الرئيسية / شخصيات اسلامية / قبسات عرفانية من العارف الشيخ محمد علي آبادي

قبسات عرفانية من العارف الشيخ محمد علي آبادي

 جولة شيقة مع علم من أعلام العرفان، ورمز من رموزه، ومشعل من مشاعله المضيئة، ألا وهو العالم العارف آية الله الميرزا محمد علي الشاه آبادي، وهو استاذ الإمام الخميني (قده) في العرفان.
وتأتي أهمية معرفة هذه الشخصية من عدة جوانب، فالشاه آبادي أستاذ الإمام الخميني، وكان له تأثير روحي كبير عليه، وقد ذكره الإمام الخميني في كتبه مرات عديدة بكل إحترام وتبجيل، وهذا معناه أن فهم شخصية الإمام الخميني وتجربته أمر مشروط بفهم شخصية اساتذته سيما العرفاء منهم، ومن أبرزهم الشاه آبادي (قده).

 

كما أن الشاه آبادي عارف مغمور في العالم العربي؛ الأمر الذي يضاعف من أهمية تقديمه للقارىء العربي، ليحصل على تنوع في الرؤيا، وتكتمل عنده الصورة أكثر فأكثر

الفهرس

الفصل الأول: قالوا في العارف الشيخ محمد علي آبادي

الفصل الثاني: قبسات عرفانية

الفصل الثالث: مختارات من مؤلفات العارف الكامل

الفصل الأول: قالوا في العارف الشيخ محمد علي آبادي
الإمام الخميني (قدس سره)
أنشد العرفان
يروي الحاج السيد نصر الله الشاه آبادي عن الإمام الخميني الراحل أنه قال: (بعد أن تعرفت على المرحوم الشاه آبادي (ميرزا محمد علي) عن طريق أحد أقاربه، رافقته يوماً بعد خروجه من المدرسة الفيضية، وطلبت منه بإصرار أن يعطيني درساً..

وقد امتنع الشاه آبادي في البداية، ثم وافق محتملاً أنني أريد الفلسفة، لكني قلت له: لقد درست الفلسفة .. إنني أريد العرفان فامتنع أيضاً، فألححت عليه حتى وافق وهكذا حضرت عنده قرابة السبع سنين.
حاجة طلبها مني إنسان
ويروي السيد محمد الشاه آبادي عن الإمام الخميني (قدس سره) قوله: (علمنا ذات يوم أن أستاذنا يقوم بعد الانتهاء من دروسه بتدريس أحد الطلبة كتاب (حاشية الملا عبد الله) وكان قد شرع بالدرس منذ شهرين تقريباً، فشعرنا بالدهشة كيف وافق الأستاذ على أن يدرس طالباً واحداً بعد تسعة دروس عميقة ومتتالية درساً في المقدمات! لذا قررنا إقناع الطالب بالانصراف إلى أستاذ آخر، لكنه كان يرفض ذلك بإصرار، حتى إننا عرضنا عليه أن يختار من يشاء من أكابر أساتذة الحوزة العلمية بقم غير الأستاذ الشاه آبادي والحاج الشيخ (الشيخ عبد الكريم الحائري) وعلينا نحن إقناعه، ولكن ذلك الطالب كان يمتنع ويقول : إنني لن أدرس عند أحد على وجه الأرض غير الشيخ شاه آبادي.

عندها قررنا التحدث مع الشيخ الشاه آبادي لإقناعه بالانصراف عن هذا الدرس. فلما كان اليوم التالي، التقيناه بعد الدرس وبدأنا حديثنا معه بالتدريج، فحدثناه بضروة الاستراحة له عقب الانتهاء من تسعة دروس متواصلة، مستندين في كلامنا معه إلى قاعدة ( الأهم فالأهم). قلنا ذلك والتزمنا الصمت ظانين أنه قد اقتنع بكلامنا، لكنه فاجأنا بالقول: (حاجة طلبها مني إنسان، وسأقضيها له بما يسمح لي طاقتي).
لقد أدركت أنه أهل لهذا الأمر
يروي المرحوم السيد أحمد الخميني : إن الإمام الخميني التقى، ذات يوم، المرحوم السيد إلهي، وهو رجل عارف من أهل قزوين، وكان اللقاء في مدينة قم، وعندما جرى الحديث عن المرحوم الشاه آبادي قال الإمام: التقيت به في مدرسة الفيضية، فسألته عن مسألة عرفانية، ولما أجاب عنها أدركت أنه أهل لهذا الأمر، لذا قلت له: أريدك أن تدرسني، فرفض، ولما أصررت عليه وافق على إعطائي درساً في الفلسفة، لأنه أني طالب فلسفة، فقلت له: أنا لم آتك لدراسة الفلسفة لأني قد درستها، جئتك أريد العرفان، وقد رفض في بادئ الأمر، لكني أصررت عليه حتى وافق.
كان معطاءً
يروي المرحوم السيد أحد الخميني: سألت والدي (رحمه الله) عن عدد تلامذة الشاه آبادي في العرفان، فقال: (قد يصل عددنا الثلاثة أحياناً، لكني كنت أدرس العرفان عنده لوحدي في أغلب الأحيان).

سألته وهل درست شيئاً غير العرفان على يديه؟ قال: (كنت أدرس عنده في أيام العطلة، وفي يومي الخميس والجمعة، كتاب مفتاح الغيب، وقد كتبت الحاشية على هذا الكتاب في المدة نفسها التي كنت أدرس فيها مفتاح الغيب).

وسألته أيضاً: وهل درست كتباً أخرى على يديه؟ قال: (كتاب منازل السائرين).
قلت: كم طالباً كنتم؟ قال: (كنت وحدي، وربما التحق بي واحد أو اثنان، ولكن سرعان ما ينصرفون).
سألته: وكيف كان المرحوم الشاه آبادي؟ قال: (سألته ذات مرة: إن ما تقوله ليس من الكتاب، فمن أين لك هذا؟ فقال لي: يقال! فعلمت حينها أن القول قوله. إن له علي حقاً كبيراً، فلقد كان في غاية العمق والاستيعاب سواء في الفلسفة أم في العرفان.

سألت (والقول للسيد أحمد): كم سنة درست العرفان على يديه؟ قال الإمام: (لست أذكر بالضبط، ربما كانت المدة خمس أو ست سنين).
سألته عن أول كتاب ألفه؟ فقال: (أظن أن أول كتاب ألفت أو قل أول شيء كتبت كان حاشية على حديث رأس الجالوت، ثم كتبت بعدها شرحاً مستقلاً لهذا الحديث وكان ذلك بعدما درست على يد الشيخ الشاه آبادي، عندما حل الشيخ الشاه آبادي في كنت لا أزال أعزب، وقد واصلت درسي معه بعد زواجي أيضاً ).
هذا ما قاله الإمام نقلته حرفيا كما هو مدون عندي.
اغتنام الوقت
ويروي السيد مجتبى الرودباري عن الإمام الخميني الراحل قوله: سمعت من أستاذي المرحوم الشاه آبادي يقول، نقلاً عن المرحوم والده الذي كان من تلامذة صاحب الجواهر: (كان لصاحب الجواهر ولد معروف بالفضل في الحوزة العلمية في النجف توفي قي حياة والده. فلما كان يوم تشييعه راح الطلاب وأهالي النجف يتوافدون للمشاركة في موكب التشييع في أجواء من الحزن والحداد عمت المدينة، وفيما أخذ الناس يجتمعون اغتنم صاحب الجواهر، وهو صاحب المصاب، الوقت وجلس يكتب حتى أنهى نصف صفحة من كتاب الجواهر).
لقد حرمت من فيضه
يقول الإمام الخميني الراحل في تعليقته على كتاب (مصباح الأنس): (قد شرعنا في قراءة هذا الكتاب الشريف لدى الشيخ العارف الكامل، أستاذنا في المعارف الإلهية، حضرة الميرزا محمد على الشاه آبادي الأصفهاني، دام ظله في شهر رمضان المبارك سنة 1350.

وجاء في الصفحة 133 ما يأتي: (إلى هنا قرأت الكتاب عند شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي، روحي فداه، وقد اتفق انتقاله إلى طهران فصرت محروماً من فيضه ظله).

المرحوم الميرزا هاشم الآملي (قدس سره)
أستاذنا الكبير
كان أستاذنا الكبير الميرزا محمد علي الشاه آبادي فقيهاً أصولياً وفيلسوفاً عارفاً، تتلمذت على يديه في طهران وكانت البداية معه في الرياض والفصول. أي أنني رجعت إليهما بعد أن كنت قد أتممت اللمعة وشرحها.

كما تتلمذت على يديه في قم أيضاً مدة خمسة أعوام درست فيها الفلسفة والعرفان. وكتابا الرياض والفصول من أصعب الكتب العملية في علمي الفقه والأصول، ولا يقدر على تدريسهما بشكل جيد إلا من كان ماهراً في كلا العلمين. فكتاب الرياض كتاب مهم للغاية، حتى لقد ألف كتاباً في وجوه التأمل فيه. وقد كان المرحوم الشاه آبادي يذكر حلال الدرس أفضل الوجوه المحتملة لموارد التأمل الواردة فيه.
مهارته الخطابية
ومن خصائص الشيخ الشاه آبادي أيضاً أنه كان خطيباً مفوهاً ماهراً في الخطابة. وكان يخطب في المسجد الجامع بطهران مدة ساعة ونصف واقفاً على قدميه.
أتذكر أنني حضرت خطبة له في قم مجلس ضم جمعاً من العلماء، وقد بلغت مهارته في الخطابة حينئذ ذروتها، إذ تحدث خلالها عن كرامة للإمام الرضا (ع) عندما استحالت صورة لأسد على ستائر القصر إلى أسد حقيقي، لقد أبدع إذ أخذ بلبابنا جمعياً وأخذنا بعيداً بالأسلوب الذي كان يروي به الحادثة.
سيبقى الرجل مجهولاً
ومن خصائص أستاذانا أنه كان رحيماً مفعماً بالعاطفة النبيلة، يعامل الناس بأخلاق متميزة تميزه عن سائر العلماء. كان لا يأنف إن قيل له: درس السيوطي أو الأمثلة أو الرسائل والمكاسب، وقد حجبه تواضعه هذا الناشىء من حبه للناس عن الشهرة حتى بقي مجهولاً. عندما جئنا إلى قم أخذنا عليه، ورجوناه ألا يدرس غير درس الخارج.
مهارته في الفقه والأصول
لم يكن الشيخ الشاه آبادي بارعاً في الفلسفة والعرفان وحسب، بل ربما كانت مهارته فغي الفقه والأصول تفوق مهارته في الفلسفة، لكن الجانب العرفاني كان قد طغى على سائر أبعاد العلمية حتى حال ذلك دون اشتهاره بين الناس بالفقه والأصول.
القاطرجي
كان الشيخ لا يذكر ذلك الخبيث (رضان خان) إلا بهذا الاسم (قاطرجي) و (جاروادار) – وتعنى الحوذي (العربجي) أو سائق الحمير- وكان يذكره بهذين الأسمين حتى في محاضراته.

المرحوم السيد رضا بهاء الديني (قدس سره)
درس الأسفار
عندما كنا ندرس الأسفار عند المرحوم الشيخ الشاه آبادي كنا ندري الإمام يخرج من الغرفة الخليفة، إذ كان يدرس عند الشيخ الشاه آبادي ويتدارس يتباحث معنا في الأسفار.

المرحوم السيد مرتضى بسنديده (قدس سره)
دراسة العرفان
كان معظم دراسة الإمام (رحمه الله) على يد الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، لكنه في الوقت نفسه كان قد بدأ بدراسة المعارف المعنوية والعرفانية بشكل جاد، وقد تكفل تدريسه في العرفان المرحوم الميرزا على محمد علي الشاه آبادي (قدس سره).

الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري (قدس سره)
أمه جهنم
ذهبت ذات يوم، إلى منزل المرحوم الشاه آبادي ففسر الآية المباركة : ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ** فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾
قائلاً:
(سميت الأم أماً لأن الطفل يؤمها أي يقصدها. فالآية تريد أن تقول: إن الإنسان العاصي عندما يهوي في جهنم، فإن جهنم هي ذات المقصد الذي أمضى كل عمره بالسعي إليه، فهي مقصده الذي كان يتحرك صوبه، وها هو يلتقي بأمه أخيراً، أنه ابنها، وقد سقط في أحضانها).
الرجل المجهول
كان المرحوم الشاه آبادي يؤم الصلاة في المسجد الجامع بطهران، وكان رجلاً مجهولاً لا يعرف مكانته أحد، فأهالي طهران كانوا ينظرون إليه على أنه إمام جماعة في الصلاة من الطراز الأول ليس إلا، فيما كان الشيخ الشاه آبادي أسمى من مجرد ذلك بكثير وأعظم.

أتذكر أن العام 1356هـ كان هو العام الدراسي الأول لي في قم، وقد كنت درست قبل ذلك في مشهد سنة أو سنتين، وعندما قدمت إلى قم كنت أسمع الكثير عن المرحوم الميرزا محمد علي الشاه آبادي الطهراني، لقد تربى الكثيرون على يد ذلك الرجل الكبير، فكنت متشوقاً لرؤيته كثيراً.

وعندما ذهبت، بعد عامين، من إقامتي في قم إلى طهران قاصداً الذهاب إلى مشهد، شدني شوقي إلى المسجد الجامع (مسجد الجمعة) لألتقي هناك الشاه آبادي. كنت حينها شاباً في العشرين، دخلت المسجد، وجلست أمام الإيوان، حيث يقيم الشاه آبادي الصلاة، فرأيت شخصين يتحدثان مع بعضهما البعض، كان أحدهما قادماً من إحدى المدن البعيدة وكان يقول لصباحه: (لقد جئنا إلى هذه المدينة منذ سنوات ولم نستفيد منها شيئاً، ولكننا تعلمنا التوحيد من هذا الرجل).

عندما قلت في نفسي: ما أجمل أن يتسنى لأحدنا إحياء ولو إنسان واحد.
كان فريداً في العرفان
كان الميرزا محمد علي الشاه آبادي، طهراني الأصل، جامعاً للمعقول والمنقول، كان في الفلسفة والعرفان تلميذاً للميرزا جلوه والميرزا الأشكوري. بلغ في طهران مقام المرجعية والإفتاء، هاجر إلى قيم أيام إقامة المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة فيها، فنهل الفضلاء من نبعه الصافي. لم يكن له نظير في العرفان، فقد أخذ العرفان منه عدد كبير من علماء حوزة قم، وقد تتلمذ على يديه أستاذنا الأكبر (الإمام الخميني) فكان يثني عليه ثناء كثيراً ولاسيما في العرفان. وكان جميع أساتذتنا في العرفان. وكان جميع أساتذتنا يجلونه كل الإجلال، حتى ربما فاق إجلالهم له في المعارف الإسلامية (العقائد) الشيخ عبد الكريم الحائري نفسه.

الشهيد مهدي الشاه آبادي
قل لكبيركم يأتي
عندما أمر رضا خان برفع المنبر من المسجد الذي كان يقيم فيه الشاه آبادي الصلاة حتى يمنعه من أن يخطب في الناس، لم ينفعه ذلك، فقد ظل الشيخ الشاه آبادي يخطب في الناس وافقاً، وكان رجال الشرطة يداومون على تسجيل خطاباته ورفع تقاريرهم بشأنهم.

وذات مرة، جاء رئيس المخفر بنفسه إلى المسجد، وعندما أراد دخول حرم المسجد بحذائه صاح به الشيخ الشاه آبادي: فاخلع نعليك، ونهره بشدة حتى أخافه وجعله يغادر المسجد.

وعندما خرج الشيخ من المسجد، لاحقه رجال الشرطة وطلبوا منه أن يتعهد بعدم الخطابة، فأجابهم بلهجته الأصفهانية قائلاً: (قل لكبيركم يأتي) وعندما حاولوا إجباره مد غليهم يديه صالحاً: (خذوني، أقول لكم خذوني)، فألقى فعله هذا وهيبته الرعب والفزع في قلوب أفراد الشرطة، الأمر الذي جعلهم يرتدون إلى الوراء بضع خطوات من دون أن يجرؤوا على فعل شيء، وعادوا من حيث أتوا.

المرحوم السيد أحمد الزنجاتي
رؤيا صادقة
الرؤيا التي أنقذت إنساناً من الموت، هي رؤيا للميزرا محمد علي الشاه آبادي من علماء طهران المعتمدين وقد روى ذلك: (رأيت نفسي في المنام ذات يوم جالساً مع بعض الأشخاص على سطح مرتفع، وكان معنا طفل يلهو ويلعب بالقرب منا، فخشيت على الطفل أن يسقط من أعلى، وفيما كنت منشغلاً بالحديث كنت أراقب الطفل بحذر، فجأة وإذا بالطفل سقط. وفي تلك اللحظة نهضت من نومي فزعاً، وما إن أخرجت رأسي من الغرفة حتى رأيت الطفل الذي رأيته في المنام نفسه واقفاً على حافة الماء، فأردت أن أصيح له به ليرجع، لكنه سقط في الماء حالاً، فركضت إليه وانتشلته، ولو أن تأخرت في نومي لحظات لغرق الطفل ومات).

محمد الشاه آبادي
كلمة سامة، قتلت قائلها
كانت الحمامات، قديماً عامة ولها أحواض ماء. ذات يوم ذهب الشيخ الشاه آبادي إلى الحمام، وبعد أن اغتسل وأراد الخروج مر بجانب الحوض، فكان يحتاط في مشيه كي لا تصل إليه المياه القذرة.

وكان في الحمام عقيد في الجيش يستحم يستحم أيضاً، فلما رأى احتياط الشيخ راح يسخر منه ويوجه له الإهانة، فتأذى الشاه آبادي من ذلك كثيراً، لكنه لم يفه بكلمة، ومضى في طريقه خارجاً من الحمام. وفي الغد، وفيما كان الشيخ شاه آبادي مشغولاً بإلقاء الدرس، سمع أصوات مشيعين يحملون جنازة، فسأل عن المتوفى؟ فقيل له: إنه العقيد فلان، كان قد ذهب بالأمس إلى الحمام فلما خرج ظهرت دمامل في لسانه، أخذت تؤلمه بشدة من دون أن يتمكن الأطباء من علاجه، فمات ولما يمض على ذلك يوم واحد.. لقد سرى سم كلماته إلى جسمه فقتله.. فكان الشيخ الشاه آبادي، كلما تذكر الحادثة، تألم كثيراً، وكان يقول: (ليتني رددت عليه حينها ولم أسكت عنه، ولو فعلت ذلك لما أصابه ما أصابه).
العربة الملكية
خلال المدة التي قضاها الشيخ الشاه آبادي متحصناً في حرم عبد العظيم الحسني (قدس سره)، سمعت حكومة رضا خان إلى إرضائه وإنهاء تحصنه بمختلف الطرق والوسائل. حتى إن رضا خان أبدى استعداده للقائه بنفسه في الحرم والتفاوض معه. وقد أرسل إليه مرة العربة الملكية لتعيده إلى بيته، لكن الشاه آبادي لم يكن بالشخص الذي تخدعه مثل هذه الأعمال فرفض ركوب العربة. وكان يفتي بحرمة جميع أشكال التعاون مع رضا خان ويرفض حتى استقباله.
عقل متجسد
كان الشيخ الشاه آبادي يحترم أساتذته أيما احترام، وبخاصة أستاذاه الآخوند الخراساني، وقد وردت له كلمات في كتابه (شرح الكفاية) تنم عن حبه واحترامه الشديدين لأستاذه فهو لا ينفك يقول: وحي فداه، كلما ذكر اسمه أو ذكر رأياً له، وكان يقول عنه: (الآخوند عقل متجسد).
العلم ليس بالأوراق
أشاع بعضهم أن الشيخ الشاه آبادي حكيم وليس مجتهداً، وذات يوم، جاء لدفع سهم الإمام (ع) لديه، فطلب منه أن يبرز له إجازاته في الاجتهاد، فتأذى الشيخ من قول الرجل هذا، وطلب من زوجته أن تأتيه بالصندوق الذي فيه إجازاته في الاجتهاد، فما أن جاءت بالصندوق حتى استخرجها جمعياً ومزقها أمام عيني الرجل، ثم أشار إلى صدره، وهو يقول: (العلم ليس بالورق، إن قوة الاجتهاد هنا، وعندما منحني العلماء الإجازة في الاجتهاد، فذاك لأهليتي العلمية، أما أنا فلم أكن يوماً ساعياً للحصول على هذه الإجازات).

تعبر هذه الحادثة عن مدى استقامة هذه الرجل الإلهي ونزاهته، إذ لم يكن يعتمد في إثبات مستواه على هذه الشهادات رغم ما لها من قيمة معنوية لا ينكرها أحد، وهكذا تلفت جميع إجازاته ولم يسلم من التمزيق غير واحدة كانت موضوعة بين صفحات أحد كتبه، وهي إجازة المرجع الكبير الميرزا محمد تقي الشيرازي، فكانت زوجته كلما تذكرت الحادثة تأسفت لإحضارها الصندوق.
أسلوب مناسب للنهي عن المنكر
كان يسكن على مقربة من منزله، في شارع أمير كبير، طبيب اسمه أيوب، وكان للطبيب أحضر لهن معلماً للموسيقى، فكان صوت الموسيقى يرتفع عالياً إلى حد يؤذي معه الجيران، فأرسل إليه الشاه آبادي من يطلب منه الكف عن ذلك، لكن الطبيب أعلن أنه لن يفعل وللشاه آبادي أن يفعل ما يشاء.

فصبر الشاه آبادي منتظراً حلول يوم الجمعة، فلما اجتمع الناس في المسجد الجامع ذلك اليوم قال لهم: ( أريد من كل من يمر منكم بعيادة الدكتور أيوب في هذا الشارع أن يدخل العيادة ويسلم على الطبيب، ويطلب منه بكل بلطف أتن يترك عمل المنكر).

فصار كل من يمر من أمام العيادة يدخل إليها ثم يسلم على الطبيب، ويذكر له الأمر بأدب ويخرج، والناس يفعلون ذلك أداء لواجب شرعي. فلما مضت بضعة أيام، ورأى الدكتور أن مئات الناس تدخل عليه يومياً لتقول له شيئاً واحداً، وجد أنه لو أصر على موقفه، فسيكون مجبراً على إغلاقه، بل على مغادرة الحي كله، فكف عن إيذاء الناس،أوقف دروس الموسيقى.

وصادف الدكتور ذات يوم الشيخ الشاه آبادي وهو في طريقه إلى المسجد، فلم يتمالك نفسه من الضحك، وبعد أن سلم على الشيخ قال له: لقد حسمت الموضوع بقوة الشعب،.. وكنت أحسب أنك ستترافع للقضاء والمحاكم حيث أستطيع الرد عليهم بسهولة.. ولم يخطر ببالي أبداً الأسلوب الشعبي.
يحضر درس الميرزا احتراماً له
بعد وفاة الآخوند الخراساني قرر الشاه آبادي الهجرة إلى سامراء للاشتراك بدروس الميرزا الشيرازي، ومع أن الدرس قد لا يضيف إليه شيئاً لتجاوزه مرحلة الدراسة، فقد كان يواظب على الحضور درس الشيرازي، تعزيزاً لمكانة المرجع الكبير وتقديراً له.
معرفته بالرياضيات وإتقانه للفرنسية
ألم الشيخ الشاه آبادي بعلم الرياضيات بل وكان له باع بعض العلوم الغربية كالجفر والرمل والاسطرلاب التي لا يجيدها قلة تعد بالأصابع، حتى أن بعض من يعرف هذه العلوم كان يراجع الشاه آبادي إذا أشكل عليه شيء منها. هذا وكان الشاه آبادي يجيد اللغة الفرنسية أيضاً.
له في كل يوم حديث جديد
كان الإمام الراحل يهتم كثيراً بدروس الشيخ الشاه آبادي ويقول: (لو بقي الشيخ آبادي سبعين سنة لحضرت دروس جمعياً، لأن له في كل يوم حديثاً جديداً).
ستكون أول من سيركله
قال الشيخ الشاه آبادي للشهيد (حسن مدرس) غير من مرة: (إن هذا الصعلوك يقبل أيدي العلماء والمراجع ويتظاهر بالتدين ويتشدق بحب أهل البيت ما دام لم يصل إلى السلطة بعد… ولكن ما أن يصل إلى السلطة حتى يدير ظهره لجميع العلماء، وإن أول من سيركله هو أنت).

