كتاب العقل والجهل من الكافي الشريف
1 – أخبرنا ( 1 ) أبو جعفر محمد بن يعقوب قال : حدثني عدة من أصحابنا منهم
محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ،
عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما خلق الله العقل ( 2 ) استنطقه ثم قال له :
أقبل فأقبل ثم قال له : أدبر فأدبر ( 3 ) ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا ” هو
أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى
وإياك أعاقب ، وإياك أثيب .
2 – علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن مفضل بن
صالح ، عن سعد بن طريف ( 4 ) ، عن الأصبغ بن نباته ، عن علي عليه السلام قال : هبط
جبرئيل على آدم عليه السلام فقال : يا آدم إني أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها
ودع اثنتين فقال له آدم : يا جبرئيل وما الثلاث ؟ فقال : العقل والحياء والدين ،
فقال آدم : إني قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين : انصرفا ودعاه
فقالا : يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : فشأنكما وعرج . ( 1 )
3 – أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى
أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان
قال : قلت : فالذي ( 2 ) كان في معاوية ؟ فقال : تلك النكراء ! تلك الشيطنة ، وهي شبيهة
بالعقل ، وليست بالعقل .
4 – محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن
الجهم قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : صديق كل امرء عقله ، وعدوه جهله .
5 – وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال : قلت
لأبي الحسن عليه السلام : إن عندنا قوما ” لهم محبة ، وليست لهم تلك العزيمة ( 3 ) يقولون بهذا
القول ؟ فقال : ليس أولئك ممن عاتب الله إنما قال الله : فاعتبروا يا أولي الأبصار .
6 – أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن أبي محمد الرازي ، عن سيف بن
عميرة ، عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من كان عاقلا ” كان له
دين ، ومن كان له دين دخل الجنة .
7 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن علي بن
يقطين ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما
يداق الله العباد ( 4 ) في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا .
8 – علي بن محمد بن عبد الله ( 5 ) ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن محمد بن
سليمان الديلمي ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فلان من عبادته ودينه وفضله ؟
فقال : كيف عقله ؟ قلت : لا أدري ، فقال : إن الثواب على قدر العقل ، إن رجلا
من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر ، خضراء نضرة ، كثيرة
الشجر ظاهرة الماء وإن ملكا ” من الملائكة مر به فقال يا رب أرني ثواب عبدك
هذا ، فأراه الله [ تعالى ] ذلك ، فاستقله الملك ، فأوحى الله [ تعالى ] إليه : أن اصحبه
فأتاه الملك في صوره إنسي فقال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل عابد بلغني مكانك
وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك ، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال
له الملك : إن مكانك لنزه ، وما يصلح إلا للعبادة ، فقال له العابد : إن لمكاننا هذا
عيبا ” فقال له : وما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا
الموضع ، فإن هذا الحشيش يضيع ، فقال له [ ذلك ] الملك : وما لربك حمار ؟
فقال : لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش ، فأوحى الله إلى الملك : إنما
أثيبه على قدر عقله .
9 – علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله
عليه السلام : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن
عقله ، فإنما يجازي بعقله ( 1 )
10 – محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان
قال : ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رجلا ” مبتلى بالوضوء والصلاة ( 2 ) وقلت : هو رجل
عاقل ، فقال : أبو عبد الله وأي عقل له وهو يطيع الشيطان ؟ فقلت له : وكيف يطيع
الشيطان ؟ فقال سله هذا الذي يأتيه من أي شئ هو ؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان ( 3 )
11 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، رفعه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما قسم الله للعباد شيئا ” أفضل من العقل ، فنوم العاقل
أفضل من سهر الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ( 1 ) ولا بعث الله
نبيا ” ولا رسولا ” حتى يستكمل العقل ، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما
يضمر النبي صلى الله عليه وآله في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ، وما أدى العبد فرائض الله
حتى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، والعقلاء هم
أولو الألباب ، الذين قال الله تعالى : ” وما يتذكر إلا أولو الألباب ” ( 2 ) .
12 – أبو عبد الله الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، رفعه عن هشام بن الحكم قال :
قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل
العقل والفهم في كتابه فقال : فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ” ( 3 ) .
يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين
بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلة ، فقال : ” وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن
الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي
تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض
بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء
والأرض لآيات لقوم يعقلون ” ( 4 ) .
يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا ” على معرفته بأن لهم مدبرا ” ، فقال : ” وسخر
لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، إن في ذلك
لآيات لقوم يعقلون ” ( 5 ) . وقال : ” هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم
من علقة ثم يخرجكم طفلا ” ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى
من قبل ولتبلغوا أجلا ” مسمى ولعلكم تعقلون ( 6 ) ” وقال : ” إن في اختلاف الليل
والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح
[ والسحاب المسخر بين السماء والأرض ] لآيات لقوم يعقلون ( 1 ) ” وقال : ” يحيي
الأرض بعد موتها ، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( 2 ) ” . وقال : وجنات
من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على
بعض في الاكل ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 3 ) ” . وقال : ” ومن آياته يريكم
البرق خوفا ” وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها . إن في ذلك
لآيات لقوم يعقلون ( 4 ) ” . وقال : ” قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا
به شيئا ” وبالوالدين إحسانا ” ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، نحن نرزقكم وإياهم
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ،
ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون ( 5 ) ” . وقال : ” هل لكم من ما ملكت أيمانكم
من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ، كذلك نفصل
الآيات لقوم يعقلون ( 6 ) ” .
يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال : ” وما الحياة الدنيا
إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ( 7 ) ” .
يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى : ” ثم دمرنا الآخرين
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ( 8 ) ” . وقال : ” إنا منزلون
على أهل هذه القرية رجزا ” من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة
لقوم يعقلون ( 9 ) ” .
يا هشام إن العقل مع العلم فقال : ” وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا
العالمون ( 10 ) ” . يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال : ” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل
الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ” ولا يهتدون ( 11 ) “
وقال : ” ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم
عمي فهم لا يعقلون ( 1 ) ” . وقال : ” ومنهم من يستمع إليك أفأنت تسمع الصم ولو
كانوا لا يعقلون ( 2 ) ” وقال : ” أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم
إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ( 3 ) ” . وقال : ” لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة
أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا
يعقلون ( 4 ) ” . وقال : ” وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ( 5 ) ” .
يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال : ” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك
عن سبيل الله ( 6 ) ” . وقال : ” ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله
قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 7 ) ” . وقال : ” ولئن سألتهم من نزل من السماء
ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا
يعقلون ( 8 ) ” .
يا هشام ثم مدح القلة فقال : ” وقليل من عبادي الشكور ( 9 ) ” . وقال : ” و
قليل ما هم ( 10 ) ” . وقال : ” وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا
أن يقول ربي الله ( 11 ) ” . وقال : ” ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ( 12 ) ” . وقال : ” ولكن
أكثرهم لا يعلمون ( 13 ) ” . وقال : ” وأكثرهم لا يعقلون ” ( 14 ) . وقال : ” وأكثرهم
لا يشعرون ” .
يا هشام ثم ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلاهم بأحسن الحلية ،
فقال : ” يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر
إلا أولو الألباب ( 15 ) ” . وقال : ” والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند
ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ( 16 ) ” وقال : ” إن في خلق السماوات والأرض
واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( 1 ) ” . وقال : ” أفمن يعلم أنما انزل
إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب ( 2 ) ” وقال :
” أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ( 3 ) ” . وقال :
” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ( 4 ) ” . وقال :
” ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي
الألباب ( 5 ) ” وقال : ” وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( 6 ) ” .
يا هشام إن الله تعالى يقول في كتابه : ” إن في ذلك لذكرى لمن كان له
قلب ( 7 ) ” يعني : عقل : ” وقال ” ولقد آتينا لقمان الحكمة ( 8 ) ” ، قال : الفهم والعقل .
يا هشام إن لقمان قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس ، وإن
الكيس لدى الحق يسير ، يا بني إن الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها ( 9 ) عالم كثير
فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ( 10 ) وشراعها التوكل ، وقيمها العقل
ودليلها العلم ، وسكانها الصبر .
يا هشام إن لكل شئ دليلا ودليل العقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، و
لكل شئ مطية ومطية العقل التواضع ( 11 ) وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه .
