الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

95

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ))، أي في حال كونكم مُحرمين، والمراد بالصيد كل وحش أُكل أم يُأكل إلا ما استُثني، وحُرُم جمع حرام، يُقال : أحرم الرجل، إذا دخل في الحُرُم أو في الإحرام، فالآية تدلّ على حُرمة الصيد الحَرَمي والصيد الإحرامي، كما إنّ ذلك عام للحج وللعمرة ((وَمَن قَتَلَهُ ))، أي قتل الصيد ((مِنكُم )) أيها المُحرِمون ((مُّتَعَمِّدًا)) وهذا القيد لا مفهوم له لأنه من مفهوم اللقب الذي ثبت عند العملاء عد م المفهوم له، فإنّ للخطأ أيضاً كفّارة كما ثبت في السنّة، ولعلّ فائدة القيد كونه الغالب الذي يتناوله الإنسان بالإضافة إلى أن يترتّب على ما يأتي من قوله (ليذوق وَبال أمره) ((فَجَزَاء )) عليه كفّارة ((مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )) (من) بيان لجزاء أنّ جزائه أن يكفر بإحدى النِعم الثلاث المشابهة لذلك الصيد المقتول، فمثلاً الظبي شبيه بالشاة، وحمار الوحش وبقرته شبيهان بالبقرة، والنعامة شبيهة بجذور ((يَحْكُمُ بِهِ ))، أي بالمثل ((ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))، أي رجلان عادلان، فيحكمان أنّ الحيوان الفلاني الذي اصطيدَ هو مثل النِعَم الفلاني من الأنعام الثلاثة -الشاة والبقرة والإبل- فكما حكما بأنه مثل الصيد أخذ كفّارة له، وقد ورد في الأحاديث أنّ المراد بالعادلَين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) فما وُجد من النصوص في مورد المماثلة وجب الحُكم به، وما لم يرد فالظاهر عدم المانع في التمسّك بظاهر الآية من كفاية إخبار عدلين عارفين بالمماثلة إن لم يوجد نص بالخلاف بالقيمة أو ما أشبه ((هَدْيًا ))، أي في حال كون الكفّارة يُهدى هدياً ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ ))، أي يذهب بها إلى صوب الكعبة فإن أصاب الصيد وهو مُحرِم بالعمرة ذَبَحَ جزائه بمكة وإن كان مُحرِماً بالحج ذَبَحَه بمنى ((أَوْ )) يكون جزاء الصيد ((كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ )) فإذا لم يجد الأنعام أخَذَ بقيمتها الطعام وتصدّق به على المساكين ((أَوْ)) يكون جزاء الصيد ((عَدْلُ ذَلِكَ ))، أي معادل الإطعام ((صِيَامًا )) فلكلّ مدين صوم يوم، وتفصيل هذه الأمور تُطلب من الفقه في كتاب الحج، وإنما شُرّعت الكفّارة ((لِّيَذُوقَ )) الصائد ((وَبَالَ ))، أي عقوبة ((أَمْرِهِ ))، أي عمله وهو الإصطياد المنهي عنه ((عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف )) من الصيد فمن صادَ متعمداً وكفّر عفا سبحانه عن ذنبه ((وَمَنْ عَادَ )) إلى الصيد متعمداً مرة ثانية ((فَـ)) لا كفار عليه من عِظم ذنبه، فإنه لا يُغسل بالكفار بل ((يَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ )) في الآخرة إنتقاماً لهتكه حُرمة الإحرام أو حُرمة الحرم، هذا على ما فُسّر به الآية الكريمة في الأحاديث، وإن كان لا يبعد إنصراف الآية الكريمة إلى (ما سَلَف) قبل التحريم، والعفو باعتبار أنه كان غير جائز حتى عند الجاهليين وما أُعيد بعد التحريم فيكون العفو عما سَلَف من قيبل “الإسلام يجبّ عما قبله” والمراد بالإنتقام الكفّارة والعقاب ((وَاللّهُ عَزِيزٌ )) قادر غالب ((ذُو انْتِقَامٍ)) ينتقم من كلّ من عصاه وخالفه .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

