ولكي يعرف الشيخ أن الشيعة لم ينفردوا في ذم أبي هريرة ، بل كثير من علماء العامة ردوا عليه أيضا ورفضوا رواياته ، أنقل بعض ما جاء منهم في هذا المجال :
1ـ ابن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة : 4/63 ـ ط دار إحياء التراث العربي ، قال : وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى … أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع) ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا وعطايا مغرية ، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير …
وفي الصفحة 67 من الجزء نفسه ذكر ابن أبي الحديد ، أن أبو جعفر قال : وروى الأعمش ، قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته مرارا وقال :
يا أهل العراق ! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله ، وأحرق نفسي بالنار ؟!
والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : إن لكل نبي حرما ، وإن حرمي بالمدينة ، ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها !!
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة .
أسألكم أيها المستمعون بالله عليكم ! ألا يكفي هذا الخبر وحده لرد أبي هريرة وإسقاط رواياته عن الاعتبار ؟! أم أن الشيخ عبد السلام يعتقد أن أبا هريرة لما كان من الصحابة ، فيحق له أن يقول ما يحب ويفتري ويكذب ، وله أن يتهم أفضل الخلفاء الراشدين وأكملهم حسب رواياتكم وهو الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وليس لأحد أن يرد عليه ويضعفه أو يطعن فيه ؟!
الشيخ عبدالسلام : لو فرضنا صدق كلامكم وصحة بيانكم فكل ذلك لا يوجب لعن أبي هريرة ؟! وأنا إنما استشكل عليكم وأقول : بأي دليل تلعنون أبا هريرة ؟!
قلت : بديل العقل والنقل أنه : لا يسب النبي (ص) إلا ملعون ، وحسب الأخبار والأحاديث المعتبرة المروية عن طرقكم والمسجلة في كتب كبار علمائكم ، أن رسول الله (ص) قال :
من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله سبحانه وتعالى .
وأبو هريرة كان من الذين يسبون عليا (ع) ، وكان يجعل الأحاديث في ذمه (ع) ليشجع المسلمين الغافلين والجاهلين على سب أمير المؤمنين (ع) .
أبو هريرة مع بسر بن أرطأة:
2ـ ذكر الطبري في ” تاريخه ” وابن الأثير في ” الكامل ” وابن أبي الحديد في ” شرح النهج ” والعلامة السمهودي وابن خلدون وابن خلكان ، وغيرهم : أن معاوية حينما بعث بسر بن أرطأة ، الظالم الغاشم ، إلى اليمن لينتقم من شيعة الإمام علي (ع) كان معه أربعة آلاف مقاتل ، فخرج من الشام ومر بالمدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وتبالة ونجران وقبيلة أرحب ـ من همدان ـ وصنعاء وحضر موت ونواحيها ، وقتلوا كل من ظفروا به من الشيعة في هذه البلاد ، وأرعبوا عامة الناس ، فسفكوا دماء الأبرياء ، ونهبوا أموالهم ، وهتكوا حريمهم ، وقضوا على كل من ظفروا به من بني هاشم حتى لم يرحموا طفلي عبيد الله بن العباس ـ ابن عم رسول الله (ص) ـ وكان واليا على اليمن من قبل الإمام علي (ع) .
وذكر بعض المؤرخين : أن عدد الذين قتلوا بسيوف بسر وجنده في تلك السرية بلغ ثلاثين ألفا !!
وهذا غير عجيب من معاوية وحزبه الظالمين ، فإن التاريخ يذكر ما هو أدهى وأمر من هذا الأمر .
والجدير بالذكر أن أبا هريرة الذي تعظموه غاية التعظيم ، ولا ترضون بذكر مثالبه ولعنه كان قد رافق بسرا في رحلته الدموية وحملته الإرهابية الدموية ، وخاصة جناياته على أهل المدينة المنورة ، وما صنع بكبار شخصيات الأنصار ، مثل : جابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبي أيوب الأنصاري إذ حرقوا داره ! وأبو هريرة حاضر وناظر ولا ينهاهم عن تلك الجرائم والجنايات !!
بالله عليكم أنصفوا !!
