذين عـز شـأنك شانا
كـأن رواسـي الهضب أجنحة القطـا عليـك لمـا ألزمـتها الخفقــانا

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 4

عبقرية السيد حيدر الحلي

«إن في رثاء السيد حيدر لشهداء الطف ما يفتت ألأكباد أسى ولوعة ، ويذيب القلوب أسفاً وحسرة »
( الدكتور محمد مهدي البصير )

بقلم: البحاثة ألأستاذ عبدالنبي الشريفي

ربما تسائل المعنيون بدراسة ألأدب العربي ـ في خلال الفترة التي نشأ بأكنافها السيد حيدر الحلي ـ عن سر خلود شعره وحظوته البالغة من الذيوع وألإهتمام ؟ !
فمن الندرة ألا يستشهد بروائع السيد حيدر الحلي من يروم التحدث عن آل محمد رثاء وفخرا . . ومن تحصيل الحاصل ألافضاء بأن المنابر الحسينية متوجة العناية إلى رواية شعره كلما ضربت السرادق وإنعقدت المحافل جذلا أو أسى ، حتى يبلغ الغلو بالباحث إلى
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 5

القول بأن قصائد السيد حيدر مدونة تاريخية كبرى سجلت ما لآل البيت الكرام من مآثر وفجائع . .
فهل ترى توفيقا يعدل هذا التوفيق أو نصيبا سعيدا بمثل ما ظفر به هذا الشاعر الخالد ! ! وهل تراك تتخيل بأنه كان مصادفة خالقة ، أو تحسب أن هذا ألإحتفاء جاء عفواً ؟!
لقد بدأ رثاء الحسين منذ أحست النفوس بجسامة المصاب وفداحته وما كانت القلوب الشاعرة لتترك مثل هذا الحادث الذي هز و رجرج ، دون تصوير . . فتفجرت القرائح عيونا تستفيض بالعبرات . وأعتني رواد الشعر العربي بصوغها وسكبها في قوالب ذات شجى وأنين . . فهذا ( الجعفي ) يقول:
لقد فاز ألأولى نصروا حسيناً وخاب ألآخرون أُولو الشقاق
فيـالك حسرة مـا دمت حياً تردد بين صدري والتـراقي

ولا يشك بأنك استمعت أنّات ونوائح الشريف الرضي :
لله ملقىً على الرمضاء غص به فم الردى بين أقدام وتشمير
تهابه الوحش لا تدنـو لمصرعه وقد أقام ثلاثاً غير مقبـور

ودونك مهيار الديلمي ( تلميذ الشريف) ناحباً :
حملـوها يـوم السقيفة أوزا راً تخف الجبال وهي صقال
ثم جاؤوا من بعدها يستقيـ ـلون وهيهات عثرة لا تقال

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 6
وهناك طائفة من عباقرة الشعر ـ قديما وحديثا ـ نهجت ذلك المنهج . . غير أن البدء والختام كان لشعر السيد حيدر الحلي في هذا المضمار إذ كان السابق المجلي . .
ولبلوغ مراثي السيد حيدر هذه الذروة السامقة من الكمال والصعود أسباب وأسرار.
قد تذهب التعليلات والتحليلات مذاهب تتراوح بين ألإقتراب والتنائي . . ولكن بضع نظرات فاحصة دقيقة في تلك المراثي توحي بالرد القوي القويم. .
لقد تعاونت وتظافرت عناصر الفكر ذات الروعة الدافقة والقلب النابض في خلق تلك العبقرية وبعثها لتجيء بهذه الروعة المدهشة ولتظهر ممتلئة قوة وحيوية . . وحرقا وزفرات. . .
أستشعر أمجاد ومآثر آل البيت وجلال قدرهم ورفعة مراتبهم ففخر واستطال. .
هم خيـر مـن تحت السمـاء بأسـرهم و أكرم من فوق السماء وأشرف
وهم يكشفون الخطب لا السيف في الوغى بأمضى شباً منهم ولا هو أرهف
إذا هتـف الداعـي بهـم يــوم من دم الفـوارس أفواه الضبـا تترشف
أجابـوا بأبيـض طائـعا يقـف القضـا إلى حيث شاءت ما يزال يصرف
ومن تحتـها ألآجـال تسـري و فوقـها لـواء من النصر العزيز يرفرف

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 7

ثم التفت إلى اعدائهم ألأمويين فحنق وسخط
هذي أمية لا سرى في قطرها غض النسيم ولا استهل قطار
لبست بما صنعت ثياب خزاية سـوداً تولى صبغهن العـار

