الإمام الخامينئى يتحدث عن المسيحية
27 ديسمبر,2016
صوتي ومرئي متنوع, مناسبات
1,225 زيارة
الإمام الخامينئى ليس زعيماَ دينياَ عادياَ ، بل هو بالإضافة إلى زعامته الدينية فهو زعيم سياسي لأعظم ثورة إسلامية وإنسانية في التاريخ المعاصر ، ولذلك عندما يتحدث لا بد أن نستمع إليه من خلال مقاماته المعنوية وموقعه السياسي ، فزعامته للثورة الإسلامية الإيرانية تجعلنا نهتم بكلامه وخطاباته التي كما تؤثر في الشعب الإيراني تؤثر أيضاَ في شعوب ودول المنطقة بل والعالم .
المسيحية في كلام الإمام الخامنئي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول: النبي عيسى بن مريم (ع)
أولا: الرسول الإلهي الكبير
أهمية السيد المسيح عليه السلام في نظر المسلمين ليست أقل بلا شك من قدره و أهميته في أعين المسيحيين المؤمنين بالمسيحية. قضى هذا الرسول الإلهي الكبير كل فترة تواجده بين الناس في جهاد و كفاح ليستطيع الوقوف بوجوه الظلم والعدوان والفساد والذين يستخدمون المال والقوة لأسر الشعوب و أخذهم إلى جحيم الدنيا و الآخرة. المرارات التي تحملها هذا الرسول الكبير منذ فترة طفولته – حيث بعثه الله رسولاً منذ فترة طفولته – كانت جميعها في هذا السبيل.
ثانيا: النبي عيسى رسول الإله العظيم
المسلمون يعتبرون السيد المسيح أيضاً رسولاً إلهياً عظيماً كما يقبله المسيحيون و يؤمنون به. لا يمكن أن يقول اليهود إن النبي موسى نبينا و لا حق للآخرين فيه، لا جميع المسيحيين في العالم يؤمنون بالنبي موسى، كما يؤمن به كافة المسلمين. و كذا الحال بالنسبة للنبي عيسى. إي إنه ليس للمسيحيين فقط، بل هو للمسلمين أيضاً. الشعب الإيراني المسلم يحبّ ذلك الإنسان العظيم و يكنّ له احتراماً وافراً. مسيحيو إيران – سواء الآشوريون أو مسيحيو المنطقة الشمالية وأرومية – يعتقدون أن المسيحية أصلها من هنا. يقولون إن النبي عيسى كان هنا والمسيحية انتشرت في الحقيقة من هنا. و ربما كان الحق معهم من الناحية التاريخية.
ثالثا: مريم نموذج للبشر
حينما يريد القرآن الكريم ذكر نموذج للمؤمنين لا يذكره من بين الرجال إنما يذكره من بين النساء. يذكر الله تعالى امرأتين اثنتين كنموذجين للإنسان المؤمن المميّز.. يذكرهما من بين النساء المميزات. أي حينما يروم الله تعالى ذكر نموذج ممتاز على مسرح الإنسانية و التكامل المعنوي لا يتحدث عن الرسل و الرجال العظام و الشخصيات العلمية و الدينية، إنما يتحدث عن امرأتين إحداهما زوجة فرعون، و الأخرى مريم أم عيسى و ابنة عمران. مريم امرأة شابة تقف كالجبل أمام اتهامات أهالي مدينتها و منطقتها و نظراتهم السيئة الملوثة، و تحمل على يدها كلمة الله و الروح الذي وضعه الله في أحضانها الطاهرة، و تنشر ابنها كالنور على العالم المظلم آنذاك.
رابعا: السيدة مريم مظهر الطهر
ثمة نقطة في قصة السيدة مريم في القرآن لفتت انتباهي جداً. يرى المسلمون في تعابيرهم و كلماتهم السيدة مريم تجسيداً للطهر و العفاف – إمرأة طاهرة تماماً – و قد ورد حول السيدة مريم في القرآن الكريم عدة مرات: »و مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا« جرى التشديد كثيراً على صيانة السيدة مريم لعصمتها كأمرأة و طهارتها و عفتها. فما كانت الظروف يا ترى؟ هذا برأيي شيء على جانب كبير من الأهمية. فتاة صغيرة التحقت بالمعبد و دخلته و بقيت فيه إلى حين شبابها. أية عوامل و حوافز جعلت مريم تقاوم هذه الوساوس بكل كيانها و بقوة فوق قوة البشر – و لو لم تكن تلك القوة فوق قوة البشر لما شدّد عليها القرآن كل هذا التشديد – حتى يقول القرآن »أحصنت فرجها« أي حافظت على عفافها و طهرها. هذا شيء مهم جداً و هو درس لنا جميعاً.
استطاعت السيدة مريم في موقف حساس التأثير بذلك الشكل الكبير و تغيير التاريخ بمقاومتها و طهرها. و هناك في القرآن حالة مماثلة لهذه الحالة تتعلق برجل شاب هو النبي يوسف.
خامسا: خصوصية قصة عيسى بن مريم (ع)
أنا كلما قرأت سورة مريم أو سمعتها – هكذا كان حالي منذ فترة الشباب و إلى الآن – أتأثر بشدة. لأن الأحداث أحداث استثنائية جداً. قصة ولادة السيد المسيح في تلك الظروف المكانية و الزمانية و تلك الأحوال و الموقع الذي كان لهذه الظاهرة في التاريخ و المجتمع آنذاك، حينما تؤخذ جميع هذه الأمور بنظر الاعتبار ستبلغ من العظمة ما لا يمكن لأي بيان وصفها و التعبير عنها، إلا بيان الفن!
