الوقت- بعد أيام وجيزة يدخل الحصار السعودي، البرّي والبحري والجوّي، على الشعب اليمني يدخل عامه الثالث.
وبدل أن تسلّم قوات التحالف العربي للواقع الميداني، تعمد إلى خلط الأوراق عبر دعوتها الأخيرة بوضع ميناء الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وتأتي الدعوة الجديدة من السعودية لحرف الأنظار عن المجزرة التي ارتكبتها بحقّ لاجئين صوماليين بعد قصف مركب يقل 150 شخص بينهم نساء وأطفال قبالة الحديدة، ما أدّى إلى مقتل 42 لاجئ صومالي.
السعودية سارعت إلى نفي علاقتها بالحادث، وكأن قوات الجيش واللجان الشعبية تستخدم طائرات مقاتلة. بيان التحالف الذي أكّد أنّه “غير مسؤول عن الهجوم” وأنه “لم يحصل إطلاق نار يوم الجمعة الماضي من جانب قوات التحالف”، يعيد إلى الأذهان التجارب السابقة للتحالف، وتحديداً ما حصل بعد مجزرة الصالة الكبرى في العاصمة صنعاء عندما نفى التحالف الضربة، وأصدر بيان مماثل لهذا البيان، إلا أنّه تراجع لاحقاً وعمد إلى رمي التهمة على مرتزقتهم اليمنيين. كذلك، في حادثة استهداف مكّة التي روّجت لها السعوديّة، لتأتي بعدها الرواية البريطانيّة لتؤكد استهداف مطار”الملك عبد العزيز الدولي” كما أعلنت القوات اليمنية.
وبما أنّ الثالثة ثابته، كما يقول المثل الشعبي، نذكّر بالكذبة الثالثة للتحالف عندما استهدفت القوّات اليمنية الفرقاطة السعودية “مدينة” حيث أعلنت الرياض ابتداءً أن العملية تمّت بقوارب انتحارية، بخلاف الرواية اليمنية، إلا أن الفيديو الذي نشرته القوات اليمنية سريعاً دحض الرواية السعودية وأثبت كذب بيان التحالف.
لسنا في وارد سرد بيانات التحالف الكاذبة، والتي باعتقادنا، مع احترامنا الشديد لرأي القارئ، أكثر من أن نحصيها، ونكتفي بما قالته مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين “إن اللاجئين كانوا قد غادروا من ميناء الحديدة في طريقهم إلى السودان عندما فتحت الطائرة المقاتلة نيرانها يوم الجمعة”.
وبعد أن ثبت “كذب” بيان التحالف، نتساءل عن أسباب التركيز السعودي على ميناء الحديدة المطلّ على البحر الأحمر والقريب من مضيف باب المندب الاستراتيجي الذي يمر عبره نحو أربعة ملايين برميل نفط يوميا.
هناك أسباب عدّة تقف خلف الدعوة السعودية لوضع ميناء الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، نذكر منها التالي:
أولاً: تأتي هذه الدعوة كردّ فعل استباقي على أي خطوة أممية تجاه المجزرة السعوديّة بحق اللاجئين الصوماليين، والتي سارعت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إدانتها. أي أن السعودية تخشى من نتائج دعوة الصومال للتحالف العربي بالتحقيق في حادث مقتل عشرات اللاجئين الصوماليين خلال إطلاق نار بينما كانوا على متن قارب في البحر الأحمر، وفق وزير خارجيّتها عبد السلام عمر.
ثانياً: بدا لافتاً التحرّك الروسي في مجلس الأمن، بالتنسيق مع المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني، عبر عقد جلسة استثنائيّة تم خلالها دعوة السعودية بشكل واضح إلى فتح ميناء الحديدة وعودة الحركة التجارية إلى اكبر ميناء في اليمن والذي يستقبل اكثر من 80 بالمائة من المساعدات الإنسانية والواردات للشعب اليمني، ليضطر الجانب السعودي للمطالبة بوضعه تحت إشراف أممي، بعد أن كان ينادي سابقاً بتحريره.
ثالثاً: السعودية نفسها هي التي رفضت أن يكون هذا المرفأ تحت إشراف أممي سابقاً من خلال اشتراطها بتوجّه السفن ابتداءً للتفتيش في جيبوتي، ولاحقاً التوجّه إلى الموانئ اليمنيّة، وتهديد السفن المخالفة بالقصف. وبالتالي، إن السعودية تسعى من خلال هذه الدعوة لتحقيق اهدفها أممياً بعد أن عجزت عنه ميدايناً. تكفي الإشارة إلى ما كتبته صحيفة “نيوزويك” الأسبوعية في تقرير تناول أسباب وعواقب استفحال الآلة العسكرية السعودية جاء فيه:”غالبًا ما تدعي المملكة العربية السعودية أن الحوثيين هم من يهدد مضيق باب المندب، إلا أن الحقائق تشير إلى العكس تمامًا”.
رابعاً: تحاول السعوديّة التلطيّ تحت شعارات إنسانيّة من قبيل أن ذلك “سيسهل تدفق الإمدادات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وينهي في الوقت نفسه استخدام الميناء لتهريب الأسلحة والبشر“، فمن هو المسؤول عن هذا الحصار نفسه، لا ندري إن كانت السعودي ستدّعي أن القوات اليمني هي التي تحاصر الموانئ اليمنيّة في البحر الأحمر، طالما أنّهم يمتلكون طائرات مقاتله، وفق الرواية السعودية!
خامساً: إن شرط تحقيق هذه الدعوة هي وضع كافّة الموانئ اليمنية من ميدي وحتى المهرة في أقصى الشرق تحت الإشراف الأممي، عندها يشاطر ميناء الحديدة كافّة الموانئ الأخرى الوضع تحت إشراف أممي.
حاولت السعوديّة سابقاً اللعب على وتر الأمن والاستقرار في مضيق باب المندب بغية خلق حالة من الفوضى والارتباك عبر محاولة استفزاز القوات اليمنية لمهاجمة السفن في المضيق، إلا أنّها فشلت. لو أنّ القوات اليمنية هاجمت المضيق ستكون هي وأوروبا أكبر الخاسرين، باعتبار أنّها ستثير الرأي العام العالمي ضدّها، في حين ستُحرم أوروبا ما قيمته 150 مليار دولار من النفط والغاز الطبيعي سنويًا، ما يعني ارتفاع أسعار النفط الأمر الذي سيصب في صالح الرياض أكبر منتج للنفط في العالم.
في الخلاصة، لا شكّ في أن أمن الملاحة في البحر الأحمر هو مطلب يمني قبل أن يكون سعوديّاً، فالشاطئ هو رئة الحياة اليمنية، ومن يجب وضعه تحت إشراف أممي هي السفن الحربيّة السعوديّة قبل أي شيئ آخر.