وأنه لا يتحقق الإيمان بدون معرفة إمام الزمان ويدل على ذلك العقل والنقل .
أما الأول : فلأن العلل المحوجة إلى وجود النبي ( صلى الله عليه وآله ) هي المحوجة إلى وجود الوصي ( عليه السلام )
بعد وفاة النبي ، والجهة الموجبة للرجوع إلى النبي هي الموجبة للرجوع إلى الوصي بعينها ،
فيجب على الله تعالى نصبه وعلى الناس معرفته لتوقف اتباعه على معرفته ( 1 ) .
وأما الثاني فمتواتر لكنا نذكر نبذا مما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ( ره ) في
الكافي روما للاختصار ( 1 ) .
– فمنها ( 1 ) في الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل
* ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) * قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي ( 2 ) لا يقبل الله من
العباد عملا إلا بمعرفتنا .
أقول : لعل التعبير عنهم بالأسماء لكونهم أدلاء على الله ، وعلامات قدرته وجبروته ، كما
أن الاسم علامة لصاحبه دال عليه ، والله تعالى هو العالم .
– ومنها ( 3 ) في الصحيح عن العبد الصالح ( عليه السلام ) قال : إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا
بإمام حتى يعرف .
أقول : يشير إلى وجوب إقامة الحجة على الله تعالى ، وإن معرفته لا يتم إلا بوجود الإمام ،
فيجب معرفته على الناس ونصبه على الله .
– ومنها في الصحيح عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة ( عليهم السلام )
وصفاتهم : إن الله عز وجل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه ، وأبلج بهم عن
سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) واجب حق
إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه ، لأن الله تبارك وتعالى نصب
الإمام علما لخلقه ، وجعله حجة على أهل مواده وعالمه ، ألبسه الله تاج الوقار ، وغشاه من
نور الجبار ، يمد بسبب إلى السماء لا يقطع عنه مواده ، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ولا
يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ، ومعميات
السنن ، ومشبهات الفتن ، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين ( عليه السلام ) من
عقب كل إمام يصطفيهم لذلك ، ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ، ويرتضيهم كلما مضى منهم
إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بينا ، وهاديا نيرا وإماما قيما ، وحجة عالما أئمة من الله
* ( يهدون بالحق وبه يعدلون ) * حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه ، يدين بهديهم العباد ،
وتستهل بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد ، جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام ،
ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها ، فالإمام هو
المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى ، والقائم المرتضى ، اصطفاه الله تعالى بذلك ،
واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه ، وفي البرية حين برأه ظلا قبل خلق نسمة عن يمين
عرشه ، محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده ، اختاره بعلمه وانتجبه لطهره ، بقية من آدم ( عليه السلام ) ،
وخيرة من ذرية نوح ، ومصطفى من آل إبراهيم ، وسلالة من إسماعيل وصفوة من عترة
محمد ( صلى الله عليه وآله ) لم يزل مرعيا بعين الله يحفظه ، ويكلأه بستره ، مطرودا عنه حبائل إبليس
وجنوده ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق ، مصروفا عنه قوارف السوء ، مبرءا
من العاهات ، محجوبا عن الآفات ، معصوما من الزلات ، مصانا عن الفواحش كلها ، معروفا
بالحلم والبر في يفاعه ، منسوبا إلى العلم والعفاف والفضل عند انتهائه ، مسندا إليه أمر
والده ، صامتا عن المنطق في حياته .
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت الإرادة من الله
فيه إلى حجته ، وبلغ منتهى مدة والده – صلى الله عليه – فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ،
وقلده دينه ، وجعله الحجة على عباده ، وقيمه في بلاده ، وأيده بروحه ، وآتاه علمه ، وأنبأه
فضل بيانه ، واستودعه سره ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل بيان علمه ، ونصبه علما
لخلقه ، وجعله حجة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه ، والقيم على عباده ، رضي الله به
إماما لهم ، استودعه سره ، واستحفظه علمه ، واستحباه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه
لعظيم أمره ، وأحيى به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحيير أهل
الجهل ، وتحير أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء النافع ، بالحق الأبلج ، والبيان من كل
مخرج ، على طريق المنهج ، الذي مضى عليه الصادقون من آبائه ( عليهم السلام ) فليس يجهل حق هذا
العالم إلا شقي ولا يجحده إلا غوي ، ولا يصد عنه إلا جري على الله جل وعلا . انتهى
مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عجل الله فرجه