الحدث من تلك الأحداث النادرة و العجيبة جداً.. دور السيدة مريم، و دور النبي زكريا، و الوضع الاجتماعي آنذاك، و بزوغ شمس وضاءة في سماء البشرية و في الذهن الإنساني و حياة البشر – و هي تعاليم السيد عيسى – و ملاحظة أن تعاليم النبي عيسى لا تتعارض إطلاقاً مع تعاليم النبي موسى، أي إنها تتمة و مكمِّل لها.. الكثير منها تكرار لتلك التعاليم و مع ذلك حينما كانت هذه التعاليم تعرض آنذاك كان أتباع النبي موسى بعيدين عنها نتيجة التحريفات إلى درجة أنهم يجدونها بدعة و كفراً، و الحال أنها صادرة عن نفس المصدر و بنفس مقاييس و معايير الديانة الموسوية.. معايير الوحي الإلهي. في هذه القصة يبدو دور التحريف و القوى المختلفة و العسف و التجبر و سوء الفهم و الأنانيات واضحاً جداً.
سادسا: رائد الهداية
كلمة الله تلك (المسيح عيسى بن مريم) حمل على عاتقه راية هداية الناس و إنقاذهم في عهد الضلال و الجهل و الإجحاف و إهمال القيم الإنسانية، و حارب قوى المال و العسف المتجبّرة الظالمة، و عقد العزم على بسط العدل و الرحمة و التوحيد. على المؤمنين بهذا الرسول العظيم – أي المسيحيين و المسلمين – العودة إلى تعاليم و طريق الأنبياء من أجل النظام العالمي المناسب، و عليهم أيضاً نشر الفضائل الإنسانية طبقاً لتعاليم الأنبياء و هم معلمو الإنسانية العظام.
سابعا: المنقذ من الظلم
بعث عيسى المسيح مسلحاً بالمعجزة و الدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية من ظلمات الشرك و الكفر و الجهل و الظلم و إيصالها إلى نور المعرفة و العدل و عبودية الله، و لم يتردد لحظة واحدة خلال فترة وجوده بين البشر في مكافحة الشر و الدعوة إلى الإحسان. و هذا درس يجب أن يستلهمه المسيحيون و المسلمون المؤمنون بنبوة هذا العظيم. البشرية اليوم أحوج من أي وقت آخر لهذه التعاليم، و الإسلام و هو مكمِّل الديانة المسيحية جعل الدعوة إلى الخير و الصلاح و الكمال على رأس أولوياته. الإنسان الضال و بتمتعه بالقدرات الطبيعية اللامتناهية التي تتوفر له بفضل العلم يسير في الاتجاه المعاكس لتلك الأهداف و يجعل واجبات أتباع الأديان الإلهية أثقل و أجسم.. القوى و الحكومات المهيمنة في العالم و التي تعيش تحت اسم و غطاء المسيحية واقعاً مادياً بعيداً كل البعد عن سلوك السيد المسيح و تعاليمه تضيّق الخناق على الشعوب و المظلومين و لا تتواني عن ارتكاب أي عسف في حقهم.
ثامنا: الدعوة إلى السعادة
دعا ذلك الرسول الذي اختاره الله الناس إلى سبيل الله و هو سبيل سعادة الإنسان، و حذرهم من اتباع الأهواء و النـزوات و تلويث صفاء الروح الإنسانية بالقبح و الظلم و الإساءات. القوى الفاسدة و المتعسفة و عبّاد المال و القوة آذوا هذا الرسول الإلهي و اتهموه و همّوا بقتله، و بعد أن ضمّه الله تعالى إلى أحضان حفظه و أمانه راحوا يعذبون و يؤذون حوارييه و اتباعه سنوات طويلة ليقضوا على تعاليمه المناهضة للفساد و الظلم و الشرك و النـزوات و إشعال الحروب و خداع الناس. لقد كانوا فاسدين و ظلمة و أصحاب نزوات و أهواء و مشعلين للحروب و محتالين على الناس لذلك لم يستطيعوا الصبر على دين الله و رسوله و اتباع سبيل الله.
تاسعا: ولادة السيد المسيح
منذ مئات السنين و ولادة المسيح (ع) يُحتفل بها. لماذا تكتسب بعض الولادات أهمية و قيمة؟ لأنها تمثل مقطعاً حساساً و مصيرياً و نقطة عطف في التاريخ، بمعنى أن التاريخ كان يسير في طريق معين لكنه غيّر طريقه منذ تلك اللحظة. إنها نقطة عطف نحو اتجاه آخر. إننا نبعث رسائل التبريك كل عام لأبناء وطننا المسيحيين و لمسيحيي العالم بمناسبة ميلاد السيد المسيح (عليه الصلاة و السلام)، و لكن لأن معظم المسيحيين الذين يقطنون إيران يعتقدون أن ولادة السيد المسيح لم تكن في الخامس و العشرين من ديسمبر بل في الأيام العشرة الأولى من يناير – و الأرمن أيضاً من القائلين بهذا الرأي – لذلك لا نتّبع الشيء السائد و لا نبعث تبريكاتنا في التاريخ الدارج بل ننتظر دخول شهر يناير فنبعث التبريكات كي نتطابق مع رأي أبناء وطننا المسيحيين أكثر.
نتمنى أن تكون ولادة السيد المسيح عليه السلام مباركة على جميع مسيحي العالم و كل المسلمين في العالم إن شاء الله. على كل حال هذه الأيام العشرة أيام ولادة السيد المسيح. عسى أن يتعلم جميع المسلمين و المسيحيين سلوك ذلك العظيم، و يعرفوه جيداً و يتبعوه.