الشيخ هاشمي رفسنجاني
المعلم الكبير
كان المرحوم الشاه آبادي من أساطين العصر، عرفه القاصي والداني وكان الجميع يعده حجة في عالم الإسلام. كثيراً ما كان الإمام الراحل، الذي نعد كلماته حجة قوية علينا يعبر عن إعجابه بالميزات الروحية لهذا الرجل العظيم، ولا يخفى على أحد حجم التأثير الذي تركه الشيخ في شخصية الإمام… ولا يزال تلامذة المرحوم الشاه آبادي في طهران يعدون من أعمدة المجتمع الإسلامي. فعندما يستمع المرء إلى واحد من أولئك الذين نهلوا من منبره ودرسه، يشعر بروح ذلك الكبير حاضرة معهم.
شجر العرفان القوية
لعب المرحوم الشاه آبادي في ما تلا (آب 1941)- وهي مرحلة قمع وإرهاب- دوراً جديراً بالدراسة على الصعيد السياسي والاجتماعي وكذلك العرفاني. حيث أخذ عرفان هذا الرجل في تلك المرحلة بالذات يتجسد، ويعطي ثماره ويلقي بظلاله على المجتمع كشجرة طيبة ثابتة لا تزال تجود بالثمر. لم يكن الشاه آبادي صاخباً في صراعه مع الظلم، بل كان تحركه هادئاً ربما أمكن تشبيهه بما قام به الإمام السجاد (ع) بعد واقعة عاشوراء للدفاع عن كيان أهل البيت وحفظ التشيع، وإبقاء مشعل الحق متوهجاً.
تلامذته في طهران
عندما جئت إلى طهران، وكانت المواجهة قد بدأت تعرفت من خلال نشاطاتنا الجهادية إلى الكثيرين في البازار (السوق) وفي أماكن أخرى. فأحسست حينها أن الجميع كانوا متأثرين بشكل أو بآخر بدروس الشيخ الشاه آبادي وخطبه. وفي المحاضرات التي أقمناها بطهران في تلك المرحلة التقيت بتلامذة له كان يبدو عليهم أنهم ذو تجارب وينقلون تجاربهم إلى الآخرين. وإنه لمن الضروري أن يتم البحث عن تلامذته والعثور عليهم واحداً واحداً، لأنهم لم يكونوا من تلامذته الرسميين، بل يحضرون خطبه ومواعظه في المسجد فيتعملون منه، فينعكس أثر ذلك منهم على الآخرين. نعم لقد أوجد تياراً كهذا.
شهادة على العرفان
شكلت الشمولية التي توفرت عليها أفكار الشاه آبادي شاهداً على صحة عرفانه… فعندما يصبح شخص ما عارفاً، ثم يتحول إلى زاهد متصوف انعزالي فليس ذلك إلا دليل على انحراف عرفانه، وإنه ينظر إلى عالم الواقع من زاوية خاطئة، وإلا فلو كان توجهه هذا صحيحاً لفعل النبي (ص) وعلي بن أبي طالب (ع) مثل ذلك. وإن المرء ليشعر بالدهشة من إنسان عارف عندما يخاطب الناس بشأن مشكلات المجتمع قائلاً: (إن حالنا مؤسف حقاً، نبيع قطننا للأجنبي، المن بست ريالات، ثم نعود لنشتري منتوجاته منه، المن بستة آلاف ريال..) لا أدري إن كان السعر كذلك حقاً أم أنه أراد أن يبين لهم حجم الحيف والاستغلال اللذين كان الأجنبي يمارسهما عليهم، ثم أضاف قائلاً: ( لماذا يتخلف المسلمون في الصناعة هكذا؟ ولماذا حالنا هكذا؟).

كان بعضهم يرد عليه قائلاً: إنهم (الأجانب) يعملون كالخدم لنا، يأخذون قطننا، ثم يصنعون منه الملابس ليعطوه إيانا جاهزاً! فكان يعترض الشيخ على مثل هذا الكلام قائلاً: أي كلام فارغ هذا؟ كيف يصح أن تبدد ثروة العالم الإسلامي بهذا الشكل.. هكذا كان عرفانه، إنه لا يهمل التقدم والنمو المادي في حياة الإنسان والمجتمع.
الإسلام دين سياسي
كان يعتقد بأن الإسلام دين وسياسة، وبأنه يهتم بجميع الشؤون السياسة، وكانت أفكاره هذه في وقت كان علماء الدين فيه قد نأوا بأنفسهم بعيداً عن الشأن السياسي، لأن بهلوي أراد لهم أن يكونوا جلساء بيوتهم فلا شيء في الإسلام في رأيه ينفصل عن السياسة حتى الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة والطهارة، ذلك أن الإسلام ايدولوجية شاملة لجميع البشر.
لقد تركوه وحيداً
وعندما رأى النظام البهلوي يسيء للإسلام والمسلمين، ويضع القيود على المساجد والحسينيات، ضاقت بالشاه آبادي السبل حتى قرر التعبير عن اعتراضه بالاعتصام في حرم السيد عبد العظيم الحسني في مدينة الري جنوب العاصمة طهران. وكما هو معروف ومدون أن الشيخ كان قد اصطحب معه عدد كبيراً من العلماء، إلا أنهم تراجعوا جمعياً وتركوه وحيداً إلا اثنين منهم.

لا أريد أن أحط من شأن سائر العلماء، فلكل منهم رؤيته التي يعمل وفقاً لها، ولكن أريد قوله هو أن قيام عالم لوحده من بين العلماء، بالرغم من جميع الأخطار التي تنتظره، أمر ليس بالسهل، وغاية في الصعوبة. فقد ظل معتصماً طوال أحد عشر شهراً، ولم يعد إلى طهران إلا بعد الرجاء والإلحاح الشديدين.
حركة شاملة وبناءة
مثل مجيء كالشاه آبادي إلى طهران، في وقت بلغت الأوضاع فيه، زمن خان، درجة كبيرة من التوتر بسبب إغلاق الكثير من المساجد والحسينيات، نقلة بناءة باتجاه مواصلة العمل الإسلامي، ولعمل مشروع صناديق القروض الحسنة الذي ينتشر اليوم في ربوع إيران
آثار العرفان
إذا كان الإمام الراحل لا يخشى أحداً إلا الله، ولا يقدم أمراً إلا الواجب، ولا يرى من عظيم في هذه الدنيا إلا الله عزوجل فيراها حقيرة جداً لا تساوي جناح ذبابة، فذلك بفضل علم الإمام وعرفانه اللذين اقتبس الجزء الأكبر منهما بلا شك من المرحوم الشاه آبادي.

السيد أحمد الفهري
آثار العرفان
كان الإمام الراحل يولي احتراماً خاصاً لأستاذه في العرفان المرحوم الشاه آبادي، فكان لا يفتأ يذكره في كتاباته بعبارة (الشيخ العارف الكامل روحي فداه).

الشيخ محمد الإمامي الكاشاني
روح الله
بعد وفاة المرجع البروجردي (رحمه الله) صارت المرجعية إلى الإمام الخميني آخرين، واشتدت المواجهة وكان الإمام الراحل يمتلك في الحقيقة رؤية عميقة، إذ كنا نلمس فيه هذا العمق خلال دروسه التي كنا نحضرها منذ زمن السيد البروجردي، وعندما كان الإمام لا يزال طالباً يحضر درس المرحوم الشيخ شاه آبادي، كان الشيخ يثني عليه بقوله: (إنه إنسان فريد).
إنه لطف رباني
وقال الإمام الراحل في حق أستاذه في العرفان: (إن المرحوم الشيخ الشاه آبادي لطف رباني). لقد اكتسب الإمام أبعاده العرفانية أي الجانب المعنوي والعقدي في شخصيته، من هذا الأستاذ.

الشيخ الخالخالي
من الأنسب؟
روي السيد نصيري السرابي، وهو من تلامذة الإمام الراحل ذهبت في شبعان، ذات سنة إلى الإمام وسألته: من الأنسب من العلماء برأيكم للحضور عنده في شهر رمضان؟ فقال: (أذهب منبر الشيخ الشاه آبادي).

فواظبت بالفعل على حضور مجلسه اليومي خلال شهر رمضان واستفدت منه فائدة عظيمة

الشيخ بني فضل
الحضور قبل البسملة
حضرت بحوث الخارج في الفقه والأصول للإمام الخميني (رحمه الله) مدة ثماني سنوات، فلم يتأخر عن موعد الدرس يوماً أبداً. وهذا هو دأب الإمام عندما طالباً أيضاً فقد كان منتظماً يحضر دروسه في وقتها المحدد. وقد أشاد أستاذه في العرفان والأخلاق المرحوم الشيخ الشاه آبادي بالتزام الإمام ودقته في الوقت، وقال عنه مرة: (إن روح الله روح الله حقاً، لم يحدث أن تأخر مرة عن الدرس وجاء بعد البسملة، فما قلت بسم الله يوماً إلا وكان حاضراً).

الشيخ جعفر السبحاني
بضع دقائق، أو عدة ساعات
يقول الشيخ أبادي: (عندي تلميذ اسمه روح الله، لو درسته بضع دقائق فقط لما قال: هذا قليل، ولو درسته عدة ساعات لما قال: هذا يكفي).
إنسان بهذا القدر
وكان الإمام يقول عن أستاذه الشاه آبادي كلما ذكره: (لم إنساناً بهذا القدر).

الشيخ محمد رضا توسلي
تلاوة سورة الحشر
رأيت في وصايا الإمام الخميني الراحل لأبنه أحمد، كما سمعت قوله: (طالما أوصاني أستاذي بتلاوة سورة الحشر، وبخاصة آياتها الأخيرة، حيث يقول عزوجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

الشيخ نورالله الشاه آبادي
كونوا خدماً لصاحب العصر
كان المرحوم والدي يرغب أبناءه للانخراط في سلك علماء الدين والدراسة الدينية في الحوزة العلمية برغم المشاكل التي كان يعانيها طلاب العلوم الدينية آنذاك، وكان يقول لهم: (إنكم إنما تعتاشون على فتات مائدة ولي العصر، أرواحنا له الفداء، لذا عليكم أن تكونوا في خدمته لتؤدوا الدين الذي في أعناقكم). وانطلاقاً من هذا المبدأ التحق سبعة من أبنائه بسلك الدراسات الدينية والعلوم الإسلامية.
أحد عشر شهراً من الاعتصام
كان المرحوم والدي يؤكد أن حكومة رضا خان تشكل خطراً على الإسلام، لذا راح يعمل على توحيد موقف العلماء لمواجهة مؤامرات النظام وفضحه والعمل على بث الوعي بين الناس. وقد عبر عن اعتراضه بالاعتصام في حرم السيد عبد العظيم الحسني مدة أحد عشر شهراً، ولم ينه اعتصامه إلا بعد إلحاح وإصرار شديدين من قبل الشهيد آية الله حسن المدرس والمرحوم الشيخ عبد النبي وجمع من العلماء والمؤمنين، وعاد إلى طهران وكان ذلك في سنة 1937م.
ما دامت الدماء تجري في عروقنا
في أيام الاعتصام، كان والدي جالساً في زاوية من المرقد وقد سأله أحد كبار علماء النجف الأشرف عن علة تحصنه، فأجابه قائلاً: (نحن ورثة دين استشهد من أجله منذ زمن النبي الأكرم (ص) وحتى اليوم- فضلاً عن الأئمة الأطهار (ع) وأصحابهم- آلاف العلماء والمؤمنين، وما وصلت إلينا ثمار هذا الدين الحنيف إلا بفضل هذه الدماء الزكية وتلك التضحيات الجسمية. وها نحن الآن مسؤولون في الدفاع عنه والتضحية في سبيله ما دامت الأرواح في أجسامنا… علينا أن نصون هذه الشجرة الطيبة التي سقاها الشهداء بدمائهم، لأنها تتعرض اليوم لخطر التحريف والاندراس من قبل حكومة هذا المتجبر. نعم علينا الحفاظ على هذه الأمانة بكل وجودنا وألا نسمح بانتهاك حرمة هذا الدين، وليست دماؤنا بأقنى من دماء الماضين).
فتوى حكيمة
ظهرت في زمن الشيخ الشاه آبادي، أجهزة حديثة مثل اللاسلكي والراديو، وكانت قد بدأت تنتشر شيئاً فشيئاً، ولأن كل وسائل الإعلام العامة كانت تدار من قبل الحكومة رضا خان، فقد كانت أغلب البرامج منحلة ومخالفة للإسلام، وتدعو إلى الثقافة الغربية، الأمر الذي دفع بعض علماء إلى تحريم كل ما يثبت من برامج الإذاعة، بل وتحريم استخدام الراديو أيضاً. أما الشاه آبادي فعندما سئل عن حكم استخدام هذه الأجهزة، أعرب عن أسفه لعدم سيطرة المسلمين على هذه الأجهزة، وهي وسائل إعلامية جيدة، إذ قال: (إن مثل الراديو لسان ناطق، فهو قادر علي نشر العلم والمعرفة والثقافة، كما هو قادر أيضاً على الهذيان والتجديف. لذا فإن شراء هذا الجهاز واستخدامه للبرامج المفيدة جائز).

وعندما ظهرت مكبرات الصوت حرم بعض العلماء واستعمالها أيضاً، وعندما سأله بعضهم عن جواز نصب مكبرات الصوت في المساجد قال مستنكراً: (أي سؤال هذا؟ يجب نصب هذه الوسيلة، ولا بد من أن يعرف الناس أن استخدامها في الموارد الصحيحة ليس جائزاً فحسب بل هو لازم).
تربية الأطفال واليافعين
ولم يغفل الشاه آبادي حتى عن تربية الأطفال واليافعين، فقد خصص منزله- الذي حوله في ما بعد نجله الشيخ نصر الله آبادي إلى مستوصف يعرف بمستوصف الإمام الجواد (ع)- لتربية الأطفال واليافعين، وانتدب أناساً مؤهلين لتربيتهم والعمل على توجيههم وزرع روح الإيمان والتقوى في قلوبهم، وكان يشرف عليهم ويتفقدهم شخصياً، ويلتقى بالأطفال مع أولياء أمورهم مرة كل أسبوع، فيعظهم ويحثهم على حفظ شعائر الإسلام.
تأسيس صندوق القروض الحسنة
وفي مواجهة عملية منه للربا والمرابين قام (رحمة الله) بخطوتين منسجمتين:
1. أسس شركة المخمس، التي كان يديرها بعض المؤمنين الملتزمين، وهي شركة مساهمة اتيح الاشتراك فيها للناس كافة
2. أسس صندوق القروض اللاربوية أو الحسنة في طهران.

وأتذكر أن المرحوم الحاج محمود فياض بخش الذي كان مديراً للصندوق قال: القروض التي منحها الصندوق عام 1950م 1.700.000 تومان، وهو مبلغ ضخم
آنذاك.
حانة تتحول إلى مسجد
كان للمرحوم جدي منزل مجاور لسراج الملك يسكن فيه معه والدي وعمي، وكان بالقرب من منزلهم مبنى يملكه شخص اسمه(كنت) وهو رجل أمني، قد خصصه للهو واللعب وصنع الخمور، ويقال: إن خمور البلاط الملكي كانت تعد في هذا المكان. فحينما اطلع جدي على الموضوع طلب من صاحب المبنى ترك هذه الأعمال المخالفة للشريعة عملاً بواجب النهي عن المنكر، فلما لم يجد معه ذل، اصطحب جدي والدي وعمي وجماعة من المؤمنين معه وذهب إلى المبنى، فبادر جدي أولاً دن خمر فأراقه في البالوعة بنفسه، ثم أمر من معه ليريقوا بقيه الدنان من دون أن يكسروا شيئاً أو يحدثوا ضجة، ثم خرجوا جمعياً بهدوء. فوصلت التقارير إلى ناصر الدين شاه، الذي أمر بالتحقيق في هذه المسألة، وعندما اطلع المرحوم جدي على اهتمام الشاه بذلك قرر العودة إلى أصفهان، التي كان قد أبعد منها إلى طهران.

فلما علم ظل السلطان بقرار جدي، اقنع ناصر الدين شاه بإيقاف التحقيق، لأن عودته إلى أصفهان ستسبب لهم المشاكل، وأمر سراج الملك بإقناع جدي بالتراجع عن قرار العودة إلى أصفهان بأي نحو كان.

وقد أبلغ سراج الملك الشيخ جدي باستعداده لتنفيذ كل يطلبه حلاً للمشاكل، فاشتراط الشيخ شراء المبنى وتحويله إلى المسجد في مقابل تراجعه عن قرار الرجوع إلى أصفهان.

وبناء على ذلك، اشترى سراج الملك المبنى وبدأ جدي بإقامة صلاة الجماعة في هذا المكان إلى أن تم استكمال بناء المسجد الذي أطلق عليه (مسجد سراج).
وقد قبلت قصائد بالمناسبة، وخط البيت التالي في أعلى بوابة المسجد: (تأمل حسن التوفيق، كيف استحالت الحانة إلى المسجد على يدي سراج الملك).
تأسيس المواكب السيارة
بعد عودته من سامراء إلى إيران قام، خلال مدة إقامته في طهران، بالإضافة إلى تأسيس حوزة علمية وإعداد الطلاب والعلماء، بأعمال مهمة في المجالات الاجتماعية والسياسة والتربوية، وكمثال على ذلك فإنه عمد إلى تأسيس المواكب السيارة، التي لا تزال مستمرة في إيران، وهي مجالس عزاء ينتقل كل مرة في بيت أحد أعضاء الموكب، وهو نوع من الإعلام المتنقل. وقد لعبث هذه المواكب دوراً أساسياً في النضال السياسي إلى جانب الوعي الديني الذي ساعدت على نشره
تلامذته
إضافة إلى تلميذه المبرز الإمام الراحل (قدس سره) فقد تتلمذ على يدي الشيخ الشاه آبادي كل من:
1. المرحوم السيد شهاب الدين النجفي المرعشي
2. المرحوم الآخوند ملا علي الهمداني
3. المرحوم السيد موسى المازندارني
4. المرحوم الشيخ شهاب الدين الملايري
5. المرحوم الشيخ محمد الثقفي الطهراني
6. المرحوم الحاج الشيخ راضي
7. المرحوم الميرزا حسن اليزدي
8. المرحوم الميرزا جليل الكمرئي
9. المرحوم السيد حسن الأحمدي
10. المرحوم الميرزا هاشم الآملي (اللاريجاني)
11. السيد علي البهشتي

وهناك شخصيات أخرى من تلامذته نعرض عن ذكرهم تجنباً للإطالة.
تعليم المعارف الإسلامية
لقد حرص الشيخ الشاه آبادي على تعزيز الجوانب الفكرية والتربوية الأخلاقية والعلمية بين عموم الناس، منذ مجيئه إلى طهران وكذلك في أيام إقامته في قم، وواصل اهتمامه وركز حرصه عندما عاد إلى طهران ثانية، فكان يغتنم كل فرصة لإعداد أفاضل مستوعبين للفكر الإسلامي، وبذلك رفد المجتمع بنماذج كثيرة من هذا القبيل. وفي هذا الصد، أتذكر أن الحاج مصطفى خان الأيرواني قال: إنه كان يحضر برفقة الحاج عباس قلي بازركان ( والد المهندس بازركان) لدى الشيخ الشاه آبادي لعدة سنوات، ويدون كل ما يسمعه منه، ثم يترجمه بنفسه إلى الألمانية لعزمه على نشره يوماً ما.

وأتذكر، أيضاً، أنني ذهبت لعيادة المرحوم الشيخ على محدث زاده، وكان قد سبقني لعيادته شاب من الفضلاء كما عرفني هو بنفسه، وعندما سألته عن الحوزة التي درس فيها، قال: إنه من تلامذة المرحوم الشاه آبادي، ثم علمت بعد حوار طويل أنه كان يحضر دروسه المسائية في المسجد الجامع التي كان يلقيها في العلوم الإسلامية بعد الصلاة في أربع ليال من كل أسبوع.
الشيخ نصرالله الشاه آبادي
الصلاة على فاطمة الزهراء
كان المرحوم والدي (الشاه آبادي) يقول: (انتبهوا إلى مقام الزهراء عليها السلام الشامخ في نوافل الليل، واعملوا أن التوسل بها يقرب من الله سبحانه، ويجعل من العبد أكثر معرفة به تبارك وتعالى. ولا تغفلون أن تصلوا عليها قبل أذان الصبح).
ولو من أجل دنياكم
وكان والدي المرحوم كثيراً ما يؤكد على القيام في الليل، والاستيقاظ وقت السحر، فكان يقول: (لو استيقظت لأداء نافلة الليل ووجدت أنك غير مستعد نفسياً لأدائها، فلا ترجع إلى نومك، وابق صاحياً، بل تناول الشاي. فهذه الصحوة تهيء الإنسان للعبادة).

وكان يقول أيضاً (إن الاستيقاظ في الليل يفيد في صحة الإنسان الجسمية والروحية).
وطالما قال من على منبره: (استيقظوا في الأسحار ولو من أجل دنياكم. فإن النهوض في الأسحار يوسع في الرزق ويجلي الوجه ويحسن الخلق).
صورة الأستاذ
ذات يوم جاء إلى منزلنا في النجف بعض العلماء، وكان من بينهم الإمام الراحل، فما إن جلس الإمام حتى انتبه إلى أن صورة أستاذه المعلقة على الجدار صارت خلفه، فنهض من مكانه بسرعة وجلس في قبال الصورة. وقد انتبه الحاضرون جمعياً إلى مدى احترام الإمام لأستاذه.
روحي فداه
يقول الشهيد مطهري: (لم أسمع أبداً أن الإمام ذكر المرحوم الشاه آبادي إلا وقال: روحي فداه).

لقد كانت علاقة الإمام بالمرحوم والدي علاقة قلبية عميقة، وأذكر عندما كنا في النجف، وقد جرى أحدهم في حضور الإمام، وقد تصور الإمام أنني أقيس والدي بذلك الرجل، فشعر الإمام بالألم وقال بحدة: (أنت لم تعرف والدك، لا يوجد أدنى مجال للمقارنة، لا يصح قياس أبيك بهذا وأمثاله مطلقاً).
الاستقلال الاقتصادي
ألف الشيخ الشاه آبادي كتابه (شذرات المعارف) قبل أكثر من سبعين سنة، وجاء في مقدمة الكتاب: (يتصور بعضهم أن الأوروبين خدم لنا، ويقولون: إنهم يكدحون ونحن نستخدم ما ينتجون دونما جهد. لكن هؤلاء غافلون عما بأنفسنا، فهم يشترون الصوف منا بعشر ريالات ليبيعوا من القماش بخمسين ريالاً، ويشترون حمل القطن منا بخمسين توماناً ليبيعوا قماش القطن عندنا المتر بخمسين توماناً. وهذا هو الاستغلال والاستعمار بعينه. علينا أن نكدح ونأكل ونلبس ما نصنعه بأيدينا ونسد حاجاتنا بأنفسنا، لا أن نكون في حاجة إليهم).
هذا الخبيث يقضي على الدين
اغتنم والدي أيام العشرة الأولى من محرم الحرام التي مرت، في أثناء تحصنه واعتصامه، في مرقد السيد عبد العظيم الحسني فصار، يرتقي المنبر ويخطب في كل ليلة، فكان يكرر في كل ليلة موضوعاً بذاته ثلاث مرات، في أول خطبته وفي وسطها وعند ختامها، فلما حلت ليلة العاشر من الحرم نادى وهو على المنبر:

(إلهي، أنت الشاهد علي، فما أقوله الآن وفي هذه الليلة أكرره للمرة الثلاثين، لقد ألقيت حجتي، إذ بعثت برسائل إلى علماء النجف وقم أصفهان ومشهد، ومناطق أخرى ما وسعنى ذلك، وها أنا ذا أقولها للمرة الأخيرة: إن رضا خان أجير للانكليز، وإن مهمته محو القرآن والإسلام، وأن تصديه لي ليس لأني أرتدي هذا الزي، إنما لأنني أبلغ رسالة القرآن. إنني أعلن للعالم صراحة أنكم إن لم تتحركوا فإن الخبيث سوف يقضي على الإسلام).
وجرت دموع أبي دون إرادته
كنت في الصف الأول أو الثاني الابتدائي، وكانت عادة أسرتي أن نقرأ كل ليلة قبل النوم المعوذات الأربع وآية الكرسي، ثم نأوي إلى الفراش، وذات ليلة شتائية رأيت في منامي أني جالس وقد جاءت السيد فاطمة الزهراء عليها السلام، ثم حملتني وربتت على كتفي وقالت: (بني، إذا أردت آية الكرسي فلا تقرأها خطأ، بل اقرأها بشكل صحيح).

فلما استيقظت لصلاة الصبح قلت لأخي: سأقرأ آية الكرسي وانتبه أنت لقراءتي أصحيح ما أقرأ أم لا؟ فلم يحتملني وانصرف عني، وفي هذه الأثناء سمع والدي صوتي، فقال: ما تريد؟ فلما هممت بأن أعيد له ما قلته، بادرني بقوله: اقرأ. فقرأتها. فقال: لم تبتر آخرها يا بني؟ وعند ذاك رويت له منامي، وإذا بدموعه تنهمر من عينيه واحتضني وقبلني وقال: (يا لها من رؤيا صادقة أن أمك علوية، وهذا المنام يكشف عن أنكم يا أولادي أبناء فاطمة سلام الله عليها).

