مشروع الحضارة الإسلامية الجديدة قراءة في خطاب الإمام الخامينئى فى مؤتمر الوحدة الإسلامية
مما لاشك فيه أن إيران منذ قيام ثورتها الإسلامية تعرضت إلى مؤامرات كبيرة ومازالت ولكنها خرجت من معظم هذه المؤامرات أكثر قوة وأشد عزيمة ، وأصبحت إيران رقماَ صعباَ في جميع المعادلات فى المنطقة العربية والإسلامية بل وفي العالم ..
والسؤال هنا :
لماذا هذا العداء العالمى من المحورالذى تتزعمه أمريكا ويضم إسرائيل والعالم الغربي وبعض الدول العربية والإسلامية التي تدور فى فلك هذا المحور ؟
ولقد أجاب سماحة السيد الخامينئى علي هذا السؤال بقوله فى خطابه بكل صراحة ووضوح عن مشروع الثورة الإسلامية الحقيقي والذي يخشى منه المحور الأمريكى الصهيونى ، فقال فى كلمته :
( واجبنا بناء “حضارة إسلاميّة جديدة”)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويشرح سماحته هذا الهدف بقوله :
( يجب على العالم الإسلامي اليوم أن ينتهج نهج الإسلام ويحذو حذو الرسول في بثّ الروح في هذا العالم، وإطلاق أجواء جديدة وفتح سبلٍ جديدة، ونحن نعبّر عن هذه الظاهرة التي ننتظرها بـ«الحضارة الإسلامية الجديدة». فيجب علينا أن نسعى لبناء الحضارة الإسلامية الجديدة للبشرية)
أقول :
أن البعض سوف يعتبرون هذا المشروع الكبير يخفي خلفه الرغبة فى إقامة أمبراطورية فارسية جديدة ، وأنه ليس سوى تكرار لتجربة الهيمنة والإستعمار الغربية ؟!
ويرد سماحته على هذا الإدعاء بقوله :
( وهذا يختلف اختلافاً أساسياً عمّا يراود القوى الكبرى وما تفكر به وتمارسه عملياً في حق أبناء البشر، فهو لا يعني احتلال الأراضي، ولا التطاول على حقوق الشعوب، ولا فرض الأخلاق والثقافة على الشعوب الأخرى، وإنما يعني عرض الهدية الإلهية على الشعوب من أجل أن يتسنى لها اختيار المسار الصحيح بإرادتها واختيارها وتشخيصها. فإنّ الطريق التي قادت القوى العالمية اليوم الشعوب نحوها، طريق ضلال وانحراف… هذا هو واجبنا اليوم.)
أقول : وفى الحقيقة هذا هو السر فى العداء الغربي للثورة الإسلامية فى إيران وهو أنها جاءت بمشروع حضارة روحية علمية ، تجمع بين العلم والإيمان ، بديلاَ عن الحضارة ( المادية ) الغربية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد الدمار الروحي الذى جلبته لشعوبها ، والدمار المادي للشعوب المستضعفة ..
ولقد شرح الإمام مايعانيه العالم اليوم فقال متحدثاَ عن:
جاهلية جديدة
ـــــــــــــــــــــــ
يقول سماحته :
( اليوم أيضاً العالم يعاني من الظلم والقسوة والتمييز، اليوم أيضاً أجواء موت الفضيلة والعزاء الكبير للبشر. الفضيلة والعدالة والإنسانية والأخلاق كلها تسحق بواسطة القوى المادية، ودماء الناس تجري على الأرض بيد المتسلطين الذين لا يردعهم رادع، أضحت الشعوب تموت جوعاً بسبب ما قامت به القوى الكبرى من نهبٍ لثرواتها. هذه هي الأوضاع السائدة في العالم المعاصر، وهي شبيهة بتلك الجاهلية قبل ظهور الإسلام؛ إنها جاهلية جديدة.)
وبعد أن شرح سماحته كيف إستفاد الغرب من علوم المسلمين الأوائل فى إقامة حضارتهم المادية شديدة القسوة مع الشعوب المستعمرة والمستضعفة ، إستطرد سماحته قائلاَ :
اليوم قد حان دورنا، حان دور الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( اليوم قد حان دورنا، حان دور الإسلام ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾؛ جاء دور المسلمين ليشدّوا همتهم في سبيل بناء حضارة إسلامية جديدة. كما إن الأوروبيين في ذلك اليوم استفادوا من علوم المسلمين وتجاربهم وفلسفتهم، نحن اليوم أيضاً نستفيد من علوم العالم والأدوات الموجودة عالمياً لإقامة الحضارة الإسلامية، ولكنها حضارة بروح إسلامية وروح معنوية. وهذا هو واجبنا اليوم.)
