قامت في الأيام القليلة الماضية طائرات النقل الامريكية الضخمة س – 17 تحت حماية الطائرات المقاتلة بالقاء حمولة ضخمة من الاسلحة والمتفجرات والقنابل اليدوية وغيرها على مواقع المنظمات التي سمتها بالقوات العربية المعارضة لنظام الأسد وقدرت كمية الحمولة الواحدة بخمسين طنا كما صرح بذلك الناطق باسم البنتاغون الكولونيل باتريك رايدر . وبناء على تصريح مسؤول أمريكي آخر بان الأسلحة التي أسقطتها طائرات النقل قد وصلت الى أيدي المنظمات المقصودة. وعن الجهات المقصودة بين المتحدث انها الدفعة الثانية من القوات التي تدربت في تركيا والاردن ضمن البرنامج الأمريكي المعروف اختصارا درب وسلح ( T&E ( TRAIN & EQUIP .
الكل يعرف أنه لا وجود لأي دفعة ثانية وان الذين تدربوا كافة قد باعوا أسلحتهم لتنظيم داعش والنصرة أو أنضموا اليها أو فروا من ساحة العمليات. ان القاء الاسلحة في ساحة حرب الهيمنة فيها للقوات الأكثر دموية ووحشية هو كمن يرش الزيت على النار. القاء السلاح لن ينهي الحرب الأهلية ولن يحمي السكان من الموت بل بالعكس سيزيد من اعداد الضحايا وتهجير المزيد من المواطنين من بيوتهم و مدنهم و يعرضهم للفاقة والترمل والمعاناة. ويظهر ان الأمريكيين مصرون على تحقيق هدفهم وهو تغيير النظام في سوريا وفرض السلطة التي تنفذ مشروع تقسيم سوريا على غرار ما فعلته في العراق بعد احتلالها له عام 2003. أما المهمة الجديدة للمنظمات الارهابية بعد حصولها على الاسلحة الأمريكية الحديثة فستتوجه لافشال التدخل الروسي واجباره على وقف حملة القصف التي بدأها وانهاء وجوده في سوريا كما انتهى وجود القوات السوفييتية عام 1979 في افغانستان. انهم يعيدون التجربة والدرس الافغاني نفسه من دون اضطرارهم للتضحية بحياة أبنائهم كما حدث اثناء احتلال العراق. فالمقاتلون الذين سيقومون بقتال الروس يمكن شراؤهم دائما كما اشتروا الآلاف منهم في أفغانستان وزيادة امدادات الاسلحة هي أخبار سارة لشركات صناعة السلاح وللمضاربين في أسعار الأسهم في الوول ستريت فلا أحد يرفض المال والربح.
العملية الأمريكية الأخيرة جاءت بعد النجاح الذي حققته الطائرات الروسية و القوات العسكرية السورية في تدمير مواقع تحشدات داعش و غيرها من المنظمات التكفيرية . و لهذا يعمل الأمريكيون باسرع ما يمكن لمنع التأييد المتزايد للتدخل الروسي في بلدان تقوم الطائرات الأمريكية بالمهمات نفسها ولم تحقق اية نجاحات تذكر كما في العراق فقد أبدى هذا رغبته في التعاون مع روسيا في هذا المجال. وكما كشفت عنه الصحافة العراقية ( صحيفة البديل العراقي) اخيرا أن الولايات المتحدة قد أعلمت الحكومة العراقية أخيرا عن عدم ممانعتها من قيام قوات الحشد الشعبي في عملياتها ضد داعش في مناطق سبق ان اعترضت هي عليها وبالوقت نفسه وعدت الحكومة الأمريكية العراق بالتنفيذ السريع لعقود السلاح المعطلة منذ مدّة طويلة بشرط عدم التعاون العسكري مع روسيا في قصف مواقع داعش على غرار ما تفعله في سوريا.
ادعاء الامريكيين بوجود ما سمته المنظات العربية المعارضة ليس له واقعا فهي تعرف جيدا و للسنة الرابعة على التوالي ان المنظمات مثل النصرة وداعش هي المهيمنة على الارض في سوريا وجميع الحركات الارهابية رغم اختلاف مسمياتها هي في حلف تعاوني مع المنظمتين المذكورتين وهي التي استهدفها القصف الجوي الروسي. وما مسارعة الأمريكيين لتزويدها بالسلاح فهو لتمكينهم على الصمود ضد القصف الروسي ولافشال المهمة الروسية في سوريا بسرعة وبأي ثمن.
ويبدو انها سياسة جديدة تتبعها الادارة الامريكية بخصوص الأزمة السورية بعد النجاحات التي حققتها الضربات الجوية لمواقع منظمتي النصرة وداعش في مناطق عدة في سوريا والتي لاقت ترحيبا من المواطنين السوريين . فوزير الخارجية الامريكي جون كيري قد صرح ( قبل أيام من القاء الطائرات الأمريكية بالسلاح) في مقابلة له مع مراسل قناة الجزيرة الخليجية ( الموجهة الى الناطقين بالانكليزية) بان الحل السياسي في سوريا ممكن عبر التفاوض بمشاركة النظام بشرط بقاء الأسد لمرحلة انتقالية الى حين استقرار الوضع السياسي وانهاء الحرب الاهلية.
زيادة التدخل المباشر في الحرب الأهلية السورية يظهر النوايا الأمريكية الحقيقية فهم في الوقت الذي كانوا يدعون علنا بمحاربة تلك المنظمات الارهابية لكنهم بالوقت نفسه يدعمونها بالمال والاسلحة في السر لاستخدامهم في تحقيق الاهداف الامريكية في المنطقة.
لقد كان هذا واضحا في العراق حيث شوهدت طائرات أمريكية مرات عديدة وهي تلقي بحمولات الاسلحة على مواقع داعش بعد تعرضها لهجوم القوات العراقية.
تلك المنظمات التي قتلت السوريين والعراقيين و الليبيين و الصوماليين و اليمنيين و الافغان والكرد لم تغير من أهدافها أو طبيعتها الاجرامية. التفجير الارهابي في المظاهرة السلمية للجماهير الكردية في انقرة قبل أيام هو دليل واضح على صلة تركيا في رعاية وحماية الارهاب في منطقة الشرق الأوسط وليس من المعقول ان تقوم تركيا بذلك من دون علم وموافقة الأمريكيين.
لكن تزايد التدخل الامريكي في الحرب الأهلية السورية سيعمل على اطالة أمدها ولا يساعد على التوصل الى حل سياسي يوقف نزيف الدم السوري هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى قد يقود هذا التدخل الى صدام مسلح مباشر بين الدولتين روسيا وأمريكا وهو وضع يسعى له المحافظون الجدد في الكونغرس وفي وزارة الخارجية ومؤسسات أخرى.
وقد علق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 13 الشهر الجاري على العمليات العسكرية الامريكية في سوريا بقوله : انه من غير الواضح لموسكو ما يفعله الأمريكيون في سوريا ولماذا هذه النتائج الهزيلة بعد أكثر من خمسة وعشرين ألف طلعة جوية فهل يريدون محاربتهم أم استخدامهم لأغراض معينة.
ويبدو ان الوزير لافروف اراد بتساؤله ان يكون دبلوماسيا أكثر مما تتطلبه مهنته .
-نقلا عن الاتجاه