الرئيسية / الاسلام والحياة / ليالي بيشاور – 66 لسلطان الواعظين

ليالي بيشاور – 66 لسلطان الواعظين

علي حبيب الله ورسوله( ص ):

رابعا: الآية الكريمة في سورة المائدة ، تصرح أن المقصودين هم الموصوفون فيها ، يحبهم الله ويحبونه .. وهذه فضيلة ثابتة للإمام أمير المؤمنين ( ع ) ولم تثبت في حق غيره ، وإن كان كثير من المؤمنين والصحابة هم أيضا يحبهم الله ويحبونه ولكن غير معنيين ، أما علي ( ع ) فهو معني بهذه الفضيلة كما قال ذلك كثير من الأعلام ، منهم :

العلامة الكنجي الشافعي في الباب السابع من كتابه” كفاية الطالب” روى بإسناده عن ابن عباس ، أنه قال: كنت أنا وأبي ـ العباس جالسين عند رسول الله( ص ) إذ دخل علي بن أبي طالب ، وسلم ، فرد عليه رسول الله( ص ) وبش وقام إليه واعتنقه ، وقبل ما بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه؛ فقال العباس : أتحب هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله( ص ): يا عم رسول الله! والله ، الله أشد حبا له مني .

وروى في الباب الثالث والثلاثين؛ بإسناده عن أنس بن مالك ، قال: اهدي إلى رسول ال
له( ص ) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر .

فجاء علي بن أبي طالب.

فقال: استأذن على رسول الله.

قال: قلت: ما عليه إذن.

وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثم رجع فقال: استأذن لي عليه.

فسمع النبي( ص ) كلامه ، فقال: أدخل يا علي؛ ثم قال( ص ) : اللهم وإلي ، اللهم وإلي ـ أي هو أحب الخلق إلي أيضا ـ .

وذكرنا لكم في المجالس الماضية مصادر هذا الخبر الذي تلقاه العلماء كلهم بالصحة والقبول ، وهو دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على أن عليا( ع ) أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله( ص ) .

إعطاؤه الراية يوم خيبر :

ومن أهم الدلائل على أن عليا( ع ) هو المقصود بالآية الكريمة ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه…. ) حديث الراية لفتح خيبر ، وقد نقله كبار علمائكم ، ومشاهير أعلامكم ، منهم:

البخاري في صحيحه ج 2 كتاب الجهاد ، باب دعاء النبي ( ص ) ، و ج3 كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، ومسلم في صحيحه 2/324 ، والإمام النسائي في ( خصائص أمير الؤمنين( ع ) ، والترمذي في السنن ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة 2/508 ، وابن عساكر في تاريخه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، وابن ماجة في السنن ، والشيخ الحافظ سليمان في ” ينابيع المودة” الباب السادس ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في”كفاية الطالب” الباب الرابع عشر ، ومحمد بن طلحة في ” مطالب السؤول” الفصل الخامس ، والحافظ أبو نعيم في ” حلية الأولياء” والطبراني في الأوسط ، والراغب الإصفهاني في محاضرات الأدباء2/212 .

ولا أظن أن أحدا من المؤرخين أهمل الموضوع أو أحدا من المحدثين أنكره ، حتى إن الحاكم ـ بعد نقله له ـ يقول : هذا حديث دخل في حد التواتر؛ والطبراني يقول: فتح علي( ع ) لخيبر ثبت بالتواتر.

وخلاصة ما نقله الجمهور ، أن رسول الله( ص ) حاصر مع المسلمين قلاع اليهود ومنها قلعة خيبر ، عدة أيام ، فبعث النبي( ص ) أبا بكر مع الجيش وناوله الراية وأمره أن يفتح ، ولكنه رجع منكسرا عاجزا عن الفتح ، فأخذ النبي( ص ) الراية وأعطاها لعمر بن الخطاب وأرسله مع الجيش ليفتح خيبر ، ولكنه رجع منهزما يجبن المسلمين وهم يجبنونه.

فلما رأى النبي( ص ) خور أصحابه وتخاذلهم وانهزامهم أمام ثلة من اليهود ، غضب منهم وأخذ الراية فقال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرارا ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه .

ـ ولا يخفى تعريض النبي( ص ) في كلامه بالفارين ـ .

فبات المسلمون ليلتهم يفكرون في كلام رسول الله( ص ) ، ومن يكون مقصوده ومراده؟!

فلما أصبح الصباح اجتمعوا حول النبي( ص ) والراية بيده المباركة ، فتطاولت أعناق القوم طمعا منهم بها أو ظنا بأنه سيناولهم الراية ، لكن النبي( ص ) أجال بصره في الناس حوله وافتقد أخاه ومراده علي بن أبي طالب( ع ) فقال: أين ابن عمي علي؟

فارتفعت الأصوات من كل جانب: أنه أرمد يا رسول الله!