يا هشام ما بعث الله أنبياء ه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم
استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا ، وأكملهم عقلا أرفعهم
درجة في الدنيا والآخرة .
يا هشام إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة
فالرسل والأنبياء والأئمة – عليهم السلام – ، وأما الباطنة فالعقول .
يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره .
يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله : من أظلم نور
تفكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ( 1 ) ، وأطفأ نور عبرته بشهوات
نفسه ، فكأنما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله ، أفسد عليه دينه ودنياه .
يا هشام كيف يزكو ( 2 ) عند الله عملك ، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك
وأطعت هواك على غلبة عقلك .
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله ( 3 ) اعتزل أهل
الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند الله ، وكان الله انسه في الوحشة ، وصاحبه
في الوحدة ، وغناه في العيلة ( 4 ) ، ومعزه من غير عشيرة .
يا هشام نصب الحق لطاعة الله ( 5 ) ، ولا نجاة إلا بالطاعة ، والطاعة بالعلم
والعلم بالتعلم ، والتعلم بالعقل يعتقد ( 6 ) ، ولا علم إلا من عالم رباني ، ومعرفة
العلم بالعقل .
يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى
والجهل مردود .
يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون
من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .
يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من
الفضل ، وترك الذنوب من الفرض .
يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة
ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة ، فطلب بالمشقة أبقاهما .
يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن
الدنيا طالبة مطلوبة ( 1 ) والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا
حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت ، فيفسد عليه
دنياه وآخرته .
يا هشام من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين
فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ،
ومن قنع بما يكفيه استغني ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا .
يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين : أنهم قالوا : ” ربنا لا تزغ قلوبنا ( 2 )
بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ” حين علموا أن القلوب
تزيغ وتعود إلى عماها ورداها .
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على
معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله
لفعله مصدقا ، وسره لعلانيته موافقا ، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن
الخفي من العقل إلا بظاهر منه ، وناطق عنه .
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما عبد الله بشئ أفضل من العقل ، وما
تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشر منه مأمونان ، والرشد والخير
منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، ونصيبه من الدنيا القوت ،
لا يشبع من العلم دهره ، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع
أحب إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف
من نفسه ، ويرى الناس كلهم خيرا منه ، وأنه شرهم في نفسه ، وهو تمام الأمر . ( 1 )
يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه .
يا هشام لا دين لمن لا مروة له ( 2 ) ، ولا مروة لمن لا عقل له ، وإن أعظم
الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا ( 3 ) أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا
الجنة ( 4 ) فلا تبيعوها بغيرها .
يا هشام إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : إن من علامة العاقل أن يكون
فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل ، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي
الذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شئ فهو أحمق .
إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه
الخصال الثلاث أو واحدة منهن ، فمن لم يكن فيه شئ منهن فجلس فهو أحمق .
وقال الحسن بن علي عليهما السلام : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قيل
يا ابن رسول الله ومن أهلها ؟ قال : الذين قص الله ( 1 ) في كتابه وذكرهم ، فقال : ” إنما
يتذكر أولو الألباب ” قال : هم أولو العقول .
وقال علي بن الحسين عليهما السلام ( 2 ) : مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ، وآداب
العلماء زيادة في العقل ، وطاعة ولاة العدل تمام العز ، واستثمار المال تمام المروة ( 3 )
وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة ، وكف الأذى من كمال العقل ، وفيه راحة
البدن عاجلا وآجلا .
يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه
ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنف برجائه ( 4 ) ، ولا يقدم على ما يخاف
فوته بالعجز عنه . ( 5 )
13 – علي بن محمد ، عن سهل بن زياد رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : العقل
غطاء ستير ( 6 ) ، والفضل جمال ظاهر ( 7 ) فاستر خلل خلقك بفضلك ( 8 ) وقاتل هواك
بعقلك ، تسلم لك المودة ، وتظهر لك المحبة .
