الحلقة09/من ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام :
إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر ( 6 ) .
* وإذا كانت الثورة الإسلامية المباركة في إيران قد أحدثت هذه الهزة الكبيرة في العالم واستدعت كل هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها المجاهدون في مختلف أنحاء الأرض فكيف ستكون الخارطة السياسية في عصر الظهور . . . وأية متغيرات ستعصف بالعالم كله . . . وكم هو المخزون الهائل من التقوى والمرابطة الذي ينبغي توفره في الأمة لتستجيب لقائدها وهو يخطو بها من نصر إلى نصر إن حرب الخليج التي فرضت على دولة الإسلام والحملات الإعلامية العالمية والهجمة الشرسة على أنصار رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وملاحقتهم بمختلف الأساليب الفرعونية الحاقدة . . . ليست إلا عينات صغيرة تسير إلى الأحداث الجسام المشابهة التي ستقع في عصر الظهور . . .
ولا يمكن التصدي لذلك إلا بالبناء الإيماني الصادق العميق . . . وروح الجهاد المعتمدة على الله تعالى . . .
وفيما يلي وقفة مع هذين العاملين . . .
* التقوى :
الإعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه السلام وبيعته عبر
بيعة نائبه ، وانتظارها . . . والمواظبة على آداب الغيبة كل ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً إذا لم يكن متقياً . . .
فالتقوى هي المنطلق ، وهي الشرط الذي لا يقبل بدونه عمل والمسيرة التي سيقودها عليه السلام هي مسيرة أهل العبادة الذين تطوى لهم الأرض ( 7 ) ، أهل البصائر الذين لا ذنوب لهم تحجبهم عن رؤية الحقيقة حين « تتطاير القلوب مطايرها » .
ومما يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام :
« من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظروا . . . » ( 8 ) .
* وبديهي أن التقوى واجبة في كل حال . . . إلا أن المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار . . . وفائدة ذلك أن يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي ويحسب أنه من جنود المهدي دون شك . . . أن هذا البعد وحده لا يكفي . . .
فما على أحدنا إذا أراد أن يكون من جنوده عليه السلام إلا أن يعتني بتهذيب نفسه . . . ليحصل على الأقل على شيء من التناسب بينه وبين هذه المسيرة الربانية التي سيملأ الله بها الأرض قسطاً وعدلاً . . . جاء في بيان أوصاف أنصار الإمام المهدي عليه السلام .
عن الإمام الصادق عليه السلام :
« رجال كأن قلوبهم زُبُرٌ الحديد ، لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر ، لو حملوا أعلى الجبال لأزالوها ( . . . ) يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ( . . . ) لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم ، رهبان باليل ليوث بالنهار هم أطوع له من الأمة لسيدها كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم يا لثارات الحسين إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر . . . » ( 9 ) .
* المرابطة . . . وروح الجهاد :
يتضح من النص المتقدم مدى عمق البعدين : الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر في أنصار الإمام المهدي عليه السلام وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على المرابطة في زمن الانتظار . . .
وليست هنا بصدد الوقفة المتأنية مع هذه النصوص إلا أن الذي أود تسجيله في هذا السياق هو استغراب إضفاء طابع السلبية والقعود عن الجهاد على مفهوم جهادي رافض هو المرابطة . . .
وهل يكون مرابطاً من يكون على هامش الأحداث لا يهتم بأمور المسلمين من قريب أو بعيد . . . وعلى أي الجبهات يرابط يا ترى ؟ . . .
* وبعض روايات المرابطة صريحة في ذلك :
« في تفسير البرهان وغيره عن العياشي بسنده عن الصادق في معنى آية المرابطة « يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون » قال عليه السلام ( . . . ) ورابطوا : « في سبيل الله ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه ونحن الرباط الأدنى فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من عند الله » ( 10 ) .
وفي تفسير نور الثقلين :
« وروي عن أبي جعفر ( الإمام الباقر ) عليه السلام في تفسير الآية :
معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم » ( 11 ) .
وهناك روايات تفسير المرابطة هكذا :
« ورابطوا إمامكم » ولدى التأمل في المعنى نجده نفس المعنى الأول ويدل عليه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى ورابطوا قال : « المقام مع إمامكم » ( 12 ) .
* ولاشك أن الوقوف مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، أثناء غيبته إنما يتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط . . . انطلاقاً من الاهتمام بأمور المسلمين ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفؤوا نور الله تعالى . . .
وفي هذا السياق يمكن فهم الروايات التي تتحدث عن إعداد السلاح أو واسطة النقل ( الدابة وغيرها ) فالانتظار عمل دائب باتجاه تزكية النفس ( الجهاد الأكبر ) وحمل لهم المسلمين لا ينفك عن الجهاد الأصغر . . . إن الانتظار لا يعني على الإطلاق تأجيل الصراع مع أعداء الله حتى إشعار آخر . . . وإنما يعني استمرار الصراع حتى تكون الجولة الفاصلة بإذن الله على يدي وليه الإمام المنتظر . . .
ومن النتائج العملية المترتبة على ذلك الاهتمام بالتدريب العسكري أفإن المرابطة مع عدم القدرة على القتال أمر عبثي . .