شهدت المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عشرات الحوادث خلال الأشهر الماضية. وهذا الوضع لم يسبق له مثيل منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع في صيف عام 2014 والذي أدى إلى إستشهاد وجرح عدد كبير من الفلسطينيين المدنيين العزّل.
وخلال العامين الماضيين كثّف الجيش الإسرائيلي عملياته ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة لاسيّما حركة “حماس” من أجل تشديد الحصار على القطاع. وشملت هذه العمليات البحث عن الأنفاق التي حفرتها حماس طيلة الفترة السابقة لمواجهة هذا الحصار من جهة والإستفادة منها في تنفيذ عمليات نوعية ومباغتة ضد القوات الإسرائيلية من جهة أخرى.
وتمكنت هذه العمليات التي تحولت إلى كابوس يقض مضاجع القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية من إدخال الرعب في قلوب المستوطنين الصهاينة خصوصاً في المناطق القريبة من قطاع غزة. وقد أدى ذلك إلى إغلاق العديد من المستوطنات في هذه المناطق.
وفي 18 نيسان/ أبريل الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي عن إكتشاف أحد الأنفاق التابعة لحماس في جنوب القطاع، وبعدها بثلاثة أيام إدّعى جيش الکيان الإسرائيلي إكتشاف نفق آخر في نفس المنطقة، مضيفاً أن النفق يمتد داخل الأراضي المحتلة بنحو نصف كيلو متر واحد وبعمق يتراوح بين 25 متر إلى 28 متر تحت الأرض دون أن يتم التمكن من معرفة نهايته، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن عمليات البحث عن الأنفاق تتم بإستخدام وسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة.
ورغم ذلك لا زال الجيش الإسرائيلي يخشى من الإقتراب من قطاع غزة للبحث عن أنفاق أخرى لأنه يعلم جيداً أن هذه الأنفاق قد تم إخفاؤها بشكل دقيق، وقد تتعرض قواته إلى عمليات إنتقامية من قبل فصائل المقاومة لاسيّما من قبل كتائب القسّام الجناح العسكري لحركة “حماس” في حال إقتربت كثيراً من هذه الأنفاق التي باتت تمثل حلقة مهمة من حلقات الإستراتيجية العسكرية التي تنتهجها هذه الفصائل لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل. خصوصاً وإن كتائب القسّام لم تكتف بحفر هذه الأنفاق؛ بل تقوم بين الحين والآخر بإطلاق قذائف الهاون والقنابل التحذيرية لردع القوات الإسرائيلية عن الإقتراب من هذه الأنفاق.
ورغم الشواهد والمعطيات الميدانية التي تشير إلى أن الجانبين “فصائل المقاومة والجيش الإسرائيلي” ليسا بصدد تصعيد الموقف إلى حد الاشتباك المسلح في المناطق المحاذية لقطاع غزة، إلاّ أن القرائن المتوفرة في الوقت الحاضر تشير إلى أن كلا الطرفين في حالة تأهب قصوى لمواجهة أي تحرك عسكري مضاد من قبل الطرف الآخر.
في هذه الأثناء أعلن وزير الحرب الإسرائيلي “موشيه يعلون” بأن القوات الإسرائيلية ستواصل البحث عن الأنفاق قرب قطاع غزة. ونقلت الاذاعة الإسرائيلية العامة عن يعلون قوله: “إن حماس تحاول ردع إسرائيل عن إكتشاف الأنفاق الموجودة قرب الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع والجانب الآخر” نافياً ما نشر من أنباء بأن تل أبيب تتجاهل خطورة هذه الأنفاق سواء على الجيش الإسرائيلي أو المستوطنات القريبة من هذه المناطق.
وكشفت القناة العبرية الثانية أن يعلون أوصل عبر قائد المنطقة الجنوبية “إيال زامير” رسالة إلى سكان مستوطنات غلاف غزة، مفادها بأن الجيش الإسرائيلي سيواصل عملياته للبحث عن الأنفاق وتدميرها دون اللجوء للتصعيد أو الدخول في مواجهة مع حماس، وهو ما ذكره أيضاً “أشكول غادي يركوني” رئيس ما يسمى المجلس الإقليمي لمستوطنة “كيبوتسات” في رسالة وجهها إلى رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”. ويعتقد خبراء الجيش الإسرائيلي بأن الأنفاق التي يتم كشفها يجب أن تخضع للتحقيق والتفتيش الدقيق للتأكد من خصائصها قبل هدمها.
