ستة اسباب وراء انخراط السعودية في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين بعد رفض مطلق.. لماذا تم استبعاد الرئيس صالح وحزبه؟ واين هادي وحكومته؟ وهل بدأ الجناح العقلاني في الاسرة الحاكمة يجد آذانا صاغية؟ وما دور التهديد الايراني الجديد؟ وهل ستنتهي الحرب اليمنية قريبا؟
مع اقتراب “عاصفة الحزم” السعودية من دخولها عامها الثاني (بقي 16 يوما على اكمالها عامها الاول) دون تحقيق اي من النتائج التي انطلقت من اجلها، وبات قصف طيرانها لاهداف مدنية يعطي نتائج عكسية تماما محليا ودوليا، بدأ الطرفان، او الخصمان، السعودي والحوثي يتخليان عن “عنادهما”، والكثير من شروطهما السابقة، ويقبلان التفاوض وجها لوجه للتوصل الى تسوية سياسية قد تنهي الحرب في اليمن.
التنازل الاكبر جاء حتما من قبل المملكة العربية السعودية، التي كانت ترفض رفضا قاطعا اي تفاوض مباشر مع تيار “انصار الله” الحوثي، او الرئيس علي عبد الله صالح، وتصر على ان تكون اي مفاوضات مباشرة، او غير مباشرة، مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وممثليه الذي انطلقت “عاصفة الحزم” من اجل اعادته الى عرشه، ولكن الامور تغيرت، ولا نعرف ما اذا كان الرئيس هادي على علم بهذه المفاوضات ام لا.
جولات من الحوار تحت مظلة الامم المتحدة في جنيف ومسقط، وبترتيب من قبل المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ، فشلت في تحقيق اي نجاح، ولذلك صعد التحالف “الحوثي الصالحي” من مواقفه، وقرر رفض اي حل سياسي، وتصعيد العمل العسكري، وان اي مفاوضات مقبلة يجب ان تكون مع الاصل، اي الحكومة السعودية، وليس مع اتباعها.
***
ستة اسباب رئيسية تقف خلف هذا الانقلاب في الموقف السعودي بالجنوح الى التفاوض وجها لوجه مع “انصار الله” الحوثيين:
الاول: فشل “عاصفة الحزم” وغاراتها المكثفة على مدى اكثر من 12 شهرا في فرض الاستسلام على التحالف “الحوثي الصالحي”، وتصاعد اعداد الخسائر في صفوف القوات السعودية، سواء على الحدود اليمنية، او في ميادين القتال داخل اليمن، وذكر لي استاذ جامعي مصري يشرف على رسالة دكتوراه لطالب سعودي ان عدد القتلى السعوديين في هذه الحرب وصل الى حوالي ثلاثة آلاف جندي وضابط، حسب ما ذكره له هذا الطالب الذي رفض ذكر اسمه لاسباب معروفة، وعندما جادلته، اي الاستاذ، بأن الرقم مبالغ فيه، اكد انه اثار الشكوك نفسها لتلميذه بسبب الفارق الهائل مع العدد الرسمي فجاء الجواب بتأكيد صحة العدد، وانه، اي التلميذ، ضابط عسكري سعودي متقاعد ويعني ما يقول.
الثاني: تصاعد الانتقادات للغارات السعودية في اليمن، والحصار الموازي لها في اوساط الدول الغربية، واتهام البرلمان الاوروبي للمملكة بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع اسلحة للسعودية.
ثالثا: تصاعد حالة “التململ” في الداخل السعودي من جراء اطالة امد الحرب في اليمن، وتحولها الى حرب استنزاف عسكري ومالي وبشري، وتصاعد مشاعر الكراهية للمملكة في اوساط الرأي العام العربي والعالمي، وانهيار التحالفات التي تم انشاؤها لتوفير الغطاء الاسلامي والعربي لهذه الحرب، قبل ان تنشأ.
رابعا: النفقات المالية الهائلة على هذه الحرب، والتي تقدرها بعض الاوساط بمليارات الدولارات شهريا، تشمل تغطية نفقات القوات العربية المشاركة فيها، وتعويض المعدات والذخائر والغارات الجوية لاكثر من مئتي طائرة، وبلغ عددها ثمانية آلاف طلعة جوية، وتقديم مساعدات مالية لحكوماتها، ودول اخرى مثل مصر وباكستان والصومال وجيبوتي وجزر القمر، لكسب ودها، او حيادها على الاقل.
خامسا: ظهور تنظيمي “داعش” و”القاعدة” كقوتين رئيسيتين في الساحة اليمنية، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات التحالف “الحوثي الصالحي” في جنوب اليمن، فمدينة عدن باتت تعيش حالة من الفوضى الدموية بعد “تحريرها”، وانسحاب قوات الحوثي منها، والرئيس عبد ربه منصور هادي بات “معتقلا” في قصر المعيشيق الذي يقع على قمة “تلة” في عدن، ووصلت التفجيرات الى مدخله، وبات اطول عمر لمحافظ عدن لا يزيد عن بضعة اسابيع، بسبب الاغتيالات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، والشيء نفسه يقال عن قادة الامن والشرطة، مضافا الى ذلك خوف امريكا من قيام دولة او امارة اسلامية عند مدخل باب المندب تهدد خطوط الملاحة الدولية التجارية والعسكرية.