الفصل الثاني: الإسلام و المسيحية
أولا: رسول الإسلام (ص) يعترف بالجميل لملك مسيحي
جاء في الرواية أن وفداً جاء إلى الرسول الأكرم في المدينة من قبل النجاشي ملك الحبشة ليوصلوا إليه رسالة كما هو الدارج بين الدول. كان النجاشي ملكاً في بلاد الحبشة و كان كالكثير من السلاطين و الأمراء في العالم آنذاك مسيحياً و ليس بمسلم. و لكن حين جاء وفد الحبشة رأوا أن الرسول (ص) قام من مكانه و راح يرحّب بهذا الوفد و يضيّفه. فقال الأصحاب: يا رسول الله نحن هنا فلنضيّفهم بدلاً عنك. فقال: لا، حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة احترمهم ملك الحبشة و أكرمهم كثيراً، و أريد أن أعوّض. هذا عرفان بالجميل.
ثانيا: العبادات المشتركة بين الإسلام و المسيحية
«كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم». نعلم أن الصلاة و الزكاة لم تكن خاصة بالأمة الإسلامية، إنما كان للرسل قبل رسول الإسلام الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) صلاة و زكاة في صدر أحكامهم.« و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حياً». يروي القرآن الكريم قول النبي عيسى (ع) لقومه: إن الله أوصاني بالصلاة و الزكاة. و يستفاد هذا المعنى أيضاً من آيات أخرى في القرآن. يقول الله إن الصيام كالصلاة و الزكاة من جملة الأحكام التي لا تختص بأمة الإسلام، إنما أمرت الأمم السابقة و الأنبياء الماضيين بالصيام أيضاً.
ثالثا: الكلمات الحكمية للسيد المسيح
من بين الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، هناك قسم يروي أقوال السيد المسيح. إنه قسم موجود في كافة الكتب الحديثية الإسلامية، و يعد من أعمق أقسام الروايات الإسلامية. إنها أقوال جد حكيمة و عميقة و متينة. لا يدعي المسيحيون أن كلمات النبي عيسى عليه السلام هي تلك الواردة في الأناجيل فقط. ما عدا الأناجيل الموجودة كان هناك العديد من الأناجيل الأخرى، و قد تكون الأقوال الواردة في الروايات الإسلامية من الأجزاء الضائعة من الأناجيل. على كل حال الأقوال المروية عن أئمة الإسلام أيضاً ينظر لها المسيحيون بعين الجد، و يحتفظون بها و ينتفعون منها. و قد يكون هذا وسيلة لتقارب أتباع الديانات من بعضهم. بمقدور المسلمين أن يهدوا جانباً من رسالة السيد المسيح للبشرية كلها. الأقوال الواردة عن السيد المسيح في الروايات الإسلامية كلها حكمة و مضامين رفيعة. لقد نظرت طويلاً في الأناجيل سابقاً. في هذه الأناجيل الموجودة – الأناجيل الأربعة للمسيحيين – هناك العديد من العبارات الحكمية. صحيح أن المسلمين من الناحية العقيدية لا يوافقون مجموعة العقائد الواردة في الأناجيل، بيد أن الإنسان يقبل الحكمة.
رابعا: اكتشاف القواسم المشتركة بين الإسلام و المسيحية
ربط الدين بالشباب و نفوذه في المجتمع فكرة صحيحة تماماً. الدين موهبة إلهية، و أي مجتمع يستطيع تمتيع أبنائه بهذه الموهبة سوف يتمتع بالكثير من الحسنات و الإيجابيات. طبعاً، التعامل مع الشباب عملية دقيقة لكنها حسنة العاقبة.
ثمة مشتركات عديدة بين الإسلام و المسيحية و بين جميع الأديان الإلهية. الحوارات التي تجري بين المسلمين و المسيحيين في المؤتمرات الثنائية أو المتعددة الجوانب بوسعها البحث عن هذه المشتركات و تشخيصها. يمكن أن لا يكون القصد تقريب آراء الديانتين من بعضهما، بل يمكن أن يكون القصد تشخيص النقاط القريبة أو المتشابهة تماماً. ليست الغاية في مثل هذه الحوارات إثبات أحقية دين أو بطلان دين آخر. الغاية هي الوصول إلى نقطة مشتركة. و يلوح أن هذه النقاط المشتركة تشتمل على أهم قضايا الحياة.
خامسا: الرؤية المشتركة بين الإسلام و المسيحية حول الحرية
قضية حرية الإنسان من هموم الإنسان الدائمية. ما هي هذه الحرية و إلى أين تمتد حدودها؟ للأديان في هذا المجال كلام لافت كثير. و من الموضوعات التي يمكن أن تنظر لها الأديان – الإسلام و المسيحية – هي هذه المسألة. نلاحظ اليوم حالات إفراط و تفريط في هذا الميدان. في بعض جوانب حياة الناس هناك استبداد و نفوذ مرئي و غير مرئي يسلب حرية الناس. و في جانب آخر تمنح للناس حريات جمّة اسمها حريات لكنها انحلال. من وجهة نظر الأديان يعدّ كلا طرفي القضية انحرافاً. ليكن للمسيحية و الإسلام آراء قريبة في رفض الطرفين المنحرفين للحرية الحقيقية. من الواجبات المهمة و الأساسية لجميع محبّي مصير الإنسانية و جيل الشباب هو مواجهة الفساد و الانحلال المتزايد في العالم. خصوصاً الأجهزة المسيحية في أوربا تقع على عاتقها في هذا المجال مسؤوليات جسيمة. ثمة أيادٍ أشاعت الفساد بشكل جدي، و من المناسب جداً لأجهزة الكنيسة – خصوصاً الكنيسة الكاثوليكية – بما لها من انتشار و قدرة أن تواجه هذه الظاهرة – غير الجديدة – بشكل جاد و منطقي. إذا جابهت أجهزة المسيحية في أوربا الفساد، فإن الكثير من أبناء البلدان غير الأوربية سوف يشكرونكم، لأن بعض المفاسد تنتقل من مكان إلى آخر.
