الرئيسية / القرآن الكريم / نفحات من القران

نفحات من القران

 

[1]

نفحات القرآن

 

الاهداء:

إلى الذين يعشقون القرآن
إلى الذين يريدون أن يشربوا من عين الحياة الصافية أكثر
إلى الذين يريدون أن يعرفوا القرآن ويفهموه أكثر

[4]

بمساعدة العلماء الأفاضل وحجج الاسلام السادة:
محمد رضا الآشتياني
محمد جعفر الامامي
عبدالرسول الحسني
محمد الاسدي
حسين الطوسي
سيد شمس الدين الروحاني
محمد محمدي الاشتهاري

[5]

المقدمة:

1 ـ الانماط المختلفة للتفسير.
2 ـ ما هو التفسير الموضوعي؟
3 ـ ما هي المشكلات التي يمكن حلُّها بالتفسير الموضوعي؟ (فائدة التفسير الموضوعي).
4 ـ تاريخ التفسير الموضوعي.
5 ـ المنهج الصحيح في التفسير الموضوعي.
6 ـ المشاكل التي تعترض التفسير الموضوعي.
7 ـ لماذا لم يتكامل هذا الون من التفسير الموضوعي.
* * *

الاناط المختلفة للتفسير:

عندما يجري الحديث عن تفسير القرآن الكريم تَنشدُّ الانظار نحو التفسير المتعارف (التفسير الترتيبي) حيث يجري بحث آيات القرآن الكريم بالترتيب ويتمّ توضيح مضمونها وماهيتها، وهو الاسلوب بتأليف مئات أو آلاف الكتب تحت عنوان «تفسير القرآن الكريم» في هذا المجال.
والطبع فقد كان هناك نوع آخر من التفسير الرائج إلى حدّ ما والذي يهدف

[6]

إلى تفسير «مفردات القرآن» أي أنّه يبحث كلمات القرآن كلُّ على حدة وبالتسلسل على نحو الفباء على هيئة مُعْجم، ومن أبرز نماذج ذلك كتاب «مفردات الراغب» و«وجوه القرآن» و«تفسير غريب القرآن» للطريحي، وأخيراً كتاب «التحقيق في كلمات القرآن الكريم» و«نثر طوبى أو دائرة معارف القرآن الكريم».
بينما توجد هنالك أنواع اُخرى من تفسير القرآن منها «التفسير الموضوعي» الذي يحقق ويبحث آيات القرآن الكريم على اساس مختلف المواضيع المتعلقة باصول الاسلام وفروعه والقضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأخلاقية.
والنوع الآخر من التفسير الذي نطلق عليه «التفسير االإرتباطي» أو التسلسلي، حيث نتناول فيه مواضيع القرآن المختلفة من حيث ارتباطها ببعضها.
فعلى سبيل المثال، بعد بحث موضوع «الإيمان»، و«التقوى» و«العمل الصالح» كلٌّ على حدة في التفسير الموضوعي يُتطرّق إلى التفسير هذه المواضيع الثلاث من حيث ارتباطها ببعضها من خلال الإعتماد على الآيات والملاحظات الواردة في ذلك ويوضّح علاقتها ببعضها، ومن المسلَّم به أنّ حقائق جديدة
سوف تنكشف لنا عن كيفية ارتباط هذه المواضيع ببعضها تكون بالغة القيمة والفائدة.
نحن نعلم أنّ الاسلوب الصحيح في دراسته كتاب «التكوين» أي عالم الخلق وكائنات عالم الوجود هو في مطالعتها من حيث ارتباطها مع بعضها، ففي الحقيقة عن أنّ الشمس والقمر والارض والانسان والمجتمعات البشرية هي مواضيع لا تنفصل عن بعض وهي تشكِّل في مجموعها كياناً واحداً متلازماً، والاسلوب الصائب في دراستها هو أنّ نبحثها من حيث ارتباطها مع بعضها.
وهكذا الأمر في كتاب «التدوين» أي القرآن الكريم، فهنالك علاقات دقيقة ولطيفة فيما بين مواضيع القرآن الكريم، ولابدّ من تفسيرها من حيث ارتباطها مع بعضها.