سادسا: تصريحات الجنرال مسعود جزايري نائب رئيس هيئة اركان القوات المسلحة الايرانية ( امس الثلاثاء) مع وكالة “تنسيم” للانباء التي قال فيها ان ايران قد تدعم الحوثيين بنفس اسلوب دعمها للرئيس بشار الاسد في سورية، اي ارسال مستشارين عسكريين، وهذا يعني تحول اليمن الى سورية ثانية.
اما اذا انتقلنا الى الاسباب التي دفعت التيار الحوثي للقبول بالمفاوضات المباشرة مع السلطات السعودية فيعود ذلك الى حصوله على اعتراف و”شرعية” سعودية كقوة رئيسية في الساحة اليمنية، ولكون الدعوة وصلته من الرياض، واجراء المفاوضات على اراض سعودية، ولانه يدرك جيدا ان الحرب ستنتهي بحل سياسي في النهاية، والاستمرار في الحرب، في ظل لجوء الطرف الثاني الى السلم “تكتيك” ذكي لتقليص الخسائر وتجنب معركة صنعاء، طالما ان هذا الحل السياسي يحقق مطالبه في ابعاد الرئيس هادي وتأسيس مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية، ومرحلة انتقالية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو عن التبعات التي يمكن ان تترتب على المفاوضات هذه على خريطة التحالفات داخل اليمن، او على صعيد التحالف العربي الذي يشارك في الحرب بقيادة السعودية.
نشرح اكثر ونسأل عما اذا كان الطرف الحوثي قد اطلع حليفه الرئيس علي عبد الله صالح مسبقا على هذه المفاوضات والاتصالات بشأنها، وطمأنته بأنه لا يتحرك منفردا؟ وهل اطلعت السلطات السعودية من جانبها حلفاءها الخليجيين الذين يشاركونها عاصفة حزمها، وحربها البرية في اليمن على توجهها الجديد وتراجعها بالتالي الجديد عنادها في رفض التفاوض مع الحوثيين ونحن هنا نتحدث عن دولة الامارات العربية المتحدة على وجه الخصوص التي تكبدت قواتها خسائر بشرية تحتل المرتبة الثانية بعد حجم الخسائر السعودية؟
***
ما يجعلنا نطرح هذه الاسئلة معرفتنا بمحاولات سابقة عديدة لشق التحالف “الحوثي الصالحي”، تارة بمحاولة ابعاد الرئيس علي عبد الله صالح “ثعلب اليمن” عن الحوثيين من خلال توظيف ابنه احمد علي عبد الله صالح في اطار هذا المخطط، وذهاب الاخير الى الرياض على متن طائرة اماراتية خاصة للقاء الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، ولكن اللقاء انهار بسبب المعاملة السيئة والمهينة للضيف اليمني، مثل الاصرار على تفتيشه، وتهديده، بالفاظ قوية بـ”تكسير” رأسه ورأس ابيه، الامر الذي دفعه الى مغادرة القصر غاضبا، وتارة اخرى باللقاء على انفراد بوفد التحالف الحوثي، بعيدا عن الرئيس صالح ووفده اثناء اجتماعات مسقط في بداياتها الاولى.
مصادر يمنية اكدت لنا ان احتمال شق صف التحالف “الحوثي الصالحي” واردة، لان التحالف بين الجانبين تكتيكي وليس استراتيجيا، ولفتت انظارنا الى انه لو حدثت مصالحة سعودية حوثية فعلا، فانها قد تعمل على تهدئة الحرب على الحدود السعودية الجنوبية، ولكنها لن تنقل الهدنة الى الداخل اليمني، بدون التفاوض مع صالح وحزبه، لان القاعدة الشعبية والعسكرية للرئيس السابق ما زالت قوية في المناطق اليمنية الاخرى خارج محافظتي صعدة وعمران الشماليتين، والرئيس صالح دخل حالة مزاج انتحارية هذه الايام، ولم يعد يفكر بالحسابات السياسية، واي محاولة للالتفاف عليه ستجعله وانصاره اكثر شراسة، اللهم الا اذا تأكدت الانباء المسربة بقوة في الايام الاخيرة، ومن اوساط سعودية حول تدهور صحته، وهنا يكون الحديث مختلفا.
من الصعب علينا اصدار احكام مسبقة او متسرعة لكن ما يمكن قوله في هذه العجالة ان مجرد دعوة السعودية لوفد حوثي للتفاوض للوصول الى اتفاق، كلي او جزئي، للتهدئة يعني اقتناعها بان الحل العسكري في اليمن غير ممكن ان لم يكن مستحيلا، وان الجناح الذي يطالب بالعقلانية والمراجعة فيها، واسرتها الحاكمة، بدأ يجد آذانا صاغية، وما علينا الا الانتظار لمعرفة الخيط الابيض من الاسود، وسط هذه الحرب المغلفة بسحب سوداء كثيفة من التشاؤم والغموض.