ثم قال عن آية الكرسي: (اختلفوا في خاتمة آية الكرسي هل تنتهي بـ (هم فيها خالدون) أو بـ (وهو العلي العظيم)؟ والروايات في ذلك على طائفتين، ومنامك يؤيد الأولى). فبقي هذا الكلام راسخاً في ذهني، لكني لم أفهمه إلا حينما انخرطت في دراسة العلوم الدينية.
حب فاطمة
إن حب أهل البيت عليهم السلام والإيمان بهم بمثابة معلم متألق في حياة والدي وبخاصة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وطالما كان يقول (إن أساس الدين حب فاطمة (سلام الله عليها)، وأساس الإسلام بغض أعداء فاطمة، فمن أحب فاطمة وأبغض عدوهم فهو مسلم).

ولذا كان يحب السادة من ذريتها عليها السلام حباً شديداً، وكان إذا استخار قال: (إلهي بعصمة الزهراء، بنور الزهراء، بشرف الزهراء، وإذا تفاءل بالقرآن قال ذلم أيضاً.
الروح الأرق
ذهبت ذات يوم، مع مجموعة من مسؤول الدولة لزيارة الإمام وكان من بينهم الشيخ الرفسنجاني الذي سأل الإمام في أثناء تلك الجلسة قائلاً: كيف رأيت المرحوم الشيخ الشاه آبادي؟ فقال الإمام (لم أرى في حياتي روحا أرق من روح المرحوم الشاه آبادي) ثم أضاف: (لم يكن له نظير، لا في الفلسفة والعرفان وحسب، بل حتى في السياسة).
تعريف الحق بلسان الحق
سمعت والدي يقول: (اقرءوا الآيات الثلاث في أواخر سورة الحشر حتى تصبح ملكة في نفوسكم، فأول آثارها بعد الموت وفي الليلة الأولى في القبر أنه، عندما يحضر الملكان من قبل الخالق تبارك وتعالى ويسألانك من ربك؟ فقل: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فإنك إن أجبتهم بهذا بهتا وحارا لأن تعريف للحق بلسان الحق، لا بلسان الخلق).
العودة من سامراء
بعد وفاة المرحوم الآخوند محمد كاظم الخراساني، عزم والدي على مغادرة النجف والسفر إلى سامراء وما أم مضى عام على بقائه في سامراء حتى طلبت منه والدته التي كانت برفقته، العودة إلى إيران بسبب شوقها لأولادها وكان والدي يعلم أنه لو اطلع أصدقاؤه من العلماء على نيته، لاعترضوا عليه وحاولوا منعه، ومن هنا قرر أن يبقي أمر عودته إلى إيران سراً، وفي هذه الأثناء اطلع على الأمر المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي، فجاء إلى منزلنا. يقول والدي: إن الميرزا عندما دخل البيت رمى بعصاه في الإيوان ونادى: (ميرزا محمد! إنني لا أجيز لك ترك الحوزة والسفر إلى إيران)، وحرام عليك أن تفعل ذلك).

فقال أبي للميرزا: (التكاليف منوطة بالقدرة) وطلب منه أن لا يوقعه بين محذورين، ويصف ذلك بقوله: (فمن جهة كانت والدتي تضغط علي إن أنا لم أذهب بها فلن ترضى عني، ومن جهة أخرى أمرني الميزا بالبقاء في الحوزة وحرم علي مغادرتها، فسبب لي ذلك حرجاً شديداً).

فلما سمع الميرزا الشيرازي مني قال: (حسناً، لا بأس اذهب).
عندما يصبح الشاه مجوسياً
قرر رضا خان، في إحدى سني حكمه، إيقاف صلاة الجماعة في المساجد، وقد كان يقام في المسد الجامع آنذاك عدة جماعات في آن واحد، فلم يحضر أئمة الجماعات ذلك اليوم كل لسبب، فأحدهم كان قد سافر، والآخر تمارض، وهكذا ! أما الشيخ الشاه آبادي فقد أصر على الذهاب إلى المسجد الذي احتل فيه مكان المصلين مجموعة من قوات القوزاق، وفي طريقه إلى المسجد اعترضه أحد مريديه قائلاً: لقد احتل القوزاق المسجد. فرد عليه الشيخ.: حسناً ليفعل القوزاق ذلك! ولما دخل المسجد تقدم إليه رجل يرتدي بزة مدنية وقال له: ألا تدري بإيقاف الصلاة؟

ولم يكلف الشيخ نفسه أن يرمي إليه بصره، وقال له: أذهب وليأت من هو أكبر منك.
فقال: أنا الأكبر
قال الشيخ: ألن يعترض غيرك بعد ذلك إن أنا تحدثت معك.
قال: كلا
قال الشيخ: ما هذا المكان
قال: طهران
قال: لا، أقصد هذا المكان الذي تقف فيه وأتحدث معك؟
قال: مسجد
قال: ومن أنا؟
قال: إمام الصلاة
قال: والبلاد أية بلاد؟
قال: إيران
قال: وما دين إيران؟
قال: الإسلام
قال: والشاه على أي دين؟
ولأنه لم يستطع أن يقول أن الشاه ضد الإسلام والقرآن. فقال مسلم.
فقال الشيخ: فمتى ما أصبح الشاه مجوسياً، وأعلن كفره، أو قال : إني يهودي أو نصراني، ورفع ناقوساً على منارة هذا المسجد فسأقوم أنا إمام المصلين بترك هذا المكان وأذهب إلى مسجد المسلمين لأقيم الصلاة فيه. ولكن ما دام الناقوس لم يدق هنا بعد والشاه لم يعلن مجوسيته وكفره، فإني كإمام للصلاة أصلي هنا.

قال هذا ودخل المصلى ومع أن المسجد لم يكن فيه أحد من المصلين، فإنه وقف في المحراب للصلاة، فلما شاهده أحد المؤمنين يفعل ذلك هتف بالناس: (الصلاة، الصلاة).فلما رأى الناس ذلك اندفعوا ولم يستطع جنود القوزاق منعهم فانسحبوا من دون أن يفعلوا شيئاً.
العفة أساس الدين
كان رحمه الله يقول: (إن هذا الحوذي الخبيث (يقصد به رضا خان) ينوي بفرضه السفور على النساء اجتثاث الإسلام من جذوره، وقد اختار ذلك لأنه وجد أن القضاء على الإسلام غير ممكن حتى لو قتل المئات من علمائه، أما فرض السفور فإنه سيؤدي إلى زوال العفة، إذنه فهو يريد القضاء على الدين، لأن الدين قائم على العفة والحياء).

وقد اعترض رحمه على ذلك، وتوجه إلى مرقد السيد عبد العظيم واعتصم هناك مع بعض العلماء مدة أحد عشر شهراً، وكان يخطب في الصحن، ويهاجم النظام الحاكم الجائر.
ماذا يعنى العزاء؟
في أحد أيام عاشوراء، وفي أثناء اعتصام المرحوم الشيخ، نصب الأهالي وخدام المرقد الخيام للعزاء، فاعترض عليهم الشيخ قائلاً: ولماذا العزاء؟ قالوا: كي نقيم العزاء ونجمع بعض المبالغ لتأمين أجرة القارئ ومصاريف الشاي لأننا لا نملك مالاً. فقال: أقيموا مجالس العزاء، وسأتولى أنا الخطابة مجاناً دون مقابل، وسأساعدكم بشراء السكر والشاي، فلا تأخذوا من الناس مالاً.
مات الآخوند الخراساني شهيداً
كان المرحوم والدي يعتقد بأن الآخوند الخراساني – صاحب كتاب الكفاية- قد دس إليه فمات شهيداً، فقد زاره أبي في الليلة التي سبقت يوم وفاته ورآه بصحة جيدة وسلامة تامة، ولأنه كان قد قرر إعلان الثورة على الحكومة التي جاءت في أعقاب الحركة الدستورية في إيران، لما وجده من الانحراف الذي أصاب هذه الحركة التي يعد هو من رواها والداعين إليها، حتى لقد قال الشهيد الشيخ فضل الله النوري: (إن (المشروطة) قد أصبحت غير مشروعة ولهذا قرر التحرك وأصدر أوامره بذلك، ولكن لما أصبح اليوم التالي انتشر خبر وفاته.
حبه لأستاذه الآخوند
وكان الشاه آبادي يحب أستاذه الاخوند حباً يصل حد العشق، حتى أنه لا يذكر اسمه في الشرح الذي كتبه على (الكفاية) إلا ويردفه بقوله: (روحي فداه).
يعلمنا التوحيد رغم صغرنا
يتجلى التوحيد والعبادة في سلوك والدي، حتى أني لا أزال أتذكر نماذج منها منذ أيام طفولتي. إذ كان يعلمنا التوحيد رغم صغرنا، وربما تكل أذهاننا عن إدراك بعض ما يقول، فلا يكل هو عملاً بالحديث الشريف: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر ) وهكذا كان حقاً، فكثير من الأشياء نقشت في قلوبنا مذ كنا صغاراً، وأدركناها حينما كبرنا، فكان لها في حياتنا الأثر الكبير.
كنت أبحث عن ضالتي
في لقائي بالإمام الراحل الذي جرى برفقة الشيخ هاشمي رفسنجاني تحدث (قدس سره) عن والدي، فقال: (عندما كنت في الحوزة كان يراودني إحساس بأني أفقد شيئاً، فكنت لا أفتأ أبحث عن ضالتي حتى أطلع على وضعي الميرزا محمد صادق الشاه آبادي. فالتقى بي ذات يوم في مدرسة الفيضية وقال لي: إن كنت لا تزال تطلب ضالتك فهي في تلك الحجرة. سألته: من تعني؟ فقال: الشيخ آبادي، إنه جالس هناك، وهو ضالتك التي تبحث عنها.

وعندما وصلت إلى الحجرة، وجدته جالساً مع المرحوم الحائري يتناقشان، وهناك إلى جانبهما عدد من الحضور يصغون إلى النقاش وربما يشارك أحدهم، فوقفت في زاوية أنتظر، فلما انتهى النقاش نهض المرحوم الشاه آبادي متوجهاً إلى منزله، فتبعته ورافقته في طريقه، ثم طلبت منه ونحن في الطريق أن يدرسني الفلسفة، لكنه أبى. والناس في الطريق يحيونه أو يسألونه وكان يجيبهم بأجوبة لا تناسب مستوياتهم، فقلت له: إن أجوبتك تستعصي على أفهامهم، فلم تفعل ذلك؟
فقال: دعها تطرق أسماعهم.

حتى إذا وصلنا قريباً من منزله وافق على إعطائي دروساً في الفلسفة فقلت له: أنا لا أريد الفلسفة، إن ضالتي شيء آخر، أريد درساً في العرفان. فامتنع، حتى إذا وقف عند عتبة باب منزله قال للمجاملة: تفضل إلى البيت، فوافقت على الدخول كي أصل معه إلى نتيجة. وما إن دخلت المنزل حتى سيطر على شعور بأني لا أستطيع التخلي عنه، فتوسلت إليه كثيراً حتى قبل، وعين لي ساعة من عصر كل يوم. وبهذا بدأت بتلمذتي عنه. في البدء كنت أحد درسه في العرفان فقط، ثم صرت أشترك إلى جانب ذلك في درسه في الأخلاق الذي كان يلقيه من أداء الصلاة، بل صرت أتبعه منه سواء أينما ذهب لأستمع إلى دروسه، وكنت أدون جميع ما أسمعه منه سواء في دروسه العامة أم في درسه الخاص الذي كان يلقيه علي. وبهذا توطدت علاقتي بالشيخ شيئاً فشيئاً، ويمكنني القول: غني لم أر في حياتي كلها روحاً أرق من روحه.لقد كان لديه تلامذة كثيرون، لكنهم لم يكونوا ملتزمين بحضور دروسه جمعيها، فبعضهم يحضر ثلاثة أيام في الأسبوع، وبعض آخر لا يحضر إلا درساً واحداً كل أسبوع، أما أنا فقد واظبت على ملازمته طوال السبع سنوات التي مكث فيها بقم. فتتلمذت عليه طوال تلك المدة وحضرت دروسه المختلفة لحين مجيئه إلى طهران، حيث بقيت أواصل دراستي في قم، ولم يتسن لي أن أمضي كل الوقت معه، ما عدا أيام العطل، إذ كنت اغتنم كل عطلة تتخذها الحوزة، كالعشرة الأول من المحرم أو في شهر رمضان وأذهب إلى طهران لأحضر دروسه وأصغي إلى أحاديثه، سواء ما يعقد منها في بيته أم في المسجد فألازمه ما دمت في طهران لا أفارقه ما أمكنني ذلك).
أنا الذي يتكلم وليس المنبر!
وحدثني أحد العلماء الذين عادوا من النجف إلى طهران، وكان قد تتلمذ على يد الشاه آبادي زمناً، قال: عن الشاه آبادي وقف في إحدى الليالي على قدميه خطيباً في الآونة التي صادر نظام رضا خان المنبر من المسجد منعاً له من الحديث، وقال رداً على بعض مرديه الذين أرادوا أن يأتوا إليه بمنبر: (أريد أثبت هذا حميرية هذا الحوذي، وذلك أنه يتصور أن المنبر هو الذي يتحدث! فيما عليه أن يفهم أن الذي يتكلم هو أنا وليس المنبر).
ثلاث وصايا أخلاقية
روى لي أحد التجار، وكان من تلامذة الشيخ الشاه آبادي قال: (إن الشيخ خطب ذات ليلة وقال بألم: لماذا لا تبادرون (يقصد المحيطين به) للسير في الحياة المعنوية؟ ألا تريدون أن تصبحوا بشراً؟ وبعد أن انتهى من موعظته ذهبت إليه مع عدة أفراد وقلنا له: نريد أن نصبح بشراً، فماذا علينا أن نفعل؟ قال: سأعطيكم ثلاث وصايا، فإن عملتم بها ورأيتم آثارها فأتوني لنكمل المشوار.

كانت وصاياه الثلاث هي:

1. التزموا بأداء الصلاة في أول وقتها. فإن سمعتم صوت الأذان أينما كنتم فاتركوا أعمالكم وأدوا الصلاة ولتكن جماعة ما أمكنكم ذلك.
2. أنصفوا الناس في بيعكم وكسبكم، واقنعوا بأقل الربح، واعدلوا في معاملاتكم، فلا تفرقوا بين قريب وغريب، ولا تميزوا بين حضري وقروي، وارضوا بالربح القليل.
3. أدوا حقوق الله كل شهر، وإن كان لكم متسع شرعي في أدائها إلى نهاية العام.

كان ذلك في رجب، وقد عزمت على تنفيذ كل ما أوصى به، فواظبت على ذلك حتى قرب حلول شهر رمضان، وذات يوم وأنا في طريقي في سوق (باجنار) ارتفع الأذان، فجثثت الخطى إلى مسجد النائب، ووقفت أؤدي الصلاة جماعة خلف المرحوم السيد عباس آية الله زاده، فكنت أرى في أثناء الصلاة إمام الجماعة يظهر حيناً ويختفي حيناً آخر، أراه في الركوع والسجود ثم يختفي في القراءة. فلما انتهت الصلاة تقدمت إليه وقلت: أين كنت في أثناء الصلاة؟!
لم أجدك فدهش لقولي وتحير، ثم قال معذرة إلى الله وإليك، الحق أني عندما خرجت من البيت كنت منزعجاً، فكان ذهني يسرح أحياناً وراء مرارتي، ثم أثوب أحياناً إلى نفسي وانتبه فأعود إلى صلاتي.

كانت هذه أول مشاهدة حصلت لي، إذ انفتحت بصيرتي على أثر التزامي بوصايا الشيخ الشاه آبادي ولمدة شهين ونصف فقط، ثم واصلت التزامي فجرت لي مشاهدات أخرى لا يمكن وصفها.
اللقاء
أتذكر أن المرحوم صدر الكوبائي، وهو من علماء أصفهان وأساتذتها الكبار آنذاك، كان على علاقة وطيدة مع والدي، وكان يراسله باستمرار. إلا أن أبي لم يحتفظ بأية رسالة تصله ويتلفها بمجرد قراءته لها، وصادف أن غفل يوماً عن رسالة فتكها ومضى إلى المسجد فوجودنا أن آية الله صدر الكوبائي كان قد كتب فيها عبارة: (لا تنس هذا الموضوع إذا حظيت باللقاء). فلما عاد والدي من الصلاة أسرع إلى الرسالة والاضطراب باد عليه ومزقها في الحال. عندما أدركنا أنه كان اتصال مع إمام العصر (ع) لكنه لا يبوح بذلك.
ليس معي إلا الحق
عادة ما كان عدد من المخبرين ورجال الشرطة- الذين كان يطلق عليهم آنذاك (مفتشين-)- يدخلون المسجد ليراقبوا الشيخ وهو يخطب، فلما انتبه المرحوم الشاه آبادي إلى وجودهم خاطبهم بامتعاض شديد قائلاً: (إن مجيئكم ظهراً ومساءً، بهذه الطريقة أمر غير صحيح. فإن كنتم تطلبوني أو جئتم لاعتقالي فأتوا في غير هذا الوقت، فإن في المسجد الآن ما لا يقل عن مائة وخمسين شخصاً، فلو أردتم اعتقالي من دون أن يعلم بذلك أحد، قبل أذان الصبح لأني أخرج من بيتي إلى المسجد وحيداً ليس معي أحد إلا بالحق).
عندما كنا صغاراً
كان والدي، عندما كنا صغاراً، يدعونا لإقامة الصلاة جماعة، وكان (رحمه الله) يحب الأطفال كثيراً ويحاول أن يعزز العلاقة بين الطفل الصغير والله عزوجل ربه ورب العالمين، فإذا طلب أحدنا شيئاً منه قال: بني، لا تطلب مني، بل اطلب من الله الذي خلقني وخلقك، وبيده كل شيء اطلب منه. فعندما نلح عليه يلبي طلبنا بوصفه واسطة لله، فقد كان معتقداً حقاً لا أمر إلا إليه سبحانه. وهذا الاعتقاد الراسخ هو الذي جعله يقارع الظلم والجور لا يخشى في ذلك أحداً.
نبوءة للمستقبل
رأيت، أيام كنت في النجف الأشرف، في عالم النوم أن حرباً ضروساً تدور رحاها إيران، وتتركز أحداثها في إقليم خوزستان، ورأيت رؤوس النخيل فيها إما مقطوعة أو محترقة، وقد استشهد أحد أقاربي، وطال أمد الحرب كثيراً، وكان سيد الشهداء (ع) يقود هذه الحرب. وانتهت أخيراً بالنصر لإيران… رأيت تلك الرؤيا والإمام. لم يكن قد نفي إلى النجف بعد. فلما جاء إلى النجف منفياً حدثته بقصة الرؤيا كاملة، فابتسم وقال: سوف يقع ذلك. فقلت له: وكيف؟! قال: سيتضح ذلك في ما بعد. فلما أصررت عليه قال: (سأقول لك شيئاً شريطة ألا تذكره لأحد ما دمت حياً، عندما كنت في قم وكنت أدرس عند أبيك، كانت تربطني به علاقة قوية جداً، لدرجة أني كنت أقرب الناس إليه، فلم يكن يكتم علي سراً، فقال لي يوماً: إنك سوف تقود ثورة وتنتصر، وستقع حرب في خوزستان يستشهد فيها واحد من أسرتي). ثم قال: (لا يزال الوقت مبكراً، سيقع بالتأكيد، ولكن ليس قريباً).

وتمر سنوات طويلة إلى أن حدثت الثورة، وعاد الإمام إلى إيران ظافراً، ووقعت الحرب، وقد نسيت قصة الرؤيا بالكامل، وفي إحدى سفراتي إلى جبهات القتال في خوزستان أيام الحرب (العراقية الايرانية) وقعت عيني فجأة على بساتين النخيل فرأيت رؤوس النخيل بعضها مقطوع وبعضها محروق، فعادت الرؤيا إلى ذاكرتي وبعد حوالي أربعة أعوام من بدء سقط أخي شهيداً فتذكرت تأكيد الإمام الذي نقل عن والدي أن الرؤيا ستتحقق بتمامها.

الشيخ محي الدين الأنواري
لم يعرف قدره أحد
عاش المرحوم الشاه آبادي مجهولاً في قم، فلم يعرف قدره كثيرون، لقد كان عالماً كبيراً فسلام على الإمام الذي اكتشفه آنذاك، ولم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره، فنهل من فيض علومه وأخلاقه.

لقد كان الشاه آبادي متخصصاً في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان، يتميز في العرفان بشكل خاص، ولقد عبر عنه الإمام بقوله: إني ما رأيت في حياتي روحاً أرق من روحه. أجل لقد كان هذا الرجل من السمو في أخلاقه ما جعل الإمام يتأثر به تأثيراً بليغاً.
تصدى لرضا خان
لقد كان آية الله الشاه آبادي من الذين تصدوا لمواجهة رضا خان بصلابة، وعندما أغلق النظام المساجد وصادر المنابر، لم يتوقف هو عن الوعظ والإرشاد قط.
ترك فراغاً في حوزة سامراء
كان علماء العراق يعارضون مجيئه إلى إيران، حتى لقد عبر بعض أساتذته عن ذلك قائلاً: إن مغادرته العراق ستترك فراغاً علمياً في الحوزة.

الشهيد الشيخ فضل المحلاتي
شيبتني سورة هود
وعظ الإمام طلابه، ذات يوم، وذكر لهم حديثاً لرسول الله (ص) يقول فيه شيبتني سورة هود، لمكان قوله تعالى ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾ ثم روى تفسيراً للآية عن أستاذه المرحوم لشاه آبادي فقال: لماذا يقول النبي (ص) شيبتني سورة هود، في حين أن هذه العبارة وردت في سورة أخرى أيضاً؟ لأن هذه الآية قد أضيفت فيها جملة ﴿ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾، وهذا يعنى أن النبي مسؤول عن إنقاذ الذين معه وهدايتهم، وأن الله عز وجل سائله يوم القيامة عن نفسه وعن أمته، فهو مسؤول ليس عن نفسه فحسب، بل وعن أمته أيضاً، أي لو أن إنساناً عصى، وكان النبي قادراً على هدايته ولم يفعل فهو شريك له في معصيته.

الشيخ محمد حسن القديري
يكتب إلى جانب جثمان نجله
روى الإمام عن أستاذه الشاه آبادي: إن صاحب موسوعة الجواهر كان له برنامج دقيق في تأليف هذا الكتاب الجليل، وكان يكتب كل ليلة قدراً منه. فتوفي ابن له كان من أهل العلم ويحبه كثيراً، فتأخر تشييعه إلى غد، لذا وضع الجثمان في إحدى غرف الدار، فجلس صاحب الجواهر تلك الليلة إلى جانب جثمان ولده يواصل تأليف الكتاب لينجز منه ما ينجزه كل ليلة.

وبعد أن روى هذه القصة قال: أيها السادة عليكم أن تجتهدوا في طلب العلم وتنظموا أوقاتكم، ليبارك الله في أعمالكم.

الشيخ محمد ري شهري
تربية تلاميذ أهل الكرامة
لم يكن الشيخ رجب علي الخياط طالباً رسمياً لا في الحوزة ولا في الجامعة، ولكنه تتلمذ مدة من الزمن لدى أساتذة من أهل العلم والمعرفة وفي طليعتهم الشيخ محمد علي الشاه آبادي أستاذ الإمام الخميني (قدس سره) يقول أحد تلامذته: كان رحمه الله يكتب الذكر في ركوعه وسجوده ثلاث مرات كما كان يفعل أستاذه المرحوم الشاه آبادي.
أيكم يقول صواباً؟
روى أحد تلامذة المرحوم الشيخ رجب علي الخياط قال: كنت أمشي والشيخ الخياط برفقة الشيخ الشاه آبادي في ساحة تجريش (شمال طهران)، وكان الشيخ رجب علي الخياط يحب الشاه آبادي كثيراً، فبينا نحن نمشي سوية إذ صادفنا شخصاً توجه بالسؤال إلى المرحوم الشاه آبادي قائلاً: أيكما يقول صواباً، أنت أم هذا؟ (وأشار إلى الشيخ رجب علي).

قال الشيخ الشاه آبادي: أي شيء تعني؟ وماذا تريد؟
فأعاد الرجل سؤاله: أيكما يقول صواباً؟
قال الشيخ الشاه آبادي: أنا أدرس والناس يتعلمون، أما هذا فيربى ويخرج.

هذا الجواب مع ما يعكسه من مدى تواضع هذا العالم الرباني والعارف والكامل فهو يبين أيضاً، سمو منزلة الشيخ رجب علي الخياط وشخصيته التربوية.
خليفة الله
روي أن الشيخ رجب علي الخياط سأل عدة من العلماء عن سبب خلق الله الإنسان فلم يسمع جواباً مقنعاً، حتى سأل الشيخ الشاه آبادي فأجاب: (إن الله خلق الإنسان ليكون خليفته: ﴿ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾.