14 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن سماعة بن مهران
قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل
فقال أبو عبد الله عليه السلام : اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا ، قال سماعة : فقلت :
جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عز وجل خلق
العقل وهو أول خلق من الروحانيين ( 1 ) عن يمين العرش من نوره فقال له : أدبر
فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقا عظيما
وكرمتك على جميع خلقي ، قال : ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيا فقال له :
أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فلم يقبل فقال له : استكبرت فلعنه ، ثم جعل للعقل خمسة
وسبعين جندا فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل :
يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند
مثل ما أعطيته فقال : نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال : قد
رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند : ( 2 )
الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل ، والايمان وضده الكفر ،
والتصديق وضده الجحود ، والرجاء وضده القنوط ، والعدل وضده الجور ،
والرضا وضده السخط ، والشكر وضده الكفران ، والطمع وضده اليأس ،
والتوكل وضده الحرص ، والرأفة وضدها القسوة ، والرحمة وضدها الغضب ،
والعلم وضده الجهل ، والفهم وضده الحمق ، والعفة ( 3 ) وضدها التهتك ،
والزهد وضده الرغبة ، والرفق ( 4 ) وضده الخرق ، والرهبة وضدها الجرأة ،
والتواضع وضده الكبر ، والتؤدة ( 5 ) وضدها التسرع ، والحلم وضدها السفه ،
والصمت ( 1 ) وضده الهذر ، والاستسلام وضده الاستكبار ( 2 ) ، والتسليم وضده الشك ،
والصبر وضده الجزع ، والصفح وضده الانتقام ، والغنى وضده الفقر ،
والتذكر ( 3 ) وضده السهو ، والحفظ وضده النسيان ، والتعطف وضده القطيعة ،
والقنوع وضده الحرص ، والمؤاساة وضدها المنع ، والمودة وضدها العداوة
والوفاء وضده الغدر ، والطاعة وضدها المعصية ، والخضوع وضده التطاول (
4 ) ،
والسلامة وضدها البلاء ، والحب وضده البغض ، والصدق وضده الكذب ،
والحق وضده الباطل ، والأمانة وضدها الخيانة ، والاخلاص وضده الشوب ،
والشهامة وضدها البلادة ، والفهم ( 5 ) وضده الغباوة ، والمعرفة وضدها الانكار ،
والمداراة وضدها المكاشفة ، وسلامة الغيب وضدها المماكرة ، والكتمان وضده الإفشاء ،
والصلاة وضدها الإضاعة ، والصوم وضده الإفطار ، والجهاد وضده النكول ،
والحج وضده نبذ الميثاق ، وصون الحديث وضده النميمة ، وبر الوالدين وضده العقوق ،
والحقيقة وضدها الرياء ، والمعروف وضده المنكر ، والستر وضده التبرج ( 6 ) ،
والتقية وضدها الإذاعة ، والإنصاف وضده الحمية ، والتهيئة ( 7 ) وضدها البغي ،
والنظافة وضدها القذر ، والحياء ( 8 ) وضدها الجلع ، والقصد وضده العدوان ،
والراحة وضدها التعب والسهولة وضدها الصعوبة ، والبركة وضدها المحق ( 9 ) ،
والعافية وضدها البلاء ، والقوام ( 10 ) وضده المكاثرة ، والحكمة وضدها الهواء ،
والوقار وضده الخفة ، والسعادة وضدها الشقاوة ، والتوبة وضدها الإصرار ،
والاستغفار وضده الاغترار ، والمحافظة وضدها التهاون ، والدعاء وضده الاستنكاف ،
والنشاط وضده الكسل ، والفرح وضده الحزن ، والألفة وضدها الفرقة والسخاء
وضده البخل .
فلا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي ،
أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان ، وأما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم
لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل ، وينقي من جنود الجهل
فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء ، وإنما يدرك ذلك بمعرفة
العقل وجنوده ، وبمجانبة الجهل وجنوده ، وفقنا الله وإياكم لطاعته ومرضاته .
15 – جماعة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي
ابن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما كلم رسول الله صلى الله عليه وآله العباد
بكنه عقله قط ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم
الناس على قدر عقولهم .
16 – علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن النوفلي ، عن السكوني ( 1 ) ،
عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن قلوب الجهال تستفزها
الأطماع ( 2 ) ، وترتهنها المنى ، وتستعلقها الخدائع .
17 – علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبيد الله
الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام أكمل
الناس عقلا أحسنهم خلقا .