ويستفضع ما قام به ألأمويين تجاه آل البيت ، ويتعالى ويزداد هذا ألإستفضاع فيستحيل إلى نقمة عارمة حين يخاطب أُمية :
أُمية غوري في الخمول وأنجدي فمالك في العليـاء فوزة مشهد
هبوطا إلى أحسابكم و انخفاضها فلا نسب زاكٍ ولا طيب مـولد
تطـاولتم لا عن علا فتراجعوا إلى حيث أنتم واقعدوا شر مقعد
قديمكـم ما قـد علمتم و مثله حديثكـم في خزيـه المتجـدد

وفي هذه القصيدة ما لا يستحسن إيراده مما يشاكل ( من أين تخجل أوجه أموية) في القصيدة التي مطلعها:
كم ذا تطارح في منى ورقاءها خفض عليك فليس داؤك داءها

ولما مد طرفه إلى مآسي أهل الوحي وربيبي حجر الرسالة عاد طرفه ممتلئاً قذى فإهتاج غضبا وحماساً :
يـا آل فهـر أيـن ذاك الشبا ليست ضباك اليوم تلك الضبا
للضيم اصبحت وشالت ضحى نعـامة العـز بـذاك ألأبـا
ثم تستجيش به ألآلام فيصبها لوما وتعنيفا:
ألله يا هـاشم أيـن الحمى أين الحفاظ المر اين ألإبا
كيف بنات الوحي أعداؤكم تدخل بالخيل عليها الخبا

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 8

ولم تساقط قطعا بيضكم وسمركم لم تنتثر أكعبا

ويطغي التأثر في السيد حيدر حين تتمثل مأساة كربلاء أمام ناظريه بصورها الكئيبة القاتمة فيبكي أشد البكاء وينشج أمرالنشيج ويمتزج ذلك برسوم بارزة المعالم ملموسة المظاهر:
وثـوت بأفئـدة صـواد لم تجـد رياً يبل سوى الـردى أحشاءها
يغلي الهـواجر من هجيـر خليلها إذ كـان يـوقد حره رمضاءها
ما حال صائمة الجـوارح أفطرت بدم و هل تروى الدماء ضماءها
ما حال عافرة الجسوم على الثرى نهبت سيـوف أُميـة أَعضاءها
وقلـوب أبنـاء النبـي تفطـرت عطشـا بقفر أرْمَضت أشلاءها

ويكاد صوته يختنق برما وضيقا غداة يصل به المطاف إلى ( بنات الرسالة ) :
وأَمضَّ ما جرعت من الغصص التي قدحت بجانحة الهدى ايراءها
هتـك الطغـات على بنـات محمد حجب النبوة خدرها وخباءها
عجبــا لحلـم ألله و هـي بعيـنه برزت تطيل عويلها وبكاءها
و يرى من الزفـرات تجمع قلبـها بيد وتدفـع في يـد أعداءها

أتراك تتمالك عواطفك عند قراءتك مثل هذه الصورة الحسية دون أن تجهش مستعبراً، تتساقط منك ألأدمع مستسلمة هاربة ! !
وتخف اللوعة لدى الشاعر حين يتذكر مفزعا تتجمع به آماله في الإقتصاص من ألأعداء وإحلال الصلاح والطمأنينة ونشر العدالة
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 9

. . إنه المهدي . . إنه القائم المنتظر. . فيأخذ في استنهاضه:
إمـام الهدى سمعـا و أنت بمسمع عتـاب مثيـر لا عتـاب مفند
فداؤك نفسي ليس للصبر مـوضع فتغضى و لا من مسكـة للتجلد
أتنسى و هـل ينسى فعـال أُميـة أخو نـاظر من فعلها جد أرمد
فقم و عليهم جرد السيف وانتصف لنفسك منـهم بالحسـام المجرد

ويطفح هذا ألإستنجاد في أغلب مراثي السيد حيدر الحلي :
ألله يا حـامي الشريـعه أتقر و هي كـذا مروعه
مـات التصبر في إنتظا رك أيها المحيي الشريعه
فانهض فما أبقى التحمـ ـل غير أحشاء جزوعه
كـم ذا القعـود ودينكم هدمت قـواعده الرفيعه

ولا يكف عن معاودة الحض للقائم العدل على النهوض طلبا للإنتقام. .
أعيـذ سيفك أن تصدى حديدته و لم تكن فيـه تجلي هـذه الغمم
قد آن أن تمطر الدنيا و ساكنها دمـاً أغر عليـه النقـع مرتكـم
نهضا فمن بضباكم هامه فلقت ضرباً على الدين فيه اليوم يحتكم
ما خلت تقعد حتى تستشار لهم وأنت أنت وهـم فيـما جنوه هم