الحاج محمد إسماعيل الدولابي
كان ذا حياء شديد
كان المرحوم الشاه آبادي شديد. لقد رأيت علماء كثيرين، ورافقته مدة طويلة. جاء إلى منزلنا مرات ومرات لقد كان مع علمه الوفير على حياء شديد، ول استوقفه ساعة كاملة طفل يسأل لوقف يحدثه ويجيب عن أسئلته، ويمنعه الحياء أن يقطع حديثه ويستأنف طريقه.
العلم الذي لا يبل الصدى
كان المرحوم الشيخ الشاه آبادي يقول: لو كنا في غرفة زجاجية في قلب البحر، والماء من حولنا يتلاطم والسمك من حولنا، ما ارتوينا من ظمأ، وهكذا العلم الذي لم يظهر معلومة، فإنه لا يبل الصدى، أما لو ثقب الجدار الزجاجي بقدر رأس الإبرة لارتوى الجميع من ذلك الثقب الصغير.

فالعلم الذي يظهر جميع الأشياء يحتاج إلى قدر رأس الإبرة من الحب كي يروي الإنسان، أما لو انكسر الزجاج فنور على نور، لأن كل من في الغرفة سيفنى في وجود الله المطلق.
لم أجد أفضل من علي (ع)
قال الشيخ الشاه آبادي، ذات مرة: أن أحد علماء السنة كتب كتاباً وصفه بأنه سيتنزل على الشيعة كالصاعقة، ومع هذا فقد ذكر في كتابه رواية عن عائشة أن رسول الله (ص) كان في حجرتها فافتقدته في نصف الليل، فبحثت عنه في سائر حجرات أمهات المؤمنين، فلم تجده حتى وجدته على سطح حجرتها حافياً، وقد مد كفيه إلى السماء، وكان يقسم على الله بحق علي: (إلهي بحق علي) فقالت له: ألم تجد أفضل من علي تقسم على الله به فقال: والذي نفسي بيده، ني نظرت في السماء فلم أجد أفضل من علي، ونظرت في الأرض فلم أجد أفضل من علي، ونظرت في الشرق والغرب فلم أر أفضل من علي فأقسمت على الله بحقه.
نفحة حسينية
عندما عدت إلى إيران زارني في بيتي اثنان من السادة للتهنئة على زيارة العتبات المقدسة، فأدخلتهما إلى غرفة الضيوف، وذهبت أحضر شيئاً أقدمه لهما، فلما عدت إلى الغرفة أزيحت الحجب عن عيني فجأة فتسمرت، عند الباب عشرين دقيقة، ورأيت نفسي فوق ضريح الحسين (ع)، وقد ألقي في روعي أن أحصل على كل طلبة أطلبها من الآن فصاعداً، وللحظة انتبهت إلى الضيفين، وأحدهما يقول للآخر: إنه في جذبة وهكذا استمرت مشاهداتي منذ تلك اللحظة.

ومنذ ذلك الوقت، تحولت هذه الغرفة إلى محل لإقامة العزاء على سيد الشهداء (ع) مدة ثلاثين سنة، فكان من يأتي إلى هنا يبكي من دون أن تقرأ المصيبة أمامه. وجاء إلى هنا علماء كبار أيضاً كالمرحوم أغاجان الزنجاني والمرحوم الشيخ محمد بافقي والمرحوم الشاه آبادي من دون أن أطلب من أحدهم المجيء بل كانوا يأتون حباً وتبركاً.
كانوا أولياء الله الصالحين
وبعد تلك المكاشفة، وفقني الله لمرافقة أربعة من العلماء كان لهم الأثر الكبير في حياتي وكان كلما غاب أحدهم تسلمني آخر، أولهم السيد محمد الشريف الشيرازي، حيث رافقته حتى وفاته، فلما توفي حملنا جنازته إلى مرقد السيد عبد العظيم فصلى عليه الشيخ محمد البافقي، فعندما رأيت الشيخ يصلي على أستاذي وكان أصبح منه وجهاً انجذبت إليه، فتركت الجنازة وتبعته إلى بيته، فارتبطت بالشيخ البافقي منذ ذلك الحين، ورافقته إلى أن سلمني بدوره إلى الشيخ غلام علي القمي الملقب بـ (الطوماسي) وكان هذا أصبح وجهاً من سابقه أيضاً فلازمته حتى إذا ما تعرفت على الشيخ الشاه آبادي أحببته وارتبطت به..

لقد كنت طوال تلك المدة، لا أرتبط بأكثر من واحدة ومن أبوح له يسري أفديه بنفسي وحياتي وأسرتي، وألتزم صحبته حتى يسلمني لمن بعده، فإذا وجدته أسمى من سلفه طفت حوله…
بركات وجودهم
قبل أن تتحول هذه الدار إلى حسينية الزهراء، زارني فيها كثير من الأكابر منهم، الحاج هادي الابهري، والشيخ محمد تقي بافقي، والحاج اغاجان الزنجاني، والشيخ الشاه آبادي، وأمضوا فيها ليالي كثيرة، ولا يزال هذا المكان يفوح بعطرهم ويتنسم بركاتهم.

الشيخ عبد الله الجواي الآملي
عالم الغيب والعرفان في حياة الإمام
ثمة عقدان متميزان في عمر الإمام الراحل (رحمه الله)، عقد امتاز باستئناس الإمام بعالم الغيب والعرفان، وقد بدأ بوصول الشيخ الشاه آبادي إلى قم وتتلمذ الإمام على يديه، وذلك سنة 1347هـ، وعقد آخر امتاز باستئناسه بعالم الشهادة وقيامة الأمة، وقد بدأ بتأجج الثورة الإسلامية سنة 1392هـ..

الأستاذ علي الدواني
بعد النظر
عندما كان رضا خان وزيراً للحرب، كان يتظاهر بممارسة الشعائر والطقوس الدينية، وقد كان الشهيد حسن المدرس يعده حينئذ مفيداً إذا ما أدى مهماته وزيراً للحرب ولم يتدخل في غير شأنه، يعنى بذلك طموحه في التربع على الحكم من خلال دعوته لإقامة نظام جمهوري في إيران.

وفي تلك الآونة المبكرة، اكتشف المرحوم الشيخ الشاه آبادي خطر هذا الرجل، حيث خاطب المدرس ذات مرة محذراً إياه من رضا خان قائلاً: (إن هذا الصعلوك رجل خطر، سواء في وزارة الحرب أم في أي موقع آخر، ولو قدر له الإمساك بالسلطة فإن أول من سيقضي عليه هو أنت.

ولذا نرى أن الشيخ الشاه بادي نهض لمواجهة رضا خان مبكراً، ولم يخف موقفه، ولم يأل جهداً في توعية الناس بشأنه، ويصرح من دون مواربة قائلاً: (لا يخدعنكم مشي رضا خان حافياً في مواكب العزاء الحسيني، وتلطيخه رأسه ووجهه بالطين، وحمله الشموع بيده ومجيئه مع مواكب العزاء إلى المساجد. فلو وجد هذا الرجل الخطر فرصة للإمساك بالحكم، فأنه لن يرحم يومئذ صغيراً، ولا كبيراً.
أستاذ الإمام في العرفان وفي الجهاد
إن في طليعة من نهلوا من فيض العلم الرباني الكبير للشيخ محمد علي الشاه آبادي (قدس سره) هو السيد روح الله الخميني، وكان فيها طالباً شاباً نشطاً متحمساً، ونابغة معروفاً وفي الحوزة.

حسناً، نحن طلبة ونعرف أن الطالب الموهوب، يحتاج لكي يستوعب علماً من العلوم إلى أن ينفرد بدروس عند أستاذ لسنتين، فما بالك لو كان السيد روح الله قد أتم درسي الفقه والأصول ودرس الفلسفة عند الشيخ رفيعي والميرزا أكبر اليزدي، ثم يتفرغ سبعين سنين ليدرس العرفان عند المرحوم الشيخ الشاه آبادي، ويكسب أقصى ما يمكن اكتسابه منه.

أما بخصوص جهاد الإمام الخميني، فأرى أنه يعود بالإضافة إلى موهبته الذاتية إلى عاملين أساسين: الأول والده، الذي استشهد في خمين في سبيل الدفاع عن المظلومين ومناهضة الإقطاعيين. وهذا بحد ذاته عامل مهم فجر في نفس الإمام الفقيد روح الإباء والثورة ضد الظلم. أما العامل الثاني فهو في رأيي تجربته مع أستاذه الشيخ الشاه آبادي الذي كان في طليعة من قاوم حكومة رضا خان، وكان وأبوه من قبله أيضاً يقيم حدود الله في أصفهان حتى أبعده ناصر الدين شاه إلى طهران، فواصل مناهضته لناصر الدين في طهران، وبعث إليه مرة يقول: (كنت أظنك ناصر الدين، لكني عرفت الآن أنك كاسر الدين).

أليست هذه عوامل مهمة لإعداد الطالب الميزر للشاه آبادي لقيادة ثورة طويلة كالتي قادها الإمام؟! أعتقد أن الشيخ الشاه آبادي لم يعلم الإمام الراحل العرفان فحسب، بل علمه الجهاد والثورة أيضاً.

المرحوم الشيخ عباس الطهراني
لماذا أصحبت عالم دين؟
أتساءل أحياناً، عن الدافع الذي جعلني أنخرط في سلك علماء الدين مع أني لأسرة علمائية، فيتوارد على ذهني منظراً لطالما تكرر أمام بصري عندما كان الشيخ الشاه آبادي يأتي إلى منزلنا بدعوة من والدي وكيف كان والدي يبدي له احتراماً كبيراً ويقبل يده، فلربما كانت مشاهدتي لهذا الموقف، وأنا شاب يافع، حافزاً زرع في الرغبة في دراسة العلوم الدينية.

المرحوم الحاج محمد صادق الشاه آبادي
سبيل التزكية
كان الشيخ آبادي (رحمه الله) يبذل جهوداً استثنائية في العلم، إذ كان يسعى لتزكية الناس وإرشادهم للتقوى، فقد جاءه عدد من الأشخاص مرة وقالوا له: نريد الذهاب إلى مشهد لغرض التزكية، قال: (تريدون التزكية؟ أنا أرشدكم إلى سبيل التزكية، إن الذهاب إلى مشهد يستغرق شهراً، فلو ذهبتم في هذا الشهر لطلب العلم، وتعلم مسائل الدين والأخلاق، فهذا طريق التزكية).
مواجهته لبعض الممارسات الخاطئة
في أيامه كان بعض الناس يخرجون في مواكب العزاء على الحسين من المساجد حاملين العلامات والسرج، ويضربون على الطبول وينفخون في الأبواق في الشوارع والأزقة، وعندما رأى الشاه آبادي موكباً كهذا قال: أريد أن أشارككم في العزاء. فاحترموا وجوده بينهم واكتفوا برفع العاملات، وكفوا عن ضرب الطبول والنفخ في الأبواق، لعلمهم أنه لا يجيز ذلك، وظلوا رافعين العلامات، وحاولوا إقناعه بالعودة بذريعة الخوف عليه من أن يصيبه التعب، لكنه أصر على مواصلة الطريق معهم، فأطالوا الطريق، إذ مضوا إلى بهارستان ومنها إلى ساحة شميران، ثم اتجهوا إلى تقاطع حسن آباد، فلم يفارقهم ولم يستجب لرجائهم بالعودة، فلما رأوا أن ذلك كله لم يجد معه استسلموا، إذ تعهدوا له بعدم استخدام الطبل والبوق أو أي شيء مما لا يجيزه.
حضور النساء في المواكب
تعرضت المواكب في عهدة إلى جملة من التحريفات، فكان وقوف النساء إلى جانب مواكب العزاء يدفع ببعض الشباب للقيام بحركات استعراضية بعيدة عن روح الحزن والعزاء، فكان الشيخ الشاه آبادي يبدي انزعاجه الشديد واستهجانه لهذه الظاهرة، وقال بشأنها في إحدى المناسبات: (ينبغي أن نتعلم كيفية إقامة العزاء من سيدنا السجاد(ع) ، لقد كان الإمام السجاد بعد استشهاد والده في كربلاء يجلس ويبكي، هكذا يكون العزاء على سيد الشهداء).
حفل ميلاد رضا خان
لقد كان (رحمه الله) مجاهداً بكل معنى الكلمة، وكان جهاده خالصاً لوجه الله حقاً. أتذمر أن رضا خان أعلن يوم 15 آذار عيداً لميلاده فعلق المرحوم الشاه آبادي على ذلك قائلاً: (لا أدري في أي إسطبل ولد هذا حتى يسجلوا له تاريخ ميلاد؟ ففي الإسطبلات لا توجد سجلات مواليد).
شجاعة وهيبة
وعندما منع رضا خان الخطابة وإقامة العزاء، كان على من يريد قامة العزاء الحسيني أن يفعل ذلك سراً وفي وقت الفجر، وأن يغلق باب منزله حتى لا يشعر به أحد، أما الشيخ (رحمه الله) فكان يقيم مجلس العزاء في المسجد الجامع علناً، ويرتقي المنبر ويخطب من دون أن يخاف أحداً، حتى إن رئيس مخفراً شرطة البازار كان يأتي إلى المسجد ويقف مقابل الباب ينصت إلى خطبته من دون أن يجرؤ على قول شيء، ثم يرجع من حيث أتي.
زواجه في طهران ورحلته إلى النجف
تزوج الشيخ الشاه آبادي في طهران، واقترن ببنت المرحوم الحاج رضا (مطيعاً) وهو رجل تقي يعد من أقطاب زمانه، كان يحب الشيخ حباً كثيراً.
بعد أن تزوج الشيخ سافر إلى النجف الأشرف مصطبحاً معه زوجه وأمه، وذلك في عام 1322هـ، وكان عمر آنذاك ثلاثين عاماً، أتذكر أني كنت وقتها مقيماً مع والدي في الكاظمية عندما وصل عمي بسيارة صغيرة إلى الجانب الآخر من جسر المعظم، وقد نثر موظفو الجمارك أغراضه في الطريق وكومت كتبه على قطعة من اللباد، فمكث عندنا أياماً ثم اصطحبناه إلى كربلاء، ثم استقر به المقام في النجف فبقي فيها سبع سنوات ثم رحل إلى سامراء بعد أن توفي الآخوند الخراساني، وأقام فيها عاماً واحداً.
الثلوج
وفي عام 1330هـ (1911م) عاد الشيخ مع أسرته إلى إيران وكنت بصحبته، فاتجهنا إلى أصفهان، ثم منها إلى طهران، ولم تكن الطرق معبدة أو ممهدة آنئذ، فكنا مجبرين على السير بين الجبال، لأن الثلوج تغطي الطرق والمعابر، وقد أدركنا التعب ذات ليلة فتوقفنا وكدنا نموت من البرد الشديد والجليد، لولا أن الله تدراكنا برحمته، إذ هب بعض القرويين لنجدتنا، وأخذونا فجلسنا حول التنور نتدفأ، وهكذا نجونا من الموت.
هذا ما كنت تبغي
عندما عدت إلى إيران ذهبت إلى قم بغرض الحضور في درس الشيخ عبد الكريم الحائري، وبعد سنوات وصلتني رسالة من الشيخ الشاه آبادي يطلب مني أن أستأجر له منزلاً، فاستأجرت له بيتاً في محله (عشق علي)حيث حل فيه الشيخ الشاه آبادي، وذلك سنة 1347هـ، وما إن وصل حتى بدأ تدريسه في المحلة نفسها. في هذه المحلة أيضاً تتلمذ الإمام الخميني على يديه، حيث أرشدت الإمام إليه، وقلت له: إن من تبحث عنه قد جاء إلى قم.
في مسجد السراج
وعندما عاد الشيخ الشاه آبادي من العراق إلى طهران، استأجر له بعض مريديه بيتاً كبيراً بمبلغ 8 تومانات في شارع اكباتان (شارع ملت) بالقرب من مسجد سراج. وقد ابتدأ الشيخ يقيم صلاة الجماعة في بيته إلى أن أطلب منه أهل المحلة إمامة المصلين في مسجد سراج، فبقي فيه إلى أن رحل إلى قم، ولم يعد إليه بعد عودته إلى طهران ثانية، إذ أحد يؤم المصلين في مسجد أمين الدولة الواقع في سوق (جهل تن) لسنتين، ثم انتقل منه إلى المسجد الجامع الذي بقي فيه إلى آخر حياته.
جاذبية الأستاذ
تعلق الإمام الراحل بأستاذه الشيخ الشاه آبادي أيام كان طالباً تعلقاً جعله لا يفارق درسه في العرفان أبداً، وذلك على خلاف سائر أحياناً أخرى. وقد لازم الإمام الشيخ كما لو كان ابنه، فكان يقضي بعض شؤون بيت عمي حتى كأنه واحد من أهله، فلو طلب مني عمي مثلاً أن أحضر خبزاً، سبقني هو لإحضاره.

الحاج حسين علي رضائي
ليالي القدر
كان المرحوم الشيخ آبادي يهتم كثيراً بإحياء ليالي القدر المباركة، وعندما تحل تلك الليالي يمتلئ المسجد بالمؤمنين الذين يأتون لمشاركة الشيخ عبادته في تك الليالي، لأنه كان يقوم بنفسه بقراءة الدعاء والوعظ. حيث أننا كنا نشعر، وهو يقرأ الدعاء أو يعظ، أن أبواب المسجد وجدرانه تشاركنا البكاء أيضاً.
أيها الناس تحرروا من أسر الدنيا
لم تكن في زمانه مكبرات صوت فكان يجهر بصوته، وطالما سمعته يهتف بصوت جهوري: (أيها الناس، حرروا أنفسكم من أسر الدنيا وأغلالها!).
شعبيته وأخلاقه
ومما تميزت به شخصيته تحليه بمكارم الأخلاق وشعبيته ومعاملة الناس بالحسنى، وهذا ما جعل الكثيرين يطيعونه ويحترمونه ويجلونه فنجد في أتباعه ومريديه الذين يتتلمذون عنده ويحضرون درسه، العالم والكاسب والتاجر والغني والفقير.

الحاج محسن اللباني
مناجاة العارفين
كنت أقوم بدور المكبر في المسجد في أثناء إقامته الصلاة، وذلك قبل ثلاثة أعوام من وفاته (رحمه الله)، فطالما رأيته وهو يرفع رأسه من السجود والدموع تسيل من عينيه، وقد أحاطت وجهه هالة من النور العجيب.

وفي ليالي الجمعة، كان يقرأ دعاء كيميل بصوت مضمخ بالخشوع والحب والعرفان الإلهي.. ولا أنسى كيف كنت أرافقه إلى منزله بعد أداء صلاة العشاء حاملاً بيدي الفانوس لأضيء له الطريق، إذ لم تكن يومئذ كهرباء.

الدكتور أبو القاسم كرجي
كان المرحوم يمضي إلى المسجد ماشياً، وذلك قبل طلوع الفجر حيث يقف منتظراً عند باب المسجد إلى أن يرتفع الأذان، فيأتي خادم المسجد لفتح الأبواب. وعندما يعود بعد صلاة الصبح إلى منزله آتي إليه مع الشيخ عبد الكريم الحائري حق شناش، حيث كنت أسكن هناك آنئذ، فنقرأ عنده المنطق من منظومة الملا هادي السبزاوي، التي كان يلقيها علينا من ظهر قلب.

الحاج محمود أخوان
درس في المعارف
تعرفت إلى المرحوم الشاه آبادي في حدود عام 1945 عندما كان والدي- المرحوم الحاج محمد حسن أخوان- يصطحبني معه إلى المسجد الجامع بازار، حيث كان لدي من العمر سبعة عشر عاماً، فكنت أتلو أدعية التعقيبات بعد صلاة الجماعة، كما بدأت منذ ذلك التاريخ حضور دروس الشيخ في (شذرات المعارف) التي كان يلقيها في منزله الواقع في محله (تكية حمام خان).

وكان يحضر تلك الدروس عدد غير قليل من الأشخاص يحضرني منهم الحاج محمود فياض بخش والمرحوم الحاج أحمد ضرغام والمرحوم السيد علي أصغر آل أحمد الذي كان أكبر من الباقين سناً، وكان خطيباً متحدثاً، وقد صار أستاذاً في ما بعد، تخرج على يديه عدد من الطلاب.
دعاء كيميل
ومن ذكرياتي الجميلة في تلك الآوانة، ليالي الجمعة وتلك الأجواء النورانية، عندما كان الشيخ (رحمه الله) يقرأ دعاء كيميل، إذ كان يأتي كل ليلة جمعة قبل أذان الفجر بساعتين ليجلس في الظلام ويقرأ دعاء كيميل عن ظهر قلب، وأتذكر مرة أنني ومن أجل الاستماع لقراءته دعاء كيميل بت مع بعض الأصدقاء في المسجد، ثم استيقظنا قبل الفجر بساعتين، كانت ليلة شتائية باردة والثلوج تتساقط، فتوضأنا وجلسنا خلف الشيخ نردد معه الدعاء.

ولا يغيب عن ذاكرتي أبداً كيف كانت أصوات البكاء تتعالى وسط المسجد حينما يصل الشيخ إلى أواخر الدعاء، ويبدأ بتلاوة آيات العذاب.
هنا وزارة الثقافة!
وأذكر أنه كان يوم تاسوعاء وعاشوراء، وقد جاء أزلام رضا خان إلى المسجد لمنع مراسم العزاء بذريعة الحصول أولاً على إجازة من وزارة الثقافة. وهنا طلب الشيخ الشاه آبادي من السيد علي أصغر آل أحمد، الذي كان صوته رخيماً، أن يقرأ زيارة عاشوراء، فارتفعت لذلك أصوات الناس بالبكاء والنحيب وأقيم العزاء في كل السوق، عندما التفت الشيخ إلى رجال رضا خان وخاطبهم قائلاً: قولوا للحوذي الصعلوك (يعنى رضا خان) أن لا يمنع إقامة الناس للعزاء، وقولوا الثقافة أن يغلق أبواب وزارته.. فيها وزارة ثقافتنا.
إنه رجل عظيم
عندما كانت المرجعية العامة يومئذ للسيد أبي الحسن الأصفهاني (رحمه الله)، سعى رضا خان لإضعاف حوزة النجف ومرجعية السيد أبي الحسن من خلال منع وصول الحقوق الشرعية إليه بكل الحيل والوسائل. وكانت فتوى السيد الأصفهاني تنص على أنه ينبغي للمقلد أن لا يؤدي الحقوق الشرعية إلا لمرجع تقليده، لذا كان أبي يبحث عن وسيلة لإيصال الحقوق الشرعية إلى السيد الأصفهاني، فتيسر له ذلك عن طريق لبنا، ومن لبنان سافر إلى العراق، والتقى للسيد الأصفهاني في النجف وسلمها إليه. ويروي والدي إنه قال آبادي، فهل نستطيع الاستمرار على ذلك؟ فأجابني السيد الأصفهاني: (لا ينبغي لكم أن تعرقلوا عمل الشيخ، أنه رجل عظيم ولسنا إزاءه إلا كقطرة في بحر.
الرجوع إلى الصفحة الرئيسية

الفصل الثاني: قبسات عرفانية
في هذا الفصل سوف نتأمل في شذرات من المعارف ذلك العارف الذي نهل الإمام الراحل، فتبلورت شخصيته أو أبعاد منها على يديه، وقد جمعنا هذه الشذرات من مؤلفات الإمام الراحل وكلماته المبثوثة في كتبه…

وذكرنا إلى جانب هذه الشذرات كلمات الإمام من أجل إلقاء المزيد من الضوء عليها من خلال فهم الإمام لها، وهو فهم فريد نظراً لطبيعة الإمام والعلاقة الوطيدة بين المتحدث والمتلقي.
اغتنم شبابك!
فيا عزيزي، إن الوقوف منذ البداية دون تسرب المفاسد الأخلاقية أو العملية إلى مملكة ظاهرك وباطنك، أيسر بكثير من إخراجها بعد\ توغلها، لأن ذلك يتطلب الكثير من العناء والجهد. وإذا تسربت إليك فإنك كلما أخرت التصدي لإخراجها ازداد الجهد المطلوب منك، وضعفت قواك الداخلية.

وقد قال شيخنا الجليل والعارف الكبير الشاه آبادي روحي فداه: (إن الإنسان في عز شبابه وقوة فتونه يكون أقدر على الوقوف بوجه المفاسد الأخلاقية وأفضل في أداء واجبه الإنساني. فلا تتركوا هذه القوى تضيع من أيديكم، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة، وعندئذ يصعب عليكم التوفيق في مساعيكم، وحتى لو أنكم وفقتم، فإن ذلك الإصلاح سوف يتطلب منكم الكثير من المشقة والتعب).