[7]

النوع الآخر من التفسير هو «التفسير العام» أو«الرؤية الكونية للقرآن» وهنا يتناول المفسّر جميع مضمون القرآن فيما يتعلق بعالم الوجود، وبتعبير أكثر وضوحاً: يربط كتاب «التكوين» مع كتاب «التدوين» وينظر إليهما معاً، ويفسّرهما من حيث ارتباطها ببعضها.
وعليه يُلاحظُ اجمالاً بأنَّ هناك خمسة انماط من تفسير القرآن:
1 ـ تفسير مفردات القرآن.
2 ـ التفسير الترتيبي
3 ـ التفسير الموضوعي.
4 ـ التفسير الارتباطي.
5 ـ التفسير العام، أو النظرة الكونية للقرآن.
والمشهور بيننا من بين هذه الأنواع الخمسة هو النوع الأوّل والثّاني، وإلى حد ما النوع الثالث، أي أنّ التفسير الموضوعي لا زال يسير في مراحله الأولية، على أمل أن يقطع مراحله التكاملية تدريجياً من خلال الإهتمام الذي أولاه علماء الاسلام به مؤخراً ومن خلال المزيد من الجد والمثابرة، وأن يحتل مكانه اللائق من المستقبل القريب.
أمّا النوع الرابع والخامس من تفسير القرآم فلم يحظيان باهتمام المففسّرين بعد، وهذا العمل يقع على عاتق الجيل الحاضر واجيال المستقبل بأن يتطرقوا إليه بعد تكامل التفسير الموضوعي بما فيه المفاية، ويقولون بؤداء حقّهِ بالمقدار الممكن.

ما هو التفسير الموضوعي؟

قبل الاجابة على هذا السؤال لابدّ من طرح سؤال آخر وهو: لماذا لم يُجمع القرآن باسلوب موضوعي بحيث يشبه الكتب المتداولة؟ بل أنّه يختلف معها جميعاً.
والجواب هو: إنّ المؤلف أو المؤلفين يأخذون بنظر الاعتبار مختلف المواضيع المتشابهة في بوتقة واحدة من أجل اعداد الكتب المتداولة، فمثلاً في

[8]

علم الطب يؤخذ بنظر الاعتبار «مختلف الامراض التي ترتبط بمسألة سلامة الانسان» ثمّ تُقسم المسائل المتعلقة بهذه المواضيع على فصول وابواب (امراص القلب، الامراض العصبية، امراض الجهاز الهضمي، امراض الجهاز التنفس، الامراض الجلدية وسائر الامراض).
ومن ثمّ يبحثون كلَّ فصل وكلَّ باب من خلال الاعتماد على المقدّمات ونتائجها وبهذا النحو يتمّ تأليف كتاب باسم كتاب «الطب».
بيد أنَّ القرآن ليس كذلك، فهذا الكتاب نزل على مدى 23 سنة وفقاً للحاجات والظروف الإجتماعية المختلفة والوقائع المتباينة، والمراحل التربوية المتفاوتة، وسائر حياة المجتمع الاسلامي، وفي نفس الوقت لم يتعلق بزمان ومكان معين!
فخلال يوم كامل تدور كافة بحوث القرآن حول محور مقارعة الوثنين والشرك وتعليم التوحيد بكل فروعه، والسّور والآيات النّازلة في هذه المرحلة كلّها في المبدأ والمعاد: (كالسور التي نزلت في مكّة خلال السنوات الثالث عشرة الاولى من البعثة).
وفي يو آخر تكون البحوث ساخنة وقوية حول الجهاد ومواجهة الأعداء الداخليين والخارجيين والمنافقين.
ويومٌ تقع غزوة الاحزاب فتنزل سورة الاحزاب، وما لا يقل عن 17 آية منها تتحدث عن هذه المعركة والتجارب والقضايا التربوية فيها ووقائعها.
وفي يوم آخر جرت واقعة صلح الحديبية فتنزل سورة الفتح: وبعدها فتح مكّة وغزوة حنين فتنزل سورة الاخلاص وآيات اُخرى.
والخلاصة، فتزامناً مع انتشار الاسلام والتحرك العالم للمجتمع الاسلامي كانت تنزل الآيات المناسبة وتصدر الأوامر الملازمة، وهذا ما كان يكمّل المسيرة التكاملية للانسان.

