عن علي بن الحسين زين العابدين
وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه فان أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلك .
وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها.
وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك تملكه،لا أنت (في المطبوعة: لم تملكه لأنك) صنعته من دون الله ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله عز وجل ولا قوة إلا بالله.
وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد، لتكون لها، فانك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه. وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.
وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزوجل والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه، والنصيحة له فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وانسها، فأطلقك من أسر الملكة، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وموتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك، وفى الأجل الجنة.