إحياء الشعائر موجبٌ لأداء حقّ أهل البيت عليهم السلام
وحيث إنّ الله تبارك وتعالى – ببركة وجود أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام والذين هم أفضل المخلوقات وأكملها وأقرب الأولياء إلى الله وخلفائه في الأرض- أفاض نِعَمَه العظيمة على هذه الدنيا فألبسها لباس الوجود وشملها برحمته الواسعة التي لا حدّ لها، ولذا فإنّ لأهل البيت عليهم السلام حقوقاً كبيرة في أعناقنا ولا سيّما لأولئك المهتدين أو السائرين في طريق الهداية.
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام ومع ابتلائهم بالمصائب الكثيرة في هذه الدنيا ورغم تسليمهم الكامل لله في سبيل تحصيل رضا الحقّ تعالى إلّا أنّ كلّ ذلك كان منهم من أجل هداية عباد الله وحفظ الدّين النبويّ والولاية العلويّة عليهم السلام ، وهذا ما قام به سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء حيث قدّم نفسه مسلّماً لأمر لله وفي سبيل تحصيل رضاه تبارك وتعالى.
ولذا فإنّنا نقرأ في زيارة الأربعين قوله: “وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشكّ
والارتياب إلى باب الهدى من الردى”[1].
وبناءً على ذلك فإنّ لأهل البيت عليهم السلام وخاصّة سيّد الشهداء عليه السلام حقّاً كبيراً واجباً في أعناقنا, وكلام الإمام الصادق عليه السلام مؤيّدٌ لهذا المطلب حيث يقول عليه السلام : “… إنّ حقّ الحسين عليه السلام فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم”[2].
وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لابن أبي يعفور والذي كان من أتباعه وشيعته، قال له: “فهلّا أتيت من كان أعظم حقّاً عليك منّي… قلت: ومن أعظم عليّ حقّاً منك قال: الحسين بن عليّ عليه السلام …”[3].
وبناءً على هذا القول وأمثاله لا بدّ علينا أن نبذل جهدنا في أداء حقّ الأئمّة عليهم السلام وخصوصاً سيّد الشهداء عليه السلام وإدخال السرور على قلوبهم.
وكذلك يُستفاد من بعض الروايات أنّه لو قام أحدٌ ما بأيّ شيءٍ تجاه سيّد الشهداء عليه السلام فإنّه مضافاً إلى أداء حقّ هذا الإمام العظيم يكون مؤديّاً لحقّ بقيّة الأئمّة المعصومين عليهم السلام . وبلا ترديد فإنّ أحد الأعمال الموجبة لحصول هذا الأمر هو احياء الشعائر الحسينيّة خاصّة، وبشكل عامّ كلّ عمل باعثٍ على
ترويج مذهبهم, وبالتالي فإنّ ذكر فضائلهم ومصائبهم وإحياء أمرهم وما جرى عليهم يعدّ من المصاديق البارزة لأداء حقّهم.
ومثالاً على ذلك فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في مجال العزاء والبكاء على سيّد الشهداء في ضمن إحدى الروايات قوله: “… وما من باكٍ يبكيه إلّا قد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصل رسول الله وأدّى حقّنا…“[4].
وفي باب زيارة الإمام سيّد الشهداء عليه السلام والتي تعدّ من مصاديق الشعائر يقول الإمام الصادق عليه السلام : “لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن عليّ عليه السلام لكان تاركاً حقّاً من (حقوق الله و) حقوق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم”[5].
وقد وردت روايات كثيرة في باب أداء حقوق أهل البيت عليهم السلام إلّا أنّ هذا المختصر لا يتّسع لذكرها.
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ عدم أداء حقوقهم وكذلك إذا لم نؤدّ – في صورة الاستطاعة – أيّ خدمةٍ لهم فإنّ ذلك لا يعدّ ترك أداء الحقّ فحسب, بل يعدّ ذلك جفاءً لهم ولحقوقهم والشاهد على هذا الكلام رواية عن الإمام الصادق عليه السلام , يقول فيها لأحد أصحابه حنّان بن سدير: “يا حنّان بن سدير! تزور أبا عبد الله عليه السلام في كلّ شهر مرّة؟
قال: لا.
قال: ففي كلّ شهرين مرّة؟
قال: لا.
قال: ففي كلّ سنة مرّة؟
قال: لا.
قال: ما أجفاكم لسيّدكم!”[6].
وفي هذا الصدد يقول بعض الأساتذة الكبار في بيان قول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حول سيّد الشهداء عليه السلام: “اللهمّ اخذل من خذله”، قال: خذلان حقّ سيّد الشهداء عليه السلام معناه أنّه لو استطاع أيّ واحد في أيّ زمان أداء حقّ لهذا العظيم فلم يفعل فإنّه يكون مشمولاً بقوله: “من خذله” لأنّ فيه إطلاقاً وغير مقيّد بالزمان.
دعاء أهل البيت عليهم السلام لمقيمي العزاء ومن يحيي الشعائر
كما تقدّم معنا فإنّ إحياء الشعائر الحسينيّة يعدّ إحياءً لأمر أهل البيت عليهم السلام ومظهراً للمودّة والمحبّة تجاه ساحتهم المقدّسة وباعثاً لأداء حقّهم, ولذا لو تقلّد أحدنا بهذه القلائد فإنّه سيكون مشمولاً بدعائهم إذ إنّه كما أدخل السرور على قلوبهم فإنّهم يطلبون الرحمة والمغفرة له.
ومثالاً على ذلك نشير إلى الدعاء الذي يرويه معاوية بن وهب حيث يقول: “استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: ادخل. فدخلت فوجدته في مصلّاه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي ربّه وهو يقول: اللهمّ يا من خصّنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وخصّنا بالوصيّة وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم، واشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنّا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف واصحبهم واكفهم شرّ كلّ جبّارٍ عنيد وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس, وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام , وارحم تلك
الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا, وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. اللهمّ إنّي استودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتّى توفّيهم على الحوض يوم العطش الأكبر…”[7].
[1] كامل الزيارات، باب 79، ص401، رقم 23.
[2] المصدر السابق، باب 43، رقم 5.
[3] المصدر السابق، باب 69، رقم 8، ص315.
[4] كامل الزيارات، باب 26، رقم 8.
[5] المصدر السابق، باب 43، رقم 5، ص238.
[6] كامل الزيارات، باب 96، رقم 7، ص483.
[7] كامل الزيارات، باب 40، رقم 2، ص228, وسائل الشيعة، ج10، ص320، باب 37، ح7, بحار الأنوار، ج101، ص8، باب 1، الحديث 30، الكافي كتاب المزار- , ثواب الأعمال.
شبكة المعارف الإسلامية