الحكمة الأولى: “أحكِم سَفينَتَكَ فَإِنَّ بَحرَكَ عَميقٌ”
شُبِّه السلوك في هذه الحياة، والكدح في مناكبها بالإبحار، وبالتالي شُبِّهت الدنيا بالبحر العميق، الَّذِي هو في ظاهره جميل المنظر، لكن يتربّص في أعماقه الموت الزُّعاف، فكما يحتاج المبحر فيه إِلَى التسلُّح بمركبٍ محكمٍ يقيه من الأخطار، كذلك السائر في هذه الدنيا يحتاج إِلَى مركبٍ محكمٍ يقيه من أخطارها، ويقيه في منزلقاتها. وسفينة البحار معروفةٌ لكلِّ أحد، فما هي سفينة الدنيا؟!
لكي نتعرّف إلى هذه السفينة علينا أنْ نرجع إِلَى أخبار أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فقد أورد الكليني في خبرٍ طويلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أنَّ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام قَالَ له: “… يَا هِشَامُ إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ… يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى الله وَحَشْوُهَا الْإِيمَانَ وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ وَقَيِّمُهَا الْعَقْلَ وَدَلِيلُهَا الْعِلْمَ وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ“13. فالسفينة في هذه الدنيا التقوى، وبمقدار ما كانت هذه الملكة متجذّرة في قلب الإنسان بمقدار ما استطاع أنْ يُبحر في هذه الدنيا مطمئناً صامداً مهما علتْ أمواج الشهوات وتنازعته أنواء الإغراءات.
11- انظر، الرّاغب الإصفهاني، الحسين بن مُحَمَّد، المفردات في غريب القرآن، مادة (مرر).
12- الفرقان، 72.
13-الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي 1، 16، تصحيح، علي أكبر غفاري، نشر، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة 1407هـ، طهران.
ومن أفضل أنواع السُّفن التي تتميّز بأقصى حالة الإحكام، والتي تصلح لجميع البحار، سفينة من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق وهوى، وهي أهل بيت الرّسول (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، كما ورد في الحديث النّبويّ المتّفق على نقله الفريقان: “مَثَلُ أهلِ بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق“14.
وقد ضمّن الإِمام الشافعي هذا الحديث في أبياتٍ له رواها العجيلي:15
ولمّا رأيتُ النّاسَ قد ذهبت بهم مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل
ركبتُ على اسم الله في سفن النّجا وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
الولاية الاخبارية