فقال( ص ): علي به .

فجاؤا بالإمام علي( ع ) وهو لا يبصر موضع قدمه ، فسلم ورد النبي عليه وسأله: ما تشتكي يا علي؟ فقال( ع ): صداع في رأسي ، ورمد في عيني .

فأخذ النبي( ص ) شيئا من ريقه المبارك ومسح به على جبين الإمام علي( ع ) وقال: اللهم قه الحر والبرد؛ ودعا له بالشفاء ، فارتد بصيرا.

وإلى هذه المنقبة يشير حسان في شعره فيقول:

وكـــان عـــلي أرمــد العين يبتغي * دواء فـــلما لـــم يحـــس مـــداويـا

شفـــاه رســول الله منـــه بتــــفلة * فبـــورك مـــرقيا وبـــورك راقـــيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارسا * كمـيا شجاعا في الحروب محاميا

يحـب الإلـه والإلــــــه يحــــــبــــه * بـــــه يفــتح الله الحصون الأوابيا

فخـــص بهـــا دون البـــرية كـلها * عـــليا وسمــــاه الوصي المؤاخيا

فأعطى النبي ( ص ) الراية لعلي ( ع ) وقال: خذ الراية! جبرائيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في قلوب القوم ، فإذا وصلت إليهم فعرف نفسك وقل: أنا علي بن أبي طالب ، فإنهم قرأوا في صحفهم أن الذي يدمر عليهم الحصون ويفتحها اسمه إيليا ، وهو أنت يا علي!

فأخذ علي( ع ) الراية وهرول بها نحو القلاع حتى وصل إلى باب خيبر وهو أهم تلك الحصون والقلاع ، فطلب المبارز ، فخرج إليه مرحب مع جماعة من أبطال اليهود ، فهزمهم علي( ع ) مرتين ، وفي المرة الثالثة لما برزوا وحمل عليهم علي( ع ) ضرب بالسيف على رأس مرحب فوصل إلى أضراس مرحب وسقط على الأرض صريعا ، وسجل النصر للمسلمين(30).

ونقل ابن الصباغ في” الفصول المهمة” عن صحيح مسلم ، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام علي : 7ط مطبعة التقدم بالقاهرة ، قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ…الخ.

وأخرج السيوطي في” تاريخ الخلفاء” وابن حجر في “الصواعق” والديلمي في
” فردوس الأخبار” بإسنـادهم عن عمر بن الخطاب أنه قال : لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن أعطى حمر النعم ، فسئل : ما هي ؟

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله (ص) ، وسكناه المسجد مع رسول الله (ص) يحل له فيه ما يحل له ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(31).

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الذين ليس لهم اطلاع على تاريخ الإسلام وغزوات رسول الله (ص) . والآن فقد ثبت للحاضرين ، وخاصة العلماء والمشايخ ، بأني لا أتكلم من غير دليل ، ولم أقصد إهانة الصحابة ، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق ، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل ، بأن جملة ( أشداء على الكفار ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام علي عليه السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان .

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب ، بل كثير من أعلامكم صرحوا به ، منهم العلامة الكنجي في ” كفاية الطالب ” في الباب الثالث والعشرين ، فإنه يروي حديثا عن النبي (ص) يشبه فيه عليا عليه السلام بالأنبياء ، وفي تشبيهه بنوح (ع) يقول العلامة الكنجي : وشبه بنوح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين ، رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله ( … والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم …. )(32).

وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح على الكافرين بقوله: ( …. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )(33) انتهى .

فعلي( ع ) هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أشداء على الكفار )(34).

وأما قولكم بأن جملة ( رحماء بينهم ) تنطبق على عثمان بن عفان وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة ، وأن عثمان كان رقيق القلب ، بالمؤمنين رؤوفا رحيما ..

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان ، بل التاريخ يحدثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا ، لأني أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث ولا أحب أن أزعجكم .

الحافظ : نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا ، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الإسناد والمصادر .

قلت : أولا : إني ما كنت ولم أكن فحاشا ، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان !

ثانيا : هناك أدلة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان ، فإن جملة ( رحماء بينهم ) لا تنطبق عليه أبدا ، ولإثبات قولي أشير إلى بعض الدلائل ، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزاء .

شاهد أيضاً

ليالي بيشاور – 19 حوارات اسلامية و بحوث هادفة

الغلاة ليسوا من الشيعة : لقد نسبت أشعار الغلاة الإيرانيين إلى الشيعة الموحدين المؤمنين، فخلطت ...