بدءاً من الملف الرئاسي مروراً بأزمة النفايات وصولاً إلى قضية النازحين التي تتربع اليوم على عرش الأولويات الداخلية، تتكدس الازمات اللبنانية على في ظل أوضاع أمنية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية تزيد الطين بلّة، ولا تنذر بالخير للبنان واللبنانيين والضيوف على إختلاف جنسياتهم فلسطينية كانت أم سورية.
رغم الأوضاع اللبنانية الصعبة على كافّة الصعد، كان لبنان بحكم التاريخ والجغرافياً ملاذاً آمناً للملايين من السوريين الذين باتوا الشغل الشاغل للسياسيين اللبنانيين وضيوفهو العرب وغيرهم، إلا أن السؤال الذي يطرح اليوم يتعلّق بمصير “الضيوف” بعد إنتهاء الأزمة التي قد تطول في بلادهم، فهل من نزح سيعود بعد انتهاءها، أم أنهم سيصبحون مواطنين موطّنين أم “مواطني الأمر الواقع”؟
يدرك الجميع الواقع اللبناني الفريد بين الدول العربية وهذا ما لمسناه من خلال مواقف النأي بالنفس في الجامعة العربية، إلا أن الضيوف الدوليين يطرحون القضية معلّبةً ببعض الإغراءات المالية والذرائع السياسية التي تنضوي تحت عبارة أوروبية عنوانها “نفضل أن نعيل مليون نازح في لبنان على أن نستقبل ألفاً في أراضينا”.
بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، أكّد خلال زيارة الأخيرة ما قاله وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند أن “إقامة السوريين في لبنان مؤقتة ومن الممكن عودتهم ما أن يستتب السلام في سوريا”. العبارة منتقاةً بدقّة “من الممكن” رغم أن المصلحة اللبنانية أو بالآحرى، لبنان بكل فئاته يرفض التوطين، والنازحين يجب أن يعودوا إلى ديارهم فور زوال الأسباب التي أبعدتهم عنها، فهل ستنجح الإرادة الغربية في فرض مواقفها على الداخل اللبناني في قضيّة التوطين؟
للإجابة على هذا السؤال، وما يلف لفّه فيما يتعلّق بحلحلة أزمة النازحين التي بات تستثمر من قبل البعض في البازار السياسي الداخلي تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن التركيبة السياسية والطائفية والمذهبية لا تسمح بما يسعى الخارج لفرضه على لبنان، فقضية “الضيوف الفلسطينين” لازالت تشكل مأزقاً كبيراً للواقع السياسي اللبناني، فكيف الحال بالضيوف الجدد؟ الواقع الإقتصادي اللبناني المنهك، لا يقل سوءاً عن بقيّة الأوضاع الآخرى ما يؤكد أن الحل الأول والأخيرة لهؤلاء النازحين يكمن في عودتهم إلى بلادهم أو مناطقهم فور إرتفاع الأسباب الموجبة لرحيلهم.
ثانياً: لا شكّ في أن “المصلحة الوطنية للبنان تقتضي التعامل بأكبر قدر من الإيجابية مع المؤسسات الدولية مع التنبه الدائم بعدم التفريط بالصالح الوطني”، وفق ما يرى وزير البيئة محمد المشنوق، إلا أن هذا لا يعني أبداً الإنبطاح للمؤسسات الدولية التي تعتبر سبيلاً “قانونياً” لحماية المصالح الغربية، فلماذا لا يتمّ التعاطي بالسبيل ذاته مع بقية الدول الأوروبية التي رفضت إستقبال النازحين؟ لماذا تتفاوض تركيا من الند إلى الند مع أوروبا وتستخدم قضية النازحين كورقة ضعط، في حين أن بعض اللبنانيين يسعى للإنبطاح أمام الإرادة الغربية بغية تحقيق بعض المصالح الفئوية؟ أليست مصلحة لبنان فوق كل إعتبار؟
ثالثاً: لا شكّ في أن أي إستثمار للقضية في زواريب الإنتخابات أو اللعب بنار ملف النازحين في صراعات الحكم الداخلية، يرتقي في سلّم الأخطاء ليتعدى كونه خطأً تاريخياً ويصل إلى حد الخيانة العظمى. نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تقديم تصوّر فعلي وواقعي للأزمة، والتعامل معها بمنطق وطني جامع، وكذلك التعاطي مع أبناء سوريا الشقيقة من منطلق إنساني وليس بوصفهم رصيداً سياسياً للبعض، يسعى لاحتضانه واستغلاله في مواجهة الخصم السياسي.
رابعاً: إن مسئلة النازحين تفرض على الحكومة التعاطي بمسؤولية وطنية كبرى إزاء التنسيق مع الدولة السورية بصرف النظر عن الموقف السياسي، خاصّة أن لبنان ليس ببعيد عما حصل في باريس وبروكسل، أو ما لمسناه في الضاحية والهرمل. إن لبنان هو المهدّد الأكبر كي يكون “ملاذاً أمناً” لكافّة الإرهابيين في حال إنكسارهم، خاصّة أن أوضاع المخيمات والأعداد الكبيرة لا تنذر بالخير.
لا يوجد إختلاف بين اللبنانيين على ضرورة إحتضان السوريين في محنتهم، إلا أنه لا بد من التعاطي بشفافية ووضوح في هذه القضيّة الإستراتيجية، خاصّة أن كلام رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام إدعى رفضه للتوطين ينذر بسوء العاقبة من خلال طرقه لقضية العودة الآمنة. إذا كان القصد من العودة الآمنة هي العودة فور إرتفاع الأسباب فجميعنا خلف الرئيس سلام. ولكن عند سؤالنا لأحد المعنيين في القضية، يجيب: العودة الآمنة safe return) ) بدلاً من “العودة الطوعية” ((voluntary return، هي العودة الإختيارية حتى بعد إنتهاء الحرب السورية تعني أن الضيوف باتوا “مواطني الأمر الواقع” رغم أن العديد منهم يفضّل “العودة الآمنة”.