… فيا أيها الإنسان العاقل، إن ما يمكن أن تصلحه في شهر أو في سنة، مع التعب القليل الدنيوي، وبمحض اختيارك، واضعاً حداً لشقائك في الدنيا والآخرة، لا تهمله لكيلا يوردك موارد الهلكة.
الاستماع إلى الغناء
أيها العزيز، اجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة، فإنك إذا رحلت من هذه الدنيا من دون أن يتحقق فيك العزم على ترك المحرمات، فأنت إنسان صوري، بلا لب، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة إنسان، لأن ذلك العامل هو محل كشف الباطن وظهور السريرة. إن الجرأة على ارتكاب المعاصي تجعل من الإنسان بلا إرادة، وتخطف من المرء جوهره الشريف، يقول أستاذنا المعظم: (لا شيء يسلب من المرء إرادته مثل الاصغاء إلى الغناء).

فيا أخي احترز من المعاصي، وهاجر صوب الحق تعالى، واجعل من ظاهرك إنساناً، وادخل في سلك أرباب الشريعة، واطلب في خلوتك من الله تبارك وتعالى أن يكون رفيقك نحو ذلك الهدف.
الشيطان ذلك الكلب المسعور
ينبغي أن نعوذ الله تعالى من شرور أنفسنا ومكائدها، إنها مكائد دقيقة، وعلينا ألا نعد أعمالنا خالصة، لو كنا من عباد الله المخلصين، فلماذا يتصرف الشيطان بنا؟

لقد أقسم الشيطان، في حضرة الله، أن يغوي عباد الله إلا (عباد الله المخلصين) لأنهم في حضرة الله. إن كلب البيت لا ينبح على معارف صاحب البيت، والشيطان لا يدع من لا يعرف صاحب البيت أن يدخل البيت، فمن كان له معرفة بصاحب البيت أصبح بمأمن من شر الشيطان ذلك الكلب المسعور.

فإذ رأيت الشيطان ينبح في وجهك، فاعلم أن أعمالك ليست عن إخلاص، وليست للحق تعالى، ولو كنت مخلصاً فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة على لسانك؟ لقد بلغت الأربعين وأنت تتصور أن أعمالك كانت قربة إلى الله، كيف وقد ورد في الحديث الشريف: (ما أخلص عبد الله أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه). فيا ويل من يدخل النار مع صلاته، ويا ويل من تكون صورة صدقته وزكاته وصلاته يوم القيامة أقبح ما تكون.
استقامة الأمة
ورد في الحديث أن رسول الله (ص) خط خطاً مستقيماً وخطوطاً أخرى حوله، ثم ذكر أن هو ذاك الخط المستقيم. وروي أنه قال: (شيبتني سورة هود، إشارة إلى قوله تعالى:﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾

وكان العارف الكامل الشيخ آبادي روحي فداه يقول: (ورد في هذا القول منه (ص) لأن الله تعالى طلب منه (ص) أيضاً استقامة الأمة، فهذه الآية الشريفة موجودة في سورة الشورى أيضاً، ولكنه (ص) لم يقل بشأنها مثل ذلك القول، لأن ذيل هذه الآية غير موجود فيها آية سورة الشورى).

وعموماً فإن الاستقامة وعدم الخروج من حالة الوسطية هي من أشد الأمور على السالك.
خليط مبتذل
إذا اعترى المجذوب حال، أو حصل له وضع آخر غير ما حصل للمجذوب الحقيقي والواصل واقعاً- حضرة الرسول الخاتم (ص) في هذا المكاشفة الروحية… فإنها من تدخلات الشيطان، وهي تكشف عن أن هناك شيئاً من (الأنانية والإنية) ما زال يرافق السالك في طريقه، فليجد ويجتهد لعلاج نفسه وهجران طريق الضلال.

وإذن فالصلاة التي ينسبها بعضهم إلى العرفاء يسمونها (صلاة السكوت) ويجعلونها وفق تريب خاص بتمثيل(ألف) الله حيال الوجه وبعدها (لا) ثم (هـ) وبعدها مجموع هذه الحروف وفق تريب معين على عدد الحضرات الخمس.

هذه الصلاة على فرض صحة النسبة هي نتاج جهل ذاك الذي ابتدع هذا الخليط المبتذل… كان شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه يقول: (إن جميع العبادات عبارة عن الإسراء بالثناء على الله جلت عظمته إلى النشأة الملكية للبدن فكما أن للعقل حظاً من المعارف ومن الثناء على مقام الربوبية، وكما أن للقب حظاً وللصدر من ذلك، فإن لملك البدن أيضاً حظا، وحظه عبارة عن هذه المناسك فالصوم ثناء على الحق بالصمدية، وظهور الثناء عليه بالقدوسية والسبوحية، كما أن الصلاة ثناء على الذات المقدسة بجميع الأسماء والصفات، حيث أن للصلاة مقام الأحدية الجمعية والجمعية الأحدية). انتهى ما أفاده دام ظله.

يتضح من البيان السابق أن ما هو معروف بين بعض أهل التصوف من أن الصلاة هي وسيلة معراج السالك للوصول، فإذا وصل أصبح مستغنياً عن الرسوم، أمر باطل لا أساس له، ووهم ساذج أجوف يخالف مسلك أهل الله وأصحاب القلوب، صادر عن الجهل بمقامات أهل المعرفة وكمالات الأولياء، نعوذ بالله منه.
في تفسير سورة التوحيد
ملخص الكلام: إنه بناء على البيان المذكور يكون ضمير (هو) إشارة إلى مقام انقطعت عنه آمال العارفين وإيماءاتهم… و(أحد) إشارة إلى تجلي الأسماء الباطنية الغيبية، و(الله) إشارة إلى تجلي الأسماء الظاهرية، وبهذه الأمور الثلاثة: (هو- الله – أحد) تتحصل الاعتبارات الأولية لحضرة الربيوية. وإن الأسماء الأربعة الأخرى: (الصمد- لم يلد- لم يولد- لم يكن له كفواً) التي يكون الصمد جامعاً لها من الأسماء السلبية التنزيهية، التي تعد تبعاً للأسماء الثبوتية الجمالية.

يقول شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه: (إن (هو) برهان على الأسماء والكلمات الست المذكورة عقيب هذه الكلمة المباركة (هو) في سورة التوحيد الشريفة. لأن الذات المقدسة حيث أنه يكون مطلقاً مثل (هو) الذي يعد إشارة إلى صرف الوجود يكون مستجمعاً لجميع كمالات الأسماء. فيكون (الله). وحيث أن صرف الوجود ببساطة حقيقته يكون جامعاً لكل الأوصاف والأسماء، من دون أن تثلم هذه الكثرة الاسمية لوحدة الذات المقدسة، كان أحداً،وحيث أنه لا ماهية لصرف الوجود كان صمداً. وحيث إن صرف الوجود لا ينتقص ولا يحصل من الغير ولا يتكرر، لم يكن والداً ولا مولوداً وليس له كفواً). انتهى
متفرد في هذا الميدان
اعلم أن المفسرين من العامة والخاصة، فسروا كل على طريقته، وكيفية كون الدين أو التوحيد من الفطرة، ولكننا في هذه الوريقات لا نجري مجراهم وإنما نستفيد في هذا المقام من وراء الشيخ العارف الكامل (الشاه آبادي) المتفرد في هذا الميدان، ولو أن بعضها قد ورد بصورة الإشارة والرمز في بعض كتب المحققين من أهل المعارف، وبعضها الآخر مما خطر في فكري القاصر.

اعلم أن من الأمور الفطرية التي (فطر الناس عليها) هو النفور من النقص، ولذلك ينفر الإنسان من كل ناقص، فهو ينفر منه لأنه وجد فيه نقصاً وعيباً. إذن فالفطرة تنفر من النقص والعيب، كما أنها تنجذب إلى الكمال. فالفطرة لا بد من أن تتوجه إلى الواحد الأحد، لأن كل كثير ومركب ناقص. ولا تكون الكثرة من دون محدوية والمحدوية نقص. وكل ناقص مرغوب عنه من جانب الفطرة وليس بمرغوب فيه. إذن أمكن من هاتين الفطرتين: (فطرة حب الكمال) و (فطرة النفور من النقص) إثبات التوحيد، بل أن استجماع الله لجميع الكمالات، وخلو ذاته المقدسة من كل نقص، قد ثبت بالفطرة أيضاً، وسورة التوحيد المباركة التي تبين نسب الحق المتعال، وبحسب رأي شيخنا الجليل روحي فداه، إن الهوية المطلقة التي تتوجه إليها الفطرة والتي تتوجه إليها الفطرة والتي أشير في صدر سورة التوحيد المباركة بكلمة (هو) المباركة تعد برهاناً على الصفات الست المذكورة بعد ذلك.
حالة الوحي عند النبي آدم (ع)
ويقال: إن العارف بالله هو الذي يتعرف إلى الحق سبحانه بالمشاهدة الحضورية، وإن العالم بالله هو الذي ينتهي إلى الحق سبحانه من خلال البراهين الفلسفية. وذهب بعضهم إلى أن الفارق بين العلم والعرفان من وجهين:

الأول: من ناحية متعلق كل منهما كما ذكرنا، متعلق العلم كلي ومتعلق المعرفة جزئي، والثاني أنه أخذ في المعرفة نسيان الشيء المعلوم سابقاً، في حين أن العلم هو ما لا يدركه الإنسان ابتداء. وأما الشيء الذي كان معلوماً فغفل عنه ونسيه ثم أدركه ثانياً، يقال له أن قد عرفه، وإنما يقال للعارف عارفاً، لأنه يتذكر الأكوان السالفة، والنشآت السابقة على كونه الملكي ونشأته الطبيعية. وادعى بعض أهل السلوك (العرفاء) إن سبب التسمية هو تذكر عالم الذر، ويقول: إنه لو أزيح حجاب الطبيعة الباعث على الغفلة والنسيان عن أعين السالك، لتذكر العوالم السابقة….

يقول الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه: (إن الحالة الروحية للنبي آدم (ع) كانت تجذبه نحو عالم الغيب والمقام المقدس، وتبعده عن عالم ملكه وعالمه الطبيعي، مثل هذه الحركة الجذبية كانت تبعث على سلب الآدمية عن آدم (ع) فسلط الحق المتعالي عليه الشيطان لكي ينتبه إلى شجرة الطبيعة، وينعطف عن الجذبة الملكوتية، وينصرف إلى عالم الملك والطبيعة).
السير إلى الله
اعلم أن للسالك إلى الله،والمهاجر من بيت النفس المظلم إلى كعبة الحقيقة سفراً روحانياً وعرفانياً، حيث يكون مبدأ هذه الرحلة بيت النفس الأنانية، ومنازل هذه الرحلة مراتب التعينات الأدناس والنفسية والملكية والملكوتية التي عبر عنها بالحجب النورانية والظلامية (إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة)، أي أنوار الوجود وظلمات التعين أو أنوار الملكوت وظلمات الملك أو الظلمة الناتجة عن التعلقات النفسية والأنوار الطاهرة الباعثة عن التعلقات القلبية. وقد يعبر عن سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، بحجب سبعة بصورة مضغوطة، كما ورد عن الأئمة (ع) في التكبيرات الافتتاحية السبعة للصلاة، والتي تخرق كل تكبيرة حجاباً.. يقول العارف المشهور عطار النيسابوري: حجاب عطار مدن العشق السبعة……….. ولا نزال نحن في منعطف زقاق واحد.

..وقد يعبر عن الحجب على أساس الحدود المتوسطة بألف منزل معروف لدى السالكين، وبمائة منزل حسب اعتبار آخر، وبعشرة منازل على ضوء اعتبار ثالث. وقرر الشيخ العارف الكامل آبادي (دام ظله) لكل منزل من منازل السائرين المائة بيوتاً عشرة ببيان بديع فيصير المجموع ألف بيت. وإن إبراهيم الخليل (ع) قد أوجز ذلك السفر الروحاني نحو الحق المتعالي الذي يقصه القرآن بمنازل ثلاثة: أحدهما الكوكب والآخر القمر والثالث الشمس.
الشهادة بالولاية
ورد في بعض الروايات غير المعتبرة أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الأذان: (أشهد أن علياً ولي الله مرتين، وفي بعض آخر محمد وآل محمد خير البرية، وقد عد الشيخ الصدوق (رحمه الله) هذه الروايات من موضوعات المفوضة وكذبها والمشهور بين العلماء (رضوان الله عليهم) عدم الثقة بهذه الروايات، وعد بعض المحدثين هذه الشهادة جزءاً مستحباً من جهة التسامح في أدلة السنن، وهو قول ليس ببعيد عن الصواب. وإن كان أداؤها بقصد القربة المطلقة أولى وأحوط…

وأما النكتة العرفانية، في كتابة هذه الكلمات على جميع الموجودات من العرش الأعلى إلى منتهى الأرضين، فهي أن حقيقة الخلافة والولاية هي ظهور الألوهية، وهي أصل الوجود وكماله، وكل موجود له حظ من الوجود له حظ من حقيقة الالوهية وظهورها الذي هو حقيقة الخلافة والولاية، واللطيفة الإلهية ثابتة على ناصية جميع الكائنات من عوالم الغيب إلى منتهى عالم الشهادة.. ومن هذه الجهة، كان الشيخ العارف الشاه آبادي (رحمه الله) يقول: (إن الشهادة بالولاية منطوية في الشهادة بالرسالة، لأن الولاية هي باطن الرسالة).

ويقول الكاتب: (إن الشهادة منطويتان جمعاً في الشهادة بالألوهية، وفي الشهادة بالرسالة أيضاً تنطوي الشهادتان الأخريان كما تنطوي الشهادتان الأخريان في الشهادة بالولاية. والحمد لله أولاً وأخراً.
نتيجة العبادة المنشودة
فيا أيها العزيز! فالآن ولك الفرصة والعمر العزيز الذي هو رأس مالك موجود وطريق السلوك إلى الله مفتوح، وأبواب رحمة الحق مفتوحة، والسلامة وقوة الأعضاء مستقرة، ودار زرع عالم الملك قائمة، فاصرف همتك واعرف قدر هذه النعم الإلهية، واستفد منها واكتسب كمالات الروح والسعادة الأزلية والأبدية.. فنور أرض طبيعتك المظلمة بالنور الإلهي، ونور بنور الحق تعالى بصرك وسمعك ولسانك وسائر القوى الظاهرة والباطنة، وبدل هذه الأرض الظلمانية إلى أرض نورانية، بل سماء عقلانية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ ، ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾. وإن لم تتبدل أرضك غير الأرض، ولم تتنور بنور رب الرب، فلك ظلمات ومشقات وأنواع الوحشة والظلمة والذلة، والعذاب… فإن عمدة المقصد والمقصود للأنبياء العظام، وتشريع الشرائع وتأسيس الأحكام، ونزول الكتب السماوية، وخصوصاً القرآن الشريف الجامع الذي صاحبه ومكاشفه نور الرسول الخاتم المطهر (ص) هي نشر التوحيد والمعارف الإلهية، وقطع جذور الكفر والشرك وعبادة إلهين اثنين، وسر التوحيد والتجريد سار وجار في جميع العبادات القلبية والقالبية. بل كان يقول الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه: (إن العبادات إجراء التوحيد من باطن القلب إلى ملك البدن).

وبالجملة: النتيجة المطلوبة من العبادات هي تحصيل المعارف وتمكين التوحيد وسائر المعارف في القلب، وهذا المقصد لا يحصل إلا بأن يستوفي السالك الحظوظ القلبية للعبادات، ويعبر من الصورة والقالب إلى الحقيقة واللب.
حضور القلب
… والآن نصرف القلم إلى تبيان مراتب حضور القلب الذي له مقامات كثيرة نوضح كلياتها على نحو الإجمال:

فالمرتبة الأولى لحضور القلب في باب العبادات هي (حضور القلب فيها على نحو الإجمال) وهذه ميسرة للجميع. وكيفيتها أن يفهم الإنسان قلبه أن باب العبادات هو باب الثناء على المعبود، ويجعل القلب منذ بداية العبادة إلى نهايتها متلفتاً بصورة وإن كان هو نفسه لا يدري أي ثناء، وبأي شيء يثني على اللذات المقدسة؟ وهل أن هذه العبادة هي ثناء ذاتي أو اسمي أو تقديسي أو تحميدي أو غير ذلك؟! فشأنه شأن شاعر ينشد قصيدة في مدح شخص ويفهم طفلاً أنها في مدح فلان، ولكنه لا يعلم بماذا ومع مدح الممدوح، أي أنه يعرف إجمالاً أن يمدح، وإن كان لا يعلم تفصيل ذلك.

وهكذا هي حال تلاميذ (المدرسة الابتدائية) للمعارف المحمدية، فهم ينشدون تلك المدائح وآيات الثناء التي انكشفت للرسول الأكرم (ص) بالكشف الكامل التام، وأنزلت على قلبه الشريف بإفاضة الحق جل جلاله ويتلونها في الحضرة المقدسة وإن كانوا لا يعرفون أي ثناء يتلون وبماذا ولمن يمدحون! ولكن مرتبة الكمال الأولى لعباداتهم هي أن يكون القلب حاضراً في العبادة والثناء على الحق بما أثنى به الحق تعالى على نفسه، ولهجت به ألسنة خاصة حضرته.

ولو كان يثني بلسان الأولياء فهو أفضل، إذ يخلو من شوائب الكذب والنفاق فهناك في العبادات- وخصوصا الصلاة- أنواع من الثناء تتضمن دعاوى لا يستطيع القيام بها سوى الأولياء وخلص الأصفياء، مثل قوله: ﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾. ومثل قوله : (الحمد لله… إياك نعبد) وكذلك الحال مع الأوضاع، مثل رفع اليد في التكبيرات وبعد السجدة وغيرها…

ونظائر ذلك كثير في الأدعية الشريفة الواردة من الناحية المقدسة للأئمة الأطهار (ع) فلا يتيسر لكل أحد الدعوة بما فيها مثل بعض فقرات دعاء كيميل. وكان الشيخ الكامل الشاه آبادي روحي فداه يقول: (الأفضل أن يدعو الداعي، في هذه المقامات، بلسان مصادر الدعاء عليهم السلام).
فطرة العشق
من الأمور التي تعين الإنسان، في هذا السلوك والتي يجب عليه الانتباه لها، هي (الموازنة) فالموازنة هي أن يقارن الإنسان العاقل بين منافع كل واحدة من الأخلاق الفاسدة والملكات الرذيلة التي تنشأ عن الشهوة والغضب والوهم ومضارها، وعندما تكون تحت تصرف الشيطان، وبين منافع كل واحدة من الأخلاق الحسنة والفضائل النفسية، والملكات الفاضلة والتي هي وليدة تلك القوى الثلاث ومضارها، عندما تكون تحت تصرف العقل والشرع، ليرى على أي واحدة منها يصبح الإقدام ويحسن العمل؟

فمثلاً: إن النفس ذات الشهوة مطلقة العنان التي ترسخت فيها (النفس) وأصبحت ملكة ثابتة لها ونشأت عنها ملكات كثيرة في أزمنة متطاولة، هذه النفس لا تتورع عن أي فجور تطوله يدها، ولا تعرض عن أي مال يأتيها، من أي طريق كان، وترتكب كل ما يوافق رغبتها وهواها مهما كان، ولو استلزم ذلك كل أمر فاسد. إن كل إنسان مهما كان قوياً، ومهما حقق من آماله وأمانيه فإنه رغم ذلك، لا يحصل حتى على واحد من الألف من آماله، بل تحقق الآمال ووصول أي شخص إلى أمانيه جميعها أمر مستحيل في هذا العالم فإن هذا العالم هو (دار التزاحم) وإن مواده تتمرد على الإرادة.

إذا، فالإنسان هو، على الدوام عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده، وهذه فطرة أثبتها المشايخ العظام حكماء الإسلام خصوصاً أستاذنا وشيخنا في المعارف الإلهية سماحة العارف الكامل ميرزا محمد علي الشاه آبادي، روحي فداه وأثبتوا بها الكثير من المعارف الإلهية.
النفس القدسية
يا عزبزي! لا تقارن نفسك مع الأولياء ولا تظن أن قلبك يضاهي قلوب الأنبياء وأهل المعارف، إن قلوبنا يغمرها غبار التعلق بالدنيا وملذاتها، وإن انغماسنا في الشهوات يمنع قلوبنا من أن تكون مرآة لتجلي الحق سبحانه ومحلاً لظهور المحبوب.

… إننا لا ندرك إلا المتع الحيوانية، ولهذا ننكر جميع المعارف والأنكى من ذلك كله، هذا الإنكار الذي يفضي إلى غلق باب جميع المعارف، ويحجزنا عن السعي والطب، ويجعلنا نقتنع بمستوى الحيوانية والبهيمية، ويحرمنا من عوالم الغيب والأنوار الإلهية، وإذا استماع حقيقة من لسان عارف هائم أو سالك حزين أو فيلسوف متأله، أعرضننا عنها لعدم قدرة آذاننا على استماع تلك الحقيقة وتتصدى فوراً للطعن فيع ولعنه وتكفيره وتفسيقه ولا تحترز عن أي غيبة أو تهمة.

فترى أحدهم يشتري كتاباً ثم يوقفه ويشترط على من يستفيد منه أن يلعن المرحوم محسن الفيض الكاشاني- صاحب كتب الأخبار والأخلاق والكلام والتفسير- يومياً مئة مرة!! وترى آخر يرمي صدر المتألهين الذي هو قمة التوحيد بالزندقة، ولا يتورع عن أهانته أبداً!! ويتهمه بالتصوف رغم عدم ظهور أي رغبة منه في جميع ما كتبه نحو مذهب التصوف، ورغم تأليفه لكتاب: (كسر أصنام الجاهلية في الرد على الصوفية).

وإني لواثق بأن لعنهم لا يزيدهم إلا رفعة ومقاماً، ولا يزيدنا إلا خذلاناً. يقول شيخنا العارف الشاه آبادي روحي فداه: (لا تلعنوا شخصاً حتى الكافر الذي مات من دون أن تعرفوا على أي دين مات، إلا إذا أخبر ولي معصوم عن حاله بعد الموت، إذ ممكن أنه أصبح مؤمناً لدى سكرات الموت، فليكن لعنكم عاماً: ألا لعنة الله على الكافرين).

فكم هو الفرق بين إنسان تتسامى نفسه إلى هذه الدرجة من القدسية، إذ تأبى لعن من مات على الكفر ظاهراً، لاحتمال أنه غدا مؤمناً في اللحظات الأخيرة من حياته، وآخر من أمثالنا- وإلى الله المشتكى- يرتقي المنبر مع أنه أهل العلم والفضيلة، ويقول أمام العلماء والفضلاء مستغرباً: (إن فلاناً رغم أنه فيلسوف، يتلو القرآن). وهذا الكلام يشبه ما إذا قلنا (فلان رغم كونه نبياً يعتقد بالمبدأ والمعاد).
لب الإنسانية
أنت، طالب الحق والسالك إلى الله، إذا طوعت طائر الخيال وقيدت الشيطان الأوهام، وخلعت نعلي حب النساء والأولاد وسائر الشؤون، واستأنست بجذوة نار العشق لفطرة الله، وقلت: إني آنست ناراً ووجدت نفسك خالياً من موانع السير، وهيأت أسباب السفر، فقم من مكانك، واهجر هذا البيت المظلم للطبيعة والمعبر الضيق المظلم للدنيا، واقطع سلاسل الزمان وقيوده، وانج بنفسك من هذا السجن وأطلق طائر القدس إلى محفل الأنس.

تنادى من العرش العظيم ولا أدري………. لماذا مقيم أنت في ذلك الفخ
فوق عزمك واحكم إراداتك، فإن أول شرط للسلوك هو العزم، ومن دونه لا يمكن أن يسلك طريق ولا ينال كمال، والشيخ الأجل الشاه آبادي روحي فداه، كان يعبر عنه بـ (لب الإنسانية). بل يمكن أن يقال: إن من إحدى الجهات المهمة للتقوى والتجنب عن المشتهيات النفسانية وترك أهوائها والرياضات الشرعية والعبادات والمناسك الإلهية تقوية العزم وانقهار القوى الملكية تحت ملكوت النفس كما ذكر.
طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
وقال شيخنا العارف الشاه آبادي: (إن رسول الله (ص) عندما دعا الناس إلى رسالته ولم يجد الإصغاء المطلوب والدخول في دين الله حسب المستوى المرغوب فيه، احتمل النقص في قيامه بالدعوة كما تجب، فانصرف إلى ترويض نفسه طوال عشرة أعوام حتى ورمت قدماه، فنزلت الآية الكريمة تخاطبه: ﴿ طه** مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ إنك طاهر وهاد، ولا عيب فيك ولا نقص، إنما النقص في الناس و ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾.