[9]

استناداً الى ما قيل اعلاه، يتضح المغزى من التفسير الموضوعي ألا وهو تجميع الاحداث والمجالات وترتيبها للتجلى وجهة نظر القرآن الكريم بشأن ذلك الموضوع وأبعاده.
فمثلا، تُستجمع الآيات المتعلقة ببراهين معرفة الله كالفطرة، وبرهان النظم وبرهان الوجوب والامكان وباقي البراهين، وحيث أن القرآن يفسّر بعضُه بعضاً تتضح أبعاد هذا الموضوع(1).
وهكذا الآيات المتعلقة بالجنّة أو النار، والصراط صحيفة الاعمال، والآيات المتعلقة بالقضايا الاخلاقية والتقوى وحسن الخلق والشجاعة، و… والآيات المتعلقة باحكام الصلاة والصوم والزكاة والخمس والأنفال، والآيات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وجهاد الاعداء وجهاد النفس و…
من المسلّم به انّ هذه الآيات التي نزلت في مناسبات مختلفة، عندماتُجمع كلُّ طائفة على حدة وتنظم وتُفسَّر معاً ستنكشف عنها حقائق جديدة ومن هنا تتضح أهمية التفسير الموضوعي حيث سيأتي الكلام فيه في البحث الآتي إن شاء الله.

ما هي المشكلات التي يُمكن حلُّها بالتفسير الموضوعي؟

إنّ الاجابة على هذا السؤال واضحة للغاية من خلال ملاحظة ما مرَّ ذكره آنفاً، ولكن للمزيد من التوضيح ينبغي الالتفات الى هذا الأمر وهو:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – لقد رويت عبارة «القرآن يفسّر بعضه بعضاً» عن ابن عباس وليس من المستبعد أن يكون قد اخذها عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين(عليه السلام) نتيجة لعلاقته القوية معهما في مسائل القرآن، كما ورد مضمونها في نهج البلاغة حيث يقول: «وَذَكرت انّ الكتاب يصدّقُ بعضُه بعضاً» (نهج البلاغة الخطبة 18) وقد أورد بعض العلماء في كتبهم جملة «القرآن يفسر بعضه بعضاً» على أنّها حديثٌ، كما في صفحه 106 من كتاب (تنزيه التنزيل) للمرحوم الشهرستاني اذ وردت هذه العبارة باعتبارها رواية بدون أن ترد عليها مؤاخذة، كما تُلاحظ في نهج البلاغة اشارة اخرى الى هذا الأمر، حينما يقول بشأن القرآن الكريم: «وينطقُ بعضه ببعض ويشهد بعضُه على بعض» (نهج البلاغة الخطبة 133).

[10]

إنّ الكثير من آيات القرآن الكريم تأخذ بُعداً واحداً من ابعاد موضوع ما، فمثلا فيما يخص مسألة «الشفاعة» فقد ورد في بعض الآيات اصل امكان الشفاعة.
وفي البعض الآخر «شروط الشفاعة» (سبأ 23، ومريم 78).
وفي بعضها شروط «المشفَّع لهم» (الانبياء 28، غافر 18).
وفي بعض تُنفى الشفاعة عن الجميع ما عدا الله تعالى (الزمر 44).
وفي بعض آخر ثبتت الشفاعة لغير الله (المدثر 48).
نجد انَّ حالة من الغموض تحيط بامور الشفاعة بدءً من حقيقة الشفاعة وحتى سائر الشروط والخصائص، ولكن عندما نأخذ آيات الشفاعة من القرآن ونضعها الى جانب بعضها ونفسّرها في ظلِّ بعضها البعض يرتفع هذا الغموش وتُحلُ المشكلة على أحسن وجه.
وكذلك الآيات المتعلقة بأبعاد الجهاد. أو الغرض من أحكام الاسلام، أو الآيات المتعلقة بالبرزخ، أو مسألة علم الله، وكذلك موضوع علم الغيب، وهل أنّ العلم بالغيب ممكنٌ لما سوى الله أم لا؟ فلو وُضعت آيات كل موضوع في جانب فمن الممككن اداء حق الموضوع وتُحلُّ الاشكالات الموجودة عن طريق التفسير التفسير الموضوعي.
واساساً فانّ الآيات المتعلقة بـ «المحكم» و«المتشابه» التي توعز بتفسير الآيات «المتشابهات» على ضوء «المحكمات» هي في حدِّ ذاتهانمطٌ من التفسير الموضوعي.
على أية حال، فمن خلال تفسير الآيات المتعلقة بموضوع ما على اضواء بعضها البعض تنبثق عنها ومضات جديدة، الومضات التي تكمن فيها معارف القرآن والحلول لكثير من المعضلات العقائدية واحكام الاسلام.
من هذا الباب يُمكن تشبيه آيات القرآن بالكلمات المتفرقة، حيث نَّ لكلٍّ منها مفهوماً ذاتيّاً، ولكن حينما تُرتَّبُ سويّةً فهي تُعطي مفاهيم جديدة.