في غضون ذلك أكد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن المقاومة الفلسطينية لا تسعى لجولة جديدة من الحرب مع الکيان الإسرائيلي رغم التصعيد الأخير على حدود غزة الشرقية، لكنها في الوقت ذاته لن تسمح لجيش الإحتلال بإستمرار توغلاته بهدف فرض منطقة عازلة داخل حدود القطاع، بحجة البحث عن الأنفاق. واعتبر هنية التوغلات الإسرائيلية داخل حدود غزة بأنها تمثل خرقاً فاضحاً وواضحاً لتفاهمات التهدئة التي تم الإتفاق بشأنها في القاهرة بعد توقف العدوان الإسرائيلي عام 2014.
من جانبه فنّد أحد القياديين في كتائب القسّام مزاعم الکيان الإسرائيلي حول حصوله على معلومات حاسمة وجوهرية عن منظومة الأنفاق، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في إطار الحرب النفسية والإعلامية.
ونوَّه هذا القيادي الذي فضّل عدم الکشف عن هویته لدواعٍ أمنیة إلى أن تعرج الحدود بین القطاع والأراضي المحتلة عام 1948 ومیلانها، یجعل من کشف الأنفاق أمراً معقداً، ولذلك یحاول الکيان الإسرائيلي تنفیذ عملیات حفر خارج الشریط الحدودي. وكان جهاز الشاباك الإسرائيلي قد إدعى في وقت سابق بأنه إعتقل ناشطاً من حماس عمل في حفر الأنفاق، وزوّد الکيان الإسرائيلي بمعلومات حاسمة وجوهرية عن منظومة الأنفاق.
وبسبب الرقابة العسكرية الإسرائيلية المشددة في هذه المنطقة يُعتبر حفر الأنفاق عملاً شاقاً جداً ومثيراً للدهشة في ذات الوقت، وهو ما إعترف به الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الكثير من هذه الأنفاق يتم البدء بحفرها من تحت المنازل الشخصية أو المباني الحكومية في قطاع غزة من إجل إخفائها والحفاظ على سرّيتها.
وتمثل الأنفاق ورقة رابحة بيد المقاومة الفلسطينية في أي مواجهة قادمة، ولهذا تصر القيادة الإسرائيلية على إكتشافها ومعرفة أسرارها ومن ثم تدميرها لإدراكها بأن هذه الأنفاق تشكل معضلة حقيقية أمام أي محاولة لتوغل القوات الاسرائيلية في غزة، كما أنها توفر ظروفاً ملائمة لفصائل المقاومة الفلسطينية لشنّ عمليات مباغتة ضد الأهداف الإسرائيلية.
ويزعم الكيان الإسرائيلي بأنه تمكن من كشف وتدمير 32 نفقاً حتى الآن لكنه إعترف في الوقت ذاته بأنه يجهل العدد الحقيقي لهذه الأنفاق رغم إستخدامه أجهزة وآلیات ومعدات حديثة ومتطورة، وصرفه أموالاً طائلة في هذا المجال، وهذا الأمر يعكس في الحقيقة مدى القلق الذي ينتاب القادة العسكريين والسياسيين في الكيان الإسرائيلي على حد سواء بسبب هذه الأنفاق.
ويعتقد المراقبون بأن تمكن فصائل المقاومة من خطف أيّ جندي أو مستوطن إسرائيلي في أيّ لحظة يكفي أن يرغم جميع المستوطنين على مغادرة أماكنهم المؤقتة، وربما يجبرهم في النهاية على مغادرة الأراضي المحتلة وهذا يمثل بحد ذاته تهديداً مباشراً على مصير الکيان الإسرائيلي برمته الذي يسعى جاهداً لإقناع المستوطنين بالبقاء رغم علمه بأنهم غير مستعدين للتفريط بحياتهم من أجل إستمرار الإحتلال.