الرئيسية / الاسلام والحياة / “ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

“ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

إنّها الوثيقة الأخلاقيّة الجامعة، والتي حملها إلينا التراث من زمن الإمام الكاظم عليه السلام، وهي الوصيّة التي أوصى بها لصاحبه هشام بن الحكم. لقد تضمنت الوصيّة هذه كماً هائلاً من المضامين الثقافيّة المتنوّعة، والتي انطلقت من العقل، ودوره وتأثيره في بناء الأخلاق الإنسانيّة، وما يكمل به المرء حين يتّصف بالحسن منها.

 

من هم أولو الألباب؟

 

كثُرت الآيات الكريمة التي ذكرت أولي الألباب وتعدّدت الموارد التي نزلت فيها تلك الآيات المباركة، إلا أنّ الله تعالى أكّد على هذا الوصف لمن اتصف بخصال محدّدة، منها قول الله تعالى: الّذِين يسْتمِعُون الْقوْل فيتّبِعُون أحْسنهُ أُوْلئِك الّذِين هداهُمُ اللهُ وأُوْلئِك هُمْ أُوْلُوا الْألْبابِ3.

 

ولكي نتطلع عن قرب إلى صفات أولي الألباب سنأخذ فيما يلي من فقرات الوصيّة هذه الصفات التي ذكرها الإمام عليه السلام لهشام.

 

2- راجع المازندراني – مولى محمّد صالح – شرح أصول الكافي -دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان – ج 1 ص 94

3- الزمر: 18


لا يشغله الحلال عن الشكر

 

إنّ نعم الله تعالى علينا لا تعدّ ولا تحصى من أول نعمة وأعظمها وهي نعمة الوجود إلى سائر النعم التي نحتاجها في استمرار الوجود، بل استمرار وجود الإنسان حياً هو نعمة بحدّ ذاته، وإنّ الإنسان يحمل في فطرته وجوب شكر المنعم على إحسانه وإنعامه. والشكر صفة أخلاقية وصف الله تعالى بها أنبياءه العظام، يقول الله تعالى: “إِنّ إِبْراهِيم كان أُمّةً قانِتًا لِلّهِ حنِيفًا ولمْ يكُ مِن الْمُشْرِكِين* شاكِرًا لِّأنْعُمِهِ اجْتباهُ وهداهُ إِلى صِراطٍ مُّسْتقِيمٍ”4.

 

وفضلاً عن كون الشكر للمنعم واجباً فطرياً ويعاب تاركه، فقد أكّدت الروايات والآيات على لزوم الشكر باستمرار، يقول الله تعالى: “فابْتغُوا عِند اللهِ الرِّزْق واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لهُ إِليْهِ تُرْجعُون”5.

 

وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “أحسنوا جوار النعم، قلت: وما حسن جوار النعم؟ قال: الشكر لمن أنعم بها وأداء حقوقها”6.

 

ولكن في زحمة الحياة وانشغال الإنسان في حفظ النعم واهتمامه بأمرها ينسى أمر الشكر لله تعالى أصل هذه النعم وواهبها، ولهذا فإنّ العاقل من لا يشغله الحلال عن الشكر لله تعالى في غمرة فرحه بالنعمة.

 

 ولا يغلب الحرام صبره

 

للنفس الإنسانيّة غريزة وشهوات، تطلب الإشباع دوماً. والله تعالى حدّد لنا الطرق السليمة لإشباع هذه الشهوات. وقد يتأخر الإنسان أحياناً في الوصول للطرق السليمة هذه امتحاناً من الله تعالى له، واختباراً لصبره، فهنا يأتي دور الصبر، الصبر الذي يقف في وجه الشهوات وغرائز النفس قائلاً له: انتظري قليلاً ريثما

 

4- النحل:120 – 121

5- العنكبوت: 17

6- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران – الطبعة الخامسة – ج 4 ص 38


يأتي الحلّ المناسب لتلبيتك،أما الآن فلا، ولن أسمح لك بأن تجرّيني بجموحك إلى غضب الله تعالى وناره.

 

فحين يكون التفكير بالعقل وبالموازنة بين نيل الوطر الدنيويّ الزائل، وحتميّة العقاب الإلهيّ بعد ذلك، وبين الصبر، فإنّ العاقل من يتخذ الصبر سلاحاً في وجه هذه الغرائز.

 

وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: الصبر: “إمّا صبر على المصيبة، أو على الطاعة، أو عن المعصية، وهذا القسم الثالث أعلى درجة من القسمين الأولين”7.

 

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...