الرئيسية / تقاريـــر / المسار السوري بعد “زلَّة أردوغان” – قاسم عز الدين

المسار السوري بعد “زلَّة أردوغان” – قاسم عز الدين

التراجع التركي عن “زلّة أردوغان” يبدو تراجع لحظة تحت وطأة الضغوط الروسية والإيرانية للتفلّت من الزاوية الضيّقة التي ذهب إليها في رغبته إسقاط النظام. لكنه اشترط في الوقت نفسه أمام نواب في أنقرة أن يكون الحكم في سوريا (والعراق) صالحاً، بيد أن الرئيس بشار الأسد “لا يصلح للحكم” كما أعلن وزير الخارجية التركي في بيروت.

التراجع التركي عن “زلّة أردوغان” يبدو تراجع لحظة تحت وطأة الضغوط الروسية والإيرانية

ربما لم يقصد ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالحرف، بحسب تعليق مسؤول في الرئاسة التركية. فليس لديه القدرة الكافية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كما ردّ رئيس الشؤون السياسية في الحرس الثوري العميد رسول سنائي ولو كانت لديه القدرة لنجح في إقامة المنطقة العازلة، وفق تعبيره. لكن ملاحقته من قبل طهران وموسكو إلى “بيت اليك”، ربما لا تكون بسبب قوله بل بسبب قصده الفعلي من وراء القول.

ما ذهب بأردوغان على سجيته باللغة التركية أمام حشد محلي من المخاتير، جاء بعد أيام معدودات على إنذار سوري ــ روسي عنيف أمام مدينة الباب التي يطمح أردوغان بالوصول إليها للسيطرة على خاصرة مدينة حلب وظهرها. وفي أغلب الظن أن أردوغان يخالجه شعور برفع السقف لطمأنة الجمهور المؤيد لسياسته، وطمأنة الجماعات المسلّحة في حلب أن أنقرة مستمرة على عهدها على الرغم من التهديد بمنعها بالقوة من السيطرة على الباب ومحاولة إجهاض تقدم الجيش السوري وحلفائه في مدينة حلب.

التفاهم الروسي ــ التركي الذي سمح بتوغّل “درع الفرات” في جرابلس والشمال السوري، يقتضي عرفاً أن يتوقف الجيش التركي عند الشريط الضيق بين عفرين وعين العرب. لكن مقابل دور تركي قوي لفصل الجماعات المسلّحة المدعومة من أنقرة عن جبهة النصرة في مدينة حلب، بحسب ما كان مطروحاً في مشروع اتفاق روسي ــ أميركي من دون أن ينجح جون كيري بتنفيذه.

التراجع التركي عن “زلّة أردوغان” يبدو تراجع لحظة تحت وطأة الضغوط الروسية والإيرانية للتفلّت من الزاوية الضيّقة التي ذهب إليها في رغبته إسقاط النظام. لكنه اشترط في الوقت نفسه أمام نواب في أنقرة أن يكون الحكم في سوريا (والعراق) صالحاً، بيد أن الرئيس بشار الأسد “لا يصلح للحكم” كما أعلن وزير الخارجية التركي في بيروت وكما كتبت الصحافة التركية المقرّبة من الحزب الحاكم توضيحاً لأسباب “زلّة اللسان”. غير أن موسكو العاملة على استحواذ أي ورقة في تركيا يمكن إدراجها في مساعي فصل النصرة عن الجماعات المسلّحة الأخرى، عرضت على أنقرة وعلى المعارضة خروج 200 مسلّح من النصرة تمهيداً لتهدئة جبهات القتال وإجلاء الجرحى وإدخال المساعدات الإنسانية. وبحسب مصادر متقاطعة من المفترض أن تتواصل هذه اللقاءات على الرغم من أنها تبدو شكليّة في الوقت الضائع.

في اتجاه عكسي تقفز تركيا لتشكيل “جيش حلب” في حل كافة الفصائل “وانصهارها في الجسم الجديد كأفراد”، كما جاء على لسان القياديْن الجديديْن من أنقرة أبو عبد الرحمن نور وأبو بشير عمارة. وأولهما القائد السياسي للتنظيم الجديد من الجبهة الشامية المدعومة من تركيا، والثاني القائد العسكري من حركة نور الدين الزنكي الأشدّ ارتباطاً بالحكم التركي. ومن المفترض أن تزعم تركيا أن “جيش حلب” الجديد بات مفصولاً عن النصرة كما تطالب موسكو، على طريقة انفصال النصرة عن القاعدة. وربما تأمل أنقرة أن يخوض “جيش حلب” حرب شوارع تعويلاً على متغيرات ميدانية، وفق ما دعا إليه وزير الخاجية القطري وكما تتداول بعض وسائل الإعلام سردية السيطرة من جديد على حي الشيخ سعيد جنوبي شرقي حلب. ولا سيما أن وزير الخارجية الفرنسي يحاول في دعوته لاجتماع دول أصدقاء سورية، إقحام ملف حلب في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومنافسة مرشح اليمين فرنسوا فيّون.

في الاتجاه المقابل تستكمل موسكو مساعيها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في عرضها فتح أربع ممرات تحت إشراف الأمم المتحدة لتوصيل المساعدات وإخلاء الجرحي، وفق تصريح رئيس مجموعة العمل بشأن المساعدات الإنسانية “يان إيغلاند”. كما أنها تتعهّد بوقف إطلاق النار إذا انسحبت النصرة من المدينة، وهو ما وافق عليه ستافان ديمستورا نظراً لأن “إعلان الهدنة يبقى أولوية” كما قال. فالمسار السوري بات أفقه مفتوح في حلب والشمال بالمعركة الميدانية في ضرب النصرة الذي يُنذر بتآكل الجماعات المسلّحة في حروب بين بعضها البعض وتحجيم التمدد التركي، أو بالهدنة وشرطها فصل النصرة وانسحابها من حلب. لكن هذه الهدنة يقوّضها الذين يطالبون برحيل الأسد، كما يقول سيرغي لافروف من روما في إشارته إلى تركيا وفرنسا ومن ورائهما قطر والسعودية.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...