[11]

أو تشبيهها بالعناصر الحياتية مثل «الاوكسجين» والهيدروجين» التي حينما تُركَّبُ مع بعضها ينتج عنها الماء الذي هو عنصر حياتي آخر.
خلاصة القول فلا يمكن حلّ الكثير من اسرار القرآن إلاّ عن هذا الطريق، ولا  يُمكن النفوذ الى عمقها إلاّ من خلال هذا السبيل، ونعتقد بأن هذا القدر كاف لتوضيح أهميّة التفسير الموضوعي.
وباختصار يمكن تلخيص فائدة التفسير الموضوعي في النقاط التالية:
1 ـ ازالة الاشكالات التي تبرز في بعض الآيات للوهلة الولى، وحلّ المتشابه في القرآن.
2 ـ الاطّلاع على ظروف ومزايا واسباب ونتائج المواضيع والامور المختلفة المطروحة في القرآن الكريم.
3 ـ الحصول على تفسير جامع بشأن مواضيع مثل «التوحيد» و«معرفة الله» و«المعاد» و«العبادات» و«الجهاد» و«الحكومة الاسلامية» ومواضيع مهمّة اُخرى.
4 ـ الحصول على اسرار وايحاءات جديدة من القرآن من خلال الحاق الآيات ببعضها.

تاريخ التفسير الموضوعي

بوادر التفسير الموضوعي موجودة في نفس القرآن وكما قلنا فان أمر القرآن بتفسير الآيات المتشابهة بواسطة الآيات المحكمة هو نوع من التفسير
الموضوعي.
وفي كلام ائمة الهدى(عليهم السلام) امثلة كبيرة تعلّمنا اسلوب جمع الايات المرتبطة بموضوع معين وترتيبها ثم الاستفادة منها، ولاجل اثبات هذا الأمر نكتفي بذكر عدد من الامثلة:

[12]

1 ـ في الرواية المعروفة(1) بعنوان وصية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وموعظته لعبدالله بن مسعود المذكورة في بحار الأنوار ـ وهي رواية طويلة وكثيرة المضامين، وفيها امثلة كثيرة بنحو ممكن القول أن الرواية تدور حول محور التفسير الموضوعي ـ عندما  يتكلم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذم الدنيا يقول: يا ابن مسعود إن الاحمق من طلبَ دنيا زائلة. ثم يستدل على هوانِ الدنيا وزخارف هذا العالم بالآيات التالية:
(أَنَّما الحَيوةُ الدُنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفَـاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتكـاثُرٌ في الاَمْوالِ وَالاَوْلادِ…)
الحديد / 20)
(وَلَوْ لاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَلبُيُوتِهِم أبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِثُونَ)
(الزخرف / 33 و 34)
(مَنْ كانَ يُريدُ العاجِلَة عَجَّلْنا لَهُ فِيْها ما نَشاءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَه جَهَنَّم يَصْليها مَذْمُوماً مَدْحوراً)
الاسراء / 18)
* * *
وفي محل آخر يتكلم حول (القول بغير علم)، ويقول(صلى الله عليه وآله وسلم): يا ابن مسعود لا تقل شيئاً بغير علم ولا تتفوه بشيء ما لم تسمعه وتراه، ثم يذكر آيات عديدة حول هذا الموضوع:
قال تعالى: (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ اُولئِكَ كانَ عَنْه مَسْؤولا)(الاسراء / 36).
وقال تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهـادَتُهُم وَيُسْئَلُونَ) (الزخرف / 19).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الانوار المجلد 74 الصفحة 94.

