الرئيسية / القرآن الكريم / التقوى في القرآن – أهمّية التقوى في القرآن الكريم – مراتب التقوى

التقوى في القرآن – أهمّية التقوى في القرآن الكريم – مراتب التقوى

من الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم، أنّ التقوى لها مراتب متعدّدة، قال تعالى: (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)( [129]).
وذلك معناه أنّ للتقوى مرتبة هي حقّ التقوى، وأنّ هناك مراتب دون هذه المرتبة، قال في الميزان: «إذا أخذ التقوى حقّ التقوى، كان محض العبودية التي لا تشوبها إنية وغفلة، وهي الطاعة من غير معصية، والشكر من غير كفر، والذكر من غير نسيان. وهذا المعنى غير ما يستفاد من قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)( [130]).
فإنّ هذه الآية تعني أن لا تذروا التقوى في شيء ممّا تستطيعونه. غير أنّ الاستطاعة تختلف باختلاف قوى الاشخاص وأفهامهم وهممهم. ولا ريب أنّ حقّ التقوى بالمعنى الذي ذكرناه، ليس في وسع كثير من الناس، فإنّ في هذا المسير الباطني مواقف ومعاهد ومخاطر لا يعقلها إلاّ العالمون، ودقائق ولطائف لا يتنبّه لها إلاّ المخلصون. فرب مرحلة من مراحل التقوى لا يصدّق الفهم العامّي بكونها ممّا تستطيعه النفس الانسانية، فيجزم بكونها غير مستطاعة، وإن كان أهل التقوى الحقّة خلّفوها وراء ظهورهم، وأقبلوا بهممهم على ما هو أشقّ وأصعب.
فمحصل الآيتين (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) و(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أن يندب جميع الناس ويدعو إلى حقّ التقوى، ثمّ يؤمروا بالسير إلى هذا المقصد ما قدروا واستطاعوا. وينتج ذلك أن يقع الجميع في صراط التقوى إلاّ أنّهم في مراحل مختلفة، وعلى درجات متفاوتة، على طبق ما عندهم من الافهام والهمم، وعلى ما يفاض عليهم من توفيق الله وتأييده وتسديده، فهذا ما يعطيه التدبّر في معنى الآيتين. حيث تدعو الاولى إلى المقصد والثانية تبيّن كيفية السلوك»( [131]).
ممّا تقدّم يتّضح أنّ التقوى ليست مقاماً دينياً خاصّاً، بل هي حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية، أي أنّ لكلّ مقام معنوي تقوى خاصّة تختصّ به. وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض مراتب عباده، وذكر لكلّ مرتبة نوعاً من العلم والمعرفة والعمل، لا يوجد في المرتبة الاخرى. فمثلاً ذكر الموقنين وخصّ بهم مشاهدة ملكوت السموات والارض ، حيث قال: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)( [132]). وذكر المنيبين وخصّ بهم التذكّر، قال تعالى: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)( [133]).
وذكر العالمين، وخصّ بهم أنّهم يعقلون الامثال القرآنية، قال تعالى: (وَتِلْكَ الاَْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)( [134]) وكأنّهم هم أولوا الالباب والمتدبّرون، لقوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا)( [135]).
وأشار إلى المطهّرين ، وخصّ بهم العلم بتأويل القرآن وباطنه، قال تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)( [136]).
وذكر الاولياء وهم أهل الوله والمحبّة لله، وخصّ بهم أنّهم لا يلتفتون إلى شيء إلاّ الله سبحانه، ولذلك لا يخافون شيئاً ولا يحزنون لشيء، قال تعالى: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)( [137]). وهكذا بالنسبة إلى المقرّبين والمخبتين والصدِّيقين والصالحين والمؤمنين، حيث أشار إلى خواصّهم ومراتبهم.
لذا قال إمام المتّقين علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن ذكر «أنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقُرصيه» قال: «ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد»( [138]).
وقد أشار بعض أهل المعرفة إلى أنّ للتقوى عشر مراتب:
الاولى: الاجتناب عن محارم الله تعالى، والقيام بما أوجبه عليهم من التكاليف الشرعية.
الثانية: الاجتناب المذكور مضافاً إلى المحلّلات الشرعية إلاّ بقدر الضرورة. وهذا ما أشار إليه س

يّد العارفين علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الاطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أوَ أبيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى، وأكبادٌ حرّى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داءً أن تبيت ببطنة وحولك أكبادٌ تحنّ إلى القدِّ
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها…»( [139]).
الثالثة: عن الرياء مع الاخلاص.
الرابعة: عن الكثرة مع الوحدة.
الخامسة: عن التفرقة مع الجمعة.
السادسة: عن الشكّ مع اليقين.
السابعة: عن الشرك مع التوحيد.
الثامنة: عن الوقوف مع ظواهر القرآن دون بواطنه.
التاسعة: عن رؤية النفس مع مشاهدة الربّ.
العاشرة: عن مشاهدات الوجودات المقيّدة مع الوجود المطلق، أعني عن مشاهدة وجود الخلق مع وجود الحقّ»( [140]).
هذه المراتب العشر، ترتبط بمقامات السلوك العشرة التي هي: البدايات، والابواب، والمعاملات، والاخلاق، والاصول، والاودية، والاحوال، والولايات، والحقائق، والنهايات. وتفصيل الحديث عن هذه المراتب وتلك المقامات موكول إلى دراسة أخرى أعمق وأكثر تفصيلاً، إن شاء الله تعالى.

 

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...