وصف رئيس جماعة علماء العراق، الشيخ خالد الملا، فتوى المرجعية الدينية الرشيدة بـ”الجهاد الكفائي” بالخنجر الذي قطع رأس الارهاب في العراق، قائلا إن نهاية داعش التي تنبأت مراكز القرار الدولية بأنها قد تطول الى ثلاثين عاما، حسمت خلال شهور قلائل، بفضل الاندفاع الشعبي المستند الى الفتوى المباركة والتي انقذت العملية السياسية بل العراق بأكمله من الخوض في بحر من الدماء.
جاء ذلك في ندوة مفتوحة عقدتها مؤسسة الامام علي عليه السلام في لندن بمناسبة احتفالات عيد الغدير وبحضور ممثل المرجعية العليا في اوروبا، تحت عنوان “المستجدات السياسية واثر فتوى المرجعية على التلاحم الوطني في العراق”.
وقال الشيخ الملا إن داعش لم تكن وليدة الصدفة ولم تنشأ من فراغ بل كانت كرة نار متدحرجة التهمت ما يقع أمامها فتحولت الى غول مرعب مفزع، قائلا إن التنظيم ما كان له أن يستطيل ويتمدد بهذا الكم والكيف لولا أخطاء سياسية وأمنية آلت بعدها الأمور الى ظهور داعش الذي طرق أبواب بغداد وكربلاء والنجف وغيرها من المحافظات الهامة ولم يقتصر على المحافظات السنية فحسب.
وأضاف رئيس جماعة علماء العراق إن فتوى السيد السيستاني المباركة جاءت في توقيت مناسب بل وعجيب للغاية وقلبت كل الموازين وعبثت بمقدرات الأعداء وحساباتهم وأجهزت على افكارهم الشريرة والمريضة والعابثة، مبينا إنها شحذت همم الملايين من أبناء العراق وأصبحوا على الساتر الاول في مقارعة أبشع عدو في التاريخ المعاصر ليكونوا معا جيش الفتوى، على حد وصفه.
وقال الشيخ خالد الملا إن جيش الفتوى تمكن من تحقيق غايات مهمة للأمة، يمكن ايجازها في خمس نقاط:
أولا: لقد أوقف المد الداعشي الذي وصل الى حدود محافظة بابل وطرق ابواب بغداد وحاذى محافظتي النجف وكربلاء من جهة الصحراء، وذلك بفعل الهمة العالية والاندفاع السريع للتصدي، كما انه أنقذ محافظة ديالى من السقوط بالكامل في يد داعش ما كان سيمثل كارثة كبرى بفعل ما كان التنظيم سيركتبه من مجازر بحق اهلها.
ثانيا: أسهم التشكيل السريع للجيش العقائدي للحشد الشعبي في بث الرعب في قلوب الارهابيين ونشر الرعب في اوصالهم بعد ان كانت معنوياتهم في اعلى مستوياتها بعد سقوط الموصل تلتها صلاح الدين في ايدي التنظيم الارهابي.
ثالثا: لقد ضغطت الفتوى على القوى السياسية لتعيد اصطفافها في خانة محاربة الارهاب بعد التسيب الذي ساد المشهد السياسي في الفترة التي سبقت ورافقت ظهور داعش فكانت جميع تلك القوى تشعر بهيبة الشعب العراقي وقدرته الجديدة على الصمود والتضحية ما اسهم في نقل العملية السياسية من ملعب القوى السياسية الى ارادة الشارع.
رابعا: لقد قضت الفتوى على أحلام تفتيت وحدة العراق وعملت على ايجاد المناخات الملائمة لولادة واقع جديد يتحد فيه الجميع لمقاتلة عدو مشترك واحد ممثلا بالارهاب.
خامسا: بعد أعوام من بث الفرقة والتمزيق والحرب الطائفية والمذهبية نجحت الفتوى في خلق مناخات وطنية مهمة حين قاتل ابن الجنوب دفاعا عن المناطق السنية وضحى بدماءه لاستعادتها من ايادي المرتزقة والارهابيين وهذا نقل المعركة الى مواقع متقدمة اختلفت فيها الخنادق فبدلا من ان يتقاتل الاخوة فيما بينهم صار الجميع يقاتلون عدوا واحدا اسمه داعش.
وحول مرحلة ما بعد داعش، قال الشيخ الملا إن الحديث عن هذه المرحلة لا يقل أهمية عن الحديث عن الخطر الداعشي نفسه، فإعادة إعمار المناطق التي دمرها داعش قد يستهلك العشرات من المليارات بالاضافة الى سنوات طوال ما يعني ادخال العراق في مستنقع المديونية الخارجية الذي لا يمكن الخلاص منه بسهولة.
متابعا إن اعادة اللحمة الوطنية يتطلب القفز على المناطقية والمذهبية وان يركز الجهد الوطني الحقيقي في اعادة الاعمار وغرس الثقة المتبادلة بين جميع مكونات الشعب العراقي والافادة من روح التضحية والفداء التي قدمها المقاتلون في الميادين بدلا عن أجندات التقسيم والفرقة والاقلمة التي لم تجلب للعراق سوى التشرذم والضياع وغياب القرار الوطني والاقليمي.
وبين رئيس جماعة علماء العراق إن تحديات مرحلة ما بعد داعش تتطلب إعادة النظر في علاقات العراق العربية والاقليمية والدولية والخروج من دائرة الصراع المناطقي والاقليمي والدخول في مرحلة جديدة من علاقات حسن الجوار مع الدول المحيطة، داعيا إلى تقديم انموذج من المصالحة الوطنية الحقيقية الذي لا يعفو عن القتلة بل يكفل بث الثقة بين ابناء المجتمع بالتجربة السياسية الوطنية ومالات صناعة القرار وطنيا.
كما طالب الحكومة المركزية ان تاخذ على عاتقها زمام حماية الجبهة الداخلية وان توفر الملاذات الامنة للناس بعيدا عن الفتك بهم من قبل الارهابيين بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، داعيا مجلس النواب الى سن تشريعات هامة تخص مستقبل الفرد العراقي، وان تتوقف الحرب النيابية بين الكتل النيابية المختلفة.
واعتبر الشيخ خالد الملا إن القضاء على المحاصصة الطائفية سواء بين الاحزاب السياسية او القوى الحاكمة او في داخل مجلس النواب او المؤسسات القضائية والامنية والرقابية والتربوية وغيرها، هو السبيل الامثل لبناء مجتمع عراقي ينعم بالسلام ما بعد داعش، فلا سبيل لان ننعم بالامن والاستقرار الحقيقي دون سلام ينبع من الداخل السياسي الحاكم.