رأت دراسة جدیدة صادرة عن «مرکز أبحاث الأمن القومیّ الإسرائیلیّ» ، التابع لجامعة تل أبیب، أنّ المملکة السعودیّة ، وعلى مدار سنوات طویلة تمکّنت من مُواجهة التحدّیات الخارجیّة والداخلیّة عن طریق التوصّل إلى إجماع بین صنّاع القرار فی الریاض ، وأنْ تُخفّض من مستوى التوتّر بالمملکة عن طریق عوائد النفط ، لکن شدّدّت الدراسة ، على أنّ تزاید التحدّیات فی فترة تشهد التقلبّات الإقلیمیّة علاوةً على التغییرات الداخلیّة التاریخیّة، من شأنها أنْ تؤدّی إلى تعجیل المسارات التی ستنتهی حتمًا بتغییر وجه و وجهة المملکة.
وتابعت الدراسة قائلةً إنّ صنّاع القرار فی «إسرائیل» یتحتّم علیهم استیعاب التغییرات التی تعصف بالمملکة السعودیّة، والتی من غیر المُستبعد أنْ یکون لها تأثیرات کبیرة على النظام الإقلیمیّ فی الشرق الأوسط ، وربمّا أبعد من ذلك .
وبالتالی، لفتت الدراسة، إلى أنّه على أرکان تل أبیب أنْ یفحصوا بجدیّةٍ بالغةٍ تطبیق التمنیّات التی من شأنها أنْ تؤدّی فی نهایة المطاف إلى علاقات ثنائیة مشترکة بین الکیان الصهیونی و السعودیّة. وأشارت الدراسة أیضًا إلى أنّه کلمّا ازداد التوتّر الداخلیّ فی السعودیّ، فإنّ المملکة باتت أکثر مُعرضةً للخطر من الداخل وتحدیدًا، إذا استمرّ الجمود فی العملیة السیاسیّة بین «الإسرائیلیین» والفلسطینیین، فإنّ النظام الحاکم فی الریاض، الذی یخشى من ردّة فعل الرأی العام فی المملکة، لن یجرؤ على إقامة علاقات دبلوماسیّة وتعاونٍ وثیقٍ مع الکیان الصهیونی، على حدّ تعبیر الدراسة.
وشدّدّت الدراسة على أنّ المملکة السعودیّة تمرّ فی إحدى مفارق الزمن الحساسّة جدًا، والتی لم تعرفها منذ عقودٍ من الزمن، مُشیرةً فی الوقت عینه إلى أنّ الترابط بین التحولّات التاریخیّة التی تُغیّر وجه الشرق الأوسط، وتُشکّل تحدیًا للنظام السیاسیّ القائم و بین الانخفاض فی أسعار النفط فی السنة الأخیرة، علاوة على التغییرات فی الشخصیات الحاکمة بالریاض، هذه العوامل برأی الدراسة، أنتجت تحدّیات غیر مسبوقة لاستقرار المملکة .
وتطرّقت الدراسة إلى التحدّیات الداخلیّة، مشیرةً إلى أنّ الخلافات داخل العائلة المالکة باتت جلیّةً و واضحةً، و تتمحور حول زیادة قوة الأمیر محمد بن سلمان (٣� عامًا)، الابن المُفضّل للعاهل السعودیّ والذی لا یملک أیّ تجربة سیاسیّة. و رأت الدراسة أیضًا أنّه من أنّ وسائل الإعلام تُرکّز على الخلاف السعودیّ-الإیرانیّ الذی یتعلّق بالسیاسة الخارجیّة، إلّا أنّ صراع القوى داخل العائلة المالکة هو الذی یُعتبر التهدید المرکزیّ والمفصلیّ على استقرار المملکة السعودیّة، بحسب الدراسة.
علاوةً على ذلک، وفقًا للدراسة، فإنّ القرارات التی اتخذّها الأمیر بن سلمان، إن کان على الصعید الداخلیّ أوْ الخارجیّ واجهت و تُواجه معارضةً شدیدةً داخل العائلة المالکة، لافتةً إلى أنّ أحد أفراد العائلة نشر مؤخرًا رسالةً فی صحیفة (الغاردیان) البریطانیّة، دعا فیها الأمراء إلى التوحّد من أجل الإطاحة بالأمیر محمد بن سلمان. بالإضافة إلى ذلک، شدّدّت الدراسة «الإسرائیلیّة» على أنّ نشر الرسالة بدون توقیع، هو حدث غریب جدًا عن العائلة المالکة التی درجت على حلّ النزاعات الداخلیّة داخل البیت، و بعیدًا عن الأضواء و بسریّةٍ تامّةٍ، وأنّ هذه الرسالة هی تعبیر عن حالة الإحباط و الارتباک لدى العدید من الأمراء الذین وجدوا أنفسهم خارج دوائر صنع القرار فی الریاض.