[13]

وقال تعالى: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْل اِلاّ لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ) (ق / 18).
وقال تعالى: (وَنَحْنُ اَقْرَبُ اِلَيْه مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ) (ق / 16).
وكذلك ذكرت الرواية ابحاثاً حول الذكر والإنفاق في سبيل الله، ومكارم الاخلاق وغيرها اعتماداً على جمع الآيات وتبويبها.
2 ـ جاء في حديث اخر عن امير المؤمنين علي(عليه السلام) تقسيم لمعنى «الكفر في القرآن المجيد».
إنّ الكفر في القرآن على خمسة انحاء:
الاوّل: الكفر بمعنى الجحود والانكار، وهو على قسمين:
الاول: إنكار اصل وجود الله والجنّة والنار والقيامة كما يحكي القرآن عن لسانهم (وَما يَهْلِكُنا إلاّ الدَّهْر) (الجاثيه / 24).
والثاني: الكفر المقارن للمعرفة واليقين كما جاء في القرآن:
(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها اَنْفسُهُم ظُلْماً وَعُلوّاً) (النمل / 14).
الثالث: الكفر بمعنى المعصية وترك الطاعة كما أخبر الله سبحانه عن قوم من بني اسرائيل يؤمنون ببعض الكتاب ويكذبون ببعض اذ يقول سبحانه: (أفتُؤمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْض) (العنكبوت / 25).
الرابع: الكفر بمعنى البراءة والتنصُّل كما قال سبحانه عن لسان ابراهيم(عليه السلام)لعبدة الاصنام (كفرنا بكم) (الممتحنة 3)، وقال سبحانه أيضاً (ويَوْمَ القيامَةِ لاََزيدنَّكُم وَلَئنِ كَفَرتُم إنَّ عَذابي لَشَديد) (ابراهيم / 7).
الخامس: الكفر بمعنى عدم شكر النعمة كما قال سبحانه: (لَئِنْ شَكَرْتُم لاََزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم اِنَّ عَذابي لَشَديدٌ) (ابراهيم / 7).
ثم يجمع(عليه السلام) الآيات الواردة في الشرك واقسامه في القرآن فيقسمها الى الشرك في العقيدة، والشرك في العمل، والشرك في الطاعة، وشرك الرياء ويوضح

[14]

كلا منها بذكر الايات القرآنية(1).
وكما تلاحظ فإن الامام(عليه السلام) بتقسيمه لآيات الكفر والشرك يلقي نظرة كلية على هذا الموضوع، ويوضح بان لهذين المصطلحين مفهوماً واسعاً شاملا، فالكفر يشمل كل تغطية للحق سواء كان في العقائد أو في المواهب الالهية، والشرك يتضمن كل جعل لقرين مع الله سبحانه سواءً كان في العقائد أو في العمل أو الطاعة للقوانين. ويتضح جيداً بهذا العرض الجميل للتفسير الموضوعي في المثالين المذكورين لكلمات الامام(عليه السلام) الدور الكبير لهذا التفسير في توسيع رؤية الانسان والفهم العميق للآيات القرآنية.
والنموذج البديع الآخر ما ورد في كلام الامام موسى بن جعفر(عليه السلام) لهشام
بن الحكم.
فالإمام(عليه السلام) وفي مقام بيان منزلة العقل يذكر الآيات المرتبطة بـ «اولي الالباب» ويجمعها كلها ويقول لهشام:
«أنظر كيف ان الله سبحانه وصف اولي الأَلباب على أحسن وجه وزينهم بافضل لباس»، ثم يذكر سبع آيات من القرآن المجيد تتكلم عن منزله اولي
الالباب وهي (البقره / 269 ـ ال عمران 7 ـ ال عمران 9 ـ ص 29 ـ
المؤمن 54)(2).
فالقيام بجمع هذه الآيات والنظر اليها جنباً الى جنب يعطي للانسان رؤية عميقة يستطيع معها فهم معنى اولى الألباب ومقامهم ومنزلتهم، وهذا عمل لا يتمّ إلاّ عن طريق التفسير الموضوعي.
هذه نماذج من اصول التفسير الموضوعي في كلمات قادة الاسلام العظام، النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وائمة الهدى(عليهم السلام)، وهناك نماذج عديدةٌ اُخرى لم نذكرها جنباً
للاطالة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الانوار: ج69، ص 100 ـ 120 (خلاصة الحديث).
2 – اصول الكافي الجزء 1 الصفحة 15 كتاب العقل والجهل.