وفي الديوان أغراض تكاد تكون ذات حدود متماثلة . . غير أن الروعة الشعرية لا تفارق ألأبيات وتتسامى رفعة في تصوير الحرب ودقة الوصف في ألإباء والشجاعة
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 10

منـاجيب غلب من ذؤابة هـاشم و آسـاد حرب غابهن الذوابل
إذا صـارخ الهيجا دعاهم تلملمت لهم فـوق آفاق السماء جحافل
و إن عجعجت بالنقع شمت بوارقاً لهم غربها بالموت والدم هاطل
و للضاريـات السابغـات برزقها قنـاهم بمستن النـزال كوافل
و في أكبد ألأبطال تغرس سمرهم و من دمها خرصـانهن نواهل

ثم يأخذ في تبيان بسالة الحسين عليه السلام:
همـام له عزم به الشم في الوغى تعــود أعاليـهن وهي أســافل
نضى لقراع الشوس عضباً مهنداً تميـل المنــايا أينمـا هو مـائل
و غـادرهم في غربه جُثُماً على الثرى و بهم شغل من الموت شاغل

وتجد التمجد بشجاعة شهداء الطف حافلا به الديوان
و قفـوا والمـوت في قـارعة لـو بها أرسـي ثهـلان لمـالا
فأبـأوا إلا إتصـالا بالضبــا وعن الضيـم من الروح إنفصالا
أرخصـوها للعـوالي مهجــاً قـد شــراها منـهم ألله فغـالا
نسيـت نفسـي جسمـي أو فلا ذكـرت إلا عـن الدنيـا إرتحالا
أسرة الهيجـاء أتـراب الضبـا خلفـاء السمر سحبـاً و إعتقـالا
إن دعوا خفوا إلى داعي الوغى و إذا النـادي إجتبى كـانوا ثقالا

ألا تشم في هذه ألأبيات وفي سواها ريح «الكرامة»بأشمخ معانيها هذه نهلات وحسوات من منابع وموارد شاعرنا الحلي ( حيدر ) وإلمامة سريعة في الكشف عن كنوزه الشعرية النفيسة. .
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 11

والحق إن هذه إلا لمامة العجلى لا تتيح للباحث ألإقتناع بأداء مهمته في درس مناحي شعر الشاعر وألإتيان على مقوماته وخصائصه وفنه الشعري الرائق وتحليل معانيه وألفاظه ومسالكه وإفتتاحه وختامه فذلك يحتاج إلى متسع يكفله الزمن. . .
ويؤسفني أن أصرح بأن التشويه الطباعي أفقد الديوان رونقه وبهاءه وأذهب متاعب التصحيح والتنقيح أدراج الرياح . . فالمعرف أتخذ شكل (العرف)وهكذا . . وغير غائب عن الذهن بأن هذه الطبعة أفضل من الطبعة الهندية ، إذ طالعنا فيها أخطاء حاولنا تجنبها هنا
وامتياز هذه الطبعة بجمال عناوينها ومقاربتها للصحة . . وفي مراجعة ألأخطاء المطبعية ما يوفر على القارىء مؤنة الجهد. .
ولا يشك بأن الحافز للناشر ( ألأستاذ الشيخ محمد رضا الكتبي صاحب مجلة العدل ألإسلامي الغراء) هو الحرص على أرباب ألأدب والمنبر والناشر يأمل بعون ألله أن يتابع القسم الموجود بين يدي القارىء بما يكمله وألله الموفق والمسدد . .
النجف : عبدالنبي الشريفي
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 12