96

((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ )) والمراد بالبحر الأعم من النهر، فإنّ العرب تسمّي النهر بحراً، فإنّ صيده مُباح في حال الإحرام، وفي الحرم -لو صار فيه بحر أو أُتي بصيده إليه- هذا بالنسبة إلى صيده ((وَ)) أما بالنسبة إلى أكله فـ ((طَعَامُهُ ))، أي طعام البحر قد مُتّعتُم به ((مَتَاعًا )) والمتاع ما يَتمتّع به الإنسان ((لَّكُمْ )) أيها المُحرِمون ((وَلِلسَّيَّارَةِ ))، أي للقوافل السيّارة التي تسير كثيراً، فإنه يجفّف السمك للسفر، وإنما خصّص بالسفر مع أنه طعام للحضر أيضاً لكثرة إنتفاع المسافر، إذ لا يمكن غالباً ذبح الأنعام في السفر فينتفع المسافر بالسمك المجفّف إنتفاعاً كثيراً ((وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ )) الأعم من الوحش والطير ((مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )) جمع حرام، أي ما دمتم في الإحرام وما دمتم في الحَرَم -كما تقدّم- يُقال : رجل حرام، إذا كان مُحرِماً أو كا في الحَرَم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عقابه فلا ترتكبوا نواهيه ((الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) الحشر هو الجمع، أي يكون مصيركم وحشركم إليه فيجازيكم بما اقترفتم من الذنوب والآثام .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

97

وفي سياق حكم الصيد في حال الإحرام يأتي الكلام حول ما جعله سبحانه حراماً من المكان والزمان ليهدي الناس في فترات معينة وأماكن معينة عن الخصام والإنتقام الذي يكدّر الحياة البشرية ((جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ )) سميت الكعبة كعبة لتربيعها وإنما قيل للمربّع كعبة لنتو زواه الأربع مقابل المدور، والكعب هو النتو والإرتفاع ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ )) عطف بيان على الكعبة، وإنما جيء بهذا العطف لأنه كانت لدى الجاهليين كعبات متعددة وكانوا يحجّون إليها ويطوفون بها فهدّمها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسمى البيت الحرام لحرمته ولأنه يُحرم فيه القتال والصيد وغيرها ((قِيَامًا لِّلنَّاسِ )) مفعول ثان لـ (جَعَلَ)، أي جَعَلَ الله الكعبة لقيام الناس بأن تقوم أمورهم وتستقيم أحوالهم إقتصادياً وإجتماعياً وغيرهما كما ذُكر في فلسفة الحج -راجع كتاب (عبادات الإسلام) للمؤلف- ((وَ)) جعل الله ((الشَّهْرَ الْحَرَامَ )) قياماً للناس، فأشهر الحُرُم -وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب- تقوم أمور الناس وإجتماعهم، إذ يخفف عن كواهلهم عبأ الحروب والمخاصمات وتسبب الأمن والهدوء مما يروّج الإقتصاد ويهيّء الجو الملائم للتفاهم وغيرها، فالبيت الحرام أمن في المكان والشهر الحرام أمن في الزمان، وقد جعل سبحانه الأمن متعدّياً إلى خارج هذه الحدود فجعل ((وَالْهَدْيَ ))، اي محترماً لا يُمسّ بسوء، وهو ما يهدي إلى الكعبة بإشعار أو تقليد ((وَالْقَلاَئِدَ )) جمع قلادة، أي ما تقلّدها -بعلاقة الحال والمحل-، أي جَعَلَ القلائد محترماً لا تُمسّ بسوء، والمراد بالقلائد أما الحيوان الذي يُقلّد أو الإنسان الذي يُحرِم فيقلّد نفسه، قالوا : كان يقلّد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحَرَم فلا يخاف، لا يُقال أنّ غير الهدي والقلائد أيضاً محترم لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره أو بدون غيره فما هنا الإختصاص ؟ ، لأنّ الجواب ظاهر فإنّ الهدي لا يجوز أن يُمسّ وإن جاز مسّه لولا كونه هدياً بسبب الإقتصاص والإفلاس ونحوهما، كما إنه لا يجوز أن يتعدّى على المُحرِم بما يجوز التعدّي عليه في غير حال الإحرام، فلا يجوز أخذ المُحرِم وحبسه ولو كان بحق -إذ الواجب إتمام العمرة والحج لله- فكما لا يجوز لنفسه الإبطال لا يجوز لغيره الإبطال ((ذَلِكَ ))، أي إنما جعل سبحانه هذه المحرّمات ((لِتَعْلَمُواْ )) أيها الناس ((أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) فإنه عالم بأحوال الإنسان وما يكتنفه من العداوات والشرور وأنه يحتاج إلى هدوء وسكينة في المكان وفي الزمان، وأنهم يحتاجون إلى ما يُقيم معاشهم ومعادهم ولذا جعل هذه المحرّمات للإستراحة والإستحمام، ولعلّ ذِكر (السماوات) إستطراداً، فإنّ ما ذُكر مرتبط بالأرض لكن لو ذُكرت وحدها لأوهم عدم علمه سبحانه بما في السماوات ((وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) من أحوال الإنسان والحيوان والأزمان والأماكن وغيرها .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...