[15]

* * *

التفسير الموضوعي في كلمات العلماء السابقين

إن التفسير الموضوعي لم يذكر إلاّ في فترات محدودة وحول موضوعات خاصة، إلاّ أنّه ورد كثيراً على السنة العلماء السابقين، ولكن يجب الاعتراف باننا لا نعرف أحداً منهم تناول التفسير الموضوعي على جميع المحاور.
ومن الروّاد الاوائل في هذا المضمار العلامة المجلسي(قدس سره) حيث نراه قد تصدى لجمع كل الآيات المرتبطة بالموضوع عند دخوله في كل فصل من فصول بحار الانوار، ثم يلقي عليها نظرة شاملة وينقل احياناً آراء المفسرين، ويسعى لتوضيح ما يذكره من الآيات.
فنرى مثلا في المجلد (67) عندما يتكلم حول «القلب» والسمع» والبصر» ومعنى كلٍّ منها في القرآن الكريم، يجمع عشرات الآيات ثم يذكر رواية من الكافي ثم يقوم بذكر بيان جامع لها، فيستغرق بحثه في هذا المجال عشر صفحات تقريباً(1).
وفي المجلد (58) في فصل حقيقة الرؤيا وتعبيرها يذكر أولا أكثر من عشر آيات من القرآن حول هذا الموضوع ثم يبحث في تفسيرها عدة صفحات(2).
وفي المجلد 22 في الباب الاول يبحث عن ما جرى لليهود والنصارى والمشركين بعد الهجرة، فيذكر عشرات الآيات من مختلف السور حول هذا الموضوع ثم يقوم بتفسيرها(3). وقد اتبع هذا المحقق العظيم نفس الاسلوب في الفصول الاُخرى من الكتاب.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الانوار الجزء 67 الصفحة 27 الى 43.
2 – بحار الانوار الجزء 58 الصفحة 151 الى 158.
3 – نفس المصدر الجزء 22 الصفحة 1 الى 62.

[16]

ومن الامثلة الاُخرى للتفسير الموضوعي في كلمات المتقدمين، الكتب المؤلفة تحت عنوان آيات الاحكام. ففي هذه الكتب ذكرت الآيات المرتبطة بالاحكام الفقهية، مثل الآيات المرتبطة باجزاء وشروط الصلاة وأقسام وشروط الصوم، والحج والنكاح والطلاق واحكام الحدود والديات والقضاء وغيرها، حيث جمع الآيات وتمّ بحثها على نحو موضوعي وجنباً الى جنب.
ويبدو أن اول كتاب في هذا المجال هو كتاب (احكام القرآن) تأليف (محمد بن صاحب الكلبي)، وهو من اصحاب الامام الباقر(عليه السلام) والامام الصادق(عليه السلام)والمتوفي سنة (146) هـ فهو سابق حتى للشافعي الامام المعروف المتوفي سنة (204) هـ بتأليف كتاب بهذا النحو.
وبعده تصدى العديد من الفقهاء والعلماء لتأليف الكتب في مجال آيات الاحكام (تارة بهذا الاسم وتارة باسماء اُخر) وقد ذكر المرحوم المحدث الطهراني في كتاب «الذريعة» ثلاثين كتاباً من هذه السلسلة(1)، واشهرها بين العلماء والفقهاء المعاصرين كتاب آيات الاحكام للمحقق الاردبيلي المسمى بـ «زبدة البيان»، وآيات الاحكام للفاضل المقداد المسمى بـ (كنز العرفان).
وجاء في الكتاب الاخير أن مِن المشهور بين العلماء أنّه يوجد خمسمائة آية في القرآن المجيد حول الاحكام الفقهية، وهذا مع حساب الآيات المتكررة في هذا المجال وإلاّ فالعدد أقل من ذلك(2).
وكذلك كتب مثل «اعجاز القرآن في العلوم المعاصرة» وفيه الآيات المرتبطة بالاكتشافات العلمية المعاصرة، والتي تعد من المعجزات العلمية للقرآن، وكتاب «المجتمع والتاريخ» أو «الحقوق في القرآن المجيد»، وكلها تعبير عن السعي المستمر في مجال التفسير الموضوعي.
كما ألفت كتب حول قصص القرآن تم فيها توضيح قصص الانبياء بواسطة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الذريعة الى تصانيف الشيعة الجزء 1 الصفحة 40 ـ 44.
2 – كنز العرفان الجزء 1 الصفحة 5.