الـحُسَيْنـِيّات

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 13

ما كان أوجعها لمهجة أحمداً

كـم ذا تُطـارح في منى ورقاءها(1) خفِّض عليـك فليس داؤك داءها
أَنَظُنهـا وجـدت لبيـنٍ فانبـرت جـزعا تبثك وجـدها وعنـاءها
فحلبـت قلبـك من جفـونك أدمعا و سمت كَرَبعي الحيـا جرعاءها(2)
هيهات ما بنت ألأراكة(3) والجوى نضج الزفيـر حشاك لا أحشاءها
فاستبق ما أبقى ألأسـى من مهجة لك قد عصرت مع الدموع دماءها
كذبتك ورق ألأبطحين فلـو بكت شجنـاً لأخضـل دمعها بطحاءها
فاطرح لحـاظك في ثنـايا أُنسها من أي ثغـر طـالعة مـا ساءها
لا ألفهـا صدعته شـاعبة النوى(4) يـوما ولا فطـم الغمـام كباءها(5)
و غـدير روضتها عليه رفرفت عـذب ألأراك وأسبغت أفيـاءها(6)
لكن بزينـة طـوقها لمـا زهت مزجت بأشجـان ألأنيـن غناءها
ورأت خضاب الراحتين فطرَّبت وظننت تطريـب الحمـام بكاءها
أ أخا المـلامة كيف تطمع ظلة بالعذل من نفسي تـروض أباءها
أرأيت ريـقة أفعـوان صريمة(7) نـفس السليم(8)بها تـروم شفائها
عني فما هبـت بوجدي سـاجع تتدعو هديـلا صبحـها ومساءها
(1)الورقاء: الحمامة ، أو التي يقرب لونها إلى الخضرة..
(2) الحيا: المطر والجراعاء : رملة مستوية لا تنبت شيئا.
(3)ألأراك: هي شجرة واحدتها أراكة، والجمع أرك وأراك.
(4) النوى : البعد.
(5) الكباء : عود البخور .
(6) أسبغ : أسدل ، ألأفياء: الظلال.
(7) الصريمة: القطعة من الرمل المتجمع .
(8)السليم : السقيم.

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 14

ما نَّبهت شوقي عشية غردت بضباء كـاظمة عدمت ضباءها
لكنمـا نفسـي بمعترك ألأسى أسرت فـوادح كربلاء عزاءها
يا تربـة الطـف المقدسة التي هـالوا على ابن محمد بوغاءها(1)
حيَّت ثـراك فلاطفته سحـابة من كوثر الفردوس تحمل ماءها
واريـت روح ألأنبيـاء و إنما واريت من عين الرشاد ضياءها
فلأيِّهم تنعـى الملائـك من له عقـد ألإلـه ولائـهم و ولاءها
أ لآدم تنعـى وأيـن خليفة الـ ـرحمن آدم كـي يقيم عزاءها
و بـك انطوى وبقـية ألله التي عرضت و علّـم آدم أسمـاءها
أم هـل إلى نـوح وأيـن نبيّه نـوح فيسعد نـوحها وبكـاءها
و لقد ثوى بثراك والسبب الذي عصم السفينة مُغـرِقا أعـداءها
أم هل إلى موسى وأين كليـمه موسى لكي وجـدا يطيل نعاءها
ولقد توارى(2) فيك والنار التي في الطـور قد رفع ألإله سناءها
لا بل غدات عرت رزيتك التي حمل ألأئـمة كـربها وبـلاءها
دفنـوا النبوة وحيـها و كتابها بك وألإمامة حكمها و قضـاءها
لا أبيضَّ يـوم بعد يـومك أنه ثكلت سمـاء الدين فيه ذكـاءها(3)
يـوم على الدنيـا أطل بروعة ملئت صراخا أرضـها وسماءها
وإسْتَكَّ مسمع خافقيها(4) مًذ بها هتـف النعي مطبقاً أرجــاءها
طرقتك سـالبة البهـاء فقطبي ما بشر من سلب الخطوب بهاءها
ولتغد حائـمة الرجـاء طريدة لأسجـل ينقـع بـرده أحشـاءها
فحشى ابن فاطمة بعرصة كربلا بردت غليـلا وهو كـان رواءها
ولتطبق الخضراء في أفلاكـها حتى تصك على الورى غبراءها
فوديـعة الرحمـن بين عبـاده قـد أودعته أُميـة رمضـاءها(5)
(1) البوغاء: دقائق التراب أوما ثار من الغبار.
(2) توارى: إحتجب.
(3) الذُكاء: إسم علم للشمس غير منصرف.
(4) الخافقين : المشرق والمغرب.
(5) الرمضاء : ألأرض الحامية من شدة الشمس.

