عِرفان الأميرة (عليها السلام) – أبو تراب كرار العاملي
22 مارس,2017
تقاريـــر
1,066 زيارة
تمر علينا الذكرى المفرحة والمناسبة المبهجة المتمثلة بالولادة الميمونة والمباركة لسيدتنا ومولاتنا سيدة نساء العالمين “فاطمة الزهراء (عليها السلام)”، في العشرين من جمادى الآخرة بعد مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس سنين (وقيل سنة اثنتين من المبعث). ومن المطلوب، بل والمُشَجَّع عليه، أن يستغل الموالي المخلص والعاشق المتفاني في عشق أهل البيت (عليهم السلام) مناسبات “الأنوار الإلهية” المتمثلة ب”محمد وآل محمد (عليه وعليهم السلام)”، والقيام بجولة – ولو مُقتضَبَة إن لم يسعه الإطالة – على سِيَرِهم العطرة المكللة بدُرَرٍ وجواهر مسلكية يحتاجها كل مؤمن يخط طريقه الى الله (عز وجل)، يُؤسس بها دربه التقربي الى بارئه (جل وعلا)، ويجعلها سُلَّماً للتكامل وحُسْن التسامي والترقي والتقرب الى خالقه (تبارك وتعالى).
يُروى عن “فاطمة الزهراء (عليها السلام)” أنها قالت: (مَنْ ﺃﺻﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﺎﻟﺺ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ، ﺃﻫﺒﻂ ﺍﻟﻠﻪ إليه أفضل مصلحته) [ المصدر: بحار الأنوار].
هنا تستوقفنا بعض التأملات التي لا بأس من المرور عليها، والخروج بفائدة – من الميدان الفاطمي – تنفعنا إن شاء الله تعالى لدنيانا وآخرتنا.
أولا، من الجميل أن يبقى المكلف مستحضراً علاقة السيد مع عبده في تعاطيه مع ربه، فيقف بين يديه بأبهى صور الخشوع والمذلة والفقر إليه (تعالى)، وأن العبد هو في الموضع الأسفل والباري (عز وجل) في الوضعية العليا التي لا يمكن الوصول إليها، وهذا ما نستلهمه من استخدامها (عليها السلام) فِعْلَيْ “أصعد” و “أهبط”، أي هناك جهتا تواصل، إحداهما في أعلى القمة والأخرى في أسفل الدرك.
ثانيا، من المهم عندما يقوم أحدنا بالاستعانة بطرف آخر للحصول على خدمة ما، أو لتحصيل غرض كذائي، أن يُقدِم على هكذا خطوة وهو على أكمل هيئة ممكنة، من لباس ورائحة وكلام لطيف وأدب راقي وغيرها من اللياقات المطلوب مراعاتها والتي تُظهِرُ عمق اهتمام الشخص بالقضية المرغوبة. فإذا كان هذا حال أحدنا مع نظرائه من الفانين والمحدودي القدرة، بل حتى هذه الأخيرة ليسوا هم مصدرها، بل هي فيضٌ منه (تعالى) عليهم، فكيف بنا ونحن واقفون بين يَدَي جبار السماوات والأرض، مَنْ بيده مفاتيح كل شيء ومقاليد كل الأمور، فكيف سنسعى لكي تكون هيئتنا ويَبينُ مظهرنا؟
ثالثا، في النقطة السابقة ألمحنا لجانب من الإخلاص الذي يجب مراعاته في تعاطينا مع الله (جل وعلا)، ونستطيع اعتباره الجانب الظاهري، أو قُل الجانب الجوارحي من الإنسان. أما الكفة الأخرى التي تُكَمِّل ذاك الجانب، وهي “الجبهة الجوانحية” المتجسدة بباطن العبد، فلها شطحات ارتقائية وحالات استفنائية ومقامات ذَوبانية لا يدركها إلا أهلها ولا يمتطيها إلا من فُتِح لهم باب العروج الى الساحة القدسية. وكما يَظهر أن الجانب الثاني ليس يسيرا تحصيله كما نظيره الأول، إلا أننا – بالحد الأدنى – نستطيع توفير ما تيَسَّر من مراتبه الابتدائية. فليحاول العبد أن يوفر حالة انقطاعية مع ربه ينسى معها الدنيا وما فيها، يقفل الباب على كل التشويشات التي قد تطلقها رادارات المشاغل الدنيوية، ويؤمن حالة انعزالية يقطع بها أي ارتباطات مع عالم الإنس المُلهي والمُشغِل، يسدل الستار على كل الاضطرابات التي لا تمل من زيارته بين الوقت والآخر،،،يمدد الحبل الوجداني بين الثرى والثريا،،،ويتسلق.
رابعا، عندما يَفِد أحدنا على ربه واقفاً بين يديه (تعالى)، فمن المستبعد أن تتحقق حالة الإخلاص ونحن نعصيه في موارد أخرى، فلا يمكننا أن نقطع بعضَ أرحامنا، لسبب أو لآخر، ثم نأتيه (عز وجل) متوسلين، أو نستغيب هذا وذاك ثم نشد الرحال إليه (جل وعلا)، أو نَبُث كذبةً هنا وأخرى هناك ونعود للتضرع إليه، أو تخرج سافرةً بين القوم وتعود لترجوه قضاء حوائجها. إِذاً، علينا أن نكون واقعيين ولا نضحك على أنفسنا، التزم بما أمرك به ثم تَجَهَّز للوفود عليه.
خامسا، تذكَّر أن لِلَّيْلِ خيولٌ يمتطيها فرسانٌ ماهرون مع نبالٍ لا يخيب هدفها وسيوفٌ لا يمكن إسقاطها وأنينٌ نغمائيٌ يُحلِّق بالأرواح الى معشوقها وترنيمات تسرح بها أفئدة متلهفة عابرة عوالم الإنقطاع لترسو على شاطئ معبودها،،،فلا تُفَوِّتَنَّ الفرصة{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(سورة الإسراء – الآية 79).
مبارك لنا ولكم ولادة أميرة الكون (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمها الفداء)، ورزقنا الله وإياكم زيارتها في الدنيا وشفاعتها في الآخرة، وسيستمر انتظارنا لظهور حفيدها (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ليأخذ بأيدينا الى قبرها المجهول موضعه، ويَؤمّ بنا صلاةً فاطميةً تصعد بأرواحنا الى حضرتها الشريفة ونتموضع حولها في اجتماع كسائي (شبيه باجتماع أهل الكساء) في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ﻭﻗﻞ ﺍﻋﻤﻠﻮﺍ ﻓﺴﻴﺮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻤﻠﻜﻢ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ]]
2017-03-22