يجب أن تكون هذه الآية المباركة قدوة للناس، وبخاصة للعلماء الذين يريدون القيام بالدعوة إلى الله تعالى، حيث إن رسول الله مع طهارة قلبه وكماله التجأ إلى الترويض، وأتعب نفسه حتى نزلت الآية الشريفة من الحق المتعالي، ونحن رغم ثقل الخطايا والذنوب لم نفكر في معادنا ومآلنا، وكأننا نحمل صك الخلاص والبراءة من جهنم والأمان من العذاب، وهذا لا يكون إلا نتيجة أن حب الدنيا قد أصم آذاننا فلا نسمع كلمات الأولياء والأنبياء.
كما يلقن الطفل
إن كلاً من أعمال الخير أو الشر له تأثير في النفس، فهو إما يجعلها تتوجه نحو الدنيا وزخارفها، ويحجبها عن الحق والحقيقة، ويسلكها في سلك الحيوان والشيطان، أو يجعلها متوجهة نحو الآخرة، فيجعلك القلب إلهياً، ويكشف له سبحات الجلال والجمال، ويجعله ينخرط في سلك المقربين في رحاب الله.

وهذه الأفعال العبادية والمناسك الإلهية، فضلاً عن أن لها صوراً غيبية بهية ملكوتية تشكل الجنة الجسمانية فهي تولد في الروح ملكات وحالات تكون مبدأ للجنة المتوسطة والجنات الاسمية. وهذا أحد أسرار تكرار الأذكار والأعمال، فعندما يكرر اللسان الذكر الإلهي، ينفتح تدريجياً لسان القلب أيضاً، ويصبح هو أيضاً ذاكراًُ مثلما أن تذكر القلب يجعل اللسان ذاكراً أيضاً.

وكان الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي، روحي فداه يقول: (يجب أن يكون الإنسان، وهو في حال الذكر، مثل الذي يلقن الطفل الكلام لكي يتعلم التكلم، فهكذا يجب أن يلقن الإنسان قلبه).

وما دام الإنسان يردد الأذكار باللسان منشغلاً بتعليم القلب، فإن ظاهره يعين باطنه. فإذا انفتح لسان (طفل) القلب كانت المعونة عندئذ من الباطن إلى الظاهر، مثلما أن الحال هي على هذه الصورة فيما يرتبط بتقلين الطفل، فعندما يلقنه أحد الكلام ويجري الكلام على لسانه، يتولد في الملقن نشاط يزيل التعب السابق. ففي البداية يكون المدد من المعلم إلى الطفل، وفي النهاية يقوم الطفل بمساعدة المعلم وإمداده, ولو واظب الإنسان مدة على هذه التمارين والإرادة في الصلاة والأذكار والأدعية، فإن النفس تعتاده، وتصبح الأعمال العبادية مثل سائر الأعمال المعتادة التي لا تحتاج حضور القلب فيها إلى تكلف.
الوضوء بزة الجندي
اعلم أيها العزيز! أنه مثلما يكون لهذا الجسد صحة ومرض، وعلاج ومعالج، فإن للنفس الإنسانية أيضاً صحة ومرضاً، وعلاجاً ومعالجاً. إن صحة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الإنسانية ومرضها سقمها هو الإعوجاج والانحراف عن طريق الإنسانية.

إن منزلة الأنبياء هي منزلة الأطباء المشفقين الذين جاءوا بكل لطف ومحبة لمعالجة المرضى.. كما أن التقوى في كل مرتبة من مراتبها بمثابة الوقاية من مضار الأمراض، ومن دون الحمية لا يمكن أن ينفع العلاج، ولا أن يتبدل المرض إلى الصحة. إذا أيها العزيز! بعد أن عرفت أن المرحلة مهمة جداً، ثابر عليها بدقة، فإذا أنت خطوات الخطوة الأولى وكانت صحيحة، وبنيت هذا الأساس قوياً، كان هناك أمل بوصولك إلى مقامات أخرى، وإلا امتنع الوصول وصعبت النجاة.

وكان شيخنا العارف الجليل يقول: (إن المثابرة على تلاوة الآيات الأخيرة من سورة الحشر الشريفة، من هذه الآيات المباركة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ إلى آخر السورة، مع تدبر معانيها بعد كل صلاة وخصوصاً في أواخر الليل حيث يصفو القلب، مؤثرة جداً في إصلاح النفس، وفي الوقاية من شر النفس الشيطان). وكان رحمه الله يوصي بدوام حال الوضوء قائلاً : (إن الوضوء مثل بزة الجندي).
منزل اليقظة
اعلم أن المنزل الأول من منازل الإنسانية هو منزل اليقظة كما يقول كبار أهل السلوك في بيانهم لمنازل السالكين، ولهذا المنزل كما يقول الشيخ العظيم الشاه آبادي دام ظله بيوت عشره لسنا الآن بصدد تعدادها. ولكن ما يجب قوله هو: إن الإنسان ما لم ينتبه إلى أنه في سفر ولا بد من السير، وأن له غاية يجب الانطلاق إليها، وأن بلوغ المقصد ممكن، لما حصل له العزم والإرادة في الحركة..

ويجب أن نعرف أن من أهم أسباب الغفلة التي تؤدي إلى نسيان الغاية، ونسيان لزوم السير، وإلى موت العزم والإرادة هو أن يظن الإنسان أن في الوقت متسعاً للبدء بالسير، وأنه إن لم يشرع اليوم شرع غداً، وإذا لم يتحرك في هذا الشهر فسيتحرك في الشهر المقبل!! فإن طول الأمل هذا وامتداد الرجاء وظن طول البقاء والأمل في الحياة وسعة الوقت يمنع الإنسان من التفكير في المقصد الأساسي الذي هو الدار الآخرة.
لا تخجلوا النبي (ص)
جاء في القرآن الكريم في سورة هود: ﴿َفاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾. وجاء في الحديث الشريف: إن النبي (ص) قال: (شيبتني سورة هود) لمكان هذه الآية.

يقول الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه: (هذا على الرغم من أن هذه الآية قد جاءت في سورة الشورى أيضاً ولكن من دون ﴿َ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ إلا أن النبي (ص) خص سورة هود بالذكر والسبب أن الله تعالى طلب منه استقامة الأمة أيضاً فكان يخشى أن لا يتحقق ذلك، وإلا فإنه النبي بذاته كان أشد ما يكون استقامة، لقد كان مثال العدل والاستقامة).

إذاً يا أخي إذا كنت تعد نفسك من أتباع النبي (ص) وتريد أن تحقق هدفه، فاعمل على أن لا تضعه موضع الخجل بقبيح عملك وسؤ فعلك. ترى لو فعل ابنك فعلاً قبيحاً مع شأنك، فكم سيكون ذلك مدعاة لخجلك بين الناس، وسبباً في طأطأة رأسك أمامهم؟

فأعلم أن رسول الله (ص) وعلي (ع) هما أبوا هذه الأمة بنص قول الرسول (ص): (أنا وعلي أبوا هذه الأمة). فلو وقفنا في حضرة رب العالمين يوم الحساب وأمام نبينا وأئمتنا الطاهرين من آله، ولم يكن في كتاب أعمالنا سوى القبيح من الأعمال، فإن ذلك سوف يصعب عليهم، ولسوف يشعرون بالخجل في حضرة الله والملائكة والأنبياء. وهذا هو الظلم العظيم الذي نرتكبه بحقهم، وإنها لمصيبة كبرى تحل بنا ولا نعلم ما الذي سيفعله الله بنا؟.
تفسير عرفاني آخر لسورة التوحيد
اعلم أن سورة التوحيد الشريفة من جوامع الكلم كسائر القرآن يستفيد كل منه على طور، كما أن علماء الأدب والظاهر يرون أن (هو) ضمير الشأن، و (الله) علم الذات، و (أحد) بمعنى الواحد أو مبالغة في الوحدة يعنى أن الله واحد أو أنه لا شريك له في الألوهية، أو ليس كمثله شيء… و (الله الصمد) يعنى أنه سيد كريم إليه مرجع الناس في الحوائج، أو أنه صمد بمعنى أنه لا جوف له، فلا يتولد منه شيء، ولا يتولد هو من شيء، وليس له أحد شبيهاً ونظيراً… وهذا تفسير بطريق العرف والعادة وهو تفسير يختص بطائفة ولا ينافي أن يكون لها معنى أو معاني أدق..

فيمكن أن يكون للسورة المباركة لدى المتعمقين في آخر الزمان تفسير حكمي موافق للموازين الحكمية والبراهين الفلسفية، وهذا ما استفدته من الشيخ الجليل العارف الشاه آبادي: ( فـ (هو) إشارة إلى صرف الوجود والهوية المطلقة، وهو برهان على ستة براهين شامخة حكمية أثبتت في السورة المباركة للحق تعالى.

الأول: مقام الألوهية وهو مقام استجماع جميع الكمالات وأحدية جمع الجمال والجلال، فإنه قد ثبت في المقامات المناسبة من المسفورات الحكمية أن صرف الوجود والهوية المطلقة هو صرف الكمال.

الثاني: (مقام الأحدية) وهو الإشارة إلى البساطة التامة العقلية والخارجية والماهوية والوجودية، والتنزه عن مطلق التركيبات العقلية…

الثالث: مقام الصمدية، وهو الإشارة إلى نفي الماهية…

الرابع: عدم انفصال شيء منه، لأن انفصال شيء عن شيء مستلزم للهيولية، وهو ينافي الهوية المطلقة..

الخامس: عدم الكفء والمثل ونفي الشبيه، وهو ثابت ببرهان صرف الوجود أيضاً…
ولكل من هذه المطالب مقدمات وأصول تحتاج إلى مزيد تفصيل لا يتسع له هذا المقام.
حب الدنيا عند الموت
اعلم أن ما تناله النفس من حظ في هذه الدنيا، يترك أثراً في القلب، وهو من تأثير الملك والطبيعة، وهو السبب في تعلقه بالدنيا، وكلما ازداد التلذذ بالدنيا اشتد تأثر القلب وتعلقه بها وحبه لها، إلى أن يتجه القلب كلياً نحو الدنيا وزخارفها، وهذا يبعث على الكثير من المفاسد. إن جميع خطايا الإنسان وابتلاءه بالمعاصي والسيئات سببها هو هذا الحب للدنيا والتعلق بها كما ورد الحديث الشريف: (رأس كل خطيئة حب الدنيا).

وكان العارف شيخنا العارف روحي فداه يقول: (إن من المفاسد الكبيرة لحب الدنيا هو أنه إذا انطبع على قلب الإنسان، وأنس بها بشدة، انكشف له عند الموت أن الحق تعالى يفرق بينه وبين محبوبه، ويفصل بينه وبين مطلوبه، فيغادر الدنيا ساخطاً مغتاظاً على ولي نعمته).

إن هذا الكلام القاصم للظهر يجب أن يوقظ الإنسان أيما إيقاظ للحفاظ على قلبه . فالعياذ بالله من إنسان يسخط على ولي نعمته، ومالك الملوك الحق، إذ ليس لأحد يعرف صورة هذا السخط والعداء غير الله تعالى.
ويقول شيخنا المعظم أيضاً، عن أبيه المعظم 🙁 إنه كان في أواخر عمره بسبب المحبة التي كان يكنها لأحد من أولاده ، لكنه بعد الانهماك في الرياضات النفسية مدة تخلص من ذلك الخوف، وانتقل إلى دار السرور مسروراً ) رضوان الله عليه.
لغة العرفاء
إن الشعراء والعرفاء وكذلك الفلاسفة لايختلفون في القول، فهم يقولون شيئاً واحداً، وإنما يختلفون في التعبير، فالشعر لغة، ولحافظ لغته الخاصة، إنه يقول الأشياء ذاتها التي يقولونها، ولكن بلغة أخرى… فلا ينبغي حرمان الناس من هذه البركات.
يجب دعوة الناس إلى هذه المائدة الإلهية من قراَن وسنة ودعاء لكي ينال كل على سعته…
لا تقولوا : ها أنتم تعيدون هذه العبارات إلى الميدان ، العرفاء ثانية؟! أجل لابد من أن تعود.
كان المرحوم الشيخ الشاه آبادي ، رحمه الله، يتحدث بلغة العرفاء للكسبة.. قلت له مرة: ولكن هؤلاء لا يفهمون ماتقول! قال دعهم يسمعوها … دعها تطرق آذانهم.
حسناً كان لدينا إنسان كهذا .صحيح إني أختلف معه في ذلك ولا أوصي به ، ولكني لا أستطيع القول إنه كان مخطئاَ.
لا تعيروا الكافر!.. إنها بداية العجب
إن الشيطان لا يمكن أبداً أن يطلب منكم أنتم المتقين الخائفين من الله، قتل النفس أو الزنا أو….وإنما الأمر من الدرجة السفلى ثم يشق طريقه إلى قلوبكم، فيدفعكم نحو الحرص الشديد على التزام المستحبات والأذكار والأوراد. وفي غضون ذلك، يزين لكم ما يناسب حالكم، كأن تقارنوا أنفسكم بأهل المعاصي، ثم يوسوس لكم بأنكم بحكم الشرع والعقل أفضل من ذلك الشخص، وأن أعمالكم موجبة لنجاتكم، وأنكم بحمد لله ظاهرون بعيدون عن المعاصي ومبرأون منها، فيحصل من هذه الإيحاءات على نتيجتين:

الأولى: هو سوء الظن بعباد الله، والأخرى: العجب بالنفس. وكلاهما من المهلكات ومن معين المفاسد. قولوا للشيطان والنفس: قد تكون لهذا الشخص المبتلى بالمعصية، حسنات أو أعمال أخرى فيشمله الله تعالى بها بوافر رحمته.. ولعل الله قد ابتلى هذا الشخص بالمعصية كي لا يبتلى بالعجب الذي يعد أسوأ من المعصية… ولعل عملي أنا يؤول إلى سوء العاقبة بسبب سوء الظن.

وكان شيخنا الجليل العارف الكامل الشاه آبادي، روحي فداه، يقول: (لا تعيبوا على أحد، حتى في قلوبكم، وإن كان كافراً، فلعل نور فطرته يهديه، ويقودكم تقبيحكم ولومكم هذا إلى سوء العاقبة, إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير التعيير القلبي). بل كان يقول أيضاً: (لا تلعنوا الكفار الذين لا يعلم بأنهم رحلوا عن هذا العالم كفاراً، فلعلهم اهتدوا في أثناء الرحيل، فتصبح روحانيتهم مانعاًُ لرقيكم).

وعلى أي حال فإن النفس والشيطان يدخلانكم في المرحلة الأولى من العجب، وشيئاً فشيئاً يتنقلان بكم من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى، ومن هذه الدرجة إلى درجة أسوأ، إلى أن يصل الإنسان في النهاية، إلى وضع يمن فيه على ولي نعمته ومالك الملوك، فيمن عليه بإيمانه أو أعماله فيصل عمله إلى أسفل الدرجات.
الرياضة الباطلة والرياضة الشرعية
.. قلنا إنه يمكن تكون للإنسان في عالم الملكوت صورة تغاير الصورة الإنسانية، وإن تلك الصور تتبع ملكوت النفس وملكاتها، فإذا كنتم ذوي ملكات فاضلة إنسانية فستجعل هذه الملكات صوركم إنسانية عندما يحشر الإنسان ومعه تلك الملكات ما لم يخرج عن طريق الاعتدال، بل إن الملكات إنما تكون فاضلة حين لا تتصرف النفس الأمارة بالسوء فيها، ولا يكون لخطوات النفس دور في تشكيلها.

يقول أستاذنا الشيخ محمد علي الشاه آبادي دام ظله: (إن المعيار في الرياضة الباطلة والرياضة الشرعية الصحيحة هو خطى النفس وخطى الحق فإذا كان تحرك السالك بخطى النفس، وكانت رياضته من أجل الحصول على قوى النفس، وقدرتها وتسلطها كانت رياضته باطله، وأدى سلوكه إلى سوء العاقبة. وتظهر الدعاوى الباطلة- عادة- من مثل هؤلاء الأشخاص).

أما إذا تحرك السالك بخطى الحق، وكان باحثاً عن الله، فإن رياضته هذه حقة وشرعية، وسيأخذ الله بيده ويهده كما تنص على ذلك الآية الشريفة التي تقول: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ وسؤول عمله إلى السعادة، فتسقط عنه الأنا، ويزول عنه الغرور. ومعلوم أن خطوات الشخص الذي يرائي الناس بأخلاقه الحسنة وملكاته الفاضلة ليلفت أنظارهم إليه هي خطوات النفس، وهو متكبر وأناني ومعجب بنفسه وعابد لها).

ومع التكبر تكون العبودية لله وهما ساذجاً وأمراً باطلاً ومستحيلاً وما دامت مملكة وجودكم مملوءة النفس وحب الجاه والجلال والشهرة والرياسة فلا يمكن اعتبار ملكاتكم ملكات فاضلة، ولا أخلاقكم أخلاقاً إلهية.
ليلة القدر
اعلم أن لكل موجود حقيقة، ولكل صورة ملكية باطناً ملكوتياً وغيبياً، وأهل المعرفة يقولون: إن مراتب نزول حقيقة الوجود باعتبار احتجاب شمس الحقيقة في أفق تعينات الليالي، ومراتب الصعود باعتبار خروج شمس الحقيقة من آفاق تعينات الأيام، وإن شرف الأيام والليالي ونحسها يتضحان على حسب هذا البيان. وباعتبار قوس النزول فليلة القدر المحمدية، وباعتبار قوس الصعود فيوم القيامة الأحمدية، وجميع التعينات هي من التعين الأولي للاسم الأعظم.

ففي نظر الوحدة، العالم ليلة القدر، ويوم القيامة، وليس أكثر من ليلة واحدة ويوم واحد، وهذا تمام دار التحقيق. أي ليلة القدر المحمدية ويوم القيامة الأحمدية، ومن تحقق بهذه الحقيقة فهو دائماً في ليلة قدر ويوم قيامة وهذان يجتمعان.

وباعتبار نظرة الكثرة، تظهر الليالي والأيام، فبعض الليالي صاحبة قدر، وبعضها ليست بصاحبة قدر، وبين جميع الليالي البنية الأحمدية والتعين المحمدي الذي غرب في أفقها نور حقيقة الوجود بجميع شؤونه وكذلك الأسماء والصفات بكمال نوريتها وتمام حقيقتها قد غربت فيها هلي ليلة القدر المطلقة، كما أن اليوم المحمدي يوم القيامة وأما سائر الليالي والأيام فهي ليال وأيام مقيدة، ونزول القرآن في أنه نزل جملة في ليلة القدر بطريق الكشف المطلق الكلي، كذلك تنزل خلال ثلاث وعشرين سنة نجوماً في ليلة القدر، والشيخ العارف الشاه آبادي دام ظله كان يقول: (ليلة القدر هي الحقبة المحمدية) وهذا إما باعتبار أن جميع الحقب الوجودية هي الحقبة المحمدية، أو أن حقبة الأقطاب الكمل محمد والأئمة الهداة المعصومين هي ليالي القدر.
آيات وحجب
إن علماؤنا (رضوان الله عليهم) ممن تصدوا لشرح هذا الحديث الشريف قد اختلفوا في ما بينهم شرحه…. ولا نريد إطالة الكلام بذكر ما قالوا، ولكن سنذكر ما يخطر ببالنا القاصر في هذا الموضوع مع ذكر شواهد لم تبين بعد، ثم نأتي على ذكر نكتة مهمة قد بينها العارف الكامل الشاه آبادي دام ظله

اعلم أن (الآية المحكمة) هي العلوم العقلية والعقائد الحقة والمعارف الإلهية وأن (الفريضة العادلة) هي علم الأخلاق وتطهير القلوب. و(السنة القائمة) هي علم الظاهر وعلم الآداب القالبية الصورية…

والآن نفسح المجال لذكر النكتة التي وعدناكم بها، وهي أن الحديث الشريف قد عبر عن علم العقائد والمعارف بالآية، وهي بمعنى العلامة، والسر في التعبير هذا هو أن العلوم العقلية، والحقائق الاعتقادية إذا تم تحصيلها لأجل هذه العلوم والحقائق نفسها ولأجل تجميع المفاهيم والمصطلحات وزخرفة العبارات وتزين تركيب الكلمات بعضها مع بعض، ومن ثم نقلها إلى العقول الضعيفة، للحصول على المقامات الدنيوية، لا تكون مثل هذه العلوم من الآيات المحكمة، وإنما هي حجب غليظة وأوهام واهية… ولا يظن علماء المفاهيم والمصطلحات والعبارات وحافظو الكتب في الصدور، أنهم من أهل العلم بالله والملائكة واليوم الآخر، فلو كانت علومهم علامة وآية على معرفة الله فلماذا لم تتنور قلوبهم من الآثار النورانية؟!.. والقرآن الكريم قد ذكر المقياس لمعرفة العلماء حيث يقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ فمن لا يخشى الحق المتعال فلا يعد من العلماء. هل في قلوبنا شيء من آثار الخشية؟ وإذا كانت فلماذا لم يبد أثر منها على ظاهرنا؟!
ذخر، لوقت الضيق
فالذين لا يستضيئون بنور التوحيد والولاية، قد لا ينالون الشفاعة، وأن أهل المعاصي إذا ما استغرقوا في الآثام والذنوب، قد يلبثون أحقاباً في العذاب محرومين من الشفاعة. وقد ورد عن النبي (ص) قوله: (وأنا خبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة). يقول الشيخ العارف الشاه آبادي دام ظله: ( وقد عبر بخبأت لأن الشفاعة هي آخر الوسائل التي قد لا يظفر بها الإنسان إلا بعد وقت طويل، كما يدخر ما ينفعه لوقت ضيقه).

إن مجرد احتمال ذلك يكفينا لأن نستيقظ من نوم غفلتنا وغرورنا ونفكر في إصلاح أنفسنا ونضيء قلوبنا بأنوار الطاعة والمحبة لأهل البيت عليهم السلام كي نستحق شفاعتهم، ونشفع نور شفاعتهم بنور الطاعة، وتجذبنا أنوارهم والله الهادي.
رضا جنود العقل والجهل وسخطهم
وقد تبين… أن الإنسان غير المحتجب… ينظر إلى ما يراه من الله وما يفعله به بعين الرضا والسرور، فهو راض بالله مسرور به.. أما صاحب الفطرة المحجوبة، الذي ظن أن الكمال في موضع آخر… فهو ساخط على الله وفعله بمقدار احتجابه عن الحق… وإن لم يصرح بذلك.

يقول شيخنا الكبير العارف بالله محمد علي الشاه آبادي، أدام الله ظله على رؤوس مريديه: (إن التعلق بالدنيا يجعل الإنسان يغضب بفطرته وطبيعته على الله ، إذا ما كشف عن بصره عن الموت وجاءت سدنة الحق من الملائكة الموكلين بنزع روحه، ليفرقوا بينه وبين محبوبه ويسلبوه منه، حتى خرج من الدنيا وهو معاد للحق تعالى وملائكته المقدسين). وعوماً فالسخط والغضب على الله تعالى وفعله، هو من جنود إبليس والجهل، ومن لوازم الفطرة المحجوبة، أعاذنا الله منه.
الصيغ المعدنية
(اللهم أسالك من عزتك بأعزها، وكل عزتك عزيزة)… العزيز الذي هو الغالب القوي أو الفرد الذي لا معادل له. وهو الله تعالى عزيز المعنى بالمعنى الأول، كيف وهو غالب على جميع الأشياء قاهر لها، وجميع سلسلة الوجود مسخر بأمره: ﴿ َّما مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾.. وهو تعالى عزيز بالمعنى الثاني فإن واجب الوجود فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى قوة. وليس في دائرة الوجود قوي إلا هو، وقوة كل ذي قوة ظل قوته ومن درجات قدرته…

وهو تعالى مؤثر في مظاهر الخلقية، بل هو السميع البصير بعين سمعنا وبصرنا على ما يعرفه الراسخون في العلم والمعرفة، قال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي أدام ظله على رؤوس مريديه: (إن السميع والبصير ليسا من أمهات الأسماء. ويرجعان إلى علمه في مقام الذات، ولا يفترقان منه إلا إذا وقعا للمخلوقين والمظاهر، فيتحقق السمع والبصر في حقه تعالى بعين السمع والبصير الواقعين للمظاهر).

فجميع دائرة الوجود ومبادئ التأثير في الغيب والشهود مظاهر قوته وقدرته، وهو الظاهر والباطن والأول والآخر. وهو تعالى عزيز بالمعنى الثالث، لأن الصرف لا يثني ولا يتكرر وكل ما فرضته ثانياً له فهو هو. والعزيز من أسماء الذات على ما جعل الشيخ الكبير في إنشاء الدوائر على ما نسب إليه. ولكن التحقيق أنه من أسماء الذات إن كان بالمعنى الثالث، ومن أسماء الصفات إن كان بالمعنى الثاني، ومن أسماء الأفعال إن كان بالمعنى الأول.