سادسا: رائد الدفاع عن العدالة و المظلومين
إذا دخل الدين إلى ساحة الدفاع عن العدالة و المظلومين فسيجري تأمين جانب مهم من هذه الجاذبية (جاذبية الدين). الشباب في جميع أنحاء العالم تستخفهم مشاهدة الممارسات العادلة. العدالة شيء مرتبط بالأديان. أكبر أبطال العالم الإنساني في سبيل العدالة هم الأبطال الدينيين. السيد المسيح جاهد طوال عمره في سبيل العدالة. و قضى رسول الإسلام كل عمره في سبيل الكفاح من أجل تحقيق العدالة. الشخصيات الكبيرة في المسيحية في فجر الديانة المسيحية ضحوا أيّما تضحية في سبيل العدالة. الكتب الدينية – سواء التوراة أو الإنجيل أو القرآن – محفوفة بالحث على طلب العدالة. و إذا غدت هذه المواضيع اليوم شعاراتٍ لرجال الدين – سواء منهم المسيحيون أو المسلمون – فسوف تكون لها جاذبيتها و بريقها دون شك. و اليهود الملتزمون بالتوراة – طبعاً لا نقصد الصهاينة لأنهم لا يلتزمون بأي شيء – ينشدون العدالة.
سابعا: الاتصال بالله ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية
لا يمكن للإنسان أن يعيش من دون اتصال و ارتباط بالله. و المثال على ذلك هو العالم الشيوعي. يوم فقد النظام الماركسي الملحد قوته في الاتحاد السوفيتي السابق، امتلأت الكنائس بالناس. تصوروا أنهم إذا رفعوا تلك الضغوط عن الناس فبالنظر لإعلامهم الذي سلطوه مدة سبعين سنة عليهم سوف لن يتوجه الناس إلى الكنائس من أنفسهم. و كان هذا خطأهم. فالناس من بعد سبعين سنة عادوا و تدفقوا على الكنائس. إذا سافرتم اليوم إلى روسيا أو بلدان أوربا الشرقية ستجدون الكنائس مكتظّة بالناس. بل إن انتفاضة الشعب البولندي على الماركسيين كانت انتفاضة مسيحية و دينية.
ثامنا: المعنوية القطب المشترك بين الأديان الإلهية
مع أن الأديان الإلهية تختلف عن بعضها في نقاط معينة لكنها لا تعدم نقاط الوحدة و الاشتراك. نقطة الاشتراك الأهم بين الأديان هي التركيز على المعنوية.. المعنوية هي الرسالة الأولى التي تأتي بها الأديان للبشر. نبهت الأديان البشر إلى أن لا يبقوا مقيدين في إطار الظواهر التي تراها أعينهم، و تسمعها آذانهم، و تلمسها أبدانهم. نبّهت البشر إلى وجود حقيقة أكبر بكثير من كل ما يستطيعون أن يرونه و يلمسونه.
انتشار المعنوية في العالم اليوم أمر محسوس، لكن التيار السائد في العالم هو التيار المعاكس. إذا استطاع أتباع الأديان إزاحة هذه الغفلة و لو بمقدار قليل يكونوا قد قدموا خدمة كبيرة. هذه هي نقطة التقاء الإسلام و المسيحية. الحوار مع رجال الدين من الأديان المختلفة يتركز غالباً على هذه النقطة.
الأديان الحقيقية لم تحاول إقصاء الناس عن المساعي الدنيوية، لكنها أفهمتهم أن كل هذا السعي الدنيوي يمكن أن يصب لصالح الوصول إلى مرتبة معنوية، لذلك وجّهت قلوبهم نحو حقيقة متألقة. غفلة الإنسان عن هذه الحقيقة كان في ضرره، و هو ضرر لا يمكن مقارنته بأي ضرر آخر. الإنسان اليوم يعاني الغفلة بأشد درجاتها. أي إن الحركة الهائلة و الواسعة للعالم المادي ترك الإنسان غافلاً بالتمام.
تاسعا: المواجهة بين المسيحية و الإسلام
المواجهة بين المسيحية و الإسلام غير موجودة و لن تحصل. إذا كان المراد من المواجهة بين الإسلام و المسيحية المواجهة بين الحكومات التي تحكم شعوباً مسلمة و أخرى مسيحية فيجب القول إن هذه المواجهة ليست أشد من المواجهة بين الحكومات المسيحية. طبعاً، هناك في العالم محفزات لإشعال الحروب للأسف. و قد وقعت في العالم المسيحي نفسه خلال السبعين عاماً الماضية حربان طالت نيرانها المسلمين أيضاً.
النظام الإسلامي في إيران يدعو المسلمين للاتحاد، و هذا الاتحاد ليس ضد المسيحيين أو سائر الأديان و الشعوب، إنما هو لمواجهة المعتدين و المحتلين و مؤجّجي الحروب. إنه من أجل تطبيق الأخلاق و المعنوية و إحياء العقلانية و العدالة الإسلامية و التقدم العلمي و الاقتصادي و استعادة العزة الإسلامية. النظام الإسلامي في إيران يذكّر العالم بأنه حين كانت القدس بيد المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، كان المسيحيون و اليهود يعيشون بأمن و استقرار تأمّين. أما اليوم حيث تخضع القدس و المدن الأخرى لسلطة الصهاينة أو الصليبيين الصهاينة فنرى كيف أباحوا دماء المسلمين؟!