[17]

جميع آيات القرآن.
ولكن مع هذا يجب الاعتراف بأن كل هذه الكتب ناظرة للتفسير الموضوعي في فرع معين وزاوية محددة، وليست بصدد تفسير جامع وشامل
لكل موضوعات القرآن. وفي الفترة الاخيرة بذلت محاولات ومساع للتفسير الموضوعي الواسع للقرآن وتستحق كل التقدير.
ومن جملة هذه الكتب يمكن ذكر كتاب «مفاهيم القرآن» وقد صادر عدد من مجلداته بالفارسية والعربية وهو كتاب قيِّم.
ولكن مع هذه المساعي التي تستحق التقدير يجب الاعتراف بأَنَّ مسألة التفسير الموضوعي للقرآن لا زالت في مرحلة الطفولة، وتحتاج الى سنين كي تحتل مكانها ومنزلتها المناسبة لها كالتفسير الترتيبي، وهذا لا يتم إلاّ بالسعي المستمر الدائب للعلماء والمفسرين، وبالاستفادة من تجارب الماضين وتنميتها وايصالها الى درجة الكمال المطلوب.
وما تراه في هذا الكتاب هو حلقة من هذه السلسة التي نأمل لها ان تنضمَّ الى الحلقات المعتبره الاُخرى. والمهم ان يتجنب اصحاب النظر والمعرفة الاعمال المكررة في هذا المجال، وان يبادر كل منهم الى الابداع والتجديد حتى يمكن تحت ظل هذه الابداعات ان نطوي هذا الطريق الطويل.
* * *

الاسلوب الصحيح في التفسير الموضوعي:

يوجد اسلوبان للتفسير الموضوعي:

الاسلوب الاول :

الذي اختاره بعض المفسرين في عملهم، هو انّهم يتناولون المواضيع المختلفة كالموضوعات العقائدية (التوحيد والمعاد و..) والموضوعات الأخلاقية (التقوى حسن الخلق و…)، وبعد ذكر بحوث فلسفية وكلامية او اخلاقية

[18]

يذكرون بعض الآيات القرآنية المرتبطة بالموضوع بعنوان
الشاهد.

الأسلوب الثاني:

وهو الذي يتمّ فيه قبل كل شيء جمع الآيات الواردة حول الموضوع من جميع انحاء القرآن، وقبل ايّ حكم أو ابداء نظر يتم جمع الآيات وتفسيرها جنباً الى جنب، وبجمعها وبملاحظة ترابطها نحصل منها على الصورة الكاملة.
وهنا لا يملك المفسّر شيئاً من عنده مطلقاً، ويسير كالظل خلف آيات القرآن فيفهم كل شيء من القرآن ويكون كل همّه كشف محتوى الآيات، واذا استعان بكلمات الآخرين بل حتى بالاحاديث فهو في المرحلة الثانية وبنحو
منفصل.
ونحن اخترنا هذا الاسلوب في (نفحات القرآن) وقد جمعنا كل الآيات الواردة في كل موضوع وجعلناها في مقدمة كل بحث. وجعلنا كل مسائل البحث تسير تحت ظل الآيات، ونعتقد أن هذا هو السبيل الأمثل لايصالنا الى حقائق
القرآن.
وهذان الاسلوبان متبعان في التفسير المعتاد (التفسير الترتيبي حسب السور والآيات) فجماعة يحملون آيات القرآن على آرائهم وجماعة اُخرى يجعلون آراءهم تابعة لآيات القرآن ومن الواضح ان الاسلوب التفسيري الصحيح هو الثاني.
القرآن (نور وكتاب مبين) فهو يبين كل الحقائق المرتبطة بسيادة الانسان (قد جاءَكُمْ من الله نور وكتاب مبينٌ)(1).
* * *

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المائدة 15.

 

 

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...