الرئيسية / الاسلام والحياة / ليالي بيشاور – 60 لسلطان الواعظين

ليالي بيشاور – 60 لسلطان الواعظين

الصحبة ليست فضيلة:

1ـ فإنا نقرأ في سورة يوسف الصديق (ع) أنه قال : ( يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) (35).

لقد اتفق المفسرون أن صاحبي يوسف الصديق (ع) هما ساقي الملك وطباخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبي يوسف الصديق (ع) ولم يؤمنا بالله ، حتى أنهما خرجا من السجن كافرين ، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسف (ع) تعد منقبة وفضيلة لهما ؟!

2ـ ونقرأ في سورة الكهف : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا )(36).

ذكر المفسرون : أن المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ، وقد نقل المفسرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصحابين ، ولا مجال لنقلها ، فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعد له فضيلة أو شرفا يقدمه على أقرانه ؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب)(37) ؟!

فالمصاحبة وحدها لا تدل على فضيلة وشرف يميز صاحبها ويقدمه على الآخرين .

وأما استدلالك على أفضلية أبي بكر ، بالجملة المحكية عن النبي (ص) ( إن الله معنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ، لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا …)(38).

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإن الله عز وجل يكون المؤمن والكافر والمنافق .

الشيخ عبد السلام : لا شك أن المراد من الآية الكريمة : ( إن الله معنا …) يعني : بما أننا مع الله ونعمل لله ، فإن ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهية تشملنا .

حقائق لا بد من كشفها:

قلت : حتى لو تنزلنا لكم وسلمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إن الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدل على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدم صاحبها على الآخرين ، لأن هناك أشخاص شملتهم الألطاف الإلهية والعناية الربانية ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

1ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنه عبد الله تعالى عبادة قل نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربانية، ولكن لما تمرد عن أمر ربه تكبر واتبع هواه واغتر ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا: ( قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإنّ عليك اللعنة إلى يوم الدين )(39).

2ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنه كما ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين )(40) قالوا :إنه تقرب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي .

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلدين في النيران .

وإذا أحببتم تفصيل قصته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي 4/ 463 ، فإنه يروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل .

3ـ وبرصيصا .. في بني إسرائيل ، كان مجدا في عبادة الله سبحانه حتى أصبح من المقربين ، وكانت دعوته مستجابة ، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة فترك عبادة رب العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين )(41).

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدل على أن ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأن عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام : اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا .

إضافة إلى ما قلنا: فإنكم تعلمون أنه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أن التأكيد في الكلام يدل على شك المخاطب وعدم بقيته للموضوع ، أو توهمه خلاف ذلك .

والآية مؤكدة ” بأنّ ” فيظهر بأن ّ مخاطب النبي (ص) وهو صاحبه في الغار كان شاكا في الحق ، على غير يقين بأن الله سبحانه يكون معهما !

الشيخ عبد السلام : ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا !

قلت : أنا في البداية بينت أن : ” لا مناقشة في الأمثال ” ومن المعلوم أن في المحاورات إنما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركز عليها موضوع الحوار .

وإني أشهد الله ! بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وأبين مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي .

الشيخ عبد السلام : دليلي على أن الآية الكريمة تتضمن مناقب وفضائل لسيدنا أبي بكر (رض) ، جملة : ( فأنزل الله سكينته عليه ) فإن الضمير في ( عليه ) يرجع لأبي بكر الصديق ، وهذا مقام عظيم .

قلت : الضمير يرجع إلى النبي (ص) وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية
( وأيده بجنود لم تروها ) .

وقد صرح جميع المفسرين : أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي (ص) .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إن المؤيد بالجنود هو النبي (ص) ولكن أبا بكر كذلك كان مؤيدا مع النبي (ص) .

شاهد أيضاً

ليالي بيشاور – 63 لسلطان الواعظين السـيّد محمّـد الموسوي الشيرازي

النبي (ص) مربي علي عليه السلام ومعلمه: لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبي عليا ...