عاشرا: دين الرحمة و الرأفة
الإسلام ليس ضد الأديان الأخرى. الإسلام هو ذلك الدين الذي حينما تسلط على المناطق غير المسلمة، شكر أتباع الديانات الأخرى رحمته و قالوا إنكم أرحم بنا من حكامنا السابقين. في منطقة الشامات حينما دخل الفاتحون الإسلاميون، قال لهم اليهود و المسيحيون في المنطقة إنكم إيها المسلمون عطوفون علينا. لقد تعامل المسلمون مع الناس بعطف. الإسلام دين الرأفة و الرحمة.. رحمة للعالمين. يقول الإسلام للمسيحية:« تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم». يأخذ القواسم المشتركة معهم بنظر الاعتبار. الإسلام ليس ضد الشعوب الأخرى، إنما هو ضد الهيمنة. المهيمنون و الظالمون و المستكبرون يصورون هذه الحقيقة معكوسة في العالم. و يستخدمون كافة الإمكانيات من هوليوود إلى الوسائل الإعلامية إلى الأسلحة و القوات العسكرية من أجل أن يشيعوا و يصوروا للعالم عكس هذه الحقيقة.
الفصل الثالث: المسيحية في العصر الحديث
أولا: المسيح بيننا
لو كان السيد المسيح (عليه السلام) بيننا اليوم لما فوّت لحظةً واحدةً من الكفاح ضد أقطاب الظلم و الاستكبار في العالم، و لما صبر على جوع و ضياع مليارات البشر الذين يُدفعون بواسطة القوى الكبرى نحو الحروب، و الفساد، و الصراع.
ثانيا: سبيل لتغلغل الاستعمار
من أهم ممارسات الاستعمار و الاستكبار و عملائهم هي أن يقضوا على عقيدة الأمل و الكفاح في أفئدة الناس. أرادوا دائماً إخماد هذا الضوء لكنهم لم يفلحوا. بذل الاستعمار و الاستكبار جهوداً كبيرة بهذا الاتجاه – لا في إيران و حسب، بل على مستوى العالم الإسلامي – ليطفئ هذا النور. في تقرير بالغ الأهمية يعود إلى السنين الماضية، و لا يعتبر تقريراً جديداً، هناك عرض وافٍ لمساعي الفرق التبشيرية المسيحية التي كانت توفد من أوربا إلى شمال أفريقيا لتمهد الأرضية للاستعمار هناك. توجّه القساوسة إلى مناطق بعيدة في أفريقيا و بقوا هناك سنوات طويلة. لماذا مكثوا هناك؟ و ماذا كان وراء إدخال القبائل الأفريقية في المسيحية؟ من لا يدري أنهم كانوا روّاد الاستعمار؟ ذهبوا و ادخلوا الناس في المسيحية لتستطيع العناصر الاستعمارية القدوم إلى هناك و ممارسة دورها. و القساوسة كانوا يعلمون لأية غاية يعملون – لم يكونوا جاهلين لحقيقة الأمر – و لكن لاحظوا أية مصائب صبروا عليها في سبيل هذا الهدف.. مصائب لا يمكن تعويضها بأي مال. أن يذهب شخص مثلاً و يعيش سبعة أعوام بجوار منطقة يسكنها أكلة البشر! يقرأ الإنسان هذه الأمور في الكتب و يراها في بعض التقارير و يلاحظها في بعض الأفلام و الروايات، و أنا على علم بها و أدري ما الذي حدث طوال فترة الاستعمار.
من حسرات المتدينين في العالم أن الأقوياء المسلطين على البلدان المسيحية جعلوا التبشير للدين المسيحي في العالم وسيلة لتمرير أغراضهم الاستعمارية، فصار أولئك الممهدين للاستعمار. بعثوا الفرق التبشيرية للدعوة المسيحية – و كان ظاهر الأمر التبشير بالمسيحية لكن باطنه فتح الأبواب و الطرق للمستعمرين الأوربيين كي يدخلوا البلدان الإسلامية و يهيمنوا على السلطة السياسية – إلى شتى أرجاء العالم، و قد نجحوا في الكثير من المناطق للأسف.
ثالثا: نهاية المعرفة الدينية، بداية المعرفة العلمية
في أوربا المسيحية تزامنت بداية حركة المعرفة العلمية مع نهاية المعرفة الدينية. أي إن بداية هذه المرحلة كانت تعني اختتام تلك المرحلة. و ربما كان هذا هو الحق، لأن المعرفة الدينية في المناخ المسيحي معرفة خرافية متعصبة و مناهضة للعلم تماماً. الزمن الذي كانوا يحبسون أو يجلدون أو يحرقون فيه العالم في أوربا بجريرة اكتشاف علمي زمان بعيد جداً عن زماننا. طوال قرون كانوا يحرقون العلماء باعتبارهم سحرة، و هذا ما يلاحظ بكل وضوح في الأعمال الأدبية و تاريخ العلوم الغربية. حينما يتعامل المجتمع الديني و رجال الدين و شخصياته مع العلم بهذه الطريقة، فمن البديهي و الطبيعي أنه إذا استطاع العلم النهوض في مثل هذه الظروف الاجتماعية فسوف يدحر الدين و المعرفة الدينية و يقضي عليهما و يُنهي عهدهما.. هذا شيء واضح.
