قال الراغب الاصفهاني في المفردات: «وَقى: الوقاية: حفظ الشيء ممّا يؤذيه ويضرّه. يقال: وقيتُ الشيء أقيه وِقاية ووِقاءً. قال: (فوقاهم الله، ووقاهم عذاب السعير، وما لهم من الله واق، ما لك من الله من وليّ ولا واق، قوا أنفسكم وأهليكم ناراً).
والتقوى: جعل النفس في وقاية ممّا يُخاف، هذا تحقيقه. وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عمّا يؤثِم، وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه»( [58]).
وقال السيّد حيدر الآملي في تفسيره (المحيط الاعظم): «اعلم أنّ للتقوى مراتب ومدارج، وفيها أقوال بحسب الظاهر والباطن.
أمّا قول أهل الظاهر فالتقوى عندهم: عبارة عن الاجتناب عن محارم الله تعالى، والقيام بما أوجبه عليهم من التكاليف الشرعية، والمتّقي هو الذي يتّقي بصالح عمله عذاب الله، وهو مأخوذ من اتّقاء المكروه بما يجعله حاجزاً بينه وبينه، كما يقال: اتّقى السهم بالترس، أي جعله حاجزاً بينه وبين السهم.
وأمّا قول أهل الباطن، فالتقوى عندهم: عبارة عن الاجتناب المذكور مع ما أحلّ الله تعالى عليهم من طيّبات الدنيا ولذّاتها، على حسب طبقاتها ومراتبها إلاّ بقدر الضرورة فضلاً عن الاجتناب عن محارمه»( [59]).
إلاّ أنّ البحث القرآني، يثبت لنا أنّ المؤمن إذا اتّقى الله في كبائر الذنوب، فإنّ الله تعالى يغفر له الصغائر، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)( [60])، وقال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاََدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)( [61]).
«والمراد بالتقوى بعد الايمان، التورّع عن محارم الله واتّقاء الذنوب التي تحتم السخط الالهي وعذاب النار، وهي الشرك بالله وسائر الكبائر الموبقة التي أوعد الله عليها النار، فيكون المراد بالسيئات التي وعد الله سبحانه تكفيرها الصغائر من الذنوب، وينطبق على قوله سبحانه: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)( [62])، فيظهر من الآيتين أنّ المراد بالمحارم في قوله (عليه السلام) في تعريف التقوى: (إنّها الورع عن محارم الله) المعاصي الكبيرة»( [63]).
بعد أن اتّضح المراد من التقوى لغةً واصطلاحاً، نحاول الوقوف على بعض الحقائق القرآنية التي بيّنت أهمّية هذا الامر، وقبل الدخول في ذلك لابدّ من الاشارة إلى مقدّمة.
شاهد أيضاً
التقوى في القرآن الكريم – طبقات الناس
لكن ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فإنّنا إذا نظرنا نظر التدبّرإلى خصوصيات الشريعة ...