الرئيسية / اخبار العلماء / ” المفسد لا يحب النصيحة و يدافع عمّا عنده”

” المفسد لا يحب النصيحة و يدافع عمّا عنده”

كشفت المرجعية الدينية العليا على أن ” المفسد لا يحب النصيحة و يدافع عمّا عنده ” . كما بينت خلال منبرها الجمعوي بأن الفاسد أمثال قارون ” في غنى عن ان يسمع و لا يمكن ان يرى ما يمكن ان يراه قبل ان يكون غنياً ؛ بعد تبدل الوضع لأنه سيرى نفسه بشكل آخر ويرى الأمور بمنظار آخر ، بعد توسع ثروته بباطل او بحق “

كما وظفت المرجعية ـــ من خلال ممثلها وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة ـــ القصص القرآنية لما فيها من ” عِبر كثيرة وحكمة وأوامر ونواهي ؛ كونه ـــ القرآن الكريم ـــ تبيان لكل شيء ” .

واستحوذ جل الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة 29 ذي القعدة 1437هـ الموافق 2 أيلول 2016م بإمامة سماحة السيد احمد الصافي على قصة قارون ـــ في زمن بني الله موسى عليه السلام ـــ لما فيها من عبرة وحكمة أرادها الله لنا من خلالها ، لأن قارون يمثل الحالة الرمزية لكل غني ومكتنز للمال وفاسد ومزهو ومغرور .

وبين سماحته أن قارون كان ” يرى ان ما فيه هو باستحقاقه وعمله ، مما جعل في ذلك طائفتين ، الأولى معه والأخرى المتدبرة والمفكرة التي وعدت وتنبهت بأن ” الذي عند قارون ليس هو مقياس القيمة الحقيقية ، لأن قيمة كل امرئ في ما يُحسن ” .

وبين الصافي بأن لثقافة الاعتبار من القصص القرآنية فوائد كثيرة منها أنها تعزز الثقة بالله تعالى ، كونه الرازق الخالق المحيي والمعيد .

كما قارب سماحته بين قضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمه أبو لهب وقضية موسى عليه السلام مع أبن خالته قارون ، وما للحادثتين من ترابط وأثر سلبي باعتبار ان كل من أبو لهب وقارون من اهل بيت الأنبياء ومن يحسب عليهم وبالتالي قد يكون كلامهما مسموع عند الأعداء سيما الافتراء منه .

وقال السيد الصافي أن الطغيان لا يمنع من قول الحق للطاغي ونصحه وهو ما دفع البعض لمواجه قارون ” مع طغيانه واجترأ عليه من أراد نصحه ، وقال له ” لا تفرح بهذا الشيء الذي انت أتيت به ! لا تفرح لأن مصيره قطعاً الى زوال .. وعليك ان تنهج منهج آخر فيه نجاة لك ، وعليك ان تبتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ” .

وكشف بأن طلب الدار الاخرة مرهون بإخراج حب المال من النفس (( وتحبون المال حباً جمّاً )) ، وأن كان المال سينفق حتما ، فليكن في سبيل الأخرة .

وفي تبيانه للتهديد الإلهي الذي جاء في الآية القرآنية : (( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ )) ، بين سماحته بأنه تهديد مرعب ، لأنه سبحانه وتعالى لا يعجل بعجلة العباد .

وفيما يلي النص الكامل للخطبة .

الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 29 ذي القعدة 1437هـ الموافق 2 أيلول 2016م

لاشك ان القران الكريم فيه عِبر كثيرة وفيه قصص وفيه حكمة وفيه أوامر وفيه نواهي وبالنتيجة تبيان لكل شيء ، ولعل القصة التي يتناولها القران الكريم قصة تهدف الى مسألة مهمة وهي العِبرة ؛ وان في القصص التي يذكرها القران الكريم واقعاً عبرة كبيرة لنا .