طبعاً الدين الذي عارضته حركة التنوير الأوربية لم يكن جديراً بالحياة البشرية.. كان ديناً مليئاً بالخرافات.. الدين الذي حكم على غاليلو بالأعدام و على آخر بالتعذيب لأنه اكتشف اكتشافاً علمياً! لم يكن المسيحية الحقيقية بل مسيحية محرفة. لا إشكال في الانفصال عن ذلك الدين، الإشكال يرد على فصل المعنوية و الأخلاق عن العلم و السياسة و نظام الحياة و العلاقات الفردية و الاجتماعية.
رابعا: غير المؤمنين بالمسيحية
يجب أن لا يرتاب الآن أحد في أن الدوافع الصليبية وراء الظواهر الخادعة للديمقراطية و حقوق الإنسان تسيطر على غالبية أو جميع القوى الغربية. من السذاجة أن نصدّق أن الدوافع القاسية في البوسنة [إشارة إلى الجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين في البوسنة من قبل المليشيات المسيحية الصربية] و في أي مكان آخر نابعة من الإيمان العيسوي. الذين يعادون اليوم و من الأعماق أي مظهر أو علامة للإسلام و أي نبض للمسلمين لا يؤمنون كذلك بالمسيح عليه السلام و تعاليم المسيحية الحقيقية. إنهم لا يؤمنون إلا بالقوة المنفلتة و مصالحهم و أهوائهم و عدائهم اللامتناهي لكل ما يهدد سلطتهم الظالمة، و لا يؤمنون بأي شيء آخر! لكن أيديهم الدامية تنظّم اليوم صفوف المسيحية مقابل الإسلام، و ترفع بكل قوة راية العداء أمام الإسلام كدين و عقيدة و إيمان.
خامسا: أصالة مناهضة المعنوية
في مثل هذا العالم و بهذه الخصائص (الإقبال على الدنيا و العزوف عن المعنوية) ظهر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس المعنوية. هذا هو المهم. حتى أن قضية هل مثل هذا النظام هو نظام إسلامي أم مسيحي قضية تأتي في الدرجة الثانية. المهم أن تزول أصالة مناهضة المعنوية و أصالة عدم الإيمان التي خيّمت على جميع الاتجاهات في العالم بما في ذلك توجهات رجال الدين في العالم. حتى رجال الدين في العالم كانوا يسيرون باتجاه عدم الاعتقاد بالدين! مثلاً يزينون الكنيسة بشكل و ينظمون برامجها بشكل يجتذب إليها جيل الشباب، و لو بإيجاد« دانسينغ » تابع للكنيسة و يقع إلى جوارها! هل يخطر أساساً بذهن إنسان مسيحي في العالم أن يفعل أرباب الكنيسة مثل هذا و أن يكون الوضع على هذه الشاكلة؟!
كتب أحد الكتاب المعروفين في العالم العربي يقول: شاهدت بأم عيني في إحدى الليالي في« دانسينغ » تابع للكنيسة أن القس ظهر على المنصّة، و الأزواج الشباب كانوا يرقصون. و كان القس ينظر ليرى هل أن كل شيء على ما يرام أم لا؟ و كأن الأضواء المسلّطة على الـ « دانسينغ » كانت شديدة، و نظّم القس الإنارة و المصابيح بيديه ليخفّف الأضواء المسلّطة على المسرح. ثم أوصى خادم الكنيسة بإغلاق الأبواب بعد أن ينصرف الجميع. ثم ذهب إلى محل نومه لينام.
يضيف هذا الكاتب العربي: في غد ذلك اليوم أو بعده قصدتُ القس و قلت له: يبدو أن الأوضاع قد تغيّرت؟ فقال: لا، بل عملنا سياسة معينة لاجتذاب الشباب إلى الكنيسة! ألم تر كم من الشباب قصدوا الكنيسة؟!.. طيب، هذا معناه الميل للانفصال عن المعنوية حتى في عالم رجال الدين. كان ذلك قساً أي رجل دين مسيحي، و يمكن ملاحظة شبيه له بين رجال الدين المسلمين من الشيعة أو السنة.
في مثل هذه الأجواء و البرهة الزمنية من التاريخ، تقع فجأة حادثةٌ و يتأسس نظام على أساس المعنوية. إنه نظام جاء بالمعنوية إلى وسط مسرح الحياة، و قامت حكومته و حربه و ميزانيته و سياسته على أساس هذه المعنوية. و ربما أتيح القول إن تأسيس مثل هذا النظام لا سابقة له في العالم حقاً باستثناء بعض الفترات القصيرة. طبعاً الحكومة الدينية بالمفهوم الخاص للحكومة الدينية كانت موجودة دوماً في مناطق من العالم، و في العالم المسيحي غالباً. بيد أن النظام و الحكومة الإسلامية ليست من ذلك القبيل. تلك الحكومات كانت في الحقيقة حكومات المتدينين و رجال الدين لا حكومة القيم الدينية و المعنوية.
سادسا: عدم اكتراث الكنيسة للجور و الإجحاف في العالم
المؤسسة المسيحية اليوم غير آبهة لأهم قضايا الإنسانية. ثمة اليوم إجحاف على مستوى العالم. ماذا تفعل المسيحية لمواجهته؟ تتحدث عن السلام! شعار السلام للإنسان شعار جيد جداً، لكنه لا يكفي. ينبغي أن يرفع إلى جانب شعار السلام شعار العدالة. البشرية اليوم أسيرة انعدام العدالة. ثمة قوى كبرى تظلم الشعوب و أكثرية الإنسانية.