أقول :
ولكن هل سيترك العالم الغربى العالم الإسلامى ليقيم حضارته الجديدة ؟
يقول سماحة الإمام محذراَ من مؤامرات المحور الأمريكي الغربي الصهيوني كاشفاَ عما في نفوسهم :
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فإنه يُغيظهم كلّ مكسب تحصلون عليه أنتم المسلمون، ويُفرحهم كل مصيبة تحلّ بكم؛ ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾، وهذه هي حقيقتهم؛ هذا كلام القرآن. فلا ينبغي أن تكون أعيننا شاخصة إليهم وإلى ما في أيديهم وإلى ابتساماتهم وإلى نظراتهم الغاضبة، بل لا بد وأن نحدد طريقنا ونسلكه ونمضي قُدماً إلى الأمام، وهذا هو واجبنا وواجب العالم الإسلامي أجمع.)
ثم إستطرد سماحته موضحاَ سياسة الإستعمار القديم وهي سياسة ( فرق تسد ) المعروفة يعاد إنتاجها اليوم تحت عنوان ( السنة والشيعة ) محذرا من إدعاء أمريكا أنها فى تحالف واحد مع ( السنة ) ضد الشيعة ..وأن هذه مؤامرة لايجب أن يُفرح بها
يقول سماحته عن الطرح الأمريكى لمحور أمريكى سنى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(.بيد أن المخطط الأمريكي اليوم في هذا المجال أشد خطورة. فهل يكون تأييد فرقة أمام فرقة أخرى في داخل العالم الإسلامي مبعث فرحنا وسرورنا؟ وهل يجب علينا الابتهاج والفرح فيما لو قاموا بتأييدنا ومناصرتنا؟ كلا، بل يجب أن يثير ذلك حزننا واكتئابنا، وأن نفتّش لنرى ما هي نقطة الضعف التي وجدوها فينا حتى أخذوا يستغلونها ويتخذونها ذريعة لمناصرتنا؟)
ثم أستطرد سماحته متحدثاَ عن السبب الحقيقي فى العداء الأمريكى هو إمتلاك النزعة الإسلامية عند نظرته لحياته وسلوكه ، يقول سماحته :
عدوّ أمريكا: “النزعة الإسلاميّة”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إنهم يعارضون أساس الإسلام، وإن حقيقة القضية هي تلك التي جرت على لسان الرئيس الأمريكي السابق بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وانفجار الأبراج في نيويورك، حيث وصفها بأنها حرب صليبية، وكان محقاً في قوله، فإنه إنسان شرير ولكنه في كلمته هذه صادقٌ! )
الختام
ــــــــــ
إن هذا الخطاب من الرجل الأول فى العالم فى مواجهة محور الشر الأمريكي الصهيونى يجب أن يتم دراسته كلمة كلمة ، بل يجب أن نستشرف ماوراء العبارات من إشارات ، هذا الخطاب الذى ألقاه سماحته بمناسبة المولد النبوى الشريف وأسبوع الوحده ختمه سماحته بالعبارة الأتية :
…………………..
( خلاصة قولي في هذا اللقاء: لننهل من معين ذكرى ولادة النبي ولنجعل ما قام به الإسلام منذ اليوم الأول من إحياء العالم الميت آنذاك نُصب أعيننا ومحور همتنا، وهذا ما يحتاج إلى عقل، وتفكّر، وتدبّر، وبصيرة، ومعرفة للعدو، فلنعرف العدو ومؤامراته، ولا نقع ضحية خداعه. سائلين الله تعالى أن يعيننا ويهدينا إلى صراطه المستقيم ويثبت أقدامنا.
ولقد صدق الشاعر العربي الذي قال:
الدَّهرُ یَقظانُ وَالأَحداثُ لم تَنَمِ فَما رُقادُکُمُ یا أَفضَلَ الأُمَمِ
عندما يستهدفكم عالم القوة والثروة والغطرسة بكل إمكانياته فلا يحق لكم النوم والغفلة.
اللهم اجعلنا من السائرين على هذا الصراط المستقيم كما يرتضيه الإسلام ويليق بالعالم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سالم الصباغ
10 / 1 / 2016