ما المقصود من العبرة والاعتبار ؟ الاعتبار اني عندما ينقل لي موضوع معين وقصة معينة وهذه القصة المعينة لابد ان تؤثر على سلوكيتي ؛ مثلا ً لو احد ينقل لي مسألة تتعلق بالرزق ويقال لي كذا وكذا وان الله تعالى رزق العبد الفلاني وهو احوج ما يكون للرزق .. لابد ان تعزز هذه القصة الثقة بالله تعالى انه هو الرازق .. وأمثال ذلك .

القران الكريم عندما يتحدث عن مِحن الانبياء والتاريخ الذي مرّ به الانبياء وواجه الانبياء في المقابل مجموعة من الطغاة على اختلاف القوة والضعف لكن بالنتيجة مجموعة من الطغاة يواجهون الأنبياء ، فتجد مثلا ً ابراهيم عليه السلام وهو خليل الله تعالى .. الله تعالى يجعل مقابله طاغية من الطغاة كالنمرود ويحاول يسخر عندما يفشل في الحجة يرمي ابراهيم عليه السلام في النار والله تعالى ينقذ النبي ابراهيم عليه السلام .. وهكذا بقية الانبياء عليهم السلام .

اليوم نستعرض قصة فيها عِبرة وقد تستغرق اكثر من خطبة .. طبعاً يستفيد منها الاخلاقي و الغني و الفقير وغيرهم بمقدار ما يرتب الأثر .

نحن نتحدث عن قصة كانت في زمن موسى عليه السلام ؛ ألا وهي قصة قارون ، ماذا أراد القران الكريم ان يبين لنا في قصة قارون .. وقارون يمثل الرمز لكل غني ولكل من يكتنز المال ويمثل الرمز ايضاً لكل فاسد بنص القرآن الكريم وهذا قارون كان في حالة من الزهو والغرور بحيث يرى ان ما فيه هو باستحقاقه هو عمل وهو .. ايضاً في المقابل هناك طائفتان طائفة اُعجبت بما عند قارون وطائفة اخرى عاقلة تنبهت وشعرت ان هذا الذي عند قارون ليس هو مقياس القيمة الحقيقية .. قيمة كل امرئ ما يُحسن .

القرآن عندما يصوّر قارون حقيقة يوجد من يتشبه في زماننا بقارون والنفس نفس قاروني والذين معه والذين ارادوا واحبوا ايضاً هؤلاء نفس من كان مع قارون .. في المقابل هناك فئة عاقلة ترى ان الميزان ليس هذا ايضاً هذه الثلة موجودة .

قال الله تبارك تعالى في القران الكريم في سورة القصص : (( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )) .

قارون من قوم النبي موسى عليه السلام وهو لم يؤمن ولكن هو من بني اسرائيل وبعض المفسرين يقول انه من أقارب النبي موسى عليه السلام .

ذكرنا في السابق قضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكم من الناس كان له اعداء .. طبعاً الكثير .. والنبي جاء ودافع عن الرسالة واستشهد من اهل بيته حمزة واصحابه كان عنده مجموعة من الاعداء والمنافقين ولكن القران الكريم غالباً لا يذكر الأسماء .. لكن عندما وصلت النوبة الى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يعاديه من اهل بيته القران ، حما رسوله وذكره بالاسم من هو ؟ ابو لهب ، وابو لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والقران ذكر أبو لهب بالاسم ..لماذا ؟ حماية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن هذا من اهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلامه سيكون مسموعاً أكثر عند الأعداء وممكن ان يفتري .. والقران عندما انزل فيه سورة لا زلنا الى اليوم نقول تبت يدا ابي لهب .

قارون لعله ابن خالته لموسى وهو في بيت فرعون فلعل كلامه يكون اوقع على موسى من غيره فالقران ذكر قارون اضافة الى مركزه عند فرعون فقارون ذُكر بالاسم واصبحت الان الحالة الفرعونية حالة والحالة القارونية حالة خصوصاً في حالة البذخ والاسراف اصبح قارون مثلا ً من الامثلة بينما موسى وهارون دخلوا على هارون بمدارع الصوف لا يملكون شيء .

