الربا في القرض هو أن أُقرضك مالاً إلى أجل فتُعيده إليّ بشرط الزيادة.
فإذاً هو يفترض إنساناً مستغنياً يُعطي ويقرض وآخر محتاجاً، وصاحب المال يضمن من المستقرِض على أيّ حال ربحاً وفائدة سواء عمل أم لم يعمل وربح المستقرِض أم لم يربح بل حتّى لو فَقَد كلّ المال.
فهناك طرف ضامن للفائدة على ماله وطرف محتاج تترتّب الفائدة عليه على كلّ الأحوال، وكلّما طال أجل القرض تراكمت الفوائد على المدين المحتاج. وطبعاً هذا يترتّب عليه:
أوّلاً: انقسام الناس إلى غنيّ ثريّ، ومعدم فقير. وهذا خلاف العدالة الاجتماعية، فالكلّ له الحقّ بالحياة الكريمة، ولذلك يقول تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾4 .
وهذا يلزم منه:
أ ـ الربح من غير عمل يُقابله، أي تكون الثروة هي الّتي تدرّ على أصحابها الأرباح وهم عطّالون بطّالون، يعبثون ويلهون ويلعبون، وفي المقابل يكون الطرف الآخر في جدٍّ وتعب وجهد وضنك، وهذا يزداد يوماً بعد يوم، وتتّسع الهوّة بين الشريحتين.
4- سورة الحشر، الآية: 7.
ب ـ عند اتّساع الشرخ بين أصحاب الأموال وبين شريحة الفقراء تنبعث مشاعر: الحقد، والكراهية، وحبّ الانتقام، والبغض الشديد من الفقراء للأثرياء.
ج ـ هذا يؤدّي إلى الانتقام الفعليّ وتتفشّى ظواهر هذا الانتقام بصور مختلفة، من السرقة، والاختلاس، والخيانة، والاحتيال… وقد تصل إلى القتل..
وطبعاً هذا يُساهم في تفشّي الرذيلة والابتعاد عن الفضيلة.
وهذا ما ألمحنا إليه من أنّه قد يكون الربا من الأسباب لحصول الحروب العالمية كما قاله بعض المفكّرين، فإن إفساده يعمّ ويتّسع ويكبر.
ثانياً: في البيع والتجارات تكون احتمالات الربح والخسارة، والربح القليل والربح الكثير، كلّها موجودة وواردة، ويكون التعلّق بالله تعالى ودعاؤه لنيل البركة والتوفيق للأسباب المؤدّية للنموّ والربح موجوداً وفعّالاً، بخلافه في المعاملة الربوية, فالاعتماد عند المرابي على الفائدة، ولا حاجة عنده للالتجاء إلى الله والدعاء بنظر المرابي, لأنّ الفائدة متحقِّقة على أيّ حال.
ثالثاً: تنتفي العاطفة الإنسانية بين بني البشر, لأنّ المرابي همّه تحصيل المال الربويّ أبقيَ الطرف الآخر المسكين على قيد الحياة أم مات، فليس هذا من شأنه، ولا يعني له الأمر شيئاً، لذلك يَنقل التاريخ أنّ الّذي كان يعجز في الجاهلية عن الالتزام بمقتضى المعاقدة الربوية كان يضطّر إلى أن يدفع لصاحب المال ابنه فيكون عبداً ورقّاً له مقابل الربا المتراكم.
وعليه فأين التوادّ والتراحم وعاطفة الإنسان على أخيه الإنسان، هذا الّذي أراده الإسلام أن ينمو ويكبر ويعظم من خلال الصدقات والهبات والهدايا والإقراض بلا مقابل؟
رابعاً: ينتفي الثواب المترتّب على القرض حيث إنّ عليه ثواباً عظيماً أعظم من ثواب الصدقة، فالصدقة بعشرة والقرض كما ورد في الرواية بثمانية عشر،فإنّ
الإنسان سيُحرم من هذا الثواب الكبير إذا استبدل القرض الحسن بالقرض الربويّ، وبالتالي سينقطع طريق المعروف…
عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي رأيت الله عزّ وجلّ قد ذكر الربا في غير آية وكرّره، فقال عليه السلام: “أوَ تدري لم ذاك؟ قلت: لا. قال عليه السلام: لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف”5.
وكذلك الثواب على الإمهال للمقترض، فقد ورد أنّه إذا أمهل صاحب المال المدين كان له بكلّ يوم يُمهله ويصبر عليه ثواب الصدقة بذلك المال.
هذه بعض اللوازم الشنيعة للربا.
ـ وتجدر الإشارة إلى أنّ الربا يكون في القرض ويكون في معاملة البيع، وباختصار شديد لأن بحثنا ليس بحثاً فقهياً نقول:
الربا في القرض: هو أن يحصل الاقتراض إلى أجل مع اشتراط الفائدة عليه عند إرجاعه إلى المقرِض، سواء كانت الفائدة عينية أو منفعة أو غير ذلك.
الربا في المعاملة: أي في البيع يُشترط أن يكون الثمن والمثمّن من جنس واحد، وأن يكون ذلك الجنس من المكيل أو الموزون دون المعدود ودون المقدّر بالمتر أو الهكتار “كالقماش والعقار” فإذا كان المبيع والثمن من جنس واحد وكانا من المكيل أو الموزون وكان أحدهما أزيد من الآخر كان البيع ربوياً، دونما إذا كان معدوداً كالبيض “كما في بعض البلدان” فإنه لا ربا مع الزيادة، وكذلك مع اختلاف الثمن والمثمّن في الجنس ولو مع الزيادة كبيع الحنطة بالأرز.