وقال شيخنا العارف دام ظله: (إن ما كان من الأسماء على زنة (فعول) و(فعيل) فمن أسماء الذات، لدلالتها على معدنية الذات. وكان اصطلاحه فيها (الصيغ المعدنية)) وعلى هذا كان كثير من الأسماء التي على وزن الصفة والفعل، في تحقيق الشيخ الكبير، من الأسماء الذاتية في نظره دام ظله.
القدرة الإلهية… دعاء السحر
(اللهم إني أسالك من قدرتك)، بالقدرة التي استطلت بها على كل شيء وكل قدرتك مستطيلة)… القدرة من أمهات الصفات الإلهية ومن الأئمة السبعة التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والتكلم. ولها الحيطة التامة والشمول الكلي، وإن كانت محتاجة في التحقيق إلى الحياة والعلم.

إن السالك إلى الله يقدم المعرفة قد ينكشف له في بعض الحالات إن سلسلة الوجود ومنازل الغيب ومراحل الشهود من تجليات قدرته ودرجات بسط سلطنته وملكه، ولا ظهور لمقدرة إلا مقدرته ولا إرادة إلا إرادته، بل لا وجود إلا وجوده. ثم إن القدير من الأسماء الذاتية على ما مر من تحقيق شيخنا العارف الكامل أدام الله تأييداته. والقادر من أسماء الصفات على ما عين الشيخ الكبير في (إنشاء الدوائر). والمقتدر بأسماء الأفعال أشبه، وإن جعله الشيخ من أسماء الصفات. والله العالم.
الولاية… الولاية
وتوهم بعض أن الولاية فريضة كسائر الفرائض، وفي عرضها أو أشرف منها، للرواية الواردة: (بني الإسلام على خمس.. ومنها الولاية) وقال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي، أدام الله ظله على رؤوس مريديه: (إن الولاية في الحديث الشريف بفتح الواو بمعنى المحبة. والولاية التي هي أحد أركان الدين بل أصله وكماله هي بالكسر تدبر)
السفر الثالث
قال شيخنا الكبير العارف الكامل الشاه آبادي مد ظله: (إن السالك بقدم المعرفة إلى الله إذا تم سفره الثالث، وسرى بهويته الجمعية في جميع مراتب الموجودات، يرى بعين البصيرة جميع مصالح العباد، من أمور المبدأ والمعاد، وما يقربهم إليه تعالى، وأن الطريق إليه لكل أحد بخصوصه، وله التشريع ف هذا المقام. وكان هذا المقام حاصلاً لمولانا قطب الموحدين أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من بعهده، ولكن رسول الله (ص) لما تقدم عليهم زماناً وكان صاحب المقام أظهر الشريعة فلم يبق مجال التشريع لأحد، لتمامية شريعته. فلا بد للأولياء من بعده من متابعته. ولو فرضنا تقديم أمير المؤمنين (ع) عليه (ص) زماناً، لأظهر الشريعة وتكفل أمر الرسالة والنبوة فللرسول (ص) متابعته إذا جاء بعده. ولكن الحكمة البالغة تعلقت بأن أظهر الشريعة بيد رسول الله (ص).
سر الجمع والإفراد
(اللهم إني أسالك من قولك بأرضاه، وكل قولك رضي، اللهم إني أسالك بقولك كله).. قد تحقق في ما سبق وبلغ التحقيق بما استحق أن حالات السالك ومقاماته في سيره وسلوكه مختلفة فإن الإنسان مظهر اسم ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾، ففي كل حال وشأن يظهر له محبوبه باسم، ويتجلى له معشوقه ومطلوبه بتجل، من اللطف والقهر والجلال والجمال. قد يتجلى باسم واحد بنحوين من التجلي وطورين من الظهور: جلوة بنحو الكثرة في الوحدة، وجلوة بنحو الوحدة في الكثرة. فإن تجلى له على النحو الأول، يغلب على قلبه سلطان الوحدة ويجري على لسانه كلام يناسب حاله، فيترنم بما يدل على الوحدة ويقول: (اللهم إني أسالك من قولك بأرضاه) بلفظ المفرد. وإن تجلى له على النحو الثاني، يغلب على قلبه سلطان الكثرة، فيترنم بكرم مناسب حاله، ويدل على الكثرة فيقول: (اللهم إني أسالك من كلماتك بأتمها) بلفظ الجمع. وهذا أحد الأسرار في ذكر (القول) و (الكلمات) والتوجه إليهما في الدعاء الشريف….

وسألت شيخي العارف الكامل أدام الله ظله، عن وجه ذلك فأجاب بما حاصله: (إن حالات السالك له باسم مختلفة، فقد يتجلى له ربه باسم بحسب حال من حالاته، ثم يتجلى له باسم آخر بحسب حال أخرى، ثم يتجلى له بالاسم الأول بعود الحال الأولى، فيصير السؤال في الحالين: الأولى والثالثة متحداً).

وقد علق السيد أحمد الفهري، في ترجمته لشرح دعاء السحر، على هذا المقطع قوله: (والفرق بين جواب الشيخ وجواب الإمام أن الإمام يأخذ الكثرة والوحدة في التجلي نفسه، بينما يأخذهما الشيخ في عدد التجليات، فلربما تجلى الاسم لمرة واحدة لجاء الدعاء بصيغة الفرد، ولو تجلى لمرتين أو أزيد، لجرى الدعاء بصيغة الجمع).
أول الأسماء
(اللهم إني أسالك من علوك بأعلاه وكل علوك عال، اللهم إني أسالك بعلوك كله).. هو العالي في دنوه، والداني في علوه. وله العلو المطلق، وسائر المراتب الوجودية دونه. ولا علو على الإطلاق لشيء إلا له، بل علو كل شيء ظل لعلوه.

والعلي من الأسماء الذاتية، على تحقيق شيخنا العارف الكامل دام مجده، ويستفاد من الرواية المنقولة عن طريق شيخ المحدثين محمد ابن يعقوب الكليني، (رضوان الله عليه) ، في الكافي عن ابن سنان قال: (سألت أبا الحسن الرضا (ع): هل كان الله عزوجل عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: نعم. قلت: يراها ويسمعها؟ قال: ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها، و لا يطلب منها، هو نفسه، ونفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمى نفسه، ولكنه اختار نفسه أسماء لغيره يدعوه بها، لأنه إذا لم يدع باسمه، لم يعرف، فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله، واسمه العلي العظيم هو أول أسمائه علا على كل شيء).

فمن الرواية الشريفة يظهر أنه من الأسماء الذاتية التي اختارها لنفسه قبل أن يخلق الخلق، وباعتبار آخر من الأسماء- الصفات، كما يظهر من آخر الرواية، حيث قال: علا على كل شيء.
الحضور لدى الله
إن الموجودات بمراتبها السافلة والعالية جمعيها، مرتبطة بالوجه الخاص بالله تعالى بلا توسط شيء، فإن المقيد مربوط بباطنه وسره بالمطلق، بل هو المطلق عينه، بوجه يعرفه الراسخون في المعرفة. وكان شيخنا العارف الكامل أدام الله ظله على رؤوس مريديه يقول: (إن المقيد بباطنه هو الاسم المستأثر لنفسه، وهو الغيب الذي لا يعلمه إلا هو لأن باطنه المطلق، وبتعينه ظهر لا بحقيقته. فالكل حاضر عند الله بلا توسط شيء).
كطفل يتلو قصيدة
لقد كان شيخنا العارف الكامل، روحي فداه يضرب مثلا على حضور القلب في العبادة على سبيل الإجمال بأن شخصاً ينظم قصيدة في مدح أحد، فيعطيها لطفل لا يستوعب معناها كي يلقيها أمام ذلك الشخص، ثم يفهم الطفل إن هذه القصيدة قد نظمت في مدح ذلك، فعندما يقرأ الطفل القصيدة يعلم إجمالاً أنه يثني على الممدوح رغم جهله لكيفية ثنائه عليه. ونحن أيضاً بمثابة الأطفال نمدح الحق من دون أن نعرف ما هي أسرار هذه العبادة وما هي الأسماء التي ترتبط بها هذه العبادات، وكيف تكون هذه العبادات ثناء للحق جل وعلا، ولكن لا بد من أن نعرف إجمالاً بأن كل عبادة من هذه العبادات ثناء على الكامل المطلق والمعبود والممدوح المطلق، على الشكل الذي أثنى هو بنفسه على نفسه، وأمرنا أن نثني أمام ساحته المقدسة بالكيفية نفسها.
اسم الله المستأثر
الاعتبار والأخذ واللحاظ ونظائرها من هذه المفردات هي من لواحق الماهيات والطبائع التي هي نفسها (الماهيات والطبائع) أيضاً أمور اعتيادية، والاعتبارات، والاعتبارات المذكورة (بشرط لا، ولا بشرط، وبشرط شيء) في كلام الشارح لا سبيل لها في حقيقة الوجود. بل إن كل ما هو مصطلح لدى أهل الله ليس سوى نتيجة مشاهداتهم وخواطرهم القلبية.. ومع الالتفات إلى هذه الحقيقة يمكن القول: إن الوجود يتجلى إما بالتجلي الغيبي الأحدي المستهلكة فيه جميع الأسماء والصفات، وهذا التجلي يقع بالاسم المسأثر الذي هو اثنان وسبعون حرفاً من حروف الاسم الأعظم، حيث هذا هو مقام الـ (بشرط لا) وهذا المقام اسم للحق تعالى. وفي النهاية: إن هذا الاسم ليس معلوماً لأحد، بل استأثر به الله عز وجل في علم الغيب عنده…

يقول أستاذنا العارف الكامل دام ظله: (الاسم المستأثر هو الذات الأحدية المطلقة، لأن الذات تكون منشأ الظهور بحثيثة التعين، بخلاف الذات المطلقة، أي الفاقدة للتعين. ولإطلاق الاسم على ما له إشعار بالتعين على نحو المسامحة والظاهر من كلام الشيخ القونوي وتقسميه الأسماء الذاتية إلى اسم تعين حكمه وأثره، واسم لم يتعين حكمه وأثره، هو أن الاسم المستأثر من الأسماء الذاتية، التي ليس لها مظهراً في العين والخارج).

وعندي أن للاسم المستأثر أيضاً أثراً في عالم العين والخارج، غاية ما في الأمر أن أثره مستأثر أيضاً. لأن للأحدية الذاتية بكل شيء وجهة خاصة وعلاقة متميزة، وهو هو سر وجود الذات الأحدية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ إذاً، فللوجهة الغيبية أثر مستأثر فتدبر وتعرف.

… ولا أحد يعرف كيفية هذا الارتباط (الغيبي احدي) بل هي علاقة بين الأسماء المستأثرة والمظاهر المستأثرة لأن للأسماء المستأثرة عندنا مظاهر مستأثرة، إذ لا اسم بلا مظهر أبداً، فللاسم الإلهي المستأثر مظهر أيضاً. لكن مظهره مستأثر في علم غيب الحضرة الأحدية كالاسم، لذا فلعالم الوجود والكون حظ من الحضرة والأحدية وحظ من حضرة الأحدية، وحظه من الحضره والأحدية واضح ومعروف للكاملين من أولياء الله تعالى، أما حظه من الحضرة الحدية، فهو سر مستأثر عند الله تعالى، وأشار إليه بقول تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾.
الدعاء قرآن صاعد
إننا بحاجة إلى إصلاح أنفسنا وتهذيبها، نحتاج إلى ذلك حتى النهاية، حتى الأنبياء يحتاجون إلى ذلك، حتى الأنبياء العظام وامتيازهم أنهم عرفوا ما يحتاجون إليه، فانطلقوا وراء تحقيق ما يفتقرون، أما نحن فقد حالت الحجب دون إدراكنا لما نحتاج إليه فقعدنا عن القيام بما يجب علينا فعله..

اسألوا الله، تبارك وتعالى أن يوفقكم في هذا الشهر المبارك لأداء أعمالكم المكلفين بها يوافق رضاه. إن الأدعية الواردة في شهري رمضان المبارك وشعبان هي طريقنا إلى غايتنا، فهي (قرآن صاعد) كما عبر عنها شيخنا (رحمه الله) (الشيخ الشاه آبادي).. إذ كان يقول: (إن القرآن نازل وهذه الأدعية قرآن صاعد).

على أية حال، تدبروا في المعاني الدقيقة الموجودة في هذه الأدعية المباركة، فهي قادرة على بعث الإنسان وتحريكه. لإن شهر رمضان يعين الإنسان على كثير من الأمور، بل إنه يجعل الإنسان قادراً على ضبط نفسه إلى قابل، أو إلى آخر عمره فلا يتجاوز مرضاة الله. أرجو أن نوفق جمعينا لأن نتعلم ذكر الله وعبادته في هذا الشهر المبارك حتى النهاية…

اللهم إنا عبيدك الضعفاء، عبيدك المعدمون لا نملك شيئاً لسنا شيء فأنت كل شيء اللهم إن تجاوزنا فعن جهل، فاعف عنا. الهم وقد دعوتنا لضيافتك فأدخلنا رضاك، اللهم وفقنا لأن نكون ضيوفاً في ساحتك.

اللهم، وهذه إيران التي تتعرض للهجوم من كل صوب، اللهم فانصرها وأعززها إعلاء لشأن الإسلام.
الرجوع إلى الصفحة الرئيسية

الفصل الثالث: مختارات من مؤلفات العارف الكامل
ترك المرحوم الشيخ محمد علي الشاه آبادي وراءه نتاجات علمية جليلة ضاع القسم الأعظم منها لظروف وعوامل مختلفة، بما في ذلك الكتابات التي كانت قد أعطيت للإمام الخميني بعد وفاة أستاذه، إذ استولى عليها جهاز السافاك لدى مداهمته لمنزل الإمام ومكتبته، ولم تسفر المحاولات للعثور عليها بعد انتصار الثورة الإسلامية عن نتيجة تذكر.

أما كتبه ورسائله العلمية التي نجت من الضياع فلم تر النور منذ كتابتها، وكانت الحفاظ عليها سيئة حتى تعرضت للتلف الشديد. وعليها لم يطبع حتى الآن من جميع ما كتبه ذلك العارف الكامل سوى كتابين قيمين هما: (شذرات المعارف) و (رشحات البحار)، اللذان لم يخطيا بطبعة لائقة.

ومن هنا اقتصرنا، في هذا الفصل على استعراض هذين الكتابين فق، تاركين لملة شتات آثاره الأخرى إلى مؤلف آخر سوف يصدر تحت عنوان (الفقيه المجاهد).

شذرات المعارف
ألف المرحوم الشيخ العارف الشاه آبادي هذا الكتاب باللغة الفارسية وقسمه إلى خمس شذرات، أي خمسة فصول في موضوعات مختلفة: اجتماعية وسياسية وأخلاقية وعقدية وعرفانية، كتبه الشيخ عام 1940م، وطبع أربع مرات حتى الآن، أولاها عام 1945م، أي في حياة الشيخ، أما طبعته الثالثة فقد صدرت بالحجم الجيبي سنة 1958 (رمضان 1377هـ)، ثم طبع طبعة رابعة بعد انتصار الثورة الإسلامية بخمسة أعوام، وذلك عام 1984، ولكم هذه الطبعة كانت مليئة بالأغلاط مع الأسف.

لذا ارتأى القسم الثقافي في مؤسسة الشهيد الشاه آبادي تقويم هذا الكتاب وتنقيحه ليصدر في طبعة خامسة خلال العام 2001م، ولذا ألحقت به معارف أخرى عثر عليها في بعض النسخ الخطية، بالإضافة إلى (رسالة المعارف) التي تنشر لأول مرة، حيث وضعت في آخر الكتاب بعنوان (الشذرة السادسة). ستجد في هذا الفصل مقتطفات من هذا الكتاب القيم.

رشحات البحار
أما كتاب (رشحات البحار) فقد ألفه المرحوم العارف باللغة العربية، وهذا الكتاب في الحقيقة يتألف من ثلاثة كتب مستقلة هي: القرآن والعترة، الإيمان والرجعة، الإنسان والفطرة ومجموع صفحات الجميع 370 صفحة، يضمها مجلد واحد يحمل هذا الاسم (رشحات البحار) وقد ترجمه نجله محمد الشاه آبادي إلى اللغة الفارسية وشرحه، وطبع سنة 1984.

يجب علاج المرض.. لا التأوه منه فقط
لقد ابتليت البلاد الإسلامية منذ زمن بأمراض مزمنة ومهلكة فقد انتشرت العقائد الباطلة، والأخلاق الرذيلة والأفعال القبيحة بحيث لا يمكن أن ننسب الأمة إلى الإنسانية فضلاً عن الإسلامية وهذه الأمراض تشتد وتتفاقم يوماً بعد يوم حتى فسد مزاج الأمة تماماً بما يهدد بعد رسمها بالزوال، نعوذ بالله من هذا المصير.

وفي هذه الأوضاع، نشاهد طائفة من المتدينين يظهرون في المحافل والمجالس أسفهم على ما يجري على الإسلام، ولكنهم في غفلة عن شيء مهم، وهو التفكير في العلاج، لأنه لا جدوى من التأوه ولا جدوى من عد الأمراض، فهذا لا يداوي مرضاً وإن كان الطريق إلى العلاج هو معرفة المرض.

الغرور الأكبر
السبب الأول من (الأسباب التي أمرضت المسلمين) هو غروهم بكونهم على الحق، الذي أدى إلى تسليم سماحة الدعوة إلى المعاندين، كما أدى أيضاً إلى القناعة بالإسلام الفردي وإهمال التبليغ والقيام بمهمة الأمر بالمعروفة والنهي عن المنكر.

كما هي الحال في الاغترار بالشفاعة، الذي أصبح منشأ لارتكاب أنواع الرذائل الأخلاقية والكبائر من المعاصي… في حين أن الغرور والاغترار بالإسلام والشفاعة إلى الحرمان منها جميعها.

الإسلام الفردي
إن القرآن المجيد لا ينسجم مع الإسلام الفردي، ذلك أن القرآن لا يأمر بالصلاة على انفراد، بل لقد أوكل إلى المسلمين إضافة إلى ذلك، مهمة إنتاج المصلي وإقامة الصلاة. والقرآن لا يطلب منا الاحتراز من الزنا فحسب، بل علاوة على ذلك يجعل من حفظ العقد والمنع من وقوع الزنا في العالم من وظائفنا وواجباتنا.

التدبير الإلهي
(الحدود) (والديات) تدابير إلهية من أجل الحؤول دون الوقوع في (المنهيات) وازهادر (الأوامر) ذلك إن (القصاص) وإن بدأ في ظاهره إعدام في مقابل إعدام، أو كأنه تكثير لعدد المعدومين، ولكنه أعظم تدبير من أجل صيانة حق الحياة والردع عن قتل النفس، لذا قال تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وعندما ينفذ هذا الحكم السياسي الإلهي، فإن الإنسان وبسبب حب الذات وحب البقاء سوف يرتدع عن ارتكاب هذا الفعل القبيح، وسيسعى للحفاظ على حياة الآخرين.

أهذه نعمة؟
نشاهد بعض الجهلة والمغفلين سعداء لكونهم يستخدمون صناعات الأعداء ويقولون: إن الله سبحانه سخرهم لنا خدماً وحمالين! ولكنهم لو نظروا بعين الإنصاف إلى ذلك لرأوا أن الحمال هو من يبيع قطنه للأجنبي بستة دراهم، ثم يعود ليشتريه منه بستة آلاف درهم، أو أكثر من ذلك!..

أهذه نعمة حقاً لتفرحوا بها؟ أمن النعمة أن نعطل قوانا العقلية والعملية فنستحق بذلك هذه النقمة. يجب علينا أن نستغفر مما نفعله بأنفسنا.. ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. يجب أن نحيل بلادتنا إلى إحساس، وخنوعنا إلى غيره أو نعبر عن غضبنا بمقاطعتنا للكفار… إن ألبسة المسلمين وسلعهم يجب أن تنتج في بلدانهم، وأن لا يكونوا سوقاً للأجانب.

الحس الحضاري والحس الديني
إن الحس الحضاري الإنساني يقتضي القيام بعمل مقابل أداء الآخر لعمل. مثال ذلك ما يقع من النجار في مقابل البناء. أما الحس الديني الذي أوجده الأنبياء في الإنسان بجهودهم فيقتض النهوض بحاجة الأخر حتى لو لم تقض له حاجة في مقابلها. لذا فإن ناموس العون ينهض على صرح (الهمة الإنسانية العالية) والحث والترغيب في الشريعة المطهرة على ذلك يفوق حد الإحصاء. ويقول المعصوم (سلام الله عليه) في شروط الأخوة: (أن لا يمنعك شيئاً تناله بقدرته. فيعينك أخوك في حدود قدرته في أمورك بيده ولسانه وماله وعمله وقلمه)، وهذه طبعاً من خصال أهل الهمم العالية.

حاجات المعاش والمعاد
إن التزاحم بين الدين والدنيا.. منشأ لضرورة أن يتوجه بعضهم إن تحصيل المعارف الدينية وإفاضتها إلى الآخرين، كما قال الله تعالى ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، وإلا فالعلماء قادرون على تحصيل معاشهم مثل سائر الناس، بل هم أقوى لما لديهم من إمكانات عقلية، ولكنهم لما كانوا لا يملكون من الوقت أكثر مما يملكه الآخرون، أي أن يومهم ليس ضعفي يوم الناس كي يقسموه نصفين: نصف لطلب العلم الآخر لتحصيل الرزق، ومن هنا كان لا بد من أن يتولى بعضهم مهمة تأمين حاجات المعاش الإنسان، ويتولى بعضهم الآخر حاجات المعاد.

فتح باب الزراعة
أول أصول التعاون هو فتح باب الزراعة وتنميتها: ذلك أنه أول أمر يلبي الحاجات ويحقق الثروة. بل إن الإقبال على الزراعة أمر فطري تقتضيه طبيعة البشر، والشاهد على ذلك إقبال الأطفال على اللعب بالماء والتراب. وإذن، يجب إحداث ربط ما بين الأجزاء المنتجة لها، وهي الماء والتراب والإنسان، وبخاصة في البلاد الإيرانية حيث الأجزاء متوافرة بكثرة، حيث يحصل الرفاه في ظلال هذا الارتباط، ويزدهر تحصيل المعاش الحلال، فينصرف الإنسان فارغ البال إلى الاهتمام بشؤون المعاد، فلا بد من أن ينصب جل اهتمام المتدين على تنظيم هذا الأمر.

النعم العشر
إن صدور الحسنة، من الإنسان، ناشئ من تنعمه بعشر نعم:
1. نعمة الإيجاد
2. نعمة الاستعداد
3. نعمة التربية
4. نعمة الارتزاق
5. نعمة بعث الرسل
6. نعمة إنزال الكتب
7. نعمة تبين الحسنات والسيئات
8. نعمة التوفيق
9. نعمة الإخلاص
10. نعمة العبودية

فالعمل بالحسنة إظهار لتلك النعم العشر وشكر عليها، وإذن من الطبيعي أن يكون الثواب عشرة أمثاله. أما ارتكاب السيئة فلأنه ناشئ من الغفلة عن تلك النعم والمنعم، بل هو التفات إلى عالم النفس فجزاؤه إذن مماثل له. ومن هنا ندرك أن القيام بالسيئة لأنه صادر عن الغفلة والجهل، فهو لا يعد كفراناً للنعم العشر.

الرياضة الرافعة
ما لم تصل الأفعال القبيحة إلى حد الملكة فهي في زمرة السيئات القابلة للعفو والغفران، كما جاء في الآية الكريمة ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً﴾.

أما في حالة تكرارها حتى تصبح ملكة نفسانية وتكون مصداقاً للطغيان والعصيان، فلا ينفع معها شيء سوى الرياضة النفسية التي ترفع هذه الملكة الطاغية، وإلا ظلت كذلك حتى تفاجئه سكرات الموت وموتات عوالم البرزخ والحشر والنشر وتطاير الكتب، وإذا لم ترتفع هذه الملكة خلال ذلك فحينئذ لزمه الدخول إلى النار وعالم الجحيم، والآية الكريمة: ﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ شاهدة على ذلك إذ أن الآية في حق طائفة من أهل الإيمان كانوا عصاه وإلا فإن الكفار خالدون في النار.

الغيرة
(الغيرة) من الصفات الروحية في الإنسان، وهي التي تدفع بالمرء من أجل حفظ الحقيقة وإبطال الأباطيل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وهي من صفات الجلال الربوبية، إذ جاء في الأثر: (إن الله غيور ولغيرته حرم الفواحش). لذا فإن الأشخاص الغيورين يسعون في حفظ الحق وإبطال الباطل، حتى إن فلسفة قتل جميع الأنبياء هي لضخ الغيرة في البشر لحفظ الدين.

وكما تشاهدون إن انتشار كل دين إنما يحصل بعد استشهاد النبي، لأن معاصريه، وإن كانوا يرونه إنساناً صالحاً، بيد أن الشبهات كانت تصدهم عن الإيمان بنبوته في حياته، لكنهم ما إن يروه يقتل في سبيل رسالته، حتى تتأجج غيرتهم وتبعثهم للتمسك بدينه ونشره.

