الرئيسية / المرأة في الإسلام / الطفل بين الوراثة والتربية

الطفل بين الوراثة والتربية

يقبض بيده كل شيء ، يلمس كل شيء، يعمل كما يريد… لكنه سرعان ما يلتفت إلى أنه ليس حرا مطلقا، إنه يرغب كثيرا في ثدي أمه وهو مصدر غذائه، لكنه عندما تتركه أمه أثناء ارتضاعه لتذهب وراء اعمالها يفهم الطفل أن الثدي ليس في اختياره دائما، يجب أن يصيح، أن يبكي… حتى تحن الأم إليه ويسترجع الثدي الضائع.
وعندما تتفتح أصابع الطفل فإنه يرغب بولع شديد أن يأخذ التفاحة ويأخذ الخبز، ولكنه حيث لا يدرك الفواصل فقد يخرج يده من المهد ليأخذ المصباح من السقف أو القمر من السماء وقد يمد يده إلى النار ليأخذ جمراتها المتوقدة فيحترق ويبكي… هنا يدرك الطفل أنه ليس حرا مطلقا كما يظن، فحريته محدودة.
ويتدرج الطفل في نموه. ويأخذ في المشي ويقترب من الحوض فيرى الأسماك تسبح في الماء، وبحكم طبعه الطفولي الحر يرغب في أن يسبح مثل تلك الأسماك، فيلقي بنفسه في الماء… ينقطع نفسه ويشرف على الموت، فتصل الأم وتخرج طفلها المتقطع الأنفاس…
وحين يثوب إليه رشده ينظر نظرة إلى الماء ويفهم أنه ليس حرا ولا يتمكن من أن يسبح كالسمك.
وعلى أية حال فإن الإنسان يلاقي موانع الطبيعة منذ طفولته في كل خطوة يخطوها، وفي كل يوم يحس بتقلص حريته أكثر من ذي قبل. ويدرك أن رغباته تصطدم بجدران حديدية لا تخترق. ولا يتمكن أن يمارس إرادته بحرية كاملة.
(2) والحاجز الثاني الذي يقف أمام الميول والرغبات الفردية، هو القوانين الصحية التي تظهر في الحمية… فإن المريض يشاهد الفواكه والحلويات والأطعمة المختلف، فيرغب في أن يأكل منها ولكنه مصاب بمرض السكر، فإن حاول اتباع ميوله بالتناول من الفواكه والحلويات التي تكثر فيها مادة السكر فسوف يبتلى بأنواع الآلام.
أو أنه مصاب بمرض في الكبد فعليه أن يحتمي عن كثير من الأطعمة

(١٦)

الشهية، لأن الطبيب منعه عنها… وقد يكون المرض شديدا إلى درجة يضطر المريض معها إلى أن يقنع بشيء قليل من الخضروات والفواكه المطبوخة فقط، ولا مفر له من ذلك فأما أن يترك ميوله وشهواته فيحفظ سلامته وصحته، أو ينقاد لها ويترك توصيات الطبيب فيلاقي جزاءه في النهاية باشتداد المرض، أو الموت أحيانا.
3 – وتعد القوانين الوضعية من الحواجز المهمة التي تقف أمام الميول البشرية، فإذا أرادت حكومة ما أن يظل قائمة وأن يكون لها مجتمع منظم، فعليها أن تضع القوانين التي تحدد لكل فرد حقوقه وواجباته، فتسمح ما هو ضمن القانون وتمنع ما سواه. وتعاقب المعتدي على حقوق الآخرين… وليس هذا في واقعه إلا تحديدا لحرية الإنسان، وعدم فسح المجال لممارسة أهوائه وشهواته كيفما يريد.
قد يستاء البعض لمحدودية حريته تجاه القانون، فيطغى عليه ويحب أن يكون حرا ليفعل ما يريد ويقول ما يشاء ويذهب أنى يرغب، لكن السلطة التنفيذية للقانون تجبره على الانقياد له.
يقول أحد الغربيين: القانون كاللجام الذي يوضع على فم الفرس الهائج فقد يطغى عليه ، مع فارق واحد هو أن اللجام الذي يوضع للفرس يضعه الإنسان. بينما القانون يضعه الإنسان على نفسه، وقد يطغى عليه أيضا.
لنتصور مستطرقا جائعا يرغب أشد الرغبة في أن يأكل من الحلويات والفواكه المنضدة في الحوانيت بحرية كاملة ليشبع بطنه، أو شابا متميعا في أشد الميل لا شباع نهمه الجنسي مع امرأة تسير في الشارع، لكن القانون يراقبه ويعاقبه بشدة على ميوله غير القانونية.
* * * هذه الأشكال الثلاثة من الحواجز والموانع عن حرية الإنسان جارية في جميع نقاط العالم، بغض النظر عن الدين والعنصر، فالخروج عليها يعتبر ذنبا وإجراما. ولقد اعتنى الإسلام بها جميعا وأوجب على اتباعه إتباعها ومراعاتها،

(١٧)

فالجري وراء الميول النفسية التي تخالف القوانين الكونية والصحية والاجتماعية ممنوع في القانون الإسلامي. والجانب الأكبر من الذنوب في الإسلام عبارة عن تنفيذ هذه الرغبات اللا مشروعة.
يعتبر الانتحار بجميع صوره ذنبا في الاسلام، سواء كان برمي الانسان نفسه من شاهق ، أو الإلقاء في الماء، أو شرب السم، أو غير ذلك. وكذا الإضرار بالنفس والإلقاء باليد إلى التهلكة يعتبر ذنبا، والصوم الواجب إن كان مضرا بصحة الإنسان فلا يسقط وجوبه فقط بل يعتبر محرما. وهكذا الذنوب الاجتماعية والإخلال بالأمن والنظام والتجاوز على أموال الآخرين ونفوسهم وأعراضهم… وبصورة موجزة فإن كل الميول المنافية لسعادة المجتمع ممنوعة، وارتكابها يعد ذنبا وإجراما.
إنحطاط البشرية:
وهنا لا بد من الانتباه إلى نكتة مهمة، وهي أن الذنب – بغض النظر عن الأخطار إلي يتضمنها في الإخلال بالنظام العام الإضرار بالمصالح الفردية والاجتماعية – هو أهم عوامل انحطاط البشرية وتقهقرها. فالمذنبون ليسوا متمتعين بالمزايا الانسانية الشريفة والكمالات المعنوية، فإن ظلمة الذنب تصير حجابا يخفي نورانية القلب وصفاء الباطن. والمجرم قبل أن يلحق الضرر بالمجتمع أو بنفسه، يعمل على انهيار شخصيته ويكبت الروح الخيرة في أعماقه. فعلى من يرغب في الفضائل الانسانية ويحب الكمال والتعالي الروحي أن ينزه نفسه عن ظلمة الذنب والإجرام.
يقل الإمام علي (ع): «من أحب المكارم إجتنب المحارم» (1).
وفي حديث آخر عنه (ع): «من ترك الشهوات كان حرا» (2).
التفكير في الذنب:
إن الاسلام يخطو خطوة أوسع في هذا المجال، ويقول بأن الانسان
(1) الارشاد للشيخ المفيد ص 141.
(2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 17 / 67.
(١٨)

شاهد أيضاً

هبة السماء ، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام

هبة السماء رحلتي من المسيحية إلى الإسلام علي الشيخ دار الصادقين الرئيسية التي تصرف الإنسان ...