أبو هريرة الذي صحب النبي (ص) مدة ثلاث سنوات ويروي خمسة آلاف حديث عنه (ص) ، هل من المعقول أنه لم يسمع الحديث النبوي المشهور الذي يرويه كبار العلماء والمحدثين ، مثل السمهودي في ” تاريخ المدينة ” والإمام أحمد بن حنبل في ” المسند ” وسبط ابن الجوزي في ” التذكرة ” وغيرهم عن النبي (ص) أنه قال :
” من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ” .
وقال (ص) : ” لعن الله من أخاف مدينتي ـ أي أهل مدينتي ـ ” .
وقال (ص) : ” لا يرد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص ” .
فهل من المعقول أن أبا هريرة ما سمع واحدا من هذه الأحاديث الشريفة ؟!
إنه سمع ! ومع ذلك رافق الجيش الذي هاجم المدينة المنورة وأخاف أهلها ، ثم وقف بجانب معاوية المارق على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو يومئذ خليفة رسول الله بحكم بيعة أهل الحل والعقد في المدينة المنورة .
فانضم أبو هريرة إلى معاوية مخالفا لأمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ، بل محاربا له عليه السلام ، وما اكتفى بكل هذه الأمور المنكرة حتى بدأ يجعل الأحاديث المزورة والأخبار المنكرة في ذم ولي الله وحجته علي بن أبي طالب عليه السلام ، برواية يرويها عن رسول الله (ص) ، وحاشا رسول الله (ص) ثم حاشاه من ذلك كله .
والعجيب ، أن مع كل هذه الأمور المفجعة والقضايا الفظيعة ، قول القائل : إنه لا يجوز لعن أبي هريرة وطعنه ، لأنه من صحابة النبي (ص) !
وفي منطق أبي هريرة يجوز سب الإمام علي عليه السام ولعنه والعياذ بالله وهو أكرم الصحابة وأفضلهم ، وأحب الناس إلى الله ورسوله (ص) .
الشيخ عبد السلام : الله الله ! كيف تقول هكذا في شأن أبي هريرة وهو أعظم راو وأوثق صحابي ؟!
فالطعن واللعن رأي الشيعة ، وأما رأي عامة المسلمين في أبي هريرة ، فإنهم يعظموه ويحترموه ويجلوه عن كل ما تقولون .
قلت : إن ما قلناه فيه لم يكن رأي الشيعة فحسب ، بل هو رأي كثير من علمائكم ورجالكم ، حتى الخليفة الثاني عمر الفاروق ، فقد ذكر المؤرخون ، كابن الأثير في الكامل في حوادث عام 23 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2/104ط مصر وغيرهما ، ذكروا : أن عمر بن الخطاب في سنة 21 أرسل أبا هريرة واليا على البحرين ، وأخبر الخليفة بعد ذلك بأن أبا هريرة جمع مالا كثيرا ، واشترى خيلا كثيرة على حسابه الخاص ، فعزله الخليفة سنة23 واستدعاه، فلما حضر عنده ، قال له عمر : يا عدو الله وعدو كتابه ، أسرقت مال الله ؟!
فقال: لم أسرق ، وإنما هي عطايا الناس لي .
ونقل ابن سعد في طبقاته 4/90 ، وابن حجر العسقلاني في ” الإصابة ” وابن عبد ربه “العقد الفريد ” الجزء الأول ، كتبوا : أن عمر حينما حاكمه قال له : يا عدو الله ! لما وليتك البحرين كنت حافيا لا تملك نعالا ، والآن أخبرت بأنك شريت خيلا بألف وستمائة دينار !!
فقال أبو هريرة : عطايا الناس لي وقد أنتجت .
فغضب الخليفة وقام وضربه بالسوط على ظهره حتى أدماه ! ثم أمر بمصادرة أمواله ، وكانت عشرة آلاف دينار ، فأوردها بيت المال .
وقد ضرب عمر أبا هريرة قبل هذا ، كما ذكر مسلم في صحيحه 1/34 قال : في زمن رسول الله (ص) ضرب عمر أبا هريرة حتى سقط على الأرض على قفاه !
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/360 ط مصر أنه قال أبو جعفر الإسكافي : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر بالدرة وقال : قد أكثرت من الرواية ، أحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص) .