وبشكل عام، فقد كانت الغيرة على الدوام هي الحافز لانتشار الحق وانحسار الباطل، حتى (مزدك) الذي يقول بعدم ضرورة الغيرة في الإنسان لأنها السبب في اختلال النظام الإنساني، لو دققتم النظر لوجدتم أن الذي دفعه لرفع الغيرة عن البشرية هو غيرة هذا العديم الغيرة، لأنه أراد من خلال ذلك القضاء على الغيرة لأنها مضرة. واسوأتاه من هذه اللا أبالية، حيث وصل الأمر إلى أن تخرج النساء متبرجات بكامل زينتهن إلى الشوارع والأسواق.

أيها الناس، إذا تخليتم عن غيرتكم فاعلموا أن الله غيور، وأن الغيرة من صفاته الذاتية.

مصباح البرزخ
روي أن أحدهم رأى المرحوم العلامة المجلسي (طاب ثراه) في المنام فسأله عما جرى عليه بعد الموت، وأن المرحوم العلامة قال له: أنه بعد عروج الروح سئلت عما جئت به فقلت: (بحار الأنوار) فسئلت: هل جئت بشيء آخر غير هذا؟ فسكت. فقيل لي: إن لديك شيئاً وهو تفاحة أعطيتها لطفل يهودي وما تراه هنا إنما هو بسبب هذه التفاحة.

وللتوضيح نقول: إنه قد ظن صاحب الرؤيا إن (بحار الأنوار) لم يقبل، لأنه لم يترتب عليه الأثر فيما ترتب الأثر على التفاحة. لكن الأمر ليس كذلك، فهذا السفر الجليل له في البرزخ، لأن العلم يظهر في الجبروت. بعبارة أخرى: إن (بحار الأنوار) مشتمل على العلوم الحقيقة وإن مصباح البرزخ صغير لا يستطيع عرض أنوار هذا العلم بل حتى مصباح الملكوت قاصر عن إظهاره وإن مصباح الجبروت هو الذي إبراز نور التوحيد. لذا فبحار الأنوار مسكوت عنه في المطلع، ونور الإحسان هو ما استطاع مصباح البرزخ أن يعرضه فأصبح محلاً للطف.

وينبغي أن ندرك أن ظهور باطن الأعمال مختلف بحسب عالم (البرزخ) وعالم (الملكوت) وعالم (الجبروت) فمثلاً الإحسان والإساءة لأهل الدنيا يظهران في عالم البرزخ، من قبيل السرور والحزن اللذين يدخلهما المرء على قلب إنسان آخر، ولكن ظهور الصفات والأخلاق وصفة العبادة التي هي رأس الصفات، إنما تظهر في الملكوت والجنة الجسمانية، وأما المعرفة والعلم بالحقائق فتظهر في عالم الجبروت والجنة العقلانية.

الحب المجازي
ما يشاهد المرء من أن طلاب الراحة يرونها في ترك الأوامر، ويرون الحرية في التمرد على الرحمن، وهذا ناشئ عن الفطرة الثانية وعن سوء التربية والعادة، المؤدية بالإنسان إلى الإعراض عن الدين الفطري. وإن كان سيرجع يوماً إلى فطرته، لأنه لو رجع إلى حقيقته، لأدراك أن الحبيب الذي اتخذه لم يكن معشوقه، فظن أن غير المعشوق معشوقه، وسيأتي يوم يظهر له هذا الوهم، وحينئذ سيقول: ﴿ لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾.

والمراد من الفطرة الثانية احتجاب فطرة العشق عن المعشوق الحقيقي، والانصراف إلى حب الشهوات وزخارف الدنيا وآمالها… من باب التباس (صغرى) النقص بالكمال، والشر بالخير، والقبيح بالحسن، وإلا فلا وجود للخطأ في أصل الكبرى إذ فيها أن الحب والعشق للكمال.

وقد تنحرف فطرة عشق الكمال، فتحرص النفس على تحصيل الشهوات وزخارف الدنيا ولذات طبيعية، من باب الاشتباه في التطبيق، فتحتجب عن المعشوق الحقيقي. ومن المعلوم أن ارتكاب النقص راجع إلى أللاشتباه في تشخيص الكمال في موضوع النقص، وهذا الاشتباه راجع بدوره إلى احتجاب الفطرة.

إثبات المعاد بالفطرة (برهان فطرة العشق)
إن الحب الحرية وحب الراحة جناحان يطير بهما الإنسان إلى رحاب المعشوق لاكتساب الكمال. وتوضيح ذلك أن كل إنسان يعشق حاجاته المناسبة له، المتمثلة بالراحة بالتخلص من موانعها، وهذه هي الحرية. ومعلوم أن اللقاء بهذين المعشوقين لا يتم إلا إذا أشبعت الحاجات المناسبة بمجرد الإرادة- المشيئة الصرفة- وإلا فلو كانت محتاجة إلى الحركة، فلا راحة حينئذ، ولو وجد مانع يجحد من الإرادة لانتفت الحرية آنئذ، فإنك لو نظرت إلى أطراف العالم فلن تجد حصولاً مريحاً للحاجات إلا قليلاً، ولو حصل فمع المتاعب والمشاق الكثيرة، وعليه نقطع بأن نيل الراحة (مستحيل الوقوع) وهكذا الحرية بسبب تمرد أجزاء العالم وعجزنا عن إنفاذ مشيئتنا في تحقيق غايتنا. وبالقطع بعدم نيل الراحة وكذلك الحرية، ومن خلال مراجعة الفطرة العاشقة لهما، تجد أن عشق الراحة والحرية وجودك، بنحو لا يعرف الفتور والهدوء. ولأن الفطرة معصومة عن الخطأ في حكمها، فستقطع بوجود عالم أوسع من هذا العالم، تتحقق فيه الحرية والإرادة في حصول الراحة، وقد أخبر تعالى عن حاجة الفطرة بقوله: ﴿فيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ حيث الحرية التامة والإرادة والراحة والتلذذ في عالم الملكوت لا في عالم الملك. ومن هنا جاء في الأثر: (خلقتم للبقاء لا للفناء) والبقاء يتحقق في المعاد في عالم ما بعد الموت حيث عالم الجنة واللذة الخالدة.

إذن، فالالتفات إلى فطرة عشق الراحة والحرية، وما عليه هذا العالم من ضيق وموانع تحول دون نيل العاشق لمعشوقه، يجعلك تقطع بعدم وجود هذا المعشوق في عالم الملك. ويسوقك إلى الإعراض عن عالم الدنيا والتخلي عن الأهواء النفسية التي لا طائل منها، وستغدو هموم النفس أوهاماً. ولأنك شعرت بالعشق وأدركت أن مشعوقك في عالم آخر، ستقبل على الآخرة، وهذا ما فعله الأنبياء والأولياء إذ حلقوا بهذين الجناحين حتى بلغوا بأنفسهم ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾.

الوصول إلى المعشوق بفناء العاشق
إن السر في أن الآية الكريمة : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ أمرت بتوجه القلب إلى الدين الذي هو رحاب الله، وليس إلى المعشوق الحقيقي ذاته (الله) هو أن الوصول إلى المعشوق يكون بفناء العاشق، وهذا الأمر متأخر بالذات عن إدراك المعشوق حضورياً…

إذن، يتوجب إقامة الوجه لرحاب المعشوق، ومن هنا نعلم أن الوصول إلى الحقيقة لا يكون إلا عن طريق الشريعة.

حضور القلب
كما تشاهد أن جميع أرباب الصنائع والحرف، وأهل الملذات والمعاملات والعادات يؤدون أعمالهم بحضور القلب، لأن لكل القلب محبوباً يهيم به، فهل يحرم أهل العبادة وحدهم من القلب! مع أن أس أساس العبادة والثناء قائم على حضور القلب. وفي الواقع، إن جميع العاملين ينذرون العباد من خلال عملهم قائلين: إننا لم نؤد عملاً من دون حضور القلب، فهل عبدتم الله طوال عمركم بحضور قلب أو لا؟

حب القلب
إن المحافظة على الأخوة والمودة واللفة أصعب من إيجادها…ومن الممكن أن ينجذب الإنسان لوهم أو يعرض لمجرد إساءة وعلى هذا، فمن شروط الأخوة حفظ المودة، إذ قد يرد على الصديق ما يوجب الإعراض عنه، ولكن ثبات القدم في الأخوة أمر مطلوب..

وبشكل عام، إن حفظ أمر يلازم الإغماض وعض النظر، وعكس يوجب الإعراض والانصراف.

لذا ينبغي أن يراعي الصديق مقام الحب القلب للصديق، ليغض النظر من خلال ذلك عن إساءاته، لأننا لو قارنا بين العمل والحب لوجودنا أن الحب أهم، فبالحب يعفى عن الإساءة وتحفظ المودة لأنها الأهم، فلا تؤثر الإساءة في صرف النظر عن الحب.

لذا، فلو صدر من أخي ما قد يخالف الأخوة والصداقة، فإما يجب حمله على محمل الصحة في عمل، أو حمله على الغفلة، وإلا غض النظر عنه، فلا يعرض، ومن بلغ هذا الشأو، فقد تخلق بواحدة من أخلاق الله، لأن الله (ودود) فهو يتجاوز عن إساءات العباد ومعاصيهم بالنظر إلى الإيمان في قلوبهم، لا بالنظر إلى سوء أعمالهم ومعاصيهم. فمن تجاوز عن إساءة من أخيه قويت أخوته وصار مظهراً لتجلي الودود.

فقد جاء في الخبر عن رسول الله (ص) أن قال: (أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية، وأيهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنة يوم الحساب).

تشتت المسلمين
(ومن الأسباب الممرضة للمسلمين) تفرقهم وتمزق خيوط الأخوة بينهم لاختلاطهم بالأجانب، ما أدى إلى اضمحلال أمور المعاش لديهم وشؤون المعاد، فحتى ظهور الجماعات المختلفة المسالك موجب للضعف والانحلال فضلاً عن الانفراد اشتد الضعف والانحلال، إلى أن تصل الحالة إلى الاضمحلال التام. وقد أدرك الأعداء خطورة ذلك فأسرعوا لبث الفرقة بينا، وقد نجحوا إلى حد كبير، حتى لنكاد نخسر أساس حياتنا الدينية والدنيوية، وهذا مصداق قوله تعالى:﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

الوصايا الأربع عشرة
… والحاصل إن الاغترار بالحقانية والغرور بالحياة العارية واليأس من ظهور السعادة وتمزق المسلمين وانعدام بيت المال، وهذه العوامل الأربعة جميعها أدت إلى تعطيل القوى الفعالة لدى المسلمين، وحرمتهم من بلوغ السعادة الدينية والدنيوية، ولكن علة العلل في الجهل بأهداف الإسلام…لذا فإن على المسلمين وزعمائهم أن يتحملوا المسؤوليات الآتية:-

1. ترغيب الناس بالعلماء الأتقياء، وتشجيع طلاب العلوم الدينية، وتحسين أحوالهم المعيشية، وإنشاء المؤسسات لتعليم المعارف والأخلاق الأحكام الإسلامية التي هي أصول الإنسانية.

2. تعزيز العلاقات بين العلماء ، وهذا هو الطريق الوحيد لحفظ الإسلام والمسلمين، ففي ظلال اتحاد العلماء يسير أتباعهم في طريق واحد، حيث يقوم الجميع لله وحده، ويعمل الجميع على نشر العمل الصالح والأخلاق الحسنة والعقائد الحقة بين الناس ومحاربة الرذائل والأفكار الباطلة وحماية المجتمع من آفاتها.
3. تأسيس مجلة دينية من أجل نشر الأهداف العليا للإسلام والتعريف بنشاطات الجمعية.

4. الالتزام بالآداب الشرعية، والانتهاء عن المحرمات، وتعظيم شعائر الإسلام، والحضور في المحافل والمجالس الإسلامية.
5. الاقتصاد في أمور المعاش وترك العادات الضارة في الإنفاق وهذا أهم مقاصد الإسلام.

6. تأسيس شركة وفق القواعد العلمية من أجل إنعاش التجارة المشروعة والصناعة والزراعة والترويج للأزياء والأقمشة المنتجة في البلاد الإسلامية.
7. إيجاد أساس للقروض الحسنة ومكافحة القروض الربوية التي تجر الخراب في الدنيا والدين.

8. توفير فرص للاشتغال والعمل للعاطلين في الجمعية وتقديم المعونات للضعفاء والفقراء.
9. الدفاع عن حقوق أفراد الجمعية ومواجهة الانتهاكات.

10. الحضور في المناسبات والاشتراك في جنائز المسلمين وسائر مواقفهم.

11. الحضور مرة كل أسبوع في مركز اكتساب العلوم الدينية والاشتراك في الحوارات الإسلامية.

12. التزام كل عضو من الأعضاء (المعاهدين) بهداية فرد للعمل بالمواد المذكورة.

13. في حالة بروز اختلاف بين الأعضاء يتوجب الرجوع إلى الهيئة الرئاسية، للتصالح الذي هو من أهم المقاصد الإسلامية، وإذا تعذر الفصل في ذلك، يرجع إلى المحاكم الشرعية للفصل في النزاع حسب موازين القضاء، والرجوع إلى غير ذلك يوجب الخروج عن الجمعية.

14. تشكيل بيت مال الزكاة والخمس وغيرهما، وفق قواعد تحول دون وقوع الحيف والانحياز، بحيث توزيع الحقوق بطريقة عادلة للمدرسين والطلاب والمبلغين وفق قاعدة: الأهم فالأهم.

الإسلام سياسي
تشتمل معظم الأحكام الإسلام على السياسة، من قبيل الطهارة والصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد، لذا يمكن القول تحقيقاً دين الإسلام سياسة، وأعظم السياسات الرامية لتحقيق الأهداف العليا تتخلص في تدبيرين:

الأول: تحصيل العدة، والثاني إعداد العدة. ولأن الهدف متعلق بالنوع لذا يقدم تحصيل العدة على العدة.

وحينئذ نقول: ( لا عدة إلا بالأخوة) لأنه مهما تكاثر العدد فإنه لا خير فيه ما لم يرتبط بخيط الأخوة، ولأنه إذا اختلفت الطرق وتباينت الجهات فلن يصل المجموع إلى هدف واحد، وهكذا المسبحة، فإن حباتها متفرقة ما لم تنتظم بالخيط، فإذا اتحدت بالخيط كانت حركة كل منها باعثاً على حركة الأخريات.

ولذا لم يفد النبي (ص) في صدر الإسلام من كثرة من آمن به لتحقيق هدف الإسلام حتى ربط بينهم برباط الأخوة، وجعل من تلك الكثرة وحدة.. وهكذا النسيج الذي يتألف حتى تعزز تلك الخيوط الطولية بخيوط عرضية، ومن هنا ندرك أن الأخوة من الأحكام السياسة لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية

ماذا تريد مني؟
لو رجعنا إلى فطرتنا، لوجدناها تعشق الكمال بل تعشق الخير المطلق، بحيث لو حازت ما في الكرة الأرضية لتطلعت إلى غيرها، ولو احتملت أن الكمال في القمر لطلبته، ولو حازت ما في القمر لتطلعت إلى كوكب آخر. ولو أن الإنسان حاز كل ما في عالم الملك لالتفت إلى ما بشر به الأنبياء عن وجود شيء أكثر كمالاً مما هو في عالم الملك ، وهو عالم الملكوت، ولرجاه أيضاً، حتى لو لم يكن يؤمن برسالة الأنبياء. وهذه التأملات في الفطرة تكشف لنا عما يأتي:

أولاً: إن كل ما نحصل عليه لا يمثل معشوقنا الحقيقي، ذلك إن معيار المحبوب الحقيقي هو شعور المرء بالطمأنينة والاستقرار النهائي عند الوصال، لأن غاية العاشق هي الوصول إلى معشوقه. والإنسان ما إن يحصل على شيء حتى يتمنى الأفضل منه وينطلق نحوه، فنكتشف أن ذلك لم يكن المعشوق الحقيقي.

ثانياً: إنه لا نهاية لهذا العشق، لأن الإنسان يتحرك دوماً من الجميل إلى الأجمل، ومن الكامل إلى الأكمل، حتى لو كان وجود ذلك الأجمل والأكمل مجرد احتمال (غير مقطوع به).

ثالثاً: إن هذا الظمأ الفطري لا يعرف الارتواء حتى لو سلك جميع المسالك ورمى بنفسه في المهالك.

وبعد هذه العودة إلى الفطرة، تأمل فيها وأسألها: (يا ذاتي وحقيقتي، لقد نهلت من الكمال والجمال وما ارتويت، فما الذي تريدينه مني؟) عندها نداء الفطرة يجيب: (إنني أعيش الكمال المحض والجمال الحق).

ولأن العشق من الصفات الإضافية (يحتاج إلى محل)، ويقتضي وجود المعشوق (الفعلي) فلا بد وطالما أن عاشق بالفعل من إقرارك بوجود معشوقك الفطري في عالم الوجود، كما يقول سيدنا الحسين (ع) (عميت عين لا تراك)

الولاية المطلقة
بما أن المؤمنين المتدينين لا يتسنى لهم الوصول إلى مقام التوحيد (الشهودي) و (التحققي) ولا يحظون بهذين المقامين العاليين، يتوجب عليهم إذن مبايعة مقام (الولاية المطلقة) المجسدة للتوحيد الشهودي والتحققي والحائزة للقرب الفرائضي والنوافلي الإلهي، والفانية هويتها في حقيقة الحق، ليتشخص توحيدهم البرهاني بتوحيد شهودي ويكتمل إيمانهم. وقد جاء في الأثر عن المعصوم: (بنا عرف الله وبنا عبد الله) أي كي تتحقق البيعة للظهور الإطلاقي للرب والجلوة الأكمل له التي هي محكومة بحكم الحق، ويتشخص معروف السالك بوساطة البيعة لمقام الولاية المطلقة والنبوة المطلقة التي هي ظهر أتم للذات المقدسة والجلوة الأكمل لذات الباري تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾.

تأسيس الشركة المخمسة
إن الطريق لتحقيق هذه الأهداف الكبرى هو في تأسيس الشركة المخمسة فالسادة المرتبطون بـ(الناحية المقدسة) يخصصون جزءاً من أموالهم ويضعونها في حساب الشركة. ليتم تخميس أرباحها بعد احتساب مصاريف الشركة. يخصص خمس الربح للقروض الحسنة حسب قانون محدد. وخمس آخر من الربح الذي هو من الواجبات الإلهية يخصص في باب الإعانات ونشر الإسلام حسب الموازين المقررة، أما الأخماس الثلاثة الأخرى فترجع إلى ذات الشخص، حيث له الصلاحية التامة في أخذه أو التنازل عنه ليضم للشركة ويكون جزءاً من رأسمالها.

أقسام الأموال التي يمكن إدخالها في حساب الشركة، كما يأتي :

الأول: دفع ثلث ما يملك إلى الشركة دفعة واحدة أو تدريجياً قبل الوفاة.

الثاني: الوصية بثلث ماله أو بعضه

الثالث: يجب أن تخصص المنافع الباقية من الأوقاف الجديدة بعد نفقات الموقوفة ومخصصات التولية، للقروض الحسنة ونشر الإسلام وفق قاعدة: (الأهم فالأهم) على أن لا يكون مخصصاً في مجال ضئيل النفع.

الرابع: تكون الشهرية حسب الممكن، ومن الممكن أن تكون عشر النفقات اليومية فلا أثر لها، حتى على الفقراء.

الخامس: تجمع الأموال التي تعطى للأطفال- والتي ينفقونها عبثاً- في صناديق توفير، لتتم إضافتها إلى أموال الشركة نهاية كل شهر، ويسلم ذلك الطفل وصلاً من الشركة موقعاً باسمه يشجعه على ذلك.

قواعد الشركة المخمسة
الجهة الأولى: في ما يخص أصل الشركة، وهي كما يأتي

1. تكتسب هذه الشركة اعتبارها من ناحية كونها تدار من قبل مجموعة، أما المؤسسات التي تشيع فيها الخيانات وانتهاك حقوق الناس فذلك ناشئ من الحالة الفردية في إدارتها، حتى البنوك التي تعد أكبر شركات العالم هي قابلة للفساد، لأنها تدار بشكل فردي (بالنسبة للإيرانيين) بالرغم من أن السياسة والقوانين التجارية تحول دون وقوع الاختلال، لكن الشركة ليست قابلة للانحلال والاختلال بسبب كونها مؤسسة بشكل جماعي.

2. مع وجود الاعتبار المذكور فإن ضمان المبالغ المدفوعة ستكون في عهدة رئيس الناحية المقدسة الإسلامية إلى حين حصول اطمئنان الشركاء وثقتهم.

3. للرئيس منح الزكاة التامة من قبل كل واحد من الشركاء.

4. تتولى الهيئة التنفيذية الوصاية بقسمي الإقراض والإعانة ومنافعها في حالة الوفاة، وتحديد مقدار الثلث أو ما إذا كان أقل من ذلك، وكذا القيمومة على الأقسام الثلاثة الأخرى، كلاً أو بعضاً، إذا كان الوارث صغيراً. وإلا أنيطت القيمومة بكبار الورثة أو بمن يقوم مقامهم ولكنت للهيئة التنفيذية بكبار الورثة أو بمن يقوم مقامهم، ولكن للهيئة التنفيذية صلاحية التقسيم والتفريق وكذا التوكيل والتوصية للغير.

5. يجب أن تكون جميع الشؤون تحت إشراف الهيئة العامة ومصادقتها.

6. جميع الأموال المتعلقة بالشركة، من سهم الإمام (ع) وسهم السادة والزكاة والفوائد الحاصلة من مبالغ الإعانات التي يدفعها جميع الشركات، تؤلف جمعيها بيت مال سنوياً، ليصرف حسب تشخيص مجتهد عادل في مجال نشر الدين الإسلامي، وضبط المصروف في سجل يثبت فيه كل ما يرد وما يخرج في إطار الموازين الشرعية.

7. سهم الشركة في كل شهر (قران واحد) ويحق لكل فرد أن يشترك بما يشاء من الأسهم على عدد أولاده وأحفاده وأفراد أسرته، وله أن يستلم وصلاً واحداً باسمه أو عدة وصلات.

8. يجب أن تكون جميع المبالغ المدفوعة موقعة من قبل الأمين، ويمكن بعد انتهاء السنة استعادة جميع سندات الاستلام وتوحديها في سند واحد بجميع الأموال المدفوعة.

9. يجب أن يكون رئيس الناحية المقدسة في كل مرحلة مجتهداً عادلاً يحظى بتأييد أهل الخبرة.

10. يحق للرئيس أن يعين له نائباً يقوم بالأعمال، ولا يشترط في النائب أن يكون مجتهداً.

الجهة الثانية: في ما يخص شؤون الأسهم (رأس المال)

أعلم أن الأرباح، وإن كانت نسبتها تابعة لنسبة الأموال، لكن بما أن إدخال هذه الأموال في رأس مال الشركة يتم بصورة تدريجية، لذا فإن ذلك سيكون مبعثاً للاختلاف يتوقف على بيان صورة الاختلاف، وهي…

الصورة الأولى: ما ينشأ من الاختلاف في مصارف الأسهم مع تطابق الشركاء في وقت الأداء. فلو اشترى شيء بمال شخص، واشتري شيء آخر بمال شخص آخر. فلكي تحصل الشركة في مثل هذه الحالة لا بد من جمع المبلغين، ثم يقسم المبلغ الكلي على المبلغ الأقل من المبلغين ليعطى كل من المساهمين حصته على حسب سهمه. فمثلاً لو كان المبلغ الأقل توماناً واحداً، والأكثر سبعة تومانات، فسيكون المجموع ثمانية، فلو كان عدد الشركاء ثمانية أو أي عدد فرض، أعطيت سبعة أقسام منه لسبعة شركاء بإزاء الثمن الأكثر المقوم على سبعة تومانات.

الصورة الثانية: الاختلاف في الصرف مع تطابق الشركاء في زمان أداء مال الاشتراك:

1. ما يؤخذ من الجميع بحصة معلومة.

2. ما يؤخذ من بعضهم معلومة.

ففي هاتين الصورتين يخرج الربح من المصروف ويقسم على الأسهم التي استثمرت.

3. ما يؤخذ من الجميع بحصة غير معلومة.

4. ما يؤخذ من بعضهم بحصة مجهولة.

ففي هاتين الصورتين يعالج الاختلاف الحاصل عن طريق الصلح، فيخصم من الجميع ثم يقسم عليهم جمعياً.

الصورة الثالثة: الاختلاف في الربح مع عدم تطابق زمان الأداء وعدم تطابق مقدار السهم. مثلاً دفع شخص خلال السنة 12 ريالاً، ودفع آخر في الشهر الأخير ريالاً واحداً وهكذا. وعن طريق علاج هذه الحالة هو التصالح بقسم لا يؤدي إلى الحيف والإجحاف.
الرجوع إلى الصفحة الرئيسية

 

 

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني50

22 وقد قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه وهو يشير إلى علي (ع): ( والِ ...