18 – علي ، [ عن أبيه ] ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنا عند الرضا عليه السلام
فتذاكرنا العقل والأدب فقال : يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة ، فمن
تكلف الأدب قدر عليه ، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا .
19 – علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن
جبلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إن
لي جارا كثير الصلاة ، كثير الصدقة ، كثير الحج لا بأس به ( 1 ) قال : فقال : يا إسحاق
كيف عقله ؟ قال : قلت له : جعلت فداك ليس له عقل ، قال : فقال : لا يرتفع بذلك منه .
20 – الحسين بن محمد ، عن أحمد بن محمد السياري ، عن أبي يعقوب البغدادي
قال : قال ابن السكيت لأبي الحسن عليه السلام لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام
بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمدا – صلى الله عليه وآله
وعلى جميع الأنبياء – بالكلام والخطب ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : إن الله لما
بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن
في وسعهم مثله ، وما أبطل به سحرهم ، وأثبت به الحجة عليهم ، وإن الله بعث
عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات ( 3 ) واحتاج الناس إلى الطب ، فأتاهم
من عند الله بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى ، وأبرء الأكمه والأبرص
بإذن الله ، وأثبت به الحجة عليهم .
وإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام
وأظنه قال : الشعر فأتاهم من عند الله من واعظه وحكمه ما أبطل به
قولهم ، وأثبت به الحجة عليهم ، قال : فقال ابن السكيت : تالله ما رأيت مثلك قط
فما الحجة على الخلق اليوم ؟ قال : فقال عليه السلام : العقل ، يعرف به الصادق على الله
فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه ، قال : فقال ابن السكيت : هذا والله هو الجواب .
21 – الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ( 1 ) عن المثنى الحناط ،
عن قتيبة الأعشى ، عن ابن أبي يعفور ، عن مولى لبني شيبان ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ( 2 ) فجمع بها عقولهم وكملت به
أحلامهم .
22 – علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن علي بن إبراهيم
عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : حجة الله على العباد النبي ، والحجة
فيما بين العباد وبين الله العقل .
23 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد مرسلا قال : قال أبو عبد الله : دعامة
الإنسان العقل ، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله
ومبصره ومفتاح أمره ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما ، حافظا ، ذاكرا
فطنا ، فهما ، فعلم بذلك كيف ولم وحيث ، وعرف من نصحه ومن غشه ، فإذا عرف
ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله ، وأخلص الوحدانية لله ، والإقرار بالطاعة
فإذا فعل ذلك كان مستدركا لما فات ، وواردا على ما هو آت ، يعرف ما هو فيه ،
ولأي شئ هو ههنا ، ومن أين يأتيه ، وإلى ما هو صائر ، وذلك كله من تأييد العقل .
24 – علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن بعض
رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : العقل دليل المؤمن .
25 – الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن
السري بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي لا فقر
أشد من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ( 1 ) .
26 – محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن العلاء بن
رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما خلق الله العقل قال له : أقبل
فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك
إياك آمر وإياك أنهي ، وإياك أثيب وإياك أعاقب .
27 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ،
عن الحسين بن خالد ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل
آتيه وأكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله ، ومنهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي
كلامي كله ثم يرده علي كما كلمته ، ومنهم من آتيه فأكلمه فيقول : أعد علي ؟ !
فقال : يا إسحاق ! وما تدرى لم هذا ؟ قلت : لا ، قال : الذي تكلمه ببعض كلامك
فيعرفه كله فذاك من عجنت نطفته بعقله ، وأما الذي تكلمه فيستوفى كلامك ثم
يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله فيه في بطن أمه ، وأما الذي تكلمه
بالكلام فيقول : أعد علي ، فذاك الذي ركب عقله فيه بعدما كبر ، فهو يقول لك :
أعد علي .
28 – عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض من رفعه ، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام
فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله ؟ .