وذكر ابن عساكر في تاريخه ، والمتقي في ” كنز العمال ” : أن الخليفة عمر بن الخطاب زجر أبا هريرة ، وضربه بالسوط ، ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول الله (ص) وقال له : لقد أكثرت نقل الحديث عن النبي (ص) وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص)!! وإذا لم تنته عن الرواية عن النبي (ص) لأنفينك إلى قبيلتك دوس ، أو أبعد إلى أرض القردة .
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه 1/ 360 ط مصر ، عن أستاذه جعفر الإسكافي ، أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : ألا إن أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الأحياء ـ على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي .
وذكر ابن قتيبة في ” تأويل مختلف الحديث ” والحاكم في الجزء الثالث من ” المستدرك” والذهبي في ” تلخيص المستدرك ” ومسلم في صحيحه ، ج2 في فضائل أبي هريرة : أن عائشة كانت تقول مرات وكرات : أبو هريرة كذاب ، وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبي (ص) !!
فأبو هريرة لم يكن مرفوضا وكذابا عندنا فحسب ، بل هو مردود وكذاب عند سيدنا الإمام علي عليه السلام ، وعند مولاكم عمر الفاروق ، وعند أم المؤمنين عائشة ، وعند كثير من الصحابة والتابعين ، والعلماء المحققين !!
كما إن شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلهم رفضوا مروياته وردوها ، وأعلنوا : أن كل حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة ، باطل وغير مقبول .
كما أن النووي في ” شرح صحيح مسلم ” في المجلد الرابع يتعرض لهذا الأمر بالتفصيل.
وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول : أصحاب النبي (ص) كلهم عندي ثقات وعدول ، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول ، إلا الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب ، فلا أقبلها ، وهي مردودة ومرفوضة .
( وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء ) .
وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي .
قلت : نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمة حول أبي هريرة ونظرائه ، لا بد لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث ، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبي (ص) .
وكما ورد عنه (ص) : كلما حدثتم بحديث عني فاعرضوه على كتاب الله سبحانه ، فإذا كان موافقا فخذوه ، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه .
الحديث في فضل أبي بكر:
وأما الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السلام عن أبي هريرة : أن جبرائيل نزل على النبي (ص) فقال : إن الله تعالى يقول : إني راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عني ؟!
فأقول :
أولا : نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة ، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط ، ورواياته غير مقبولة ، كما مر .
ثانيا : حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبي (ص) نجده مخالفا للقرآن المجيد ، فإنه سبحانه يقول : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )(16).
وقال : ( …. فإنه يعلم السرّ وأخفى )(17) .
وقوله تعالى : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى )(18) .
وقوله سبحانه : ( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن )(19) .
فبحكم هذه الآيات الكريمة ، وبحكم العقل السليم ، فإن الله عز وجل يعلم كل ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره ، وكل ما يختلج في صدره .
فالحديث الذي يقول : ” سل أبا بكر هل هو راضٍ ؟! ” .مفهومه : إن الأمر لا يخفى على الله سبحانه ، فيسأل ليعلم !! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم .
ثم مما لا شك فيه أن رضا الباري عز وجل يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربه ، فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا ، أي : لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإن الله لا يرضى عنه ، ولا يكون مقربا إليه تعالى .
فعلى هذا، كيف يبدي الله عز وجل رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إن أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا ؟!
الشيخ عبد السلام : لا بأس ، نترك هذا الحديث الذي تشككون فيه ولكن عندنا أحاديث لا شك فيها أنها صدرت عن النبي (ص) في شأن الخليفة أبي بكر ، منها أنه :
وقال (ص) : إن الله يتجلّى للناس عامة ، ويتجلّى لأبي بكر خاصة .
وقال (ص) : ما صب الله في صدري شيئا إلا صبه في صدر أبي بكر .
وقال (ص) : إن في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر ، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر .
وقال (ص) : أبو بكر وعمر خير الأولين .
وقال (ص) : خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور ، وعمر سراج أهل الجنة .
هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة ، وهي مروية في كتبنا المعتبرة وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسوله (ص) .