شكَّل اعتداء الأمن التركي على متظاهرين مناهضين للسلطة التركية أمام معهد بروكينغز الأمريكي في واشنطن، حديث الإعلام الغربي. الأمر الذي خطف الأضواء، من اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي والتركي مساء الخميس، على هامش قمة الأمن النووي. وهنا فإن “أردوغان” والذي ركز على أمور عديدة خلال خطاباته في زيارته لواشنطن، حاول تقديم نفسه كرجلٍ يحترم التعددية، ويقبل حرية الصحافة، وهو الأمر الذي بدَّده حصول الإعتداء من قبل عناصره الأمنية على صحافيين ومتظاهرين خلال خطابه أمام معهد بروكينغز. فيما شكَّل خطابه السياسي، إعادةً لنغمته المُعتادة حول تصنيف الأكراد بالإرهاب، ولومه واشنطن وإظهار رفضه لسياسات الإتحاد الأوروبي. فماذا في زيارة “أردوغان” لأمريكا؟ وما هي دلالاتها؟
كلمة أردوغان أمام معهد بروكينغز
أشارت الفورين بوليسي، الى أنه وفيما يقارب الساعة والربع من الخطاب، أعاد “أردوغان” في كلمته أمام “بروكينغز”، لومه واشنطن بشدة لدعمها وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا. وأضاف التقرير أن “أردوغان” أعاد التذكير بمسألة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري من خلال التعاون مع حلف شمال الأطلسي. كما أكد على أن وحدات حماية الشعب في سوريا، إرهابية ولا تختلف عن تنظيم داعش. كما أشار الى استنكاره لإعتداءات باريس وبروكسل. ورأت فورين بوليسي أن زيارة “أردوغان” تأتي في سياق رغبته بإصلاح الصدع المتسع في العلاقة التركية الأمريكية، بشأن مستقبل وسياسة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.
من جهةٍ أخرى، فقد أشار “أردوغان” في مقابلة مع قناة “سي أن أن”، قبل خطابه أمام “بروكينغز”، إلى أن الدول الأوروبية فشلت في تدارك خطر الإرهاب وفي اتخاذ التدابير الكافية لوقفه، مُلقياً اللَّوم على بعض الدول الأوروبية بالسماح لتنظيم “داعش” بالتمدد. ولم يتوانَ الرئيس التركي عن لوم التغطية الإعلامية الغربية لسياسات حكومته، والتي اعتبرها حرباً عليه. كما لام البيت الأبيض لدعمه المقاتلين الأكراد في سوريا.
الإعتداء على الصحافيين
على الرغم من أن الرئيس التركي كان قد رفض في مقابلته مع “سي أن أن”، اتهامه بالحرب ضد الصحافة، إلا أن كلامه سرعان ما تبدَّد بعد اعتداء أمنه على صحفيين أمريكيين. وكان “أردوغان” قد رفض الإنتقادات التي وُجهت له بأنه يقود “حرباً ضدّ الصحافة”، معتبراً، أن “الانتقاد شيء والإهانة شيء آخر. وأكّد “أرودغان” في المقابلة أنه لا يقود حرباً ضد الصحافة، بل رأى أنه كان صبوراً جداً بوجه الإنتقادات التي وجهت إليه وإلى حكومته من قبل بعض وسائل الإعلام. وأضاف أنّ بلاده كانت من أول المتقدمين بطلبٍ للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، معتبراً حرية الصحافة عائقاً غير واقعي في تأجيل دخول تركيا إلى الإتحاد.
وهنا فعلى الرغم من أن خطاب “أردوغان” لم يكن بعيداً عن المُعتاد، فإن الأحداث التي رافقته، شكلت ميزة في السياسة الأردوغانية. فقد نقل الصحافي “يوشي ديريزن” في تقريره لمجلة الفورين بوليسي، أن “خطاباً مخططاً له للقائد التركي المثير للجدل رجب طيب أردوغان تحول إلى عنف وفوضى، حيث أخرجت قوات الأمن التركية أحد الصحافيين من المكان لمنعه من حضور الحدث، فيما ضربوا صحافياً آخر، وألقيت صحافية أخرى على الرصيف”. وتطورت الأمور حتى اضطر عناصر من شرطة واشنطن التدخل لمنع الأمن التركي من الوصول إلى المتظاهرين والصحافيين، وحاولوا منعهم من الإعتداء على أحد المصورين الموجودين في المكان. ووصل الأمر بأحد عناصر شرطة واشنطن بأن صرخ بوجه عناصر الأمن التركي بحسب ما نقل التقرير: “أنتم جزء من المشكلة، تحكموا بأنفسكم ودعوا هؤلاء الأشخاص يتظاهرون”.