بموازاة ذلک ، قالت الدراسة إنّ تنظیم داعش یُواصل تنفیذ العملیات الإرهابیّة ضدّ الشیعة داخل المملکة، بهدف تشجیع الشباب السعودیّ على الانضمام للتنظیم من ناحیة، ومن الناحیة الأخرى، توجیه ضربات للعائلة الحاکمة فی المملکة، و مُحاولة نزع الشرعیّة عنها،على حدّ تعبیرها.
وتوقعّت الدراسة أنّ الشباب السعودیّ الذی ترّبى على العقیدة الوهابیّة سُحر من «تنظیم الدولة الإسلامیّة» ، ولیس من المُستبعد أنْ یقوم هذا الشباب عینه بالانتقام من الشیعة الذین یعیشون فی المملکة.
وأقرّت الدراسة أنّ السعودیّة تمکّنت قبل عقد من الزمن من مُواجهة تنظیم (القاعدة) وسجلّت انتصارات علیه، ولکن التحدّی، الذی یُشکّله تنظیم الدولة الإسلامیّة لصنّاع القرار فی الریاض هو أکبر بکثیر وأهّم وأخطر بکثیر من التحدّی الذی شکلّه قبل عشر سنوات تنظیم (القاعدة). ولفتت الدراسة أیضًا إلى أنّ العائلة الحاکمة فی المملکة تتحمّل قسطًا من المسؤولیة لهذا الوضع، لأنّ الهیئة الدینیّة الرسمیّة بالمملکة تستخدم خطابًا معادٍ للشیعة، وذلک لزیادة التأیید للمملکة على وقع الخلاف مع الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة.
أمّا فیما یتعلّق بانخفاض أسعار النفط، فقالت الدراسة؛ إنّ استمرار هذا الوضع سیؤجج الانتقادات الداخلیّة للعائلة الحاکمة، و من غیر المُستبعد بتاتًا أن یؤدّی ذلک إلى “انتفاضة سعودیّة” ضدّ العائلة الحاکمة، الأمر الذی یعنی المسّ باستقرار المملکة، وتحدیدًا لأنّ نفقات الأمن ارتفعت بوتیرةٍ عالیةٍ جدًا، الأمر الذی منع السلطات من تعویض الفئات الفقیرة بالمملکة. ولفتت الدراسة إلى أنّ صندوق النقد الدولیّ حذّر أخیرًا من أنّ استمرار الوضع الحالیّ، فإنّ الاحتیاطی من العملة الأجنبیّة للملکة سینتهی بحلول العام ٢� ٢� .
أمّا بالنسبة للتهدیدات الخارجیّة، فرأت الدراسة أنّ استمرار الحرب فی الیمن هو التهدید الأخطر على استقرار المملکة، مُشیرةً إلى أنّه على الرغم من القصف السعودیّ فإنّ الحوثیین وحلفائهم ما زالوا یُسیطرون على شمال الیمن.
وأضافت الدراسة أنّه حتى ولو تمکّنت السعودیة من طرد الحوثثین إلى مکانهم فی صعدة، فإنّ الیمن لن تعود إلى الاستقرار، وحتى لو تمّ التوصّل لحلٍّ سیاسیٍّ، فإنّ الحوثیین سیبقون یُشکّلون خطرًا أمنیًا على جنوب المملکة.
علاوة على ذلک، قالت الدراسة إنّ وضع السعودیّة بعد التوقیع على الاتفاق النوویّ مع إیران لا یبعث على الطمأنینة، إذْ أنّ الاتفاق سیسمح لإیران بالتدّخل فی الشرق الأوسط، وتحدیدًا فی الدول الخلیجیة .
کما أنّ واشنطن تُواصل توجیه الرسائل بأنّها معنیة فی تقلیل تدّخلها فی الشرق الأوسط، کما أنّ مُحاولات السعودیة لتشکیل حلف سُنیّ ضدّ إیران لم یتکلل بالنجاح، وخصوصًا لأنّ مصر أبدت تأییدها للمُساعدة التی تُقدّمها روسیا لحلیفتها الإستراتیجیّة، سوریّة، على حدّ قول الدراسة «الإسرائیلیّة» .