من يقرأ عنوان هذا المقال ويحترم عقله، سيضحك بالتاكيد، لانه سيجزم اننا نمزح، ولكن للاسف هذا العنوان ليس مزحة، ففي هذا الزمن النكد الذي تنخر فيه الطائفية والجهل عقول الناس، ويتحول فيه الجهلة والمهرجون الى منظرين واعلاميين، عندها تُعطب البوصلة، ويُعطل العقل، ويصبح التفكير كفراً، ويستسلم الانسان البسيط لغرائزه، فتقوده كما تقاد البهائم.
كما قلنا، عنوان المقال ليس مزحة، بل هو حقيقة، تعكس الحالة البائسة اليائسة التعسة التي وصل اليها بعض العرب، في ظل قيادة الدول الخليجية وعلى راسها السعودية وقطر، للجامعة العربية، وفي ظل القصف الاعلامي المتواصل للاخطبوط الاعلامي الخليجي، الذي يهيمن على الاعلام العربي المرئي والمسموع والمقروء، للعقل العربي، واعتماده سياسة الارض المحروقة، فلم يمر وقت طويل حتى تحولت “اسرائيل” الى بلد يمكن اقامة علاقات طبيعية معه، بعد رفع “سوء الفهم” بينها وبين العرب، كما تحولت “ايران” الى عدو لا يمكن التوصل معه الى حلول وسط، ولابد من القضاء عليه مهما كلف الامر، كما تحول الاعلامي المصري الشهير محمد حسنين هيكل، الى شخص “مهرج”،
وفي المقابل تحول المهرج فيصل القاسم الى اعلامي شهير، ورفيقه الشرطي ضاحي خلفان الى منظر، وتحول حزب الله، القوة العربية الاسلامية التي وضعت حدا لغطرسة وغرور الصهاينة، في خانة “الارهابيين والطائفيين”، وتحولت القاعدة و “داعش” و “النصرة” وباقي المجموعات التكفيرية الوهابية الى “قوى ثورية” و “معارضة سنية “، و “معارضة مسلحة” و “لجان شعبية ” و “قبائل مسلحة” وحتى “معارضة معتدلة”، وتحول النفخ في الفتنة الطائفية الكريهة الى “دفاع عن السنة” و “التصدي للتمدد الشيعي”، وتحول الانبطاح امام الصهاينة والمستكبرين الى مقاومة ” الغزو الفارسي الصفوي المجوسي”.
يبدو ان الاعلام السعودي والقطري، والعاملين في هذا الاعلام من المرتزقة العرب، وصل به الامر الى ان يضحك على ذقون الناس وبشكل وقح، معتقدا انه انتصر على العقل العربي، وان هذا العقل لم يعد يملك القدرة على التفكير، وانه اصبح طوع بنانه، يدس فيه كل ما يشتهي، دون مقاومة او حتى تشكيك، فبعد خلق ظاهرة “ايران فوبيا” والخوف من ايران، خدمة لاسياد الانظمة الخليجية من الصهاينة والامريكيين، خرج علينا المدعو ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع «تويتر» ليحذر من مخاطر الفاكهة التي تستوردها دول الخليج الفارسي من إيران، بقوله: “بعد ظاهرة البطيخ الإيراني في الخليج (الفارسي).. صدقوني إن الفواكه الإيرانية المصدرة للخليج (الفارسي) كارثة صحية”، ولتأكيد “خطورة البطيخ الايراني”، أعاد المهرج السوري فيصل القاسم هذه التغريدة على حسابه الشخصي.
ومن اجل التعرف على اسباب خوف وقلق خلفان والقاسم من “البطيخ الايراني” الذي يهدد امن واستقرار شعوب منطقة الخليج الفارسي، لابد من الاشارة الى ان هذه القضية، اي قضية “البطيخ الايراني”، هي صناعة سعودية، تم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، في اطار الحرب الوهابية الشاملة على “الشيعة الصفويين”، فمنذ ايام تشن هجمة شرسة ومضحكة في آن واحد ضد البطيخ الذي تستورده دول الخليج الفارسي من إيران، والسبب هو اكتشاف “ثقوب غامضة” في القشرة الخارجية، ما أثار مخاوف من أن يكون قد تم حقنها بـ”مواد ضارة”، ورغم ان هذه الشائعة قد تم تكذيبها من قبل الأجهزة الرسمية في هذه الدول، الا ان هذه الحملة مازالت متواصلة، ودخل علی خطها خلفان والمهرج قاسم الفيصل.
الملفت ان هذه المهزلة التي حاول خلفان والفيصل تسويقها، اثارت سخرية حتى الخليجيين انفسهم، لانها تجاوزت كل حدود الحقد والطائفية، فالمتتبع للخبر على مواقع تابعة للسعودية وقطر، والتعليقات التي كتبها القراء على الخبر، يكتشف كيف ينظر الانسان العربي العادي لامثال خلفان والفيصل، حيث علقت الغالبية العظمى منهم بطريقة ساخرة على الخبر، ومن بين هذه التعليقات :
– “ندعو الى مقاطعة البطيخ بعد ان ثبت انه شيعي صفوي”.
– “كيف كنا نأكل البطيخ المجوسي كل هذه الفترة؟”
– “ندعو الى وضع ملف البطيخ الإيراني في أي حوار إيراني- خليجي قادم”.
– “هل يعقل ان تخسر ايران اكبر سوق استهلاكى فى العالم للاغذية”.
– “ماذا عن المحاصيل الزراعية الاسرائيلة المسرطنة التي تغزو الاسواق العربية والخليجية”.
– “يبدو إن ايران تشن حربا بيولوجية جرثومية بطيخية”.
– “كلمة واحدة وباللهجة البغدادية تختصر أزمة الرقي اوالبطيخ الإيراني: (مزعطة)”.
هذه التعليقات وغيرها الكثير، تؤكد مدى غباء وتفاهة امثال ضاحي خلفان و فيصل القاسم، كما تؤكد مدى صعوبة اقناع العرب والمسلمين بوجود خطر ايراني يتهددهم، وكذلك تؤكد مدى عبثية مهمة الاعلام الخليجي وخاصة السعودي والقطري، فمن الصعب جدا ان لم يكن من المحال، تسويق “اسرائيل” كصديق للعرب والمسلمين، وتسويق الشيعة المسلمين وايران كاعداء للعرب، بينما التاريخ والحقائق على الارض تكذب هذه المزاعم جملة وتفصيلا.