29 – بعض أصحابنا ، رفعه عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
يا مفضل لا يفلح من لا يعقل ، ولا يعقل من لا يعلم ، وسوف ينجب من يفهم ( 2 ) ، و
يظفر من يحلم ، والعلم جنة ، والصدق عز ، والجهل ذل ، والفهم مجد ، والجود
نجح ( 1 ) وحسن الخلق مجلبة للمودة ، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس و
الحزم مسائة الظن ( 2 ) ، وبين المرء والحكمة نعمة العالم ، والجاهل شقي بينهما ( 3 ) والله
ولي من عرفه وعدو من تكلفه ( 4 ) والعاقل غفور والجاهل ختور ( 5 ) وإن شئت أن
تكرم فلن وإن شئت أن تهان فاخشن ، ومن كرم أصله لان قلبه ، ومن خشن عنصره
غلظ كبده ومن فرط تورط ( 6 ) ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم و
من هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه ، ومن لم يعلم لم يفهم ، ومن لم يفهم لم
يسلم ، ومن لم يسلم لم يكرم ، ومن لم يكرم يهضم ( 7 ) ومن يهضم كان ألوم ، ومن
كان كذلك كان أحرى أن يندم .
30 – محمد بن يحيى ، رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من استحكمت ( 8 )
لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت فقد ما سواها ولا أغتفر فقد
عقل ولا دين ، لأن مفارقة الدين مفارقة الأمن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة ، وفقد العقل
فقد الحياة ، ولا يقاس إلا بالأموات .
31 – علي بن إبراهيم بن هشام ، عن موسى بن إبراهيم المحاربي ، عن الحسن
ابن موسى ، عن موسى بن عبد الله ، عن ميمون بن علي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
قال أمير المؤمنين عليه السلام : إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله .
32 – أبو عبد الله العاصمي ، عن علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن
ابن الجهم ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : ذكر عنده أصحابنا وذكر العقل قال :
فقال عليه السلام : لا يعبأ ( 9 ) بأهل الدين ممن لا عقل له ، قلت : جعلت فداك إن ممن يصف
هذا الأمر قوما لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول فقال : ليس هؤلاء ممن
خاطب الله إن الله خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل وقال له : أدبر فأدبر ، فقال :
وعزتي وجلالي ما خلقت شيئا أحسن منك أو أحب إلي منك ، بك آخذ وبك أعطي .
33 – علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس بين الايمان والكفر إلا قلة العقل ( 1 ) قيل : وكيف ذاك
يا ابن رسول الله ؟ قال : إن العبد يرفع رغبته ( 2 ) إلى مخلوق فلو أخلص نيته لله
لأتاه ( 3 ) الذي يريد في أسرع من ذلك .
34 – عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الله الدهقان ، عن أحمد بن
عمر الحلبي ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام
يقول : بالعقل استخرج غور الحكمة ( 4 ) وبالحكمة استخرج غور العقل ، وبحسن
السياسة يكون الأدب الصالح . قال : وكان يقول : التفكر حياة قلب البصير كما يمشي
الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص وقلة التربص .
[ * الف عدة من أصحابنا ، عن عبد الله البزاز ، عن محمد بن عبد الرحمن بن حماد
عن الحسن بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل : أن أول الأمور ومبدأها
وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ إلا به ، العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ونورا
لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وأنهم مخلوقون ، وأنه المدبر لهم ، وأنهم
المدبرون ، وأنه الباقي وهم الفانون ، واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه ، من
سمائه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وليلة ونهاره ، وبأن له ولهم خالقا ومدبرا لم يزل
ولا يزول ، وعرفوا به الحسن من القبيح ، وأن الظلمة في الجهل ، وأن النور في
العلم ، فهذا ما دلهم ، عليه العقل .
قيل له : فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره ؟ قال : إن العاقل لدلالة عقله
الذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته ، علم أن الله هو الحق ، وأنه هو ربه ، وعلم
أن لخالقه محبة ، وأن له كراهية ، وأن له طاعة ، وأن له معصية ، فلم يجد عقله
يدله على ذلك ( 1 ) وعلم أنه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه ، وأنه لا ينتفع بعقله ، إن
لم يصب ذلك بعلمه ، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلا به .
ب علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن ابن أبي عمير ، عن النضر بن سويد ،
عن حمران وصفوان بن مهران الجمال قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا غنى
أخصب من العقل ، ولا فقر أحط من الحمق ، ولا استظهار في أمر بأكثر من
المشورة فيه ] .