الأوربيون أنفسهم أشعلوا الحروب الكبرى، ثم رفعوا شعار السلام! لم تعد هذه الحروب موجودةً منذ عشرات الأعوام لكنهم يتذرعون بشعار السلام. و الحال أن الشعار الذي تحتاجه البشرية هو العدالة. لكنهم لا يذكرون هذا الشعار بأي حالٍ من الأحوال، و المؤسسة المسيحية و البابا ينظرون هكذا للوضع و لا يأبهون! النظام الإسلامي في إيران يرفض تماماً موقف زعماء الكنيسة مقابل الغرب و الاستكبار الغربي. واجباتهم أجسم من هذا بكثير. لقد بعثت رسالة للبابا و قلت له شددوا على العدالة. إن رسالة الأديان اليوم هي تكريس العدالة. و قد كان هذا الشعار و الرسالة الأصلية للنبي موسى و النبي عيسى و رسول الإسلام.
سابعا: نتائج البعد عن تعاليم المسيحية
الأوربيون يميلون أقل و الأمريكيون يميلون بدرجة أكبر للدين و الظواهر الدينية و الأسماء و المناسبات الدينية و الكنيسة، لكنهم يحملون تصورات جد عامية و سطحية و أحادية البعد حول الدين. إنهم مثلاً لا يجدون أي تعارض بين أن يتوسلوا بالنبي عيسى أو السيدة مريم و يطلبوا منهما حاجاتهم و بين أن يرتكبوا عشرات المعاصي المنكرة في الديانة المسيحية! أضف إلى ذلك أنه لا يسود توسلاتهم و استغاثاتهم أي منطق و لا أي استدلال. تقوم الديانة المسيحية – حسب المشهور – على المحبة و السلام، و لكن لاحظوا أن أكثر الحروب، و الجفاء، و عدم الانسجام، و الخيانات، و القتل، و الجرائم تحدث في الغرب. و يوجد هناك أيضاً الإيمان بالمسيحية! واضح أن أساس تلك المدنية هو الانفصال عن الدين. حسب إحصاءاتهم فإن معدل عمر المدمنين ينخفض باستمرار – فترة كان المعدل 18 سنة و بعد ذلك أصبح 15 سنة و أصبح الآن 13 سنة – و بنفس النسبة تتفاقم الجرائم و اللامبالاة و عدم الاكتراث للبيت و العائلة و الأب و الأم و التقاليد، و هذا نتيجة ذلك الانفصال. يمكن تصور بشرية توصلت إلى القوة الذرية العظيمة، لكنها لا تستخدمها إطلاقاً للتخريب و القتل و المذابح. إذا راعى الذين يمتلكون هذا العلم الأصول الأخلاقية و الدينية و كانوا من أهل الإيمان لحصل ذلك. لكنهم لم يكونوا كذلك و لم يحدث ذلك و جرى على الشعوب ما جرى! مضت على استخدام القنبلة الذرية في العالم خمسون سنة، لكن الخوف من وجود القنبلة الذرية في العالم لا يزال قائماً بالنسبة للنابهين، و سوف يزداد في المستقبل، و لا يحتمل أنه سيقل.
قبل مدة عرضت إحدى المؤسسات المسيحية في العالم إحصائيات تقول إنه قتل في القرن الأخير من المسيحيين أكثر مما قتل منهم في جميع عصور المسيحية. كان بودي أن أسأل الذين عرضوا الإحصاء من هم الذين قتلوا هؤلاء المسيحيين؟ هل قتلهم المسلمون؟ أم هل قتلهم البوذيون؟ أم قتلهم المسيحيون أنفسهم؟! من الذي قتل الشعوب الأوربية في الحربين العالميتين الأولى و الثانية؟ المسيحيون أنفسهم قتلوا المسيحيين. الأوربيون أنفسهم و الغربيون أنفسهم قضوا عليهم و قضوا كذلك على الكثير من غير المسيحيين و غير الأوربيين! هذه هي النتائج الضارة و الجسيمة للفراغ المعنوي عند البشر. يروم النظام الإسلامي في إيران عرض جيل نموذجي على العالم يثبت عملياً أنه بالإمكان طلب العلم و الانتفاع إلى أقصى حد ممكن من الودائع الإلهية في عالم الوجود و في الإنسان ذاته، إلى جانب التدين و الالتزام بالقيم الأخلاقية و المعنوية.
ثامنا: الادعاء الكاذب
الكثيرون ممن يتحدثون اليوم عن السير على خطى السيد المسيح ينتهجون طريقاً غير طريق السيد المسيح. هداية السيد عيسى بن مريم على نبينا و عليه السلام هداية نحو عبودية الله و مواجهة التفرعن و الطغيان. يتربع اليوم على عروش الفراعنة و الطواغيت أشخاص يزعمون اتباع ذلك الرسول الإلهي الكبير، و الحال أنه حاربهم و كافح ضدهم.
الجبابرة يذكرون اسم المسيحية و الظاهر أن الإيمان بالمسيحية أمر مطروح بينهم، و لكن لا أثر إطلاقاً لمفهوم المسيحية بمعنى الدين الإلهي و الأخلاق الإلهية في المؤسسات السياسية الحاكمة في العالم الاستكباري.. عالم الظلم و عالم الاستكبار هو بالمعنى الحقيقي للكلمة عالم العدوان و التعدي و عالم يستخدم العلم في سبيل الإجرام إلى أقصى الحدود. العلم اليوم بيد أناس لا يعرفون معنى الإنسانية. العلم و التقنية يستخدمان لخدمة أهداف تضرّ المجتمع البشري مائة بالمائة، و لا تنفع إلا الرأسماليين و الأثرياء و المقتدرين.