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 15

صرعته عطشـانا صريعة كأسها بتنـوفة سدت عليـه فضـاءها(1)
فكسته مسلوب المطـارف نقعـها(2) و سقته ضمـآن الحشى سمراءها
يـوم استحـال المشرقـان ضلالة تبعت بـها شيع الضـلال شقاءها
إذا ألـقَح ابن طـريد أحمد فتنـة ولـدت قلـوبهم بـها شحنـاءها
حشدت كتـائبها علـى بن محمد بالطف حيـث تذكـرت آبـاءها
ألله أكبـر يــا رواسي هـذه ألـ أرض البسيطة زايـلي أرجـاءها
يلقى ابـن منتجع الصلاح كتـائبا عقـد ابن منتجع السفـاح لواءها
ما كـان أوقحهـا صبيحة قـابلت بالبيـض جبـهته تـريق دماءها
ما بـل أوجهـها الحيـا و لو أنها قطع الصفـا بَـلَّ الحيـا ملساءها
من أيـن تخجـل اوجـه اُمـوية سكبت بلـذّات الفجـور حيـاءها
قهـرت بني الزهراء في سلطـانها وإستأصلت بصفـاحها أمـراءها
ملكـت عليـها ألأمر حتى حرمت في ألأرض مطرح جنبها وثواءها
ضـاقت بهـا الدنيا فحيث توجهت رأت الحتـوف أمامـها ووراءها
فاستوطأت ظهر الحمـام و حولت للعز عن ظهـر الهـوان وطاءها(3)
طلعـت ثنيـات الحتـوف بعصبة كانوا السيوف قضـائها ومضاءها
من كـل منتجع برائـد رمحــه في الروع من مهج العدى سوداءها
أن تعر نبـعة عـزه لبس الوغى حتـى يجـدل أو يعيـد لحـاءها(4)
ما أظلمت بالنقع(5) غاسقة الوغى إلا تلهـب سيفـه فـأضــاءها
يعشـو الحمـام لشعلة من عضبه كرهت نفـوس الدارعين صلاءها(6)
فحسـامه شمس وعـزرائيل في يـوم الكفـاح تخـاله حـرباءها(7)
واشـم قـد مسح النجـوم لوائه فكـأن مـن عذبـاته جـوزاءها
(1) التنوفة : ألأرض البسيطة، البرية لا ماء فيها ولا أنيس وجمعها تنائف.
(2) المطارف: واحده مطرف بكسر الميم وضمها رداء من خز ذو أعلام.والنقع : الغبار.
(3) إستوطأ الشيء وجده وطيئا، والوطاء الفراش اللين.
(4) اللحاء: قشر الشجرة.
(5) النقع : الغبار.
(6) العضب : السيف القاطع.الصليل : صوت وقع الحديد بعضه على بعض، وغلب على وقع السيف مطلقا.
(7) الحرباء : ضرب من الزحافات تتلون في الشمس ألوانا مختلفة ، ويضرب بها المثل في التقلب .

ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 16

زحـم السمـاء فمن محـك سنانه جـرباء لقبَّت الورى خضراءها
أبنـاء مـوت عـاقـدت أسيـافها بالطف أن تلقى الكمـات لقاءها
لقلوبـها امتحـن ألإلــه بمـوقف محضته فيـه صبرها و بلاءها
من حيـث جعجت المنايــا بركها(1) وطوائف ألآجـال طفن وراءها
ووفـت بما عقـدت فزوجت الطلا بالمرهفـات وطلقت حـوباءها(2)
كـانت سـواعـد آل بيـت محمد وسيوف نجدتها على من ساءها
جعلت بثغر الحتف من زبـر الضبا ردماً يحوط من الردى حلفاءها
واستقبلت هـام الكمـات فأفـرغت قطراً على ردم السيوف دماءها
كـره الحمـام لقائتها في ضنـكـه لكن أحب أللـه فيـه لقــاءها
فثـوت بأفئـدة صـواد لـم تجـد رياً يبل سـوى الردى أحشاءها
تغلي الهـواجر من هجيـر غليـلها إذ كان يوقـد حره رمضـاءها
ما حـال صـائمة الجوانح أفطرت بدم و هل يروي الدما أضماءها
ما حـال عافرة الجسوم على الثرى نهبت سيـوف أميـة أعضاءها
وأراك تنشىء يا غمـام على الورى ظلاً وتروي من حيال ضماءها
وقلــوب أبنـاء النبـي تفطـرت عطشـاً بقفرٍ أرمضت أشلاءها
وأمضّ ما جرعت من الغصص التي قدحت بجـانحة الهدى إيراءها
هتـك الطغـات على بنـات محمد حجب النبـوة خدرها و خباءها
فتنازعت أحشــائها حرق الجـوى وتجـاذبت أيـدي العدو رداءها
عجبــا لحـلم أللــه و هي بعينه برزت تطيـل عويلها و بكاءها
ويرى من الزفـرات تجمـع قـلبها بيد و تدفـع في يـد أعـداءها
(1) البرك: جماعة ألإبل.
(2) الطلا: ألأعناق. حوباء : النفس جمعها حوباوات

 

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...