يأتي القران الكريم يستعرض : (( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ))

أي ظلمهم واعتدى ، لاحظوا ماذا أعطي قارون : (( وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ))، الأية الشريفة تبين اننا اعطينا قارون من الكنوز ومكنّاه من ذلك بحيث وصل الى حالة ان هذه المفاتح لتنوء بالعصبة أي المجموعة وهي قد تكون عشرة او اكثر لتنوء وتثقل بهم وهذه العصبة هم من اولي القوة وليست أي عصبة .

التفتوا هنا (( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )) .

مع طغيانه لكن اجترأ عليه من أراد ان ينصحه ، قالوا له لا تفرح هذا الشيء الذي انت اتيت به لا تفرح ان مصيره قطعاً الى زوال .. قالوا له عليك ان تنهج منهج آخر ، انت لا تفرح بهذه الاموال عليك ان تنهج منهجاً آخر فيه نجاة لك ، ما هو ؟ ابتغ واسعى فيما آتاك الله الدار الاخرة .

الدار الاخرة كيف نطلبها ؟! مع قارون كل منا عنده ابتغي فيما اتاك الله الدار الاخرة .. كيف نبتغي الدار الاخرة ؟ قطعاً الدار الاخرة لها اثاث و نريد ان نعمّر الدار الاخرة .. اطلب الدار الاخرة وحقيقة هنيئاً لمن يطلب الدار الاخرة .. وقطعاً الدار الاخرة واضح منهجها والانسان العاقل الذي مكنّه الله مالياً يستطيع ان يشري اخرته بمجرد ان يخرج من هذا الحب (( وتحبون المال حباً جمّاً )) كما هذا المال تشتري به سيارة وتشتري به ولاءات اشتري بهذا المال الاخرة وانت بالنتيجة تنفق المال لكن أنفقه الى الاخرة .

حيث تبين الأية الشريفة : (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )) .

وأحسن يا قارون كما إحسن الله إليك ، الله تعالى دائماً يُحسن الينا واعطانا المال والصحة وغيرها فاحسن يا قارون ولا تبغ الفساد في الارض وابتغ الاخرة لماذا ؟ (( ان الله لا يُحب المفسدين )) ، لاحظوا الآية هنا لم تقل ان الله لا يحب الفاسدين، فالفاسد هو ولكن المفسد هو يحاول ان يشرك الاخرين ايضاً بالفساد .. فهذا عنده اموال ويستطيع ان يشتري الولاءات وستجد هذا سيتلوث وغيره سيتلوث وبالنتيجة شاع الفساد.. فهؤلاء النُصحاء يمنعون قارون لا تبغي الفساد في الارض إياك .

إخواني عادة المفسد وأمثال قارون لا يحب النصيحة و يدافع عمّا عنده ولاحظوا كلام هؤلاء معه اذ ينصحوه .. الله تعالى آمنك على هذه الاموال فلا تبغي الفساد والله تعالى لا يحب المفسدين فلا تكن مفسداً حتى لا تكون مشمولاً بمبغوضية او عدم محبة الله لك .

لكن لاحظوا قارون بعد ان توسعت ثروته بباطل او بحق بعد ان توسعت هو في غنى عن ان يسمع و لا يمكن ان يرى ما يمكن ان يراه قبل ان يكون غنياً فالان الوضع تبدل والان يرى نفسه بشكل آخر ويرى الامور بمنظار آخر .

قال قارون : (( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ )) .

إنما أوتيت هذا المال بجهدي وبذكائي وبشغلي وبحيلتي .. ولم ينسب أي شيء الى الله تعالى .. ولا يحق لكم ان تنصحوا .

(( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ )) .

حقيقة هذه الآية مرعبة الله ـــ لاحظوا التهديد ـــ الله تعالى لا يعجل بعجلة العباد .. لكن الله تعالى ذكر هذه القاعدة اولم يعلم قارون بان الله قد اهلك واباد من قبل قارون من هو اشد منه قوة وأكثر جمعاً .. فأين ذهبوا .

نسأل الله تعالى التوفيق .. اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات واستجب دعواتنا واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...