الفصل الرابع: الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الأقلية المسيحية
أولا: تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على العالم المسيحي
ثورتنا لم تنبّه المسلمين فقط إلى الإسلام بل عادت بالنفع على المسيحية أيضاً. البلدان التي ابتعدت سنوات طويلة عن دينها المسيحي عادت إلى المعنوية و الدين. و كانت هذه مقدمة لانهيار الامبراطورية الشرقية و صرح الحكم الماركسي في العالم. إنه حدث عجيب ذو أبعاد هائلة. و الموقع الاستثنائي للجمهورية الإسلامية إنما هو بسبب وقوفها بوجه عالم يمسك فيه الماديون بزمام الأمور، و لا يعتقدون بأية حقيقة أخلاقية أو معنوية أو دينية.
ثانيا: التعايش السلمي بين الأديان في إيران
يتمتع نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الداخل بالتعايش بين الأديان لحسن الحظ. اليهود، و المسيحيون، و الزرادشتيون يعيشون إلى جانب المسلمين في ظل النظام الإسلامي. لهم تعاونهم و تعايشهم مع النظام و يمارسون دورهم فيه. و لهم طبعاً واجباتهم، و الدولة الإسلامية لها قبالهم و بوصفهم مواطنين إيرانيين واجبات ينبغي عليها أداؤها و هي تؤديها. النظام الإسلامي ليس له أي عتاب على مواطنيه من الأقليات الدينية. حينما يكتسب إعلام الأعداء ضد الجمهورية الإسلامية أشكالاً مؤذية، يصدر اليهود الإيرانيون بياناً. و في قضايا أخرى أصدر الأرمن الإيرانيون أو بعض الفرق المسيحية الأخرى بيانات دافعوا فيها عن الجمهورية الإسلامية و هذه من مفاخر الجمهورية الإسلامية.
أبناء وطننا المسيحيون :
اللقاء بالأسقف الأعظم للأرمن وممثليهم في مجلس الشورى الإسلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن مسرورون لأن أبناء وطننا المسيحيين يشعرون بالسكينة و الرضا و الارتياح في البلاد، و هذا ما نريده. نحن نريد للأقليات الدينية في بلادنا من مسيحيين و يهود و زرادشتيين أن يشعروا أنهم يتمتعون هنا بالأمن و الهدوء و حقوق المواطنة. و هذا حاصل و الحمد لله و أنتم تلاحظونه. و نحن نشكركم أيها الأصدقاء لإبدائكم الأسف و الحزن بخصوص زلزال بم. و هذا هو الوضع الطبيعي. مارس الأرمن الإيرانيون خلال فترة الدفاع المقدس طوال ثمانية أعوام دوراً مهماً جداً في مجال الإسناد التقني، فهم في طهران و غيرها من المدن لهم خبرة واسعة في القضايا التقنية. أنا على معرفة قريبة بأعمال الأرمن حتى قبل الثورة، و أعلم أنهم متخصصون في السيارات و قطع غيارها. و قد جاؤوا أيام الحرب و قالوا لنا إننا مستعدون للعمل. في سنة 59 أو 60 توجهوا للأهواز و ضربوا مخيمهم هناك. و قد ذهبت و زرت مخيمهم. و ذات مرة حينما كنا متوجهين من طهران إلى الأهواز جاء نحو مائة أرمني و قالوا نحن نسير إلى الجبهة فخذونا معكم إلى الجبهة. فأمرت فركبوا الطائرة و توجهوا إلى الجبهة. لذلك ليس من العجيب بالنسبة لنا أن تصرحوا بمثل هذا فيما يخص قضية بم. طبعاً كانت لي علاقاتي الشخصية و القريبة مع بعض العوائل الأرمنية و الآثورية في طهران لاستشهاد أبنائهم في الجبهات، و زرتهم إلى بيوتهم و تعرفت عليهم، و أعلم أن مشاعرهم جيدة جداً.
نتمنى أن يوفقنا الله تعالى نحن و إياكم للسير في الطريق الصحيح. شملنا الله جميعاً برحمته و هدايته و لطفه. و أبلغوا تبريكنا لأعزائنا الأرمن بمناسبة السنة الجديدة و ولادة السيد المسيح عليه السلام. موفقين إن شاء الله.
الشعور بالمحبة والقرب :
أشعر بالمحبة و القرب تجاه الأرمن الإيرانيين. نحن نحب المسيحيين. لقد ساعدنا الأرمنُ كثيراً طوال فترة الثورة و الحرب. طبعاً أنتم سمعتم بهذه الأمور لكنني شاهدتها عن كثب. لقد شاهدت في ساحات الحرب – في الجبهات – الكثير من الأرمن ساعدونا بصدق و صميمية تحت القصف و تحت نيران المدفعية. طبعاً هذا لا يتعلق بمن كانوا جنوداً مكلّفين، بل بالناس العاديين و المتطوعين.
إننا نتعامل و نتصادق مع الأقليات الدينية كإخوتنا. لا نتذكر إطلاقاً أن لفلانٍ ديناً آخر و أنه لا يؤيد أفكارنا و ديننا و إسلامنا! نزورهم حتى إلى بيوتهم. إنني منذ سنوات أزور عادة عوائل الشهداء المسيحيين بمناسبة السنة المسيحية الجديدة. و هم إما آثوريون أو أرمن. نذهب إلى بيوتهم و نجلس مع نسائهم و أطفالهم و شبابهم و نتحدث معهم و نتناول الفاكهة و الحلويات
منقول من أرشيف موقع المنار و حبل الله
الأمام الخامنئي العراق متحد ضد الارهاب الكيان الصهيوني لبيك يارسول الله 2016-12-27