اللقاء التركي الأمريكي
ورغم أنّه لم يكن من المتوقع أن يلتقي “أردوغان” بأوباما، في ظل العلاقةِ المتوترة بين البلدين، إلّا أنّ اللقاء قد حصل بالفعل، مساء الخميس على هامش القمة. لكنه لم يكن على مستوى طموحات “أردوغان”. فقد كان الرئيس التركي يأمل حضور نظيره إلى افتتاح مسجد برعاية تركيا في منطقة ماريلاند خلال زيارته، إلّا أن البيت الأبيض لم يلبِّ طلبه. وجاء في بيانٍ للبيت الأبيض، أمس، أن الرئيس الأميركي أكد التزام واشنطن أمن تركيا. وأضاف البيت الأبيض أن “أوباما”؛ “قدم تعازيه إلى الرئيس “أردوغان” باسم الشعب الأميركي بمن قتلوا و أصيبوا في الهجوم الإرهابي الذي وقع في ديار بكر”، مؤكداً “دعم الولايات المتحدة لأمن تركيا ولنضالنا المشترك ضد الإرهاب”. وقال مكتب الرئاسة التركية إن الرئيسين ناقشا أيضاً التعاون في حل أزمة اللاجئين وكيفية تكثيف الجهود في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.
تحليلٌ ودلالات:
عدة نقاط يمكنها بإختصار أن تصف نتائج زيارة “أردوغان”. وهو ما يمكن ذكره بالتالي:
لم ينجح “أردوغان” في رأب الصدع بينه وبين الرئيس الأمريكي. فالكلام الذي أطلقه “أوباما” لا سيما تجاه “أردوغان” مؤخراً، كان كفيلاً بإظهار حجم التوتر بين الرجلين. لكن زيارة “أردوغان” والتي كانت بغرض إعادة الأمور الى نصابها لم تُفلح. بل إن اللقاء بين الرجلين جاء بعد رفض الرئيس “أوباما” لقاء “أردوغان”، في البداية ثم العدول عن ذلك. وهو ما اعتبره المراقبون رسالة واضحة للرئيس التركي، بأنه لم يعد مُرحباً به كما كان في السابق، ضمن السياسة الأمريكية ولو ظرفياً.
وهنا فإن “أردوغان” الذي سعى لإعادة تلميع صورته، لم ينجح في ذلك خصوصاً بعد أن كانت زيارته خجولة بالمُجمل، بل تخلَّلها اعتداءٌ للأمن التركي على المتظاهرين والصحافيين، وهو ما أعاد موضوع قمع الحريات من قبل السلطة التركية الى الواجهة. ولعل الأمر المهم في هذا المجال هو أن الإعلام الأمريكي كان يضع نصب عينيه انتهاكات “أردوغان” لحرية الصحافة في بلاده، الأمر الذي أثبته التعدي الذي حصل في واشنطن.
من الناحية السياسية، أكد خطاب الرئيس التركي، على أنه لم يعد يمتلك أوراقاً يراهن عليها. فمسألة المهاجرين لم تنفعه فيما يخص الدخول الى الإتحاد الأوروبي، حيث يبدو أن الإتحاد الأوروبي لم يقتنع بعد بحاجته لتركيا. كما أن مسألة الأكراد، أصبحت خلف أمريكا، ولم تعد ورقةً للتداول. الأمر الذي يعني وبوضوح، شعور تركيا بالعجز، بعد فشل كل الرهانات.
إذن أفلست تركيا سياسياً. هكذا يمكن أن نختصر، نتائج الزيارة الأردوغانية لواشنطن. بل عاد الرجل حاملاً ثقل بلطجة أمنه في الخارج، كما في الداخل التركي. في وقتٍ، تبقى فيه العلاقات الأمريكية التركية، رهن التغيرات التي يمكن أن تطول. مما يعني أن الأزمة